العنف وأثره
السـلام عليكـم ؛ هل عندما يعتاد الإنسان على مشاهد العنف والإثارة والدماء تتغير شخصيته؟ فأنا أعلم أن الإنسان يستطيع أن يكتسب صفات كالصبر والأناة والحلم عندما يمرن نفسه عليها ويمارسها بشكل مستمر، والرسول عليه الصلاة والسلام قال (إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم).
فأنا سؤالي بخصوص المشاهد الدموية هل ممكن أن تغير من شخصية الإنسان خصوصا إذا كانت شخصيته ضعيفة أو لنقل ذا شخصية حساسة ومرهف، لأني أنا أحيانا أحاول أن أعود نفسي على هذه المشاهد لأني أريد أن أغير من شخصيتي، فأنا عندما أجد أي مشهد دموي أو عنيف سواء بالإنترنت أو على التلفاز أجبر نفسي على مشاهدته ظنا مني أن مع مرور الزمن سوف يكون هناك تغيير جذري في شخصيتي، وأنا لا أعني بهذا الكلام أن أكون إنسانا دمويا، لا فقط أنا لا أريد أن أكون شخصا حساسا وخائفا وأي شيء يخيفني..
سؤالي الثاني: أنا سمعت من أحد المختصين بالصحة النفسية أن الجهاز العصبي المركزي لدى الإنسان يختلف من شخص لآخر، فهناك جهاز عصبي قوي وهناك جهاز عصبي متوسط وهناك جهاز عصبي ضعيف...... وصاحب الجهاز العصبي القوي هو الذي يستطيع أن يتحمل الصدمات والمصائب ولا تؤثر فيه، وفعلا هناك أشخاص يتعرضون إلى مصائب وكوارث ومع ذلك هم أقوياء ولا يظهر عليهم الضعف وفي المقابل هناك أشخاص قد يتعرضون لمشكلة بسيطة ولا يستطيعون التحمل ويصابون بانهيار،
أرجو تفسير ذلك
وبارك الله فيكم وفي موقعكم.
25/05/2007
رد المستشار
أخي العزيز؛ تحية طيبة ومرحباً وهلا فيك على مجانين
سألت سؤالين مهمين، وسأبدأ بالإجابة على السؤال الأول، وإجابته بنعم؛ مشاهد العنف قد تؤثر فينا وقد يظل تأثيرها على سلوكنا وفكرنا ومشاعرنا لحوالي ثلاثة أسابيع أو أكثر، وهذا التأثير مختلف من شخص لآخر، فقد يشعر البعض بتأثر شديد بمشاهد العنف، بينما قد يكون التأثير متوسطا على بعض الأشخاص، وقد يكون هذا التأثير ضئيلا بحيث لا يشعر الشخص بتأثر واضح ولكنه يتأثر!!.
أضيف إلى ذلك أن تأثير العنف على الناس يعتمد على مدى العنف المعروض في وسيلة الإعلام، وأذكر هنا تجربة شخصية منذ أكثر من خمسة عشر عاما، حيث تم عرض فيلم "صمت الحملان" بسينما مترو بالإسكندرية، ولم تكن ترجمته قد تمت بعد، والفيلم يتحدث عن شذوذ بعض المرضى من البشر، وغالبا ما يكونون من الذهانيين وأصحاب اضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع، ورغبة بعض هؤلاء في أكل لحوم البشر ومص دمائهم!!!، وكان بطل الفيلم أنطوني هوبكنز "وبالمناسبة كان بيمثل دور طبيب نفساني" من هؤلاء الشاذين، وهذا ما دعاني إلى دخول الفيلم، وطبعاً لك أن تخمن مقدار ما أصابني من خوف بعد مشاهدة ذلك الفيلم، لدرجة أنني أصبحت أضيء مصباحا صغيراً في صالة شقتي بعد أن كنت أستمتع بالنوم في الظلام!!، ومن يومها كرهت أفلام العنف وبالذات من ذلك النوع، ولو قالوا لي أن فيها مقرر الطب النفسي كله!، الله الغني يا عم عن الجنان وأصحابه لو كان بهذا الشكل!!!.
ولكنني ومن خلال عملي كطبيب نفسي قد لاحظت ملحوظة غريبة وهي أن الناس مثلك الذين لا يخافون من تلك المناظر المفزعة الوحشية والدموية في الأفلام والإنترنت قد يخافون بعد ذلك في حياتهم من أشياء وحوادث بسيطة -كحادث تصادم سيارة مثلاً، أو مطبات هوائية متعددة يمر بها ذلك الشخص أثناء ركوبه للطائرة- قد تحدث لهم، وأجدهم أمامي في العيادة النفسية مصابين بالخوف من قيادة السيارة منفردين أو من ركوب الطائرة أو من الموت أو من المرض أو حتى خوف وأحياناً هلع بدون سبب واضح!!.
