السلام عليكم ورحمة الله،
السادة المستشارون، شكر الله لكم جهدكم وأثابكم رضوانه ومحبته على ما تقدمونه من خير، أما بعد.. مشكلتي باختصار هي أني أعاني فقدان ثقتي بنفسي لدرجة كبيرة بسبب عيب واضح في وجهي، وهو أن أنفي ليس مستقيما، إنما هو منحن عند منتصفه وبشكل لافت قليلا للنظر، وهذا ما يفقدني الكثير من ثقتي بنفسي، ويعرضني لمواقف محرجة كأن أسمع بعض التعليقات وإن كان ظاهرها مزاحا وبعضها يطلق بشكل خافت كسخرية؛ وهذا ما يتعبني حقا ويفقدني أيضا قدرتي وحتى رغبتي في مخالطة الناس، وخصوصا في المناسبات الاجتماعية.
وطبعا -ولا أخفيكم- أن انحناء أنفي وراثي؛ ففي أخوالي وهم كثيرو العدد -بارك الله فيهم- اثنان بهما نفس الحالة. وأتعجب من أن أمي ليس بها هذا الانحناء في أنفها، ومع هذا أصابني!! لا أخفيكم أيضا أن أخوالي من طبقة بسيطة بعض الشيء، وبيئتهم وعملهم لا يسببان لهم حرجا من هذه الناحية، بينما أنا أعمل في وظيفة تتطلب مني مخالطة الكثير من البشر يوميا، وأعيش في مجتمع متحضر، والمظهر من الأساسيات فيه.
وأنا -ولله الفضل- مظهري "جيد وجنتل ولبق". لكن هذا الأمر يسبب لي اهتزازا بشخصيتي وبأعماقي، ويضعف لحد كبير ثقتي بنفسي وقدرتي على مواجهة البشر ومخالطتهم. وحين أفكر في إجراء عملية تجميلية لأنفي أجد أني أشتبه في مشروعية الأمر، وأخشى من أن أدخل فيمن يغيرون خلق الله سبحانه. لكن في الوقت ذاته صدقوني فإن الأمر يسبب لي إرهاقا نفسيا، ويضعف من قابليتي لمخالطة الناس ومحادثتهم والاحتكاك بهم.
وحين أكون مع شخص أثناء عملي أتحدث معه في مجال العمل، وأنا في داخلي أفكر في هذا العيب الخلقي الظاهر للعيان، وأرجوكم أن تتفهموا مدى التعب والإرهاق النفسي والانعكاس السلبي لكل هذا، وخاصة أنه يحدث بشكل يومي..
الأمر الذي قد تفكرون بلفت نظري إليه هو أن أحاول أن أعيش حياتي متناسيا أن بأنفي انحناء أو التفكر به، وأننا جميعا صنع ربنا وهو الذي صورنا على الكيفية التي يشاء، وأنا لا أعترض بل العكس أحمد الله على أن جعلني أفضل من غيري بكثير، لكن لم أستطع أن أتناسى الأمر لدرجة أني أتحرج حتى من الضحك أمام أحد لشعوري أن بي نقصا أو عيبا أو أني حتى ألفت الأنظار بهذا الأنف.
أتمنى أن أكون قد أوصلت لكم الأمر من جميع جوانبه، وأتمنى أن أجد ما يثلج الصدر، وأعلم أن سؤالي عن شرعية إجراء عملية من عدمه أمر مخصوص به قسم الفتوى والاستشارات الدعوية في موقعكم الطيب هذا، ولكني أود الأوجه الأخرى التي ترونها ولا أراها بكل معضلتي التي أوردتها هنا.
ومرة أخرى سدد الله خطاكم ووهبكم حبه ورضاه وتوفيقه،
اللهم آمين.
22/4/2007
رد المستشار
الأخ السائل العزيز، أهلا بك.. وشكرا جزيلا على دعواتك لنا، وندعو الله أن يزيل عنك الهم وأن ينير لنا الطريق لإرشادك إلى التوجه السليم، مشكلتك -كما يتضح من إفادتك- هي عدم رضاك عن شكل أنفك الذي يوجد به انحناء ظاهر كما تقول، حتى إنك أحيانا تسمع بعض التعليقات من الآخرين، ونحن في حقيقة الأمر لن نطلب منك أن تنسى أو تتناسى أن بأنفك انحناء ظاهرا؛ لأننا نرفض مثل هذا التوجه بشكل عام؛ فلا يعقل أن يطلب منك الطبيب النفسي أن تكذب على نفسك، لكن ما سوف نطلبه منك شيء آخر.
وقبل أن ندخل في تفاصيل ما ننصحك به، فإننا نرى أن من المفيد إعطاءك فكرة عن وسواس التشوه، وهو أحد اضطرابات طيف الوسواس القهري؛ فهناك اضطراب نفسي يسمى اضطراب توهم التشوه الجسدي Body Dysmorphic Disorder، وكان يسمى قديما "رهاب التشوه" Dysmorphophobia، والمريض بهذا الاضطراب يعاني من فكرة تسلطية أو وسواسية متعلقة بتشوه في شكل منطقة معينة من الجسد. ومن أشهر هذه المناطق الأنف أو الشفتان أو الثدي أو الأرداف؛ فيزور عيادة الجراح، ويتكلم معه في إحساسه بأن أنفه مثلا كبير أكثر من اللازم أو معوج بشكل أو بآخر، وفي أغلب الأحوال يكون ذلك غير صحيح، أو على الأقل مبالغ فيه بدرجة كبيرة.
وهذا المريض لا يستطيع تصديق الأدلة التي تثبت خلوه من التشوه أو العيب الخلقي في أنفه مثلا، إلا أن مدى اقتناعه بوجود التشوه لا يصل إلى مستوى الضلالة أو الوهام؛ أي أنه ليس مريضا ذهانيا، لكنه في نفس الوقت لا يستطيع التخلص من الفكرة، كما أن هذا المريض يفعل أيضا أفعالا قهرية من قبيل التحقق والرغبة في الاطمئنان على شكل العضو الذي يتخيل فيه التشوه من كل المصادر الممكنة، وأشهرها بالطبع هو الجراح خاصة جراح التجميل. فإذا أخطأ جراح التجميل، وأجرى للمريض جراحة تجميلية ساءت العاقبة، وازداد دور الطبيب النفسي صعوبة؛ لأن المشكلة لم تكن في شكل العضو، وإنما في إدراك المريض لشكله.
إذن فالطبيب النفسي هنا يجد مريضا يعاني من فكرة تسلطية لا هو بالمقتنع بها تماما ولا هو بالقادر على نسيانها، ويجد من يصف أفعال النظر إلى المرآة للاطمئنان وإعادة الاطمئنان وتكرار الزيارة لكل من يستطيع الوصول إليهم من الجراحين أو غيرهم، وكأنها أفعال قهرية يضطر إلى فعلها لأنها تريحه من القلق والتوتر، وأنت لم تعطنا في إفادتك ما يبين وقوعك في دائرة الأفعال القهرية؛ فما بينته يدخل كله تحت باب الانشغال الوسواسي بفكرة أن أنفك به اعوجاج.
ونحن طبعا لا نقول لك إنك تتخيل أن أنفك به اعوجاج، وإن هذا غير صحيح كما نرى في بعض حالات وسواس التشوه، لكننا نود أن نلفت نظرك إلى أن المحك التشخيصي الأهم هو مدى الاهتمام والوزن المعنوي الذي يوليه المريض لوجود ذلك التشوه، وليس المحك التشخيصي هو وجود التشوه من عدمه؛ أي أننا بمعنى آخر حين نجد تشوها بقدر ما في مريض وسواس التشوه نجد أن اهتمامه بهذا العيب (التشوه) يفوق الحدود المعقولة، فهو منشغل به دائما أبدا إلى درجة تأثيره على عمله وعلاقاته وسلوكياته اليومية، وهذا ما بينته لنا في إفادتك، يضاف إلى ذلك أن مريض وسواس التشوه كثيرا ما يتوهم أن كل فشل في حياته إنما نتج عن ذلك التشوه، فإذا فشل مثلا في مقابلة شخصية للتقدم للعمل أو لغيره؛ فإن السبب هو ذلك العيب، وإذا فشل في علاقة ما في حياته فإن السبب هو ذلك العيب.
معنى ذلك هو أنك منشغل بشكل وسواسي بفكرة أن أنفك به اعوجاج، وأن هذا الاعوجاج يؤثر على رأي الآخرين فيك، وهذا ما قد يكون غير صحيح، ونحن بالتأكيد لا نستطيع الوصول إلى حكم مؤكد عليك أو تقييم لحالتك؛ لأننا لم نرَك، ولا ندري هل انشغالك بذلك العيب الموجود هو انشغال معقول وليس أكثر من اللازم أم لا؟
ومعنى هذا الكلام هو أنك تحتاج بعد استخارة الله عز وجل لزيارة أحد الأطباء النفسيين المتخصصين أولا لكي يقيم حالتك بعد إجراء المقابلة والفحص، وثانيا لكي يصف لك العلاج المناسب؛ فهناك عقاقير تستطيع تخفيف إلحاح الفكرة عليك، كما تستطيع رفع روحك المعنوية، وهي العقاقير التي تنتمي لمجموعة الم.ا.س أو الم.ا.س.ا.
وربما احتجت إلى بعض جلسات العلاج المعرفي السلوكي وبعض تدريبات توكيد الذات؛ فكل هذه خيارات مفتوحة أمام طبيبك النفسي في حالة كون رأيه في حالتك هو أن عليك أن تتقبل الأمر (لا أن تتناساه)، وأن تفرض ذاتك (وأنفك المعوج) على الآخرين دون أن تحس بالحرج وتخجل من الضحك إلى آخر ما تعاني منه، ونحن هنا لا ننكر عليك اهتمامك بمظهرك ذلك أن اهتمام الكائن البشري بصورته وهيئته قديم قدم عمر الكائن البشري على وجه الأرض.
وربما قبل ذلك؛ لأن ما حدث من آدم عليه السلام وحواء عندما بدت لهما سوآتهما كان أن طفقا يخصفان عليهما من ورق الشجر، يقول تعالى في سورة الأعراف: "فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ" صدق الله العظيم (البقرة: 22)، أي أن حرص الكائن البشري على مظهره صفة تمتد من أبينا آدم عليه السلام إلينا، إلا أن من المهم أن أنبه هنا إلى أن الحديث القرآني الجليل إنما يتكلم عن عورة بدت عن شيء يستدعي الخجل، ويستلزم الستر.
أقول ذلك لكي أؤكد فقط أنني قصدت من ذكر هذه الآية الكريمة أن أبين أولا أن الاهتمام بمظهر الإنسان هو أمر فطري، وثانيا أن التعامل مع الشعور بقلة جمال المظهر، لا يشترط أن يكون بمحاولة تغييره؛ فالآية تتحدث عن الستر، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبهنا إلى ضرورة إعلاء قيمة الجوهر على قيمة المظهر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم" صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام (أخرجه مسلم في صحيحه).
والطبيب النفسي أيضا قد يطلب منك استشارة أحد جراحي الأنف والأذن والحنجرة، إذا ارتأى انشغالك مبررا وغير مبالغ فيه، وفي النهاية نتمنى أن يوفقك الله في الخلاص من تلك المشكلة المؤلمة، و تابعنا بأخبارك.