شذوذ
هذا بعض من خلاصة ما فهمت في موضوع المثلية أو الشذوذ. الرجاء التعليق أو الرد على الإيميل المرسل ومحاولة الإجابة على الأسئلة التي بلا أجوبة (س بلا ج وعددها 18) إن أمكن. في التحدث عن المثلية أو الشذوذ –حسب اختيارك للتسمية– نتحدث كثيرا عن النفس والمشاكل النفسية وننسى شيئا مهما هو الله. ألم يسأل أحدهم نفسه أو غيره لماذا هذه المشاعر موجودة؟ لماذا وجدت المثلية أو الشذوذ؟ ما السبب الأصلي؟ ما الحكمة من وجودها كعملية تفكيرية أو ابتلاء أو انحراف عقلي أو أو...؟ بلى إنها أسئلة تطرح كثيرا من خلال الرسائل هنا. لكن أين الله من كل هذا؟ لماذا ينساه البعض؟ أين كانت البداية؟ المسلمون يؤمنون بالقرآن والقرآن يقول ((ما سبقكم بها من أحد من العالمين)) والمقصود أن إتيان الذكور للذكور لم يفعله أحد قبل هؤلاء القوم.
وهذا شيء ثابت لا يعارضه أحد. لكن هل هو يعني أيضا الميل الذكري للذكور (بلا ممارسة) جنسيا ونفسيا وعاطفيا؟
س بلا ج1. وفي التفاسير ذكر أن الله ابتلى هؤلاء القوم بأن أرسل إليهم ملائكة على صورة شبّان حسان قبل أن ينزل عليهم العذاب المعروف. والسبب؟ الجواب المحتمل أن السبب الوحيد الباعث على ارتكاب هذه الفاحشة: الجمال. فيبدأ هذا الموضوع يدور حول هذه الثلاثية: الجمال – الحب – الجنس. فما العلاقة بينها يا ترى؟ قد يمثل الشكل التالي بعض الأفكار الهامة المنطقية من تسلسل هذا المثلث الفكري إن كان صحيحا: إذا رأيت... شعرت بالـ... وأردت... الجمال الحب الجنس إذا كنت ذكرا إذا رأيت... شعرت بالـ... وأردت... الجمال النسائي الغيرية heterosexuality زنا / وطء شرعي (حسب الفكر) أو مقدماته الوسامة الذكورية المثلية homosexuality لواط / بيدراستية (حسب السن) أو مقدماته إذا كنت أنثى إذا رأيت... شعرت بالـ... وأردت... الوسامة الذكورية الغيرية heterosexuality زنا / وطء شرعي (حسب الفكر) أو مقدماته الجمال النسائي المثلية homosexuality سحاق أو مقدماته والحب درجات (تعلق، هوى، هيام، عشق، غرام،...) لكن الأهم هو الفرق بين الحب والعشق فقط: الحب: رضا النفس عن المحبوب – العشق: تعلق النفس بالمعشوق والحب (للجميع) من الإيمان، والعشق محرم لأن التعلق يجب أن يكون بالله فقط والجمال درجات ويختلف من شخص لآخر، فما تراه جميلا قد يكون لدى غيرك ليس كذلك. فقد نستنتج أن السبب في الفاحشة هو الجمال أصلا. لكن الله جميل يحب الجمال. فلماذا الحُرمة إذن؟ في الإسلام يحرم الفعل نفسه (ارتكاب الفاحشة)، أما ما قبل ذلك فلا، لأن شيئا من الأمور لم يحدث فلا يعاقبك أحد على أفكارك إن كنت تحب الذكور أو الإناث إلخ. ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت))، والاكتساب يعني الفعل الواقع لا مجرد الرغبة. كما حرّم النظر للجمال لأنه يقود للتعلق ومن ثم الفاحشة في طريق قد يطول أو يقصر. ثم تتوالى الأسئلة هل كان هناك مثلية قبل قوم لوط (فقط اشتهاء أو ميل وليس عملا)؟
س بلا ج2 وهل المثلية النسائية متفرعة عن المثلية الذكورية؟ أو هل اخترع قوم لوط اللواط واخترعت نساؤهم السحاق (سواء كنتيجة أم كشذوذ آخر)؟
س بلا ج3 أم أن اللواط من قوم لوط والسحاق من قوم إسحاق؟!
س بلا ج4 بالمناسبة ولد إسحاق بعد هلاك قوم لوط، كما هو في القرآن (بعد البشارة). ولم يذكر شيء في القرآن عن قصته مع قومه. كما أنه من الصعب اعتقاد أن قوم إسحاق كانوا سحاقيين! كيف كان قوم لوط يتكاثرون إذا كانوا لا يأتون النساء؟!
س بلا ج5 قال تعالى: ((وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم)) وقال تعالى: ((أتأتون الرجال شهوة من دون النساء)). حيث إن قوم لوط اشتهروا بإتيان الذكور للذكور، ما دخل امرأة لوط بهذا وهي أنثى؟ لماذا أيدتهم في فعلهم وهي امرأة ليس لها علاقة بالجنس الذكري-الذكري؟
س بلا ج6 والأسئلة كثيرة. وكلها عن أمور من الماضي السحيق. ربما يجد المؤمن الإجابة عليها يوم القيامة. الجمال والشذوذ أكثر الشواذ يفضلون الأشخاص ذوي الجمال (رجالا أم نساء).