وأظن أن التراكمات من مشاهد العنف على مدى عدة أعوام تؤثر وببطء على المدى البعيد على هؤلاء الأشخاص المدمنين لمشاهد العنف بدرجاتها المختلفة!!، ولذلك لا يُعقل أن يكون ترقيق القلب واكتساب بعض الخوف المفيد للشخص بالطريقة التي ذكرتها أنت برؤية مناظر العنف المضرة جداً مستقبلا بالنسبة لك!!، وإن لم يظهر لها أي تأثيرات سلبية عليك حتى الآن!!!!، وأرجو منك ومن غيرك عدم متابعة مشاهد العنف أياً كانت مثيرة ومغرية، وذلك لآثارها النفسية والاجتماعية الضارة!.
أذكر طفلا صغيرا لا يتجاوز عمره الخمسة أعوام، أتى به والده إلى غرفة الطوارئ بالمستشفى الذي أعمل فيه، والطفل يبكي بشدة منذ أول الليل، ولم يتمكن أفراد العائلة بأكملها من تهدئة الطفل المرعوب، وبالكشف الطبي عليه من طبيب الأطفال تبين أن الطفل سليم تماماً من الناحية العضوية، واضطر طبيب الأطفال أن يعطي الطفل شراباً منوماً في تلك الليلة بعد أن ناقش حالة الطفل معي من الناحية النفسية.
وفي اليوم التالي رأيت الطفل في العيادة النفسية، وسألت والده إن كان قد شاهد أحد الأفلام المفزعة، وخصوصاً أن بعض أفلام الكرتون والألعاب الإلكترونية –في هذه الأيام- مليئة بمشاهد العنف والمخلوقات الغريبة المرعبة التي هي غالباً من اختراع عقول مريضة!، فأجابني والده بنعم، ونصحته بألا يشاهد الطفل مثل هذه الأفلام المرعبة للأطفال!!!، وفي غضون عدة أيام تحسنت حالة الطفل وكف عن البكاء!!.
والآن أرد على الشق الثاني من سؤالك وهو درجات الاختلاف بين البشر في تحملهم للصدمات النفسية:
هناك العديد من العوامل المؤثرة على حدوث الانهيار العصبي Acute Stress Disorder عند التعرض للصدمات مثل:
هل الصدمة النفسية كانت متوقعة من الشخص قبل وقوعها أم لا؟!
ما مدى شدة وعنف الصدمة التي تعرض لها هذا الشخص؟!
هل هذه الصدمات عنيفة ومتكررة على هذا الشخص في خلال مدى قصير من الوقت؟!
ما هي عواقب الصدمة على حياة الشخص، كفقدان الشخص لمعظم ماله مثلا؟
وقد وجد علماء النفس أن أصعب صدمات الحياة هي فقدان ابن أو ابنة فجأة كما يحدث في حوادث الطرق، يليه فقدان شريك الحياة ثم الإصابة بأحد الأمراض المستعصية ثم فقدان الشخص لوظيفته في ظروف مادية سيئة............... وهكذا.
ولكن تتفاوت قدرات الناس في تحملهم لتلك الصدمات:
فكلما ازدادت درجة الاعتقاد والإيمان بالله تعالى كلما زادت القدرة على تحمل صدمات الحياة.
كلما زاد التعرض التدريجي لصدمات مختلفة الشدة، وبصورة تصاعدية في الشدة كلما زادت القدرة على تحمل الصدمات من الشخص، والذي أصبح معتاداً على مواجهة الصدمات، ؟"أي يصبح حمالاً للأسية".
كلما كان الشخص قريباً من السواء، أو لنقل قريبا من "الشخصية الوسطية"، وبعيداً عن الاضطراب النفسي كلما كان أكثر تحملاً للصدمات النفسية.
إذا كان الشخص حاملا لبعض الجينات الوراثية لبعض الاضطراب النفسية كالرهاب الاجتماعي والقلق والاكتئاب يكون أكثر تعرضاً للانهيار مع الصدمات النفسية.
كلما كان الشخص قادرا على استخدام الحيل الدفاعية الناضجة في المواقف الصعبة كان أكثر تحملاً لصدمات الحياة.
إذا كان الشخص مصابا بمرض عضوي "وبالذات إذا كان ذلك المرض العضوي يؤثر على جهازه العصبي"، فهذا المرض العضوي بالتأكيد يقلل من احتمال الشخص للصدمات النفسية التي يتعرض لها هذا الشخص.
كلما كانت التنشئة والتربية سوية، وتهدف إلى تأكيد الذات وزيادة الثقة بالنفس لدى الشخص كلما كان هذا الشخص أكثر تحملا لصدمات الحياة. ولذا قال طبيب الأعصاب لك أن هناك أشخاص ذوي أعصاب قوية وآخرين أعصابهم متوسطة الشدة وهناك من أعصابهم ضعيفة ولا تتحمل.
أكرر لك الشكر على سؤاليك المهمين، وتابعنا بأخبارك.