السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
مشكلتي تتلخص في زوجي فهو يعاني من مرض الوسواس القهري فعند وقت الصلاة وجب عليه أن يدخل الحمام ولا يخرج إلا بطلعة الروح مما يجعله يتأخر عن الصلاة أحيانا ينام عن الصلاة وعندما أوقظه يقول أني سأتأخر في الحمام دعيني أنام وعندما يستيقظ يندم على ذلك.....
أهله لا يريدون أن يقتنعوا بمرضه يعتقدون أنه يصطنع المرض مع العلم أن زوجي اصطحب والده معه إلى الطبيب النفسي ليشرح لوالده عن هذا المرض ولكن لا فائدة منهم مما أدى ذلك إلى خلافات كثيرة مع أهله من قبل أن أتزوج، معاملته لأهله وأخوته جدا سيئة وبالأخص مع أخيه الأكبر منه فهو يقول لي إني أكرهه... ولكن لماذا... لأن والده قد فاضل بينهما فهو أفضل من زوجي بحكم عدم مرضه...... فيقول لي أنني أريد أن أنتقم منه....... فهما يعملان عند والدهما وزوجي لا يداوم كما يريد والده بعكس الأخ وذلك بسبب حالاته......
أحيانا تقوم أمه بالاتصال علي في الصباح لتعرف هل ذهب العمل أم لا؟ وإذا لم يذهب تقوم توجه اللوم لي لأني لا أوقظه مبكرا وأني لا أكلمه أن هذه وساوس بإمكانه التحكم فيها... مما اضطرني في بعض أحيانا أكذب عليها... فزوجي نومه ثقيل بفعل الأدوية التي يتناولها..........
لا أعرف كيف أتصرف مع زوجي ومع أهله كيف أوجه زوجي إلى السلوك الصحيح؟
فأنا خائفة أن يؤثر ذلك على ابنتي الصغيرة؟
أيضا ما الحكم في تأخره عن الصلاة؟
وجزاكم الله خيرا
2003/7/13
رد المستشار
الأخت السائلة؛ أهلاً بك، أحييك على اهتمامك بأمر زوجك رغم أن ذهابه للطبيب وتناوله الدواء كان سيجعل غيرك تكتفي بذلك، لكنني ألمس فيك نوعًا من الحرص الفائق الذي عادةً ما نفتقدهُ في مثل تلك الحالات، ونرجع تأخر استجابة المريض للعلاج إلى غيابه، وإن كنا في ذات الوقت نجدُ غيابًا للتعاون من بقية الأسرة وهم أهل زوجك، سأبدأ أولاً بشرح الحالة لك، فهناك مجموعة قليلة من مرضى اضطراب الوسواس القهري يقضي أصحابها فترات مفرطة في الطول "ساعات" لقضاء أفعال يفعلها معظم الناس خلال دقائق فمثلا إذا دخل أحدهم الحمام فلن يخرجَ قبل ساعة أو ساعتين وإذا كان موعد عمله اليومي الثامنة صباحًا فإن عليه أن يستيقظ في الخامسة صباحًـا على الأقل لأنه يحتاج أكثر من ساعتين ليكون جاهزًا للخروج من بيته فهو يحتاج ربع ساعة مثلا ليقوم من سريره وربع ساعة أو أكثر ليغسلَ أسنانهُ بالفرْشاة ونصف ساعة ليحلق ذقنه وربما ساعة كاملة ليستحم وربع ساعة ليمشط شعره ونصف ساعة ليفطر ومثلها ليرتدي ملابسه وهكذا.......
ودائما ما يكون البطء في أداءِ أفعال تتعلق بالعناية بالجسم والنظافة والهندام بحيث تأخذ وقتا مفرطًا لأن المريض يؤديها بتركيزٍ وتدقيق في أدق وأهوَنِ التفاصيل ويصر على أن كل شيء يجبُ أن يكون مضبوطًا بالضبط!!! ومعظم المرضى بهذه الحالة من الرجال وخاصة في الحالات التي لا يكون واضحا أنها بسبب الوساوس والطقوس ويميل أصحابها إلى العزلة من الناحية الاجتماعية.
