الجنس والشباب
أذا لم ييسر المجتمع للإنسان الحقوق الأساسية له فإنه يحاول تحقيقها ولو بسبل غير مباشرة وإن كان الدين والعادات قد تكون هي المنظم للسلوك. وفي المجتمعات التي يحدث فيها اختلال للقيم يكون السلوك الغريزي هو المسيطر في أغلب الأحوال, مهما حاولنا أن نحسن الصورة الظاهرة أمامنا, إننا أمام قنبلة قد وغالبا ستؤدى إلى حالة: ازدواجية: صورة ظاهرة مقبولة إلى حد ما, وصورة سرية متعارف عليها مقبولة عرفا بشرط عدم العلنية, وعلى مدى متوسط تصبح هي الأصل.
باختصار العلاقات خارج منظومة الزواج أصبحت نسبتها المئوية عالية جدا تحت مبررات ومسميات، لا حل لهذا الأمر إلا بالحديث الشريف: إن أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ولو بخاتم من حديد, فلربما مع إصلاح الأوضاع يتحقق التقارب بين رغباته الدنيوية والمبادئ الدينية.
27/5/2007
رد المستشار
لعلك تعلق على إجابة "الحوار حول الجنس... متى ستمارسون؟!"، واسمح لي أن أنتهز فرصة رسالتك، شاكرا لك إياها شكرا جزيلا، لأنتقد خطابا صار يصيبني بالإعياء، ووجع البطن!!
وأنت في رسالتك تقدم نموذجا مثاليا لهذا الخطاب، وأرجوك أن نراجع معا ومع القراء مكونات رسالتك بما جاء فيها، وبما غاب عنها -وأرجو أن تتفهم أن كلامي ليس هجوما على رأيك أو شخصك- إذ لا تحتوي رسالتك على أية معلومة جديدة!!
انتظرت مثلا أن تروي لنا طرفا مما تعرفه عن نماذج الانحراف في المجتمع، مما قد تراه أو سمعت عنه حملك، إذا كان لديك شيئا تضيفه في هذا الصدد، فمن الضروري أن نعرف والقراء ما الذي يحدث فعلا بتفصيل وتحديد، وليس مجرد الكلام العام المرسل الذي نردده جميعا. كما خلت رسالتك أيضا من أية خبره أو تجربة إيجابية في التعامل مع جوانب المشكلة التي نحن بصددها!!
لا أعطيتنا مثالا على المشكلة يتضمن خبرا جديدا، ولا ألمحت إلى تعامل رأيته أو سمعت عنه يمكنه المساهمة في الحل، فماذا بقي؟! أي ماذا كتبت لنا؟!
يتبقى أنك مثل غالبية ما نكتب ونقرأ ونردد، تعيد إنتاج البديهيات، فتقرر أنه ما لم تنحل المشكلة سيزداد الفساد، وأن تيسير الزواج هو الحل!! وأريد التوقف أمام هذا الأسلوب!!
لاحظ يا أخي الكريم أن هذا الخطاب هو من قبيل قول عادل إمام في شاهد ما شفش حاجة عن جارته من أنها كانت: رقاصة، وبترقص!! أي من قبيل تحصيل الحاصل!!
لاحظ أن معنى هذا أن أغلب وقتنا وطاقتنا وتفكيرنا مبدد ومهدر في ترديد البديهيات العامة، وتزيين مجالسنا بها، وتداولها والاختلاف حولها، وإعادة طرحها بالتالي وجمعها وقسمتها دون محاولة لتطوير فهم، أو تعميق تحليل، أو تدقيق تشخيص، أو توصيف علاج ينفع، أو تبادل خبرات أو معارف تضيف!!
إنه الكلام الساكت كما يصفه إخواننا في السودان بلفظ عبقري، أي أنه خالي من المعاني الجديدة والأفكار القابلة للتوليد!!
ولك أن تتوقع مستوى التفكير السائد الذي سيكون حتما من عينة مستوى الكلام سالف الذكر!! وهذا للأسف هو عامة ما نرى ونسمع ونشاهد!
وهذا كله صار يصيبني بالإعياء كما ذكرت لك، لأنني أشعر أننا ندور في حلقات مفرغة، ونتداول الأدوار في مسرحية عبثية، فتارة نحن المجرمون، وتارة نكون الضحايا، ثم نكرر التبادل دون ملل!! وصار ما نقوله بالأمس نعيده اليوم، ونزيده غدا، وهكذا!!
فطبيعي أن ينتشر الفساد مع صعوبة أو تعذر إقامة علاقات شرعية بين الرجال والنساء في مجتمع معاصر، ولكن رسالتك تفترض ما هو شائع من اختصار معضلات الزواج عندنا في الجانب المادي الاقتصادي، وطبقا للطرح السائد أيضا سيكون الحل المقترح بسيطا مثل التشخيص: تيسير الزواج، فيتزوج الشاب بخاتم من حديد، أو ما يحفظ من القرآن، ورغم شيوع هذا التصور، وهذا التحليل والكلام، إلا أن أحدا لا يحل ولا يطبقه، وربما يردف التحليل عند ذلك أن سبب عدم تطبيق الناس لهذا الحل البسيط هو ضعف إيمانهم، أو شيء من هذا القبيل، وتنتهي الجلسة بعد أن ذهب الوقت، وفرغنا من الكلام دون أن نصل لشيء، ولن نصل إلى شيء هكذا!!
وهكذا فإن عملية التفكير والتحليل والتشخيص عندنا معيوبة أو مشوهة!!
تحدثت مع عينة صادفتني من بنتين عن رأيهما في أسباب تأخر الزواج أو تعثره، وكانت الناحية الاقتصادية من العوامل الهامة، ولكن أيضا كان هناك رصد لأسباب أخرى مهمة، وأحيانا أهم!!
هناك مخاوف هائلة لدى كل طرف من الآخر، الفتاة أصبحت ترى كل شاب يتحدث إلى هذه، ويتواصل مع تلك بالمحمول، وعلى الإنترنت، وتسمع عن قصص الخيانة، وتخشى أن تكون يوما في أحضان رجل يخدعها أو يخونها، قلت لهما: والشباب كذلك لديه نفس المخاوف، وإلى جوار مسألة انعدام الثقة، هناك مخاوف لدى الفتيات من المعاملة غير اللائقة من الرجل لها بعد أن يصبح زوجها!!
ويمكن ذكر هواجس عميقة لدى الرجال أيضا، وتخشى البنت كذلك أن تجد نفسها مع رجل لا يتحمل المسئولية، أو لا تشعر معه بالأمان، أو تافه في تصرفاته وأفكاره، وترى إحداهن أن فشل بعض الزيجات القائمة على الحب يدفع البعض إلى زواج الصالونات، وبالعكس، وهذا التشتت يعطل وله مصاعبه، وبالجملة فإن هناك صعوبات في الاختيار، والتواصل العادي أصلا.
أخرى قالت أن البنت صارت تعمل اليوم وتخرج وتسافر، وقد تتقاضى الزوجة راتبا أكبر من زوجها، وقد يأخذ منها بعضه أو لا يأخذ، فأين القوامة –هكذا تتساءل- والنفقة لم تعد حكرا عليه؟! ومع تخلخل مفهوم القوامة يمكننا أن نتصور تداعيات جمة.
بعض البنات صارت تستمد الأمان من عملها وراتبها، وليس من الزواج والأسرة كما كانت الأمهات والجدات!!
أخرى قالت أن الشاب صار يحصل على ما كان يمنحه له الزواج سابقا عبر العلاقات المفتوحة حاليا من ناحية من تقبل بها، وإتاحة الأخريات عبر وسائل الاتصال، مع شكوكه في الجميع!!
كما قالت إحداهن: الشاب يحلم بمن هي في جسد فلانة أو فلانة، وعندما تقول له الفتاة أن هذه الأجساد مصنوعة وغير طبيعية، يقول لها: بل هي الغيرة من هذي أو تلك لأنك لا تستطيعين أن تكوني مثلها!! وبالتالي فإن صورة معينة لجسد فتاة الأحلام قد تؤخر!!
فإذا كانت الأسباب التي تدفع أهلنا للزواج سابقا قد تغيرت تماما، أقصد أن الظروف كلها المحيطة بمسألة الزواج قد تغيرت، ألا يستدعي الأمر أن نتوقف، ونراجع أعمق من مجرد إرسال الأقوال البسيطة عن التيسير المادي، والزواج بخاتم من حديد؟!
والدين يأمرنا بالتدبر والتفكر والنظر في الأرض والبشر، والاعتبار الهادئ والتأمل في الآفاق والأنفس، في كتاب الله المسطور في القرآن، وكتابه المنظور المنشور في حياة خلقه وأحوالهم، ولكن الدين غالبا عندنا صار مجرد إعادة ترديد النصوص المعروفة ورصها بأشكال مختلفة، مع هذه الحاشية أو تلك، دون محاولة لفك شفرات النص في تفاعل الواقع مع القيم، أو تدافعه مع المشكلات والمستجدات!!
لا عاد هذا الإيمان الهش ينفعنا، ولا