السلام عليكم
أذكر حين كنت طفلا أن جدتي -يرحمها الله- كانت تحتفظ بأشياء كثيرة غير ضرورية في غرفتها لدرجة أن غرفتها كانت مليئة عن آخرها بثياب قديمة ترفض أن تتخلى عنها أو تتصدق بها, وبأحذية هالكة وكراسي مكسورة وبقايا أطعمة, وأوراق تجمعها من هنا وهناك, وكانت ترفض بعناد شديد أن يسلبها أحد أي شيء من غرفتها, وكنا نشفق عليها وهى غارقة وسط ما جمعته من "كراكيب" وراديوهات قديمة وقطع خشبية وصفيح قديم, وكانت حجتها في ذلك أن هذه الأشياء ستحتاجها أو يحتاجها أحد من أبنائها في يوم من الأيام, وإذا حاول أحد من العائلة أن يسلبها شيء من هذه الأشياء أو يخفف من محتويات الغرفة حتى لا تختنق هي فيها فإنها كانت تثور ثورة شديدة وتتحول إلى وحش كاسر رغم أنها كانت حينئذ في الثمانين من عمرها أو تزيد.
وحين امتلأت الغرفة عن آخرها راحت تخزن أشياءها في الغرف المجاورة حتى ضاق علينا المكان فقد كنت أعيش أنا وإخوتي الأربعة في غرفة واحدة ينام بعضنا فوق السرير وبعضنا الآخر تحته, ومع ذلك راحت تمارس هوايتها في تخزين الأشياء في غرفتنا الضيقة فوضعت أشياء فوق السرير وتحت السرير وفوق دولاب ملابسنا المتهالك, ثم امتد نشاطها إلى سطح المنزل فملأته عن آخره بأشياء ليست لها أي قيمة. وعلى الرغم من كف بصرها وانعدام قدرتها على الحركة في سنواتها الأخيرة إلا أنها كانت تصر على أن يشترى لها أبناؤها قطع قماش جديدة ولم تكن تقوم بخياطتها أو الانتفاع بها وإنما تقوم بتخزينها حتى أصبح لديها ما يكفى لفتح محل قماش, وتحتفظ إلى جانب ذلك بعدد من الطرح والإيشاربات والأكواب الزجاجية والأواني المكسورة.
ولم تمت جدتي -يرحمها الله- إلا ونحن مكبلين في البيت حيث انعدمت المساحات الخالية وأصبحت حركتنا غاية في الصعوبة, وعلى الرغم من حزننا لفراقها إلا أننا تنفسنا الصعداء حين قمنا بإزالة ما خلفته وراءها من آثار ضيقت علينا حياتنا وخنقتنا, وأذكر حين كنا نقوم بإخلاء غرفتها من مقتنياتها القديمة أننا كنا في حالة رعب شديد فنحن نتوقع أن تخرج من قبرها وتفتح علينا باب البيت وتخنقنا واحدا بعد الآخر وتعيد أشياءها إلى أماكنها مرة أخرى, وقد ظل هذا الحلم المفزع يراودني ويراود إخوتي عدة سنوات بعد موتها.
وما كدت أشفى من كوابيس جدتي -يرحمها الله- حتى فوجئت بأبي يصاب بهذا الداء شيئا فشيئا, ولاسمه الآن داء التخزين, وعلى العكس من جدتي التي كانت تختزن الأشياء القديمة غالبا فإن أبى يقوم بشراء أشياء جديدة وبأعداد كثيرة ليضعها في كل مكان تصل إليه يده في بيتنا الضيق الخانق بطبيعته فهو يشترى أعدادا هائلة من الملابس والأحذية ولا يلبسها بل يخزنها ويمشى بملابس قديمة مهلهلة , ويشترى أعدادا كبيرة من الساعات والراديوهات وأجهزة الكومبيوتر والمنبهات والتليفزيونات والكتب والمجلات والصحف.