وهنا مثالان مما ذكرهُ عبد الوهاب الشعراني في المنن الكبرى كأمثلةٍ على الموسوسين من المسلمين:
-1- "وقد رأيتُ من ذهبَ أيام النيل إلى بركةٍ خارجَ القاهرة ليطهرَ ثيابهُ؛ فما زال يغسلها ويجففها إلى آخر النهار، ثم ضمَّ ثيابهُ، ولبسَ بعضَها ثم شكَّ في بعضها.... ثم شك في أنه هل غسلها؟ أم لا؟ وكان قد مر على صيادي السمك في طريقه إلى البركة، فلما رجعَ قالَ لهم: هل رأيتموني مررتُ عليكم بكرةَ النهار ومعي ثيابي؟ فقالوا لهُ: ما رأيناكَ، فقال: إذن أنا ما ذهبتُ إلى البركةِ... ثم ذهبَ من بكرةِ النهار إلى البركةِ ثانيًا!!".
-2- وَشهدتُ أنا بعينيَّ موسوسًا دخلَ ميضَـأةً ليتوضأ قبل الفجر من ليلة الجمعة فلا زال يتوضأ للصبح حتى طلعت الشمسُ...... ثم جاءَ إلى باب المسجد فوقفَ ساعةً يتفكر.... ثم رجعَ إلى الميضأةِ.... فلا زال يتوضأ ويكررُ غسلَ العضو إلى الغاية... وينسى الغسل الأول... ولم يزل حتى خطبَ الخطيبُ الخطبةَ الأولى..... ثم جاءَ إلى باب المسجد فوقفَ ساعةً ورجعَ.. فلا زالَ يتوضأ حتى سلمَ الإمامُ من صلاة الجمعة... وأنا أنظرُ من شُـبَّـاكِ المسجد.. ففاته صلاةُ الصبح والجمعة!!!
ويرى كثيرٌ من الأطباء النفسيين أن البطء الوسواسيَّ القهري جزء من اضطراب الوسواس القهري والحقيقة أن هذا أريح للعقل وأقرب للمنطق لأن النتيجة المنطقية لوساوس وأفعال قهرية تتعلق بالنظافة والتدقيق في التحكم في كل شيء وضبطه هي البطء بالطبع في فعل الأفعال الإنسانية.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة دائما حيث يري بعض الأطباء النفسانيين وبعضُ علماء النفس أن البطء الوسواسيَّ اضطراب مختلف ومستقلٌ عن اضطراب الوسواس القهري برغم وجود أعراض الحالتين معا في الكثير من الأحيان، ويدللون على ذلك بأن هناك دراسات تشير إلى بقاء البطء الوسواسي في المرضى بالرغم من تحسن الوساوس والأفعال القهرية بعد العلاج، وإن كان يمكنُ الرد عليهم بأن ذلك لا يعني إلا أننا نحتاج إلى علاج آخر ربما أفضل من المتاح حاليا أو علاج أشمل سواء كان علاجا دوائيا أو سلوكيا معرفيا لعلاج البطء الوسواسي، لكننا نستطيع أن نستنتجَ من ذلك أن السبب في البطء الوسواسي ليس بالضرورة هو الوساوس والأفعال القهرية، الأمرُ المهم والمؤسفُ في نفس الوقت هو أن استجابة هذا البطء الوسواسي القهري "سواء كان جزءًا من اضطراب الوسواس القهري أي عرضا من أعراضه أو كان مستقلا عنه" للعلاج النفسي بكل صوره مشهورةٌ بأنها ضئيـلةٌ إلى حد كبير وَيبْدُو أن عوامل أخرى في حياة المريض -مثلا اجتماعية- تساعد على عدم استجابة المرض للعلاج فهناك عدم تعاون أفراد الأسرة مع المعالج النفسي وهناك كذلك عدم رغبة المريض في التحسن وربما وجودُ أفكارٍ مبالغٍ في تقييمها لديه لكن كل هذه العوامل لم تدرس بالعمق الكافي حتى الآن.
