شخص داخل رأسي: بين الوساوس والهلاوس مشاركة
السلام عليكم
أهلًا د . وائل، والمعذرة إن كان في المشاركة ما أغضبك، آسفة (والعذرُ عند كرام الناسِ مقبولُ)، حقيقةً لستُ غاضبة من (شيءٍ معيّن) بقدر ما أنا مُستاءة من نفسي أولًا إذ أنني عاجزةٌ عن أن أكون مثلكم، هل أحتاجُ إلى أن أظلّ عمرًا أتخبط بين كتب علم النفس كيْ أصبح أكثر اعتدالًا في حياتِي؟
هل أحتاج لعمرٍ طويلٍ من الدراسة والبحث والتقصي، كي لا أضطر لمدّ يدي.. طالبةً العون من فلان أو علان؟ أم لا بدّ أن أظل في حربٍ مع نفسي وعاطفتي ومشاكلي وهمومي حتى أصبح عجوزًا في السبعين تحفر قبرها بيديها انتظارًا لملكِ الموتِ كيْ يتخطف روحها؟
كم من مرة تحينتُ فرصةَ فتح باب المشاكل.. لأنثر مشاكلَ كثيرة أواجهها ولا يهديني عقلي إلى حلّ ولا أجد مُعينًا ولا أجد حتى مُنصتًا، أنوي الكتابة ثمّ أتراجع، لأنكم ستخاطبونني بلغةٍ لا أفهمها، لغة العقلاء الذين شبعوا علمًا وإدراكًا وحياتهم تسيرُ على أفضل ما يُرام ـ مهنيًا واجتماعيًا وماديًا أيضًاـ.
وَستعاملونني على أنني مشكلة بحدّ ذاتها، وذاك ليس من العدلِ لأنني ـفي الأصلِـ نتاجُ بيئة مريضة ومجتمعٍ متفكك وضحية قبلَ هذا وذاك، والحلول المنطقية تُتعب، وإعمال العقلِ في الحاجات العاطفيّة والنفسية يُتلفُ النفسَ ويدمّرها خصوصًا لمن كان في مقتبل العمر!
أعلم.. لستم مسئولين عنّا نحنُ الأشقياء، وجزاكم الله خيرًا أن فتحتم لنا متنفسًا.. نبثُّ فيه مشاكلنا وأسرارنا التي نخبئها عن كلّ البشرِ. لكن لا زلتُ أتخيلُنا كفئران التجارب، تُسقطونَ علينا ما تعلمتموه.. وتتفاعلون معنا لحظة الرد، بل قد تستعيذون بالله منّا، وتتقززون، وتشتمون في سرّكم (ألستم بشرًا؟)، ثم ترسلون الحلّ وتطلبون من الله أن يعافيكم مما ابتلانا به.
لا ألغي جهودكم، ولا أنسفها.. بل أُكبر كل ما تفعلونَ.. غير أني مشتتة، مستاءة، وأسئلتي كثيرة لأن الاستفهامات في حياتي كثيرة جدًا:
لم لستُ مثلكم؟ لمَ لستُ عاقلة؟ لمَ لستُ مطمئنة؟ لمَ أخاف من كل شيء؟
لمَ لمْ أُمنح فرصة لأكون إنسانة لا تحتاج البشرَ؟!
لم لا يكون والدي مثلك؟; ووالدتي كـ د.هالة مصطفى؟!
لمَ أكون الأسوأ في كلّ شيء؟!
لا بأس، هل بالإمكان أن تحدثوني عن مآسيكم كي أقتنع ببشريتكم؟
هل بإمكانكم الحديث عن هفواتكم، مشاكلكم، ماضيكم كيف كان؟
لا أحتاج علاجًا بقدر ما أحتاج إلى ما يجعلني أطمئن، فالحياةُ سيئة مع الكل والحياة بخيلةٌ مع الكل، والسعادة تبقى شيئًا هلاميًا لا وجود له، سئمتُ الاتكاء على أرصفة الحلم والتخيل، وسئمتُ الحلول المنطقية التي لن تُصلح والدي ولن تغير واقعي ولن تعيد لي حلمي الذي وُئد في مهده ولن تمنحني حياة هادئة كبقية الخلقِ في سنّي. همومٌ أكبر بكثير من سنيّ عمري العشرين لم أعد أطيق حملها ولا أطيق الحديث عنها.
حديثي عام، وعامٌ جدًا، لا أخصّ به مجانين.. بل كل الأطباء النفسيين أو (النفسانيين)، فلتعدّها فضفضة من ابنةٍ لك، أو من صغيرةٍ زارتْ عيادتكَ ذات صباح!
وأرجوك.. بل أتوسلُ إليك لا ترد على ما كتبتُ ولا تنشر هذياني هذا.. لستُ بحاجة إلى مزيد احتقارٍ لنفسي.. من نفسي، أرجوك.. أرجوكَ بشدة فلا تخيبني، وهذا بريدي إن كان من رأي لك.
ولي رجاء أخير..
إن كتبتَ ردًا لي متجاهلًا رجائي فلا تذكر البريد
15/5/2007
رد المستشار
أهلا بك أيتها الابنة العزيزة.... بالله عليك هل هذا هذيان؟ إنه نصٌّ أدبي جميل على ما فيه من أسىً وألم..... للأسف مضطرٌ أنا للاعتذار عن تلبية طلبك بالتواصل خارج العلن على مجانين، بصراحة خسارة أن أحرم الناس من جميل سطورك، ومن انفعالي بها وتفاعلي معها وردي المسطور عليها.
الحقيقة أنت تذكرينني بابنة لي أعرفها وتعرفني حقيقة ونتا أو لنقل نتا فحقيقة على مجانين وغير مجانين، أسلوبك هذا وبلاغتك ورهافة أحاسيسك البادية كلها كلها تجعلني أتساءل عن حقيقة ما كان يتردد في ذهنك وحيرنا وصفك له بين الهلاوس والوساوس يا ابنتي.
لستم فئران تجارب إطلاقا إنما أنتم علامات على الطريق المعرفي لكلٍّ من مستشاري مجانين مثلما الحالات التي يقابلونها في ممارساتهم العملية، نحن نتعلم منكم ونعلمكم والله سبحانه يرعانا جميعا.
ليس صحيحا يا ابنتي "عابرة" هانم قولك أن (إعمال العقلِ في الحاجات العاطفيّة والنفسية يُتلفُ النفسَ ويدمّرها خصوصًا لمن كان في مقتبل العمر)! فإعمال العقل في الحاجات العاطفية والنفسية واجب كل عاقل مكلف رشيد، وإلا تنقلب حياتنا فوضى... صحيحٌ أنها الآن فوضى وأن البيئة الاجتماعية النفسية في مجتمعاتنا بيئة مريضة لكن ما تزال هناك إشراقات كثيرة وقاهرون للألم كثرٌ كُثر.
هنيئا لك بالدكتورة هالة أمًّا.... فقط عليك أن تأخذي رأيها أو رأي من ترشحه هي لك، وأما أنا فأفضل أن تأخذي رأي ولديَّ أولا... سليهم إن كنت أبا مثاليا كالذي تتخيلنه حضرتك وأنا شخصيا أشكُّ في ذلك كثيرا، فلدي ابن متعب لا يكف عن الصياح يشغلني عن كثير.
أنتظر مزيدا من فضفضتك يا عابرة، مثلما أنتظر مكوثا طويلا منك على مجانين فلا تحرمينا من مشاركاتك.