وحين امتلأت شقتنا عن آخرها راح يبنى شقة أخرى فوقها على الرغم من أن البيت متهالك ولا يحتمل أي أبنية فوقه, وقد امتلأت الشقة الجديدة عن آخرها, ولم يتوقف والدي عن عادة التخزين هذه بل راح يستأجر شققا في أماكن مختلفة ليست لنعيش فيها أو نتزوج فيها أنا وإخوتي وإنما ليمارس هوايته في تخزين كل ما تصل إليه يديه من أشياء, وقد باع في سبيل ذلك كل ميراثه واقترض من كل من يعرفه لكي يشترى أشياء لا ينتفع بها, وهو يتشبث بهذه الأشياء كطفل تريد أن تسلبه لعبته المحببة, وإذا حاول أحد نقل شيء من مكانه فإنه يثور ثورة شديدة وينسى أي اعتبارات عائلية ويكون على استعداد للفتك بمن يفعل ذلك, لذلك تعودنا على أن نتجنبه وتركناه يمارس هذا السفه التخزينى علنا أمام أعيننا حفاظا على استقرار البيت (أو هكذا نظن).
ولم يعد أبى هو أبى فقد انصرف تماما عن التفكير فينا وفى مستقبلنا وصار كل همه تخزين ما تصل إليه يديه, وقد استغل بعض إخوتي لحراسة ما قام بتخزينه مقابل وعود لهم بكتابة جزء من الميراث أو منحهم بعض المميزات التافهة. وهو شديد البخل علينا لا يعطينا شيئا إلا بشق الأنفس, ولا يتوقف بخله على المال بل هو أيضا بخيل في المشاعر فلا نشعر منه بأي عاطفة أبوية, وهو فوق ذلك يكبل حركتنا لأنه يرفض أي تغيير في نظام البيت وترتيبه, بل ينزعج جدا إذا قام أحد بعمل أي شيء خارج عن إرادته وسيطرته, فهو يريد كل شيء تحت السيطرة تماما, ويرفض أي تغيير مهما كان تافها, ويعتبر من يقوم به معتديا يستحق الأدب وكثيرا ما يمارس القسوة علينا وعلى أمي بسبب ما نضطر إليه أحيانا من نقل شيء من مكانه لكي نتمكن من الحد الأدنى للحركة في البيت. وقد باءت كل محاولاتنا لعلاجه بالفشل فهو لا يعترف بأنه مريض ولا يشعر بأن هناك مشكلة, بل يتهمنا نحن بالطيش والنزق والاندفاع خلف عواطفنا وعدم تقدير العواقب.
ونحن جميعا (باستثناء بعض إخوتي الذين يحاولون الاستفادة من عاداته) نشعر بالاختناق وبالغضب الشديد, ولكننا لا نعرف ماذا نفعل, فهو أولا وأخيرا والدنا وكبيرنا, ولو واجهناه وحاولنا علاجه بالقوة في أحد المستشفيات -كما أشار علينا بعض الأطباء- فإن الأمر قد ينذر بمواجهات عنيفة معه لا ندرى متى وكيف تنتهي, لذلك أرجو توضيح ما يحدث وبيان ما يجب علينا فعله لعلاج أبى من مرضه وإخراجنا من هذا الوضع الخانق الذي لم نعد نحتمله وأصبح كل منا قابل للانفجار في أية لحظة, أفيدونا أفادكم الله, وأرجو أن لا يطالبنا أحد بأي مواجهة مع أبي أو أي ضغط عليه فنحن بصراحة لا نستطيع ذلك, كما أنني أريد منك شرحا وافيا لحالة أبى ولماذا يتصرف بهذه الطريقة لعل هذا يساعدني على فهمه والتعامل معه.
صابر المصري
(ملحوظة: هذا اسم مستعار حتى لا يغضب عليّ والدي)
8/5/2007
رد المستشار
أخي العزيز، لقد تألمت وأنا أقرأ رسالتك وشعرت بكم المعاناة التي عشتموها مع جدتك من قبل والآن مع والدك، وكلاهما مصاب بما نسميه الاستحواذ الوسواسي، وهو نوع من الميل القهري للاستحواذ على الأشياء مهما كانت قيمتها وتخزينها والاحتفاظ بها بعيدا عن أيدي الآخرين.
والشخص الوسواسي الاستحواذي لديه ميل قوى للتحكم في نفسه وفى كل من حوله، فهو يريد كل شيء تحت السيطرة، ودافعه لذلك حالة من الإحساس بعدم الأمان تجعله دائما شديد اليقظة وشديد الحرص على النظام الصارم حتى لا يفلت زمام الأمور من يده، فهو يمسك زمام كل شيء ولا يترك لأحد فرصة أن يفعل شيئا خارج حدود إرادته، وهو شديد العناد في ذلك، ولا يقبل أي تغيير بل يعتبره (أي التغيير) اعتداءا على أمنه وسلامته وتهديدا لوجوده.