بالمناسبة قال تعالى في سورة الحجر بعد قصة هلاك قوم لوط: ((إن في ذلك لآيات للمتوسّمين)). وكلمة المتوسّمين تعني الذين يتوسّمون أي يعتبرون بالعظات. لكن الغريب أنها والوسامة من أصل واحد ((و س م)). فهل تعني أيضا أن في ذلك آيات مثلا للذين يعشقون الوسماء أو الوسيمين؟
س بلا ج7 إذن تأتي بعد ذلك مسألة القدر والابتلاء ابتلى الله الناس بعدة أمور. واختار بعضَهم (المثليين/ الشواذ) لأن يبتليهم بهذا الأمر. فهل هذا القول صحيح: أن الله ابتلى الشواذ بمرض الشذوذ؟
س بلا ج8 وإذا كان صحيحا، فهل من العدل أن يُبتلى الإنسان في أمر يؤثر تأثيرا مباشرا في أساس عظيم من أسس الحياة: التكاثر والاستقرار الأسري، إلخ؟
س بلا ج9 فإن التكاثر وتكوين الأسرة يأتي بالزواج، والزواج يكون بين جنسين مختلفين. فلا بد من تقبل كل من الجنسين للآخر حتى تتم عملية الزواج بصورة صحيحة. وهذا أساس العلاقات الغيرية، أي أن الإنسان يقبل (رغبةً واشتهاءً) فردا من الجنس الآخر كي يكون معه علاقة زواج شرعية مستقرة صحيحة تنتج أفرادا للمجتمع. فماذا يحدث إذا لم يقبل الإنسان ذلك، أي لم يشته الذكرُ الأنثى أو لم تشته الأنثى الذكرَ؟ كيف يتأتى لهم الاستقرار والسكينة المطلوبين من الزواج؟ عند ذلك يتعطل الزواج المدعو إليه في الدين؟ فمن السبب إذن إذا كنا نقول بمبدأ الابتلاء؟
س بلا ج10 هذا مع اعتبار أن أحاسيس كل هؤلاء المعذبين صحيحة تجاه ما يقولونه بأنهم مثليون/مثليات أو شواذ. ثم تأتي مسألة قبول ذلك أو عدمه من قبل الإنسان مريضا كان أو معالجا أو قارئا أو مختصا. هل تقبل أنت بهذا التفسير لهذا ((المرض))؟
س بلا ج11 هذا يؤدي إلى الاعتذار إلى الله في الأمور والله لا يُسأل عما يَفعل. كما أننا مؤمنون أن الله لا يظلم أحدا، ولا مثقال ذرة. فكيف يوجد هذا الابتلاء؟
س بلا ج12 من هذا يترتب أن هؤلاء المبتلين بهذا المرض حالة خاصة. فهم بهم رغبة في شيء محرم، ومأمورون ألا يفعلوا هذا الشيء المحرم. فإن فعلوه عوقبوا، وإن لم يفعلوه أثيبوا. وتطبيق هذا هو كالتالي:
1- أن يفعلوه يعني أن يرتاحوا أو يستقروا في ما يشعرون أنه هو الصواب لحياتهم ((الحياة بصورة مثلية والزواج المثلي وتقبل المجتمع لهم ولو بالقوة إلخ)).
2- أن لا يفعلوه يعني أن يتعذبوا ولا يستقروا نفسيا بل أن يقوموا بفعل ما يشعرون أنه غير مناسب لهم ((الزواج الطبيعي وتكوين أسرة ومماشاة الطبيعة خلافا للطبيعة التي بهم –إن كانت طبيعة أصلا– والاستمرار في حياة عذاب طوال حياتهم، إلخ)). لا بد إذن أن لهذه الفئة ((الخاصة)) من الناس ثوابا خاصا إذا أطاعوا الله وكبتوا الرغبات الجنسية المثلية وعاشوا حياة طبيعية في تصرفاتهم وبخاصة إذا لم يشتهوها وأصبحت الحياة الزوجية لبعضهم جحيما. فهل صحيح إذن أن جزاءهم في الآخرة أكبر من جزاء غيرهم الذين لم يتعذبوا بهذه الأحاسيس؟
س بلا ج13 إن الإنسان لا يستطيع أن يشعر بألم شخص آخر إلا إذا عاش في ظروف هذا الشخص. ومهما قلنا عن المثليين والشواذ، فلن نقدر مشاعرهم حتما إلا إذا صرنا مثلهم سواء تجربة واقعية أو خيالا. ولا يتأتى للكثير منا إلا الخيال. فهل نستطيع أن نتخيل وأن نضع أنفسنا مكانهم من أجل أن نشعر حقا بحجم المأساة التي نتكلم عنها نظريا بلا مشاعر، وكأننا باعة نرد على مشترين لبضاعة ما؟ هل قدّرنا شعور المشتري المحتاج للبضاعة بالسعر الذي يراه قبل أن نرد عليهم بالسعر الذي نريده؟! إن أسهل محاولة هو إغماض العينين وتخيل نفسك أنك في المأساة نفسها: أي أنك شاذ/مثلي أو شاذة/مثلية. وهذا ينطبق على أي شيء وأي مشكلة أو ابتلاء يقع فيه آخرون. مثلا أغمض عينيك وتخيل أنك أعمى، ليس هكذا بل حقا أعمى.
قم وتجول في مكانك ممثلا ومتخيلا أنك أعمى حقا. عندها ستضع نفسك موضع الأعمى وستشعر بالمعاناة الحقيقية التي يعانيها الأعمى، وخصوصا الأعمى الذي كان مبصرا ثم عمي في حادث أو غيره. هذا مثال واحد. فماذا عن الشذوذ؟ إذا كنت ذكرا فأغمض عينيك وتخيل أنك حقا تشتهي الرجال وتقرف/تكره/تشمئز من النساء. ما شعورك عندها؟ هذه هي مأساة الرجال الشواذ/المثليين. وإذا كنت أنثى فأغمضي عينيك وتخيلي أنك حقا تشتهين النساء وتقرفين/تكرهين/تشمئزين من الرجال. ما شعورك عندها؟ هذه هي مأساة النساء الشواذ/المثليات. أقول لا بد لهذا التخيل من قوة حقيقية في التخيل والبعد عن المشاعر الطبيعية الغيرية تماما لبعض الوقت، من أجل أن نفهم المريض ومعاناته. إن أغلب الأطباء النفسيين غيريون أو طبيعيون في هويتهم الجنسية. فكيف بالله عليهم يفهمون شعور مرضاهم إذا لم يحسوا حقا بمعاناتهم؟ هناك الكثير والكثير مما يوجد في هذه الحياة والإنسان مهما كبر ما زال جاهلا ولا يفهم الكثير من أسرارها. فأين الحل الحقيقي والأمثل في هذه المسألة الشائكة والتي يختلف عليها المختصون قبل العوام؟
س بلا ج14 هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم في منأى عن هذه المشكلة في المجتمع؟ الجواب لا، لأن الدين الإسلامي كامل يغطي كل شئون الحياة صغيرها وكبيرها. وهل لو قلنا إن مجتمع الصحابة خلا من مثل هذه الأمور؟ ألم يكن هناك أفراد عانوا مثل هذه المعاناة؟ ولم لا؟ أليس مرضا من الأمراض؟! فكيف تصرف النبي الكريم معهم؟ إن الله لم يترك شيئا إلا وأنزله في الإسلام وبين حقه ومستحقه من التعامل. فلماذا ننسى هذا الأمر؟
س بلا ج15 ثم تأتي مسألة المستقبل والجنة. وقد تكلموا عن مسألة هل يوجد في الجنة شذوذ أو مثلية أو بمعنى آخر هل يستطيع الذكور الاتصال بالذكور والإناث الاتصال بالإناث في الجنة؟ المعارضون كثر والمؤيدون موجودون، واقرءوا كتبهم إن شئتم. وهذه المسألة الشائكة مستمرة عند البعض فما زالوا يتحدثون عنها في المنتديات إلخ. وهذا من أصعب الأسئلة التي بلا جواب، لأنه غيب تماما.
س بلا ج16 مسألة أخيرة: هل التفريق العلمي صحيح بين homosexuality وكل من pedophilia و ephebophilia؟
س بلا ج17 أليس اشتهاء الذكر للذكر هو هو إذا كان المشتهى صغيرا أم كبيرا: عشق الرجال، عشق الشباب، عشق الفتيان، عشق الغلمان، عشق المردان؟ لماذا تم تصنيف pedophilia (و ephebophilia) كمرض مختلف عن homosexuality؟
س بلا ج18 مع إن من يشتهي الصغار (المردان/ الغلمان) يعنون بذلك أنهم يشتهونهم ذكورا فقط.
هذه هي أفكار من شخص عانى كثيرا من هذه المسألة والتفكير لا في ماهيتها أصلا.
فأرجو إرشاده إلى طريق التفكير الأصح.
22/06/2007
رد المستشار
الأخ العزيز..... غريب؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لست أدري لما الإصرار على تسمية الأسئلة المذكورة: "بلا إجابة"....أخشى أن تكون ثمة رغبة خفية بأن تكون فعلا هذه الأسئلة بلا إجابة، وأخشى أيضا أن يكو ن وراء هذه الرغبة في الغموض رغبة أساسية في الهروب أو التحلل من الضوابط والموانع والمحاذير، وأخشى أن يكون ذلك نوع من التهديد بالتعجيز، أو أن يكون ذلك رفضا مقدما لإجابة محتملة أو متوقعة. إذن نحن قد نسأل سؤالا ولا نرجو إجابته، بل قد نتمنى أن لا تكون له إجابة على الإطلاق خاصة إذا كان هذا يعطينا مساحة للحركة نبتغيها في غموض الإجابات وعدم تحديد المفاهيم. بالمناسبة هذه ليست اتهامات بسوء النوايا ولكنها نوع من الاستبصار بما قد يجري في عقولنا أو في نفوسنا من خلف أظهرنا، وهو كثير لدينا جميعا.
يقول تعالى في كتابه الكريم: "وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ" (الأعراف 80-81)
ورد في تفسير ابن كثير ما يلي: "بعث الله لوطا إلى أهل سدوم وما حولها من القرى يدعوهم إلى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم حتى صنع ذلك أهل سدوم... قال عمر وبن دينار في قوله "ما سبقكم بها من أحد من العالمين" قال ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط، وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي باني جامع دمشق: لولا أن الله عز وجل قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا ولهذا قال لهم لوط عليه السلام "أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين* إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء"، أي عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال وهذا إسراف منكم وجهل لأنه وضع الشيء في غير محله ولهذا قال لهم في الآية الأخرى قال " هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين" فأرشدهم إلى نسائهم فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن "قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد" أي لقد علمت أنه لا إرب لنا في النساء ولا إرادة وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك، وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى بعضهم ببعض وكذلك نساؤهم كن قد استغنين بعضهن ببعض أيضا".
ونفهم من هذه الآيات سبق قوم لوط إلى هذا السلوك وأنه لم يكن سلوكا فرديا لديهم بل كان ظاهرة جماعية، والظاهرة لا تعني الحصر أي أنه لا يستطيع أحد أن يقول بأن العلاقات الجنسية في قوم لوط كانت مثلية على الإطلاق وأن العلاقات الغيرية قد توقفت تماما وإلا لما تناسلوا. وقوله تعالى "ما سبقكم بها من أحد من العالمين" قد تفهم على أن ظاهرة الجنسية المثلية لم تكن موجودة قبل قوم لوط، أو أنها كانت موجودة ولكن الحياء العام في ذلك الوقت كان يمنع التصريح بها وبذلك تظل حبيسة القلوب أو الأماكن المغلقة وهذا يجعلها في حدود الاستثناءات الفردية، أو أنها كانت موجودة ولكن لم تكن ظاهرة اجتماعية بهذا الحجم الذي ظهر في قوم لوط، أو أنها كانت موجودة ولكن مستنكرة ومنبوذة وأن قوم لوط أعطوها قبولا وتصريحا في الممارسة فتفشت وانتشرت بشكل وبائي جماعي بحيث تبقى العلاقة الجنسية الغيرية هي الاستثناء.
وقد ساد العرف في قوم لوط بالممارسة المثلية وهذا يتضح في استنكارهم لكلام لوط عليه السلام واعتباره غريبا عليهم وعلى أعرافهم بل ونبذهم له: "وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" (الأعراف : 82 )، وواضح أن وباء الجنسية المثلية كان قد تفشى في قوم لوط بشكل لم يعد يجدي معه علاج أو إصلاح، وأن هذا السلوك مضاد للفطرة ومضاد لطبيعة الحياة لذلك حدث استئصال لقوم لوط بعقاب إلهي كما ورد في الآيتين التاليتين: "فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ " (الأعراف 83-84).
وواضح من الآية أن امرأة لوط لم تكن على عقيدته بل كانت تنتمي إلى عقيدة وعرف من هلكوا، ولم يصرح القرآن إن كانت تمارس ما يمارسون أم لا، ولهذا نقف عند ما تعطيه الآيات من معان دون تجاوز، وهذا من أدب الإسلام حتى مع الهالكين.
وقوله "وأمطرنا عليهم مطرا" مفسر بقوله "وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي لا من الظالمين ببعيد"، وقد جرم الله هذا الفعل جل وعلا فقال "فانظر كيف كان عاقبة المجرمين". وقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن اللائط يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يرجم سواء كان محصنا أو غير محصن وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله والحجة ما رواه الإمام أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجه من حديث الدراوردي عن عمرو بن أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به". وقال آخرون هو كالزاني فإن كان محصنا رجم، وإن لم يكن محصنا جلد مائة جلدة وهو القول الآخر للشافعي (تفسير ابن كثير صفحة 240-241، الجزء الثاني، دار المعرفة بيروت).
ومن الخطأ نسبة هذا الفعل إلى اسم النبي لوط فنقول مثلا "فلان لوطي"، وإنما نقول كما قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم "يعمل عمل قوم لوط"، ومن هنا لا يجوز أيضا ربط كلمة "السحاق" بالنبي إسحاق عليه السلام فليس هناك مبرر لغوي أو اصطلاحي أو تاريخي لذلك، فالمعنى اللغوي للفظ سحاق هو البعد، واصطلاحا يعني البعد عن السواء والبعد عن الفطرة السليمة والبعد عن العرف الصحيح. ولم يعرف في التاريخ أي ارتباط بين السحاق والمجتمع الذي عاش فيه النبي إسحاق، وأي ربط لهذا السلوك بالنبي إسحاق عليه السلام يصدر إما عن جهل لغوي وتاريخي أو عن سوء نية بقصد ربط تلك الظواهر الشاذة بأسماء الأنبياء تمهيدا للطعن فيهم في مرحلة تالية أو في جولة لاحقة.
وقصة قوم لوط تعطي درسا مهما، وهو أن القبول الاجتماعي يوسع دائرة الجنسية المثلية ويفتح لها الطريق، ويشجع من لديه بعض الميول الكامنة أن يفصح عنها ويضاعفها، وهذا يؤدي إلى تنشيطها في طرف آخر مقابل سيتعامل معه، وهكذا تسري المثلية كالنار في الهشيم حين لا تجد حواجز تحدها. وإذا كانت هناك نسبة من المثليين مدفوعين برغبات تعود إلى عوامل بيولوجية، فإن هذه النسبة تتضاعف حين يفسح لها المجال للظهور المفاخر والمتباهي في المجتمع بدلا من أن تحاصر كأي انحراف مرضي أو خلقي في حيز ضيق لحين تهذيبها أو تعديلها.
ويبدو أن ما فعله قوم لوط يتكرر في هذا الزمن حيث تبذل جهودا هائلة لجعل الجنسية المثلية سلوكا مقبولا على المستوى الفردي والجماعي، بل قد يتجاوز بعضهم مسألة القبول إلى مسألة الفخر والخروج في مظاهرات علنية تفخر بهذا السلوك. والنتيجة المتوقعة لذلك هو أن تتفشى الرغبات المثلية الكامنة وتتوسع وتتحول إلى ممارسات مثلية يفخر بها صاحبها ويدعو إليها فتزيد مساحة الجنسية المثلية يوما بعد يوم حتى نصل إلى ظاهرة قوم لوط حيث يستغنى الرجال بالرجال وتستغني النساء بالنساء. وربما يقول بعضهم: ولم لا إذا كانت هذه هي خيارات الناس وتفضيلاتهم؟.. ويقول آخر: ولماذا لا تتغير الأعراف والتقاليد فتصبح الخيارات الجنسية كلها مقبولة على أنها تنويعات في السلوك الجنسي لا صلة لها بالدين أو بالأخلاق؟
وقد يروج البعض لمقولة بأن المثليين مثلهم مثل الغيرين لهم حياتهم التي يعيشونها بطريقتهم، وأنهم لو لم يتقبلوا مثليتهم فإنهم سيعيشون في عذاب مستمر.. وأن الحل الوحيد لهم هو أن يتقبلوا سلوكهم الجنسي المثلي ويمارسوه، وأن يسعدوا به ولا يخجلوا منه أو يداروه، فهم قد وجدوا أنفسهم هكذا ولا يملكون تغيير خياراتهم الجنسية.
هذه كلها قفزات خاطئة من الناحية العلمية الموضوعية بعيدا عن المداهنات الاجتماعية والسياسية، فالمثليون ليسوا سعداء حتى وهم يمارسون مثليتهم، وهناك فشل كبير في علاقاتهم، ففي كتاب "التنظيم الاجتماعي للجنس" يتضح أن متوسط عدد الشركاء الجنسيين طوال العمر للأشخاص المثليين 50 شريكا بينما هو للغيريين 4 شركاء فقط، ونسبة الملتزمين بشريك واحد في المثليين أقل من 2% وهي في الغيريين 83،5 %، ونسبة الجنس الشرجي في المثليين 65% وفي الغيريين 9%. ومن المعروف والمؤكد أن هناك علاقة قوية بين زيادة عدد الشركاء الجنسيين وبين الإصابة بالإيدز وسائر الأمراض الجنسية، وهذا أيضا قائم في العلاقات الشرجية. يضاف إلى ذلك كثرة فشل علاقات المثليين وعذاباتهم حتى في المجتمعات التي اعترفت بوجودهم ومنحتهم القبول بكل درجاته بل منحتهم الفخر في كثير من الأحيان.
هذه كلها قفزات خاطئة من الناحية العلمية الموضوعية بعيدا عن المداهنات الاجتماعية والسياسية، فالمثليون ليسوا سعداء حتى وهم يمارسون مثليتهم، وهناك فشل كبير في علاقاتهم، ففي كتاب "التنظيم الاجتماعي للجنس" يتضح أن متوسط عدد الشركاء الجنسيين طوال العمر للأشخاص المثليين 50 شريكا بينما هو للغيريين 4 شركاء فقط، ونسبة الملتزمين بشريك واحد في المثليين أقل من 2% وهي في الغيريين 83،5 %، ونسبة الجنس الشرجي في المثليين 65% وفي الغيريين 9%. ومن المعروف والمؤكد أن هناك علاقة قوية بين زيادة عدد الشركاء الجنسيين وبين الإصابة بالإيدز وسائر الأمراض الجنسية، وهذا أيضا قائم في العلاقات الشرجية. يضاف إلى ذلك كثرة فشل علاقات المثليين وعذاباتهم حتى في المجتمعات التي اعترفت بوجودهم ومنحتهم القبول بكل درجاته بل منحتهم الفخر في كثير من الأحيان.
وكون المثلي يشعر بميل لا إرادي تجاه مثله لا يعني كون هذا طبيعي، وكونه يشعر بالرغبة في هذا الشيء والارتياح لفعله لا يعطيه مشروعية البقاء، فبالقياس نجد أن المدمن يحب المخدرات والمسكرات ويسعد بتعاطيها وربما لا يسعد بشيء غيرها، والمقامر يجد سعادته في المقامرة، ومع هذا لم يقل أحد بالتسليم لرغبة المدمن أو رغبة المقامر لا لشيء إلا لأن هذه الأشياء حتى وإن كانت ممتعة إلا أنها ضد قوانين الحياة وفطرتها، فهي تهدم ولا تبني وتعزل ولا تتكامل، وهذا نفسه هو شأن الجنسية المثلية. وليسوا فقط المثليين هم المطالبين بضبط غرائزهم وتهذيبها بل كل الناس مطالبين بذلك فالجميع لديهم غرائز جنس وعدوان بدرجات وأشكال متباينة، والحياة السليمة في أي مجتمع تستدعي تنظيم وتهذيب هذه الغرائز بما يخدم حياة الجميع وسعادتهم.
والخطأ يحدث حين يتم وصم المثليين واضطهادهم ونبذهم كما حدث في أمريكا حين أصدر الرئيس الأمريكي إيزنهاور مرسوما سنة 1953 بحرمان أي مثلي أو مثلية من الحصول على وظيفة فيدرالية كما بدأ البوليس يتعقب المثليين ويتحرش بهم وأغار على أحد حاناتهم في نيويورك عام 1969 م واندلعت مظاهرات عنيفة عندما بدأ المثليون في الرد على هذه المعاملات القاسية، ومنذ ذلك التاريخ بدأ ظهور الجمعيات التي تدافع عن حقوق المثليين، وكأي جمعيات تنشأ في مثل تلك الظروف الساخنة بالغت تلك الجمعيات في مطالبها وضغوطها على المجتمع الأمريكي وعلى المجتمع الدولي (بحلول سنة 1973 بلغ عدد جمعيات الضغط السياسي للمثليين 800 جمعية وفي سنة 1990 تجاوز الرقم عدة آلاف كلها تضغط للحصول على مكاسب للمثليين)، وهذا جعلهم يأخذون موقفا مضادا من المجتمع، وهكذا أصبحت المعركة بين المثليين ومجتمعهم بدلا من أن تصبح بين الجميع وبين الشذوذ أو المرض أو الانحراف الحادث. فمثلا لا يصح وصم مريض الإيدز أو استبعاده أو اضطهاده، ولكننا نوجه الجهد للإيدز نفسه لمقاومته، ولا يصح أيضا أن نحتفي بالإيدز ونقرر التعايش معه والفخر به، وكذلك الحال في الإدمان والقمار.
ويقول الدكتور أوسم وصفي في كتابه الرائع "شفاء الحب" : "هذا بالطبع رد فعل مفهوم لكل سلوك مجتمعي يتميز بالوصم والتمييز، فالمشكلة تنبع أساسا من ميلنا البشري للوصم والعزل والتمييز. فالوصم هو نوع من أنواع الخلط بين الإنسان ومرضه أو سلوكه، والنتيجة الطبيعية لهذا الخلط هي العزل والتمييز حيث يقوم المجتمع –خوفا من المرض- بمحاربة المريض بدلا من محاربة المرض، وكرد فعل للوصم والعزل والتمييز تتشكل حركات الدفاع والتحرير وتمارس ما يمكن أن نسميه ب "الوصم المضاد" لكونه يتميز أيضا بالخلط بين المريض والمرض، ومن أجل الحفاظ على حقوق المريض يدعو إلى الحفاظ على حقوق المرض".
وقد استطاعت جماعات ضغط المثليين في حذف الجنسية المثلية من الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية (النسخة الثالثة) ولم يكن ذلك عن قناعة علمية وإنما بسبب ضغوط إعلامية وسياسية جبارة، وقد عبر عن ذلك الدكتور باير في مقال بعنوان "سياسات التشخيص" سنة 1981بقوله: "لم تكن هذه التغيرات (يقصد حذف الجنسية المثلية من قائمة الأمراض واعتبارها اختيارا شخصيا) نابعة من استيعاب الحقائق العلمية التي يمليها المنطق، وإنما على العكس كان هذا العمل مدفوعا بما كان يمليه المزاج الأيديولوجي العام في تلك الحقبة من التاريخ".
وقد ذكرت لجنة الصحة العامة بأكاديمية نيويورك الطبية في تقريرها عن الجنسية المثلية ما يلي: "الجنسية المثلية هي بالفعل مرض.. والمثلي إنسان مضطرب وجدانيا بحيث لم تتطور لديه القدرة الطبيعية لتكوين علاقات مشبعة مع الجنس الآخر... وبعض المثليين قد ذهبوا إلى ما هو أبعد من مجرد الدفاع عن المثلية وهم الآن يحتجون قائلين أن المثلية هي أسلوب محبب ونبيل ومفضل للحياة" (موضوع السياسات الجنسية والمنطق العلمي، في مجلة التاريخ النفسي 10، رقم 5 عام 1992 م صفحة102، نقلا عن كتاب شفاء الحب – دكتور أوسم وصفي).
ولقد كان لحذف الجنسية المثلية من التشخيصات المرضية أثر سلبي فقد توقفت الجهود العلمية لمساعدة المثليين في مواجهة مشكلاتهم الناشئة عن توجهاتهم المثلية، ولم يبقى متاحا للأطباء غير مساعدتهم لتقبل مثليتهم ومساعدتهم على التكيف معها وإقناع المجتمع بقبول السلوك الجنسي المثلي. وهذا وإن كان مقبولا في الغرب بنسب مختلفة إلا أنه غير مقبول في المجتمعات العربية والإسلامية والشرقية بوجه عام والتي لديها قناعات ومعتقدات دينية في اليهودية والمسيحية والإسلام تحرم السلوك الجنسي المثلي، وليس من المتوقع محو هذه المعتقدات لطمأنة المثليين (الذين لا يزيدون عن 3% في المجتمع وقد استراح الأطباء لهذا الأمر لما يعانونه من مصاعب في التعامل مع المثليين في الموقف العلاجي، ولما يواجهونه من فشل في هذا المجال، ولكن الواقع يؤكد بأن عدد كبير من المثليين يعانون من مثليتهم بشكل شخصي بعيدا عن أي ضغوط اجتماعية ويبحثون عن علاج لها لدى الأطباء فلا يجدون من يقدم المساعدة، نظرا لخلو المراجع الطبية الغربية من تقنيات علاجية لهذا الأمر ونظرا لاعتياد الأطباء في بلادنا على التطفل على تلك المراجع كمصادر لعملهم دون إبداع حقيقي يضع احتياجات مرضانا بثقافتهم وتوجهاتهم واحتياجاتهم المختلفة في الحسبان.
ومن المعروف طبيا أن المثليين نوعين : نوع متوافق مع مثليته ومتقبل له Ego syntonic وهذا لا دخل للأطباء به فهو أصلا لا يأتي إليهم ولا يسألهم مساعدة، ونوع آخر رافض لمثليته ومتألم منها Ego dystonic وهو يأتي بحثا عن المساعدة ويكون في حالة ألم شديد بسبب جنسيته المثلية حتى ولو كانت على مستوى المشاعر الداخلية فهو يشعر أنه يحمل بداخله شعورا مقززا لا يحتمله وبعضهم يصل ألمه ورفضه إلى التفكير في الانتحار، وهذا النوع يحتاج للمساعدة بشدة لأنه يعاني معاناة شديدة.
وبخصوص النعيم في الجنة وهل فيها تنعم مثلي أم لا، فإن أمر الجنة هو كما ورد في الآيات والأحاديث "فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، فالله وحده أعلم كيف يسعد أولياءه وأحباءه، ولا يجوز أن نضع معاييرنا الدنيوية في الجنة، أو نضع تفضيلات قلة من الناس في هذا الأمر (ملحوظة : المثليون يشكلون 2،8% من الذكور و 1،4% من الإناث). وهناك بعض الناس ينحرفون بتفكيرهم في الحديث عن الغلمان المخلدين في الجنة بأنهم ينتمون إلى الجنسية المثلية بزعمهم، ولا يوجد نص مقدس في أي دين يؤيد هذا الرأي الشاذ، وكل ما يفهم من وظيفة الغلمان المخلدين أنهم خدم في الجنة.
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية والتنظيمات الاجتماعية في موضوع الجنسية المثلية تهدف إلى الضبط والتهذيب للغرائز وانحرافاتها، وهذا يقلل من فرص تضخم المشاعر والممارسات المثلية، ولو كانت غير موجودة فلنا أن نتوقع انتشارا وبائيا مثل ما حدث لقوم لوط. وفي التراث الإسلامي الكثير مما كتب في عشق الصور وتأثير ذلك على القلب ثم بيان كيفية الخلاص من عشق الصور حيث أنها تشغل خط الحب الرئيسي المخصص لحب الله سبحانه وتعالى، ويمكن مراجعة ما كتبه أبو حامد الغزالى وابن القيم في هذا الأمر وعلاقته بأمراض القلوب. والمثليون من أكثر الناس ابتلاءا بعشق الصور، فهم بصريون في الأغلب ويتعلقون بالأشخاص ذوي الوسامة الذكورية أو النسائية (حسب جنس العاشق)، وهذا التعلق البصري السطحي يجعل المثلي متقلبا ومتعددا في علاقاته العاطفية والجنسية لأن الأشكال تتعدد.
ويتساءل بعض المثليين: وما ذنبنا نحن في وجود غرائز في اتجاهات مختلفة عن بقية الناس، وكيف نصرف غرائزنا الجنسية في اتجاهات يرغبها المجتمع ولا نرغبها؟.. وهذا يعيدنا إلى التسليم بحكمة الله وعدله في كل ما خلق وأبدع، فلكل خلق وظيفة وغاية قد نفهمها وقد لا نفهمها، وقياسا على هذا نستطيع استيعاب وقبول خلق الله تعالى لأشخاص معوقين جسديا أو ذهنيا، وللحشرات والوحوش، والزلازل والبراكين والبرق والرعد، وكلها أشياء قد تبدو في ظاهرها بلا جدوى بل قد تبدو ضارة ولكنها حكمة الله في خلق الشيء ونقيضه، وفي بيان القواعد والاستثناءات، وكلها تدخل في باب الابتلاء "ونبلوكم بالشر والخير فتنة"، فالأمر لا يقاس بالحياة الدنيا، وإلا اضطرب الفهم، ولكنه يقاس بالوجود الممتد في الدنيا والآخرة وهذا المعنى يتضح بقوة في سورة الكهف حيث تبدو لنا بعض الأشياء في الظاهر بصورة ولكن يكمن ورائها في الخلفية أشياء أخرى لا نعلمها ولكن يعلمها الله، وهنا يصح القول بأن الجنسية المثلية لمن وجدها في نفسه ولم ينشطها أو يستحثها هي ابتلاء، والله يمنح الثواب على الصبر على الابتلاء، ويقدر كل أمر بقدره، ولا شك في عدله ورحمته، فهو الخالق وله الحق أن يبتلي من شاء بما شاء ويحاسب كل شخص على ما فعل في ابتلائه. وليست فقط المثلية هي الابتلاء فالفقر ابتلاء والغنى ابتلاء والنجاح ابتلاء والفشل ابتلاء والصحة ابتلاء والمرض ابتلاء.
وقد يقول قائل: ولماذا تحرم الجنسية المثلية؟.. أليست خيارا في الممارسة الجنسية؟ وما ذنب هؤلاء الذين لا يجدون رغبة في جنس معين؟ ولماذا يجبرون على علاقة جنسية مع جنس يشعرون تجاهه بالبرود وأحيانا بالقرف والاشمئزاز؟..... ولماذا تنشأ مشاعر الجنسية المثلية إذا كانت ضد قوانين الإنجاب والتكاثر وضد تكوين الأسرة؟.. والجواب هو أن التحريم لا يقوم على المنطق البشري وإنما يقوم على حكمة وإرادة إلهية، وهذا كان هو الدرس الكوني الأول حين أباح الله لآدم التنعم بكل شيء في الجنة إلا شجرة واحدة حرمها عليه، وقد نسى آدم عهده مع الله، وبدافع الفضول والرغبة في التملك والخلود وبوسوسة من الشيطان ذهب وأكل من الشجرة المحرمة، وربما قال له عقله: وما الفرق بين هذه الشجرة وسائر الأشجار؟... ولماذا تحرم عليّ هذه الشجرة؟؟، ولهذا أكل منها فبدت له سوءته وخرج من الجنة وعلمه الله كلمات ليتوب بها من ذنبه حتى لا تلتصق به الخطيئة وتيئسه من العودة إلى طريق الهداية. هذا الدرس الكوني الأول يعطي معنى للحلال والحرام يتجاوز المنطق البشري، فالخالق هو الذي يحرم ويحلل لحكمة يعلمها والمخلوقين يقولون: سمعنا وأطعنا، ولكن هناك بعض المخلوقين يقولون سمعنا وعصينا، والجزاء يترتب في النهاية على هذه القدرة على التعامل مع القوانين الإلهية.
ومسألة التفرقة بين المثلية وعشق الأطفال والمردان مرده التحديد العلمي لظواهر الانحراف الجنسي، وهي كلها تنويعات لذلك الانحراف تتشكل طبقا لعوامل وراثية وبيئية وموقفية، ولكل منها مساره ومآله ودينامياته.
وليس ضروريا أن يكون الطبيب النفسي مثليا حتى يشعر بالمثليين ويكون قادرا على مساعدتهم، ولو كان ذلك صحيحا لاستلزم الأمر أن يعاني من الاكتئاب والفصام والقلق حتى يستطيع مساعدة المصابين بتلك الأمراض وهذا غير منطقي. وإذا كانت وسائل المساعدة للمثليين قاصرة في الوقت الحالي فهذا ليس مبررا لاعتبار المثلية عصية على العلاج فكثير من الاضطرابات والأمراض تأخر اكتشاف علاجها لقرون، وإذا كان الغربيون قد حذفوا الجنسية المثلية من قائمة الاضطرابات النفسية فإن هذا ليس قائما في المجتمعات العربية والإسلامية حيث يعيش الشخص صراعا مريرا مع قيمه الدينية حين يمارس مثليته أو حتى يستشعرها، والشخص في هذا الوضع يمر بابتلاء حقيقي ويحتاج للمساعدة كي يسيطر على تلك الرغبة التي تسكن جوانحه وهويرفضها أو يتألم منها ولا يستطيع أن يجاهر مجتمعه بها.
ومن المسلم به شرعا أن الإنسان مسئول عن ممارساته، أما ما يحدث على مستوى فكره ومشاعره مما لاسيطرة له عليه فهو في عفو الله والله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يجوز للمثلى أن يقول بأنني لا أستطيع التحكم، فالتحكم في الغرائز مطالب به المثلي والغيري على السواء. وأي جهد يبذله المثلي ليعود أو يقترب من الفطرة السليمة هو في المفهوم الديني مجاهدة للنفس يحتسب أجرها عند الله، وأي ألم يتألمه المثلي بسبب رغبة في داخله لا يعرف مصدرها وهي في ذات الوقت تؤلمه أو تشعره بالخزي أو العار هي أيضا في ميزان حسناته حين يضبطها ويسيطر عليها. والجنس في النهاية طاقة تأخذ مسارها حسب الظروف المحيطة بها ويمكن مع الصبر والمثابرة أن تتحول من اتجاهاتها المنحرفة إلى اتجاهات سوية وإيجابية إذا صدقت النية وصح العزم. والاستسلام للمثلية ليس حلا فمن المعروف إحصائيا أن نسبة الاضطرابات النفسية تكون أعلى في المثليين وأيضا نسب الانتحار ونسب الفشل في العلاقات، وهذا يحدث حتى في المجتمعات التي أقرت بالمثلية وقبلتها بل وفاخرت بوجودها.
أرجو أن أكون قد غطيت ما استطعت من التساؤلات واعذرني إن كنت قد قصرت أو تجاوزت فالبشر جميعا معرضون للخطأ والنسيان، وأسأل الله للجميع السعادة والطمأنينة والسلام.
التعليق: بارك الله فيك يا دكتور ولكن ما قول حضرتك في طفل ( وسيم مؤدب -يصلي -حافظ القرآن) تم الإعتداء عليه في السابعة من عمره فأثرت عليه نفسيا حتى وصل العشرين من عمره فقام بالإعتداء على طفل (مرة واحدة فقط) وأخبر الطفل والده فحدثت الفضيحه والعار مدى الحياة
فهل هذا الشخص مجرم شاذ لأنه إعتدى على طفل أم أنه ضحية فلو لم يحدث له في الصغر لأصبح شابا طبيعيا لم يفعل ما فعل
وأود أن أسأل لماذا فضح الله هذا الشاب ولم يفضح من فعل به في الصغر وهل هذا قدر من الله وكيف له أن يتأقلم بعد الفضيحه علما بأن هناك أقارب له لا يصدقون ما قيل عنه ؟
وهل يخبر الناس بما حدث له في الصغر ليخفف من الفضيحة ويعلمون أنه ضحيه وليس مجرما بالمعنى الحقيقي؟ علما بأن هذا الشاب ما زال يصلي ومتفوق علميا ويحبه الناس وطبيعي تجاه الناس وغير مثلي بالمرة رغم ما حدث حيث أنه لا يعرف كيف هذا حدث
ربنا يلطف ويعطينا الصبر آسف للإطالة