السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في البداية جزاكم الله خير الجزاء على حسن اهتمامكم وجميل صنيعكم، أتقدم لحضراتكم بمشكلتي المؤلمة للغاية عساني أن أجد لديكم حلا ومخرجا بعد الله سبحانه وتعالى، وسأحاول الاختصار بقدر الإمكان.
تتلخص مشكلتنا بأن لدينا ابنة منحرفة جدا سلوكيا وأخلاقيا، وسببت لنا مشاكل لا حصر لها، وحاولنا إصلاحها بجميع السبل الدينية والاجتماعية، وكل ما يخطر على بالكم قد بذل في محاولة إصلاحها دون جدوى، وقد هربت من منزل الأسرة أكثر من مرة وتبقى لأيام عديدة ثم تعود بدموع النفاق والكذب بأنها سوف تستقيم ونقبلها وسرعان ما تعود لانحرافها. ومع هذا الانحراف اعتادت على السرقة من بيوت أقاربنا وأصدقائها، ونحن نعاني مرارا من هذه المشاكل ونعاني في رد السرقات لأصحابها، وهي تنكر ذلك لأنها تعتاد الكذب وكل الصفات السيئة متوفرة عندها.
وأنا ووالدتها نعاني معاناة شديدة ومؤلمة من هذه المصيبة الكبيرة، ونعيش في حالة نفسية سيئة للغاية؛ فمعظم الأهل والأقارب والأصدقاء ابتعدوا عنا لحرصهم على تجنب الفضيحة؛ لأن عندهم أولادا وبنات، فنحن في عزلة مؤلمة بسبب هذه البلاوي.
وقد رسبت في الصف الأول في كليتها، وهي الآن تركت المنزل منذ حوالي 4 أشهر ولا نعلم عنها أي شيء، ونحن دعونا لها كثيرا بالهداية، ولكن من كثرة مصائبها نحن الآن ندعو عليها ليل نهار أن تموت وتهلك ويريحنا الله ويسترنا من فضائحها التي تلاحقنا في كل مكان. وأكرر لقد جربنا معها كل النصح والإرشاد ومحاولة الإصلاح دون أي فائدة، ثم تظهر الندم وتعود إلى انحرافها لمرات عديدة، والآن لقد تعبنا جدا جدا ونعيش في حالة سيئة للغاية ولا ندري ماذا نفعل، وما هو الحل.
سألنا عندنا في مصر المحامين إن كان هناك أي طريقة للتبرؤ منها والخلاص منها ولكن للأسف لم نجد طريقة لذلك، وهي الآن وبعد غياب 4 أشهر اتصلت بإحدى أخواتها لأنها ترغب في العودة إلى المنزل، ولكننا نرفض ذلك بشدة، وأفهمناها بأن المنزل ليس باستراحة تعود إليه بعد انحرافها متى تشاء، ولا ندري ماذا فعلت في هذه الأشهر.
والآن أستحلفكم بالله الاهتمام برسالتي وتوجيهنا إلى الحل السليم والطريق الصحيح لإنهاء هذه المعاناة المؤلمة للغاية، فقلبنا فد تحجر من ناحيتها ولن نقبلها مرة أخرى، ولكن نريد حلا نهائيا لمشكلتنا حتى يعود الهدوء والاستقرار لبقية الأسرة حتى نعيش بقية عمرنا بعيدا عن الهموم والمشاكل؛ فما هو رأي الدين في عدم قبولها للعودة إلى المنزل وتركها نهائيا؛ لأن في عودتها المزيد من الفضائح والمصائب؟ وماذا نفعل؟.
أرجوكم أرجوكم ساعدونا! لقد لخصت المشكلة؛ فالتفاصيل مؤلمة للغاية، وفي انتظار رأيكم السريع والشافي، وسامحوني إذا قلت لكم لا أريد الرد بأن نحاول معها النصح والإرشاد والتقرب منها ومحاولة هدايتها، فلقد بذلنا في ذلك الكثير والكثير، فهي مجرمة وجرثومة،
ولكن لا ندري ماذا نفعل.
وجزاكم الله خيرا.
12/1/2006
رد المستشار
الوالد العزيز، أهلا وسهلا بك على موقعنا وشكرا جزيلا على ثقتك ودعواتك الطيبة.
من الواضح أنك كتبت لنا وأنت في غاية الانفعال، حتى إنك لم تذكر لنا كم تبلغ البنت سنا؟ ولا منذ متى على وجه التحديد وهي سيئة السلوك كما تصف، وهذا مهم لنفرق بين اضطراب نفسي يظهر في فترة الطفولة والمراهقة نسميه اضطراب التصرف Conduct Disorder ما دام المريض أو المريضة في سن دون الثامنة عشرة من العمر، أو نسميه اضطراب الشخصية المستهينة بالمجتمع Dyssocial or Antisocial Personality Disorder إذا كان المريض أو المريضة قد بلغ الثامنة عشرة من العمر، وكلما كانت الحالة أكبر سنا كانت مشكلات العلاج أكبر مع الأسف.
وأخمن أنه في حالة ابنتك -هداها وعافاها الله- فإن الأمور بدأت تسوء في طفولتها وغالبا سنوات طفولتها الأخيرة، واستمرت مشكلاتها تتفاقم، واتخذتم معها كثيرا من السبل فلم تنجح، وما أراه هو أن سبب كل ذلك هو اضطراب يتعلق بسمات شخصية البنت والتي رسبت في أولى سنواتها الجامعية، وأنا أعرف أنكم تعبتم معها كثيرا؛ فهي كاذبة مندفعة أو متهورة دون حساب للعواقب، والكذب المتكرر هو أحد المحكات التشخيصية في حالتها، وكذلك تأليف القصص والحكايات الكاذبة أحيانا للخروج من مأزق ما، وأحيانا لمجرد الكذب واقرأ في ذلك: أولا الكذب وثانيا الكذب وليس ثالثا فقط!.
وهي أيضا تتصرف بلا مبالاة شديدة بالعرف والناس والحلال والحرام فلا ترى إلا رغباتها الشخصية، كما أنها تكرر أخطاءها، رغم أنها تتعهد بغير ذلك، وهي أيضا لا تستطيع تأجيل المتعة بما تريد الاستمتاع به الآن، المهم ورغم خطورة إعطاء تشخيص معين لحالة عبر الإنترنت، ورغم أن اضطراب سمات الشخصية الذي أتوقع وجوده لدى ابنتك هو أكثر شيوعا في الرجال، فإنني سأحيلك إلى رابطين ستجد فيهما ما يفيدك من ناحية علامات اضطراب سمات الشخصية المستهينة بالمجتمع.
وستجد فيما سأحيلك عليه من روابط في النهاية طريقة التعامل المثلى مع هذه الحالة، وستعرف أيضا أنه لا بد من الذهاب بها إلى طبيب نفسي، بل وأؤكد أن الذهاب بحالة كحالتها للطبيب النفسي لا تكفي فيه مرة واحدة، وربما إن لم تستجب لطبيب نفسي غيّرناه بآخر، بل إن من الممكن كذلك أن يحتاج الأمر إلى دخولها المستشفى النفسي إذا كان فيه متخصصون في علاج اضطرابات الشخصية معرفيا وسلوكيا وهذا صعب في بلادنا لكنه موجود.
ابنتك إذن مريضة باضطراب نفسي ومعرفي سلوكي، ولكن مرضها هذا لا ينفي المسئولية القانونية عنها؛ لأن الفشل في ضبط الرغبات والنزعات الواعية مرض لا يعطي الرخصة في الخطأ أو لا يسقط الأهلية، وليس فيما أقول تناقض، وإنما أنصح بأن تعطوها فرصة العلاج لدى طبيب نفسي وفي نفس الوقت تعاملونها كإنسان مقبول بينكم؛ لأن ذلك أول تهيئة البيئة الأسرية لتكون بيئة علاجية تساعد الطبيب النفسي في علاجه لحالتها، وهي في نفس الوقت يجب أن تعامل كإنسان مسئول، وسيحاسب على أخطائه؛ لأن هذه هي الحقيقة التي يجب أن تكون!.
كذلك لأنها مهما أبدت لكم من الندم على خطأ ما فإن احتمال تكريرها للخطأ نفسه لا يزال قائما، وسيظل قائما ربما لفترة بعد بداية العلاج، وهي بالتالي تحتاج إلى ردع أسري واجتماعي مستمر مع العلاج النفسي، وأفضل وأيسر السبل هو أن نحاول توجيهها بشكل غير مباشر إلى ما يحسن علاقتها بربها سبحانه وتعالى.
وإياكم من تعزيز فكرة أن الله سيرفضها ولو دون وعي منكم وأنتم تعددون جرائمها، فباب التوبة مفتوح وصلاح الحال ممكن، كما أنها إذا وصلت إيمانياتها إلى درجة الشعور بأن الله يراها ويحاسبها؛ فإنها بالتدريج ستتعلم آلية الضبط التي تفتقدها؛ لأن المجتمع الذي نعيش فيه اليوم لم يعد يقدمها لأحد نتيجة العجز والشلل، وآلية الضبط هذه نتعلمها أكثر مما نولد بها.
وقد علمتني خبرتي مع بعض مرضاي من أصحاب سمات الاندفاعية والتهور أن التدين الصحيح النابع من الداخل لا الذي يفرضه الخارج، هو الحل الأمثل لمشكلاتهم في الحياة؛ حتى إن أحدهم قال لي بعد أن أصبح يعيش حياته من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض بعد أن كان لا يصلي ولا يصوم لسنوات من عمره.. قال بالحرف الواحد: "الفرق يا دكتور بين ضوابط المجتمع أو البيت وضابط الشعور بوجود الله دائما هو أنك تشعر أنك لا تستطيع خداعه سبحانه وتعالى، بينما تستطيع خداع بل وازدراء قوانين المجتمع والأسرة"، وهو محق!.
ابنتك رغم كل ذلك قابلة للعلاج النفسي والتقويم السلوكي والمعرفي، ولكن ذلك يحتاج إلى علاج نفسي يقدمه متخصص يباشر حالتها، ولا بد له من أن يتواصل معكم كأسرة، وعليكم أيضا أن تضعوا في اعتباركم أنها ربما تحتاج إلى علاج عقاري للاندفاع أو لعسر المزاج الذي قد يصاحب الحالة. وتابعنا بأخبارك.
واقرأ أيضًا:
الشخصية المستهينة بالمجتمع النموذج وطقوس الإفساد