فإذا سألنا بماذا يفسِّرُ الشخصُ المصابُ بهذا البطء الوسواسي القهري سلوكهُ ذلكْ؟ فإنهُ في كثيرٍ من الأحيان لا يعطيكَ إجابةً واضحةً أو يكلمكَ عن تأخره أو بطئه وكأنه أمرٌ عاديٌّ أو كأن الآخرين الذين لا يتأخرونَ مثلهُ مقصرون فيما يجب عليهم أن يفعلوه بدقةٍ، وبعضهم بالطبع يشكو لك من وقوعه أسيرًا للأفكار التسلطية التي ترغمهُ على البقاء في الحمام مثلاً لساعات طويلة لكي يتأكدَ من نظافته أو من طهارته وبعضهم يستهلكُ ساعات في تصفيف شعر رأسه أو شعر حواجبه ويهتم جدًّا بجعل التناسق ما بين الشعرة والشعرة عند الحد الذي لا تناسق بعده!، وبعضهم ينظرُ إليك في استغراب وكأنك تسأل عن شيءٍ ليست لديه إجابةٌ عليه.
- وأما إذا عدنا لحالة زوجك فأنت تقولين أن العلاج الذي جعل نومه ثقيلاً، ونحنُ هنا نريدُ أن نعرفَ أي أنواع العلاج يأخذُه زوجك، فمن بين عقاقير علاج الوسواس القهري عندنا الم.ا.س وهو الكلوميبرامين، وأحد أعضاء مجموعة الم.ا.س.ا وهو الفلوفوكسامين هما فقط اللذان قد يتسبب استخدام جرعات عاليةٍ من أحدهما في زيادة القابلية للنوم، وأنا طبعًا أذكر لك الأسماء العلمية للعقاقير وليس الأسماء التجارية، وفي حالة تناوله لأي من هذين العقارين فإن بإمكان طبيبه المعالج أن يغير العلاج إلى أحد أنواع الم.ا.س.ا التي لا تسببُ الخمول والنعاس بهذا الشكل الذي يؤثر على إنتاجية المريض، ولمعرفة كل شيء عن عقاقير علاج الوسواس القهري يمكنك مراجعة:
حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا؟ الآثار الجانبية
حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا؟ ضد الاكتئاب والوسوسة
وأما سؤالك عن حكم تأخره عن الصلاة، فإن عليك أن تتوجهي بهذا السؤال إلى فسم الفتوى بموقعنا فهم أكثر درايةً مني بهذا:
وأما رأيي الشخصي (ولست أهلا للإفتاء) فهو أن زوجك إذا كانَ نائمًا بفعل العقار ولم يستطع القيام للصلاة فإن الرأي عندي أنهُ لا حرج عليه، وأعضد ذلك بندمه عند استيقاظه وعودة وعيه، وأما إن كانَ زوجك ينامُ لكي يجنبَ نفسه مشقةَ البقاء طويلاً في الحمام فإن الأمر سيختلف وهو لو جاهد نفسه لكانَ أكثر حصولاً على الثواب من الله، ولكان أيضًا أقرب للخروج من وطأة البطء الوسواسي الذي يقع فيه،
وأعتقد أن زوجةً نابهةً مثلك يمكنُ أن تكونَ بمثابة المعالج المساعد للطبيب الذي يعالج زوجك، إن كانت ظروف بلدكم تسمح للطبيب النفسي بشرح المطلوب منك لكي تساعديه على تنفيذ واجبات العلاج السلوكي في المنزل، فيمكنك مثلاً مساعدته على عدم الاستجابة لأفكار التكرار التسلطية أثناء الوضوء أو غيره حسب الحالة.
وأما خوفك من تأثير ذلك على ابنتك الصغيرة حفظها الله، فهذا أولاً أمر في علم الله، وإن كانت المعلومات المتوافرة من الناحية الوراثية تشير إلى كون البطء الوسواسي أكثر تأثيرًا وحدوثًا في الذكور، وأما من ناحية وراثة اضطراب الوسواس القهري نفسه فربما ولكن الأمر غيبٌ لا يعلمه إلا الله كما قلت، وأما من ناحية تأثر البنت سلوكيا فأنا أعتقد أن أما مثلك (حفظك الله) جديرةٌ بأن تحفظ بنتها وتمنع عنها الآثار السلبية، إذن عليك أن تطلبي من الطبيب المعالج أن يغير نوعية العقار الذي يتناوله زوجك، وعليك أن تحاولي إن أمكن أن تأخذي دور المعالج المساعد، وفقك الله وسدد خطاك، وتابعينا بأخبارك.