والشخص الحوازي يحاول دائما أن يتخلص من مشاعره بل إنه يعتبرها نقطة ضعف ولذا لا يحترم أية مشاعر ولا يقدرها، فهو قد تعلم منذ طفولته المبكرة أن يتعامل بعقله لا بعواطفه، وعلاقته بأبويه كانت تقوم على الحذر الشديد فعلى الرغم مما يكنه لهم من عدوان داخلي إلا أنه يخضع لهم خضوعا تاما ويحاول أن يسترضيهم ويتجنب غضبهم عليه، وهو في سبيل ذلك يتعلم أن يكبت مشاعره وأن يحولها إلى طقوس صارمة وإلى حالة من عبادة الروتين والإبقاء على ثبات الأشياء لأطول فترة يقدر عليها.
ويقول أنطوني ستور في كتابه "فن العلاج النفسي" واصفا ديناميات هذه الشخصية والتي تتشكل منذ الطفولة من خلال علاقة مضطربة بالوالدين:"وعندما يدرك مثل هذا الطفل والديه باعتبارهما سلطة تفرض القيود عليه، فإنه يتعلم أن يتعامل معهم بواسطة ذكائه وعقله لا بعواطفه، أي أنه يصبح في مرحلة مبكرة شديد الانتباه لمشاعرهم حتى يسترضيهم ويتجنب سخطهم. فبدلا من أن يدخل في معارك معهم يتعلم من خلالها توكيد ذاته تدريجيا وإثبات جدارته، لا يلجأ مثل هذا الطفل أبدا إلى الدخول في منافسة، وهذا يعنى أنه سيظل دائما يعتبر سلطان أبويه والكبار عموما يفوق سلطانه، وبالتالي سيدخل حياته البالغة وقد حمل بقدر أكبر من المعتاد من كراهية الآخرين، فالتكيف مع الآخرين، والذي يتضمن معاملتهم كما لو كانوا أصحاب سلطة يمكن أن ينقلبوا فجأة غاضبين، يجب أن يتضمن بالضرورة استمرار مشاعر العدوان تجاههم وممارسة قدر كبير من التحكم في تلك المشاعر.
وفى الحياة العادية يميل الحوازيون إما أن يكونوا متسلطين هم أنفسهم أو خانعين بشكل غير عادى. وكلا الاتجاهين يرمي إلى تجريد الطرف الآخر من سلاحه، فلا يوجد سبيل لمواجهة العدوان المحتمل إلا الانتصار أو الخضوع، وفى كلتا الحالتين لا يمكن للحوازي أن يصل إلى الندية والاحترام المتبادل".
ومن هنا نجد الحوازي يخضع خضوعا هائلا لمن يفوقه قوة (أو يعتقد هو أنه يفوقه)، وفى ذات الوقت يكون شديد القسوة والقهر على من هم دونه أو تحت إمرته، وهذا ما يفعله والدك معكم حيث يرى أنه قادر عليكم فيقهركم ويفعل ما يشاء دون الوضع في الاعتبار لمصالحكم أو احتياجاتكم، وهذه نقطة مهمة جدا سنحتاجها في العلاج حيث سيتطلب الأمر أن تبلغه رسالة بأن هناك من يقدر عليه سواء كان معالجا أو سلطة أعلى في العائلة، وهنا ستجده يخضع للعلاج وتعليماته بشكل واضح، فالوسواسي الحوازي لا يترك ما بيديه طواعية أبدا وإنما يحتاج لأن يتأكد بأن ثمة من يعلوه في القوة والسيطرة عندئذ يسلم طواعية على الرغم من عدوانيته واحتقاره للآخر.
