الوسواس
السلام عليكم. تحية طيبة وبعــــد, أنا أعاني من وسواس قهري لكن ليست هذي المشكلة فمشكلتي بإذن الله لها علاج والحمد لله. أنا فقط أريد أن ستفسر عن هذا المرض. أنا قرأت في أكثر من مقال عن مرض الوسواس القهري والمرضى المصابين فيه, ويذكر فيه إن المرضى المصابين بالوسواس القهري هم أشخاص أذكياء أو معدل ذكائهم عالي ولا أعلم حقيقة هذا الكلام..... هل هم بالفعل يمتازون بالذكاء العالي.
وأنا ما يشككني بذلك ويجعلني أقتنع به, أن هناك مسلسل أجنبي معروف أسمه (MONK) كان يعرض على قناة إم بي سي 4 وكانت فكرة المسلسل تدور حول محقق لديه القدرة الفائقة على حل القضايا وفك الغاز الجرائم المعقدة معتمدا على إمكاناته الذهنية وقوة الملاحظة لديه لكن كانت بقالب كوميدي, وهذا المحقق مر بصدمة بعد وفاة زوجته ومن بعدها أصبح يعاني من اضطراب الوسواس القهري فهو يوسوس في كل شيء من ترتيب ونظافة وغيره, بالإضافة إلى هناك أيضا محقق بوليسي شهير اسمه كولومبو, ومن يتابعه يجد لديه نوعا من الوساوس القهرية وإن كانت بسيطة وغير هذا شاهدت أيضا فلم أجنبي وهو جدي للغاية وليس ذو طابع كوميدي.
وتدور فكرة هذا الفيلم عن شخص يريد الانتقام من شخص آخر بسبب ظلمه له وهذا الشخص يمتاز بالدهاء والمكر وهو يعاني من اضطراب الوسواس القهري حيث يظهروه في الفيلم إن لديه بعض الطقوس التي من الصعب أن يتخلى عنها كترتيب بعض أثاث المنزل أو كاسات أو أواني منزلية بشكل دقيق ولا أعلم لماذا أراد المخرج أن يوضح للمشاهدين أن هذا الشخص يعاني من وسواس , وما دخل هذا في فكرة الفيلم.
هل لدى المخرج علم مسبق أن الشخص الذكي أو الماكر تكون لديه طقوس غريبة أو يكون قد سمع أن مرضى الوسواس القهري لديهم ذكاء عالي. أتمنى تجيبوني وتبينوا لي مدى صحة هذا الكلام, وهل هناك دراسات تؤكد أن مرضى الوسواس القهري يمتازون بالذكاء أو الفهم أو يمتلكون مهارات عالية؟
وشكرا لكم.
وبارك الله فيكم على جهودكم الطيبة.
25/05/2007
رد المستشار
ابني "فيصل"؛ تحية طيبة مباركة لك وأهلا ومرحبا بك على مجانين.
سؤالك جميل يا "فيصل" وفي محله؛ وبالفعل أكدت كثير من الدراسات النفسية أن مرضى اضطراب الوسواس القهري –في مجملهم- يتميزون بمعدل من الذكاء أعلى من المتوسط؛ لذا تجد أكثرهم يعملون في أعمال مهنية كأطباء ومهندسين وصيادلة ومحامين ومدرسين وأساتذة بالجامعات وكتاب ومفكرين وإعلاميين ورجال نيابة وقضاة وغيرهم، ولا يمنع هذا من أن نجد حوالي 1% من المعاقين بالتخلف العقلي لأسباب وراثية أو عضوية -أثناء الحمل أو الولادة أو بعد الولادة– لديهم أعراض اضطراب الوسواس القهري.
لابد لنا أن نفرق بين من لديه سمات وسواسية قهرية، ولكنها لا تعيقه في عمله أو دراسته، ولا تعيقه عن أداء واجباته الاجتماعية مثل من ذكرت أنت؛ كالمفتش كولومبو والمحقق في مسلسل مونك وغيرهم، والممثل فؤاد المهندس –رحمه الله- مثلا كانت له طقوس قبل أن يظهر على المسرح مواجها للجمهور وبالذات عند أول عرض لمسرحية جديدة له، وكذلك المهندس الذي صمم وأشرف على بناء الهرم الأكبر مثلا؛ لابد أنه كان حريصاً ومدققا لدرجة الوسوسة، وإلا لما صمد ذلك البناء الضخم ضد عوامل التعرية، وحتى ضد ضرب مدافع نابليون أثناء حملته على مصر في عام 1798م.
أما من لديه اضطراب شخصية قهرية؛ فهو موسوس ومدقق طوال حياته، وليس لمرضه بداية معينة، وشخصيته المدققة بطريقة مبالغ فيها قد تضايقه ولكنها بالتأكيد تضايق من حوله، وتعيقه بعض الشيء في أدائه لأعماله، وفي حياته الاجتماعية، ولا يتذكر هذا الشخص بداية معينة لزيادة الدقة والتأكد من الأشياء لديه، وحبه لتوازي وانتظام كل شيء أمام عينيه، وزيادة تأنيب الضمير لديه عند ارتكابه لأتفه الذنوب والمعاصي، وكذلك مبالغته في النظافة والنظام والترتيب.
نأتي بعد ذلك لمن تحدث لهم أعراض الوسوسة والأفعال القهرية بعد حادث معين كوفاة أمه مثلا أو ابنته أو إصابته بنوبة مرضية مزعجة، وتكون الأعراض بصورة مربكة لحياته العملية أو الأكاديمية –لو كان طالبا– ولحياته الاجتماعية بصورة عامة، فنجد مثلاً لديه زيادة الرغبة في الجلوس بالحمام لساعات طويلة مع استهلاكه لكميات هائلة من المياه؛ وذلك للتأكد من نظافة جسده، أو يتأكد من غلق باب المنزل عشر مرات كلما خرج، أو نجده يقوم بعد كل شيء حتى حبات العنب في الثلاجة مثلاً!!، وهكذا تصبح حياته جحيما وعذاباً، وهذا هو ما نطلق عليه اضطراب الوسواس القهري، والذي له بداية محددة، ومٌعوِّق للمريض في حياته.
وهناك أيضا علاقة معروفة بين الشك الزوري أو البارانويدي وبين سمات الوسواس القهري؛ لذا تجد بعض المحققين ومن يتعاملون مع المجرمين بصفة عامة لديهم بعض السمات الوسواسية القهرية (وليس الاضطراب الذي يُعوِّق الشخص المريض بالوسواس القهري)، تلك السمات في الحقيقة تعينهم على أداء عملهم ببراعة وإتقان، وتعطيهم القدرة على تحليل الجريمة والصبر والمثابرة في أداء عملهم الصعب حتى يصلوا إلى من قام بالجريمة، لذا تجد المخرجين في الأفلام والمسلسلات العالمية يُظهرون بعض السمات الوسواسية القهرية لدى شخصيات هؤلاء المخبرين الأذكياء، وهي موجودة في الواقع عادة، وفي نفس الوقت نجد هؤلاء المخبرين من ذوي الضمائر الحية جدا، وهذه الصفة من السمات القهرية.
ابني العزيز
أتمنى أن أكون قد أفدتك، وشفيت غليلك في معرفة ما تريده.