السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب أبلغ من العمر 21، أرجو منكم قراءة مشكلتي كاملة، أعاني من مشاكل نفسية كثيرة.. من وساوس قهرية وخوف وقلق واكتئاب، التي جعلت حياتي جحيما لا يطاق والتي جعلتني لا أعرف للحياة معنى في يوم من الأيام، لكنني في رسالتي هذه أريد أن أركز على مشكلة واحدة من مشاكلي هذه لأنها أكثر مشكلة تؤرقني، وهي الرعشة التي تصيب خدي وجهي أو الشكل الخائف أو البائس لوجهي عند التحدث لأي شخص مهما كان ولا أعرف لماذا؟ ويا لها من مصيبة كبيرة أعانى منها.
أعاني من هذا الأمر منذ سنين طويلة، فأنا أعاني من الرهاب الاجتماعي رغم حبي للاجتماعيات، ومشكلة وجهي جعلتني أكثر خوفا وتجنبا للناس، فعند حدوث أي مناسبة أو أي زيارة أو أي شيء فيه اجتماع، أظل طول الوقت قلقا أفكر في هذه المناسبة وفي الناس الذين سيحضرون أو الشخص الذي سيزورنا أو لأني أول ما أفكر فيه هو الخوف الذي سيصيبني، وبالتالي سيظهر على ملامح وجهي، حتى لو كنت أضحك معهم فإن ملامح الخوف والبؤس تظل ظاهرة علي في شكل رجفة تصيب خدا وجهي فيظهر شكلي وكأنني أريد البكاء في هذه اللحظة يكون شكلي فظيعا، ولا أستطيع التحكم في ملامح وجهي أبدا.
عندما أتعرض لهذه المواقف أحس أنها نهاية العالم وينقلب مزاجي، وأحيانا أخرج من الجلسة، فأنا لا أستطيع حتى أن أبتسم لمدة طويلة لأن هذه الرجفة ستصيبني، لقد كرهت الضحك والابتسامة فهي تسبب لي فضيحة كبيرة، حتى إذا ذكر اسمي في الجلسة أو أراد أحدهم أن يتحدث عني مثلا أو يشير إلي أو يعلق علي أو يعرف بي لأحدهم أو يضحك معي أو حتى لدرجة إذا نظر إلي فقط بنظرة ساخرة أو صرخ علي أو يريد التشاجر معي، أو إذا كنت أتحدث إلى شخص والآخر ينظر إلي وأنا أتحدث، أظل طول الوقت أفكر فيه لماذا ينظر إلي أو كيف ينظر إلي؟ قد يكون لاحظ علي شيئا في ملامح وجهي أو غيرها من التساؤلات المقلقة التي تراودني، فتفقدني تركيزي فيما أقوله لذاك الشخص، كل هذه الأمور تؤدي إلى ظهور الخوف على ملامح وجهي ما يؤدي إلى حدوث الرجفة وبالتالي الفضيحة الكبيرة بين الناس، حتى أن بعضهم علق على ملامح وجهي ساخرا ضاحكا وهذا ما زاد الجرح عمقا، فأصبحت أكره وأخاف مقابلتهم.
لقد أفقدتني هذه المصيبة الثقة في نفسي تماما وجعلتني عديم الشخصية، حتى أن بعضهم أصبح لا ينظر إلي، وهذا الأمر يؤثر في نفسي، لذلك أصبحت عندما أتحدث إلى أصدقائي أحاول أن أخفي وجهي بوضع يدي عليه بشكل لافت أو أنظر إلى جهة أخرى أو إلى الأرض، وأصبحت أعصابي تشد مع ابتسامة وجهي، حتى أنني أحس بضيق في صدري عندما أبتسم، مع شد في خدود وجهي وتدمع عيناي مع ألم في رأسي يعقبه صداع مع شد الأعصاب، وعندها أفقد القدرة على الكلام وعلى الفهم بصورة شبه نهائية وأحس أن أعصابي تعصر عقلي، ثم يعقبه شعور بالذل والنقص والضعف بين الناس وكسر في الخاطر في كثير من الأحيان ما يزيد الأمر سوءا.
لقد حرمتني هذه الكارثة الغريبة من كل شيء في الدنيا، كرهت حياتي بسببها، هجرت كل الناس وأصبحت طول الوقت في البيت، حتى أنني أصبحت لا أنام أبدا بسبب التفكير في حل لهذه المشكلة وإن نمت أكره الاستيقاظ من نومي، أصبحت هذه المشكلة تلازمني في كل وقت وفي أي مكان، حتى مع أبي وأمي وإخوتي الصغار طول الوقت تصور!.
أخاف أن تحرمني هذه المصيبة من أشياء كثيرة مستقبلا مثل الوظيفة والزواج وخاصة الزواج لأن هذه المشكلة تزداد أكثر في حالة البنات، لا أعرف ما الحل لهذه المشكلة، هل أشرب كحولا أم أضرب رأسي بالجدار حتى أفقد الذاكرة وأنسى هذه المشكلة الغريبة، أم أشتري كريما لشد الوجه أم ألبس قناعا، فأنا أحس أنني إذا ألصقت قناعين جلديين على منطقتي خدي مثل الذي في فيلم Bigs Moms House للممثل الأمريكي "مارتن لورنس" أحس أنني سأستعيد ثقتي بنفسي وأخرج ما بداخلي بدون خوف نعم فأنا أحس أن هذه بالذات هي الحل لمشكلتي بعد تفكير طويل فأنا وقفت أمام المرآة وابتسمت وبعدها وضعت يدي على خدودي وطبعا لم تظهر التعاسة والرعشة ففكرت بموضوع القناع الجلدي لكن المشكلة أنه أين أجد قناعا مثله يكون كلون جلدي حتى لا يلاحظه أحد؟! أم أقوم بعملية لاستئصال عضلات وجهي أو عملية تجميل أم أصبح نحيفا جدا كي تختفي الخدود من وجهي أم ماذا؟ مع العلم أنني ملتزم والحمد لله في صلواتي وفرائضي.
أريد أن أذكر أنني ذهبت إلى طبيب نفسي مختص قبل شهر وعشرة أيام ووصفت له مشكلتي بشكل عام ثم كنت أريد أن أفصل له في بعض المشاكل ومنها هذه المشكلة لكنه لم يعطني الفرصة وقال لي أن مشكلاتك بتفصيلاتها ستحل بإذن الله مع هذه الأدوية ووصف لي "cipralex 10 mg" ومعه دواء آخر اسمه"xanax" لمدة أسبوعين إلى ثلاثة، أما بالنسبة لدواء "للسيبراليكس" فقال استمر عليه لمدة 6 أشهر، بمعدل نصف حبة بعد الإفطار والأخرى بعد الظهر بعد الغداء، والفرق الزمني بين كل مرة هو 6 ساعات، استخدمته المرة الأولى لمدة أسبوعين؛ لأنها كانت عينة مجانية أعطاني إياها هو، وأذكر أنه في اليوم العاشر تقريبا تحسنت جيدا، خاصة من ناحية القلق والخوف، لكنني انقطعت عنه لمدة أسبوعين بسبب ظروفي المادية، وفي اليوم السابع تقريبا من الانقطاع، عادت حالتي إلى أسوأ من السابق بكثير.
وعندما عدت لاستخدامه مرة أخرى، قبل 15 يوما عن طريق طبيب آخر؛ لأن طبيبي مسافر حاليا، قال لي إن أفضل جرعة منه كما قال لك طبيبك للأسبوع الأول فقط، ثم خذ الحبة كاملة مرة واحدة في اليوم صباحا، لكن في هذه المرة لم أشعر بتحسن أبدا بل على العكس ازدادت حالتي سوءا فيما يتعلق بملامح وجهي والرعشة التي تصيب خدودي بمجرد ابتسامة صغيرة، والخوف فأصبحت آخذ حبة كاملة من السيبراليكس الساعة 8 مساء، لا أدري ما هو الصواب،
لقد أصبحت كالأهبل المجنون، أرجوكم أريد حلا سريعا مهما كان، لأنني لم أعد أحتمل،
أفيدوني جزاكم الله ألف خير، وآسف على الإطالة.
22/2/2007
رد المستشار
الابن العزيز أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين وشكرا على ثقتك، عسيرة هي معاناة المصابين بهذا النوع من أنواع القلق الرهابي Phobic Anxiety (أي اضطرابات القلق التي ترتبط فيها أعراض القلق بموقف معين أو شيء خارجي معين)، خاصة عندما تطول فترة المعاناة دون مساعدةٍ من متخصص، وكثيرا ما يكتم المريض معاناته عن أهله وأصدقائه مما يزيد من حالته ألما واضطرابا.
وما حدث معك هو أنك ظللت تعاني لفترة طويلة وتتفاقم الأمور أفكارا ومشاعر بداخلك وأنت تقاوم أحيانا وتفشل أحيانا حتى أصبحت على مشارف الاكتئاب إن لم تكن مكتئبا بالفعل، ومن فضل الله أن العقاقير المستخدمة كعامل مساعد في علاج حالات الرهاب الاجتماعي هي في الأصل مضادات للقلق والاكتئاب وبالتالي فإنها تضرب عددًا من العصافير بنفس الحجر.
بالطبع لا يفيدك أن تبحث عن قناع تخفي به ملامح وجهك لأن معاناتك داخلك أكثر مما هي بادية على وجهك، ولا يمكن أن نزيل عضلات الوجه بعملية جراحية لأن النتيجة تكونُ عجزا وتشويها عافاك الله وحفظك، أضف إلى ذلك أن حدوث ما يشبه تقلصاتٍ في عضلات الوجه أمرٌ قد يكون متعلقا باضطراب آخر غير الرهاب الاجتماعي ولكنني لا أستطيع التخمين من خلال إفادتك ودون فحص حقيقي.
لحالتك علاج نفسي جزء منه هو العقاقير النفسية من مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (واختصارا م.ا.س.ا) وقد وصف لك أحدها وهو الذي طلب منك طبيبك الاستمرار عليه ستة أشهر.
وأما الجزء الأهم من العلاج النفسي لحالتك فهو العلاج المعرفي السلوكي وهو ما أحسب أن قراءة استشارات الرهاب الموجودة على صفحتنا ستقدم لك جزءًا كبيرا منه (خاصة الشق المعرفي)، وإضافة لذلك أنصحك بقراءة الرابطين التاليين ففيهما خطوات سلوكية رائعة الفائدة إن طبقتها وثابرت:
الرهاب الاجتماعي: الاسترخاء ثم المواجهة.
أريد التخلص من خجلي: برنامج علاجي.
تسألنا عن حل سريع وقد قلنا من قبل أن علاج الرهاب لا يطول، وبالتالي فإن من الممكن جدا أن تجد الحل السريع الذي تبحث عنه، ولكن عليك أن تكونَ مستعدًّا لتحمل المشقة التي يتطلبها الخلاص من هذه الحالة، أي أن سرعة التقدم في العلاج تعتمد على مثابرتك أنت ومداومتك على تنفيذ ما تتفق عليه مع معالجك، وأنا شخصيا أقول لمرضاي وأنا أشرح لهم في بداية العلاج المعرفي السلوكي أن العلاج قد يتم في ستة جلسات أو اثنتا عشر جلسة أو ثمانية عشر أو أربعة وعشرين وربما أكثر والفيصل أنت وليس أنا!
أشرت بعد ذلك إلى أن طبيبك النفسي الأول الذي وصف لك عقاقير ناجحة في علاج الحالة لم يستمع لك بما يكفي لإشعارك بأنه فهم حالتك وألم بمعاناتك، وهذا تقصير من جانب أي طبيب نفسي يقع فيه، إضافة لذلك هو لم يوضح لك الجزء الأهم من العلاج وهو العلاج السلوكي، وكثيرون من الأطباء النفسيين مع الأسف يقعون في هذا الخطأ وكأنهم يتماشون مع المفهوم المغلوط الموجود لدى مرضى كثيرين وهو أن الدواء النفسي يجب أن يحل كل المشاكل دون تعب؛ فصحيح في حالتك أن عقاقير الماسا تفيد في العلاج وتقلل كثيرا من التوتر الذي تعاني منه ولكنها أبدا لا تكونُ كافية لتحصل على شفاء كامل بمعنى أنك تستطيع الحياة طبيعيا دون عقاقير، فقط تستطيع ذلك إذا أكملت العلاج السلوكي.
إذن عليك بأن تبحث عن طبيب نفسي يستطيع مناجزة Management الحالة بشكل إنساني سلوكي ومعرفي وليس فقط كيميائيا يصف عقَّاقير، ثم إن عليك أن تتابعه وتواظب على جلسات العلاج وتفعل ما تتفقان عليه بين الجلسة والجلسة، وإن شاء الله تزول معاناتك، وننصحك بقراءة الروابط المرفقة أسفل الصفحة حول الرهاب الاجتماعي الذي تعاني منه، وتابعنا بالتطورات.
واقرأ أيضًا:
الحياء الشرعي، والرهاب المرضي !
الرهاب الاجتماعي وليست الرعشة متابعة