وهذه النقطة الأخيرة في غاية الأهمية في العلاج فالوسواسي الحوازي يحتقر الآخرين ولا يراهم جديرين بالثقة بل يراهم وكأنهم أطفال قاصرين لا يستطيعون أن يديروا حياتهم ويحتاجون دائما لوصايته وتوجيهه لذلك يظل يفعل ما يشاء دون الالتفات لحاجات الآخرين ورؤاهم فهم في نظره ضعفاء قاصرين لا يعتمد عليهم في شيء لذلك يقرر هو ما يشاء لهم ويتوقع منهم الخضوع والتسليم . وهذه السمات تجعل الشخص الحوازي بلا أصدقاء وبلا تعلقات حميمة أو إنسانية فالناس لديه مجرد أدوات لتحقيق أشياء يحتاجها وبمجرد فراغهم من أداء دورهم يلقى بهم على قارعة الطريق دون أي مشاعر، وهو بذلك يفتقد للتاريخ الإنساني ويعوض ذلك بالمبالغة في الحديث عن أمجاده وإنجازاته.
وعندما وصف فرويد شخصيات أولئك المهيئين لظهور الأعراض الحوازية قال إن أكثر ما يميزهم هو تلازم ثلاث خصائص هي: الشح والنظام والعناد . واجتماع هذه السمات يكون ما أطلق عليه فرويد "الشخصية الشرجية"، إذ أنه اعتقد أن هذه السمات يرجع منشؤها إلى الفترة التي كان الطفل يدرب فيها على التحكم في عضلاته العاصرة (المتحكمة في عملية الإخراج) والتي تكون المنطقة الشرجية فيها مركز الاهتمام الانفعالي.
وفى رأى فرويد أن السعي الملح إلى النظافة والنظام وأن يكون الإنسان موضع الثقة، تعطى انطباعا بأنها تكوين عكسي (Reaction formation) ضد الرغبة فيما هو غير نظيف ومثير للتقزز ويجب أن لا يكون جزءا من الجسم. وقد يظهر العناد أولا في رفض الطفل للتبرز في المكان والوقت اللذين يخصصهما القائمون على أمره (السلطة). أما الشح فينشأ بسبب صلة غريبة بين المال والبراز. و"النقود القذرة" إحدى العبارات التي تبين هذه الصلة، ويلحق بذلك مسألة غسيل الأموال.
وعلى الرغم من محاولة الحوازي الظهور بمظهر الشخص المهذب الملتزم بالقواعد والأعراف إلا أنه شديد العدوانية من داخله، شديد الرغبة في العناد والسيطرة والتحكم، وهو مفتقد لمشاعر الحب ولا يعترف بها أساسا، ولهذا يلجأ إلى السيطرة والتحكم كنوع من التعويض. والحوازي لديه الكثير من الدفاعات تجعل شخصيته جافة ومسطحة وغير مستساغة، فهو يمارس الكبت ويمارس العزل ويمارس الإنكار لذلك تخلو شخصيته من الصدق ومن الحرارة ومن الأصالة ومن العمق، ويعوض ذلك بادعاء الالتزام بالنظام أو القانون أو الشرع، ويفخر بأنه أكثر عقلانية واتزانا من الآخرين. وتشبث الحوازي بالمال أو المكانة الاجتماعية أو الوظيفة يعكس قدرا هائلا من عدم الإحساس بالأمان على الرغم من ادعاء الشخص نفسه أنه لا يخاف أبدا.
والحوازي ينشط لديه دافعين غاية في القوة والشراسة وهما دافعي التملك والخلود، هذين الدافعين اللذين استغلهما الشيطان للوسوسة لآدم لكي يأكل من الشجرة المحرمة "ألا أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلى" فهو يريد أن يتملك أكثر ما يستطيعه، وهو في ذات الوقت لا يصدق أنه سيموت، لذلك يظل يكتنز المال والأشياء والسلطة والجاه والنفوذ سعيا نحو البقاء الأبدي في الدنيا، وعلى الرغم من معرفته العقلية بحتمية زوال الدنيا إلا أن سلوكياته تكذب هذا الإدعاء وتكشف رغبة عارمة لديه في تملك كل ما تصل إليه يداه والخلود في الدنيا إما بواسطة استمراره هو شخصيا أو عن طريق توريث أبنائه كل ما يملك ليس على اعتبار أنهم أولاده الذين يحبهم ويحرص على مصالحهم وإنما باعتبار أنهم امتداد لذاته المتوحشة الملتهمة لكل ما يظهر أمامها.
والحوازي يحول عبوديته للأشياء التي يقتنيها ويخزنها فهو لا يستفيد منها ولا يستمتع بها وإنما يعيش ليحرسها ويدافع عنها وفى سبيل ذلك يخسر كل من حوله، ويتحول إلى عبد لدى الأشياء التي عشق اختزانها، وقد ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السلوك حين قال:"تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش" (أو كما قال صلى الله عليه وسلم).
وعلاقة الحوازي مع الآخرين تقوم على احتقارهم والشك فيهم وفى جدارتهم، لذلك فهي علاقة عدوانية لا تبدو على السطح في كلام الحوازي وإنما تظهر في عناده الشديد وفى إلغائه لخيارات الآخرين، ومن هنا تبدو استبدادية الحوازي وتسلطه ودكتاتوريته، فهو لا يدرك الآخرين على أنهم أشخاص ذوى أهلية يمكن التعامل معهم بندية واحترام ومساواة، حيث يتبادل الطرفان المنافع، وإنما يتعامل من خلال منطق السيطرة في مقابل الخضوع أو الاستعلاء في مقابل الدونية.
وهذا الأمر يتصل أيضا باستراتيجيات العلاج حيث أن الآخرين كلما أبدوا استضعافا وتخاذلا واسترحاما للحوازي كلما داسهم وانتهك حقوقهم، فوالدك (ومن قبله جدتك) وجدا استسلاما منكم لميولهما المرضية الاستحواذية فتوحش المرض لديهما وفتك بهما وبكما، وكان من الأولى أن يجدا سدودا منيعة تحول دون تغلغل داء التخزين والاستحواذ، قد يتطلب ذلك جهدا ومواجهة في بعض الأحيان ولكن هذا أفضل بكثير من ترك نزعات الاستحواذ تسرح في فراغ خوفكم وسلبيتكم وترك الأمر بلا علاج طيلة هذه السنوات وأنتم تتعذبون.
والأمر في الحقيقة يحتاج لعلاج طبي فعّال مع علاج نفسي، حيث أن هذا المرض تكمن خلفه اضطرابات في كيمياء المخ وبعض تركيباته، وفى مثل هذه الحالات الشديدة كحالة والدك قد يحتاج الأمر إلى دخوله مستشفى للصحة النفسية كي يمنع قسرا عن ممارسة طقوس الاستحواذ، ويدخل في برنامج للعلاج السلوكي يساعده على التغلب على رغبات الاستحواذ والتسلط والقهر لديه.
ولا تنتظروا موافقته على العلاج لكي يتم ذلك فهو قد وصل إلى مرحلة فقد فيها الاستبصار بحالته، وقد أصابه المرض وأصابكم بأذى شديد حيث بدد ميراثه وميراثكم، وجمد حياتكم، وألغى خياراتكم، واستشرت ميوله الاستحواذية في حياتكم كسرطان فتّاك يأتي على الأخضر واليابس في جوانب حياتكم. وإذا تمادى الأمر فقد يورثكم أو يورث أحدكم نفس السمات فينشأ بينكم حوازيون جدد يذيقونكم أو يذيقون أبناءكم الأمرين بهذا المرض العضال.
وهناك الآن من العقاقير الحديثة ووسائل العلاج السلوكي ما ثبت فعاليته العالية في علاج مثل تلك الحالات، ولكن المشكلة أننا في مجتمعاتنا قد نرى أن هذه أشياء بسيطة أو عادية أو حتمية على الرغم من معاناتنا الشديدة منها ولذا يتأخر العلاج كثيرا حتى يلتهم المرض عدد أكبر من الضحايا ويخسر الجميع، لذلك فكلما كان العلاج مبكرا كلما كانت فرص الشفاء أكبر، ولكن المشكلة تأتى من تحول الحالة إلى نوع من المرض المزمن يسلم فيه المريض ومن حوله باستحالة العلاج أو بحتمية المرض ويحاولون التعايش معه بمزيد من التشوه والتنازل والخضوع فينتصر المرض ويسود القبح والتشوه الجميع وتسود حالة من الإحساس بقلة الحيلة وانعدام الأمل، وهذا أخطر ما يصيب المريض وأهله، وأخطر مشكلة تواجه الطبيب الذي يتصدى لعلاج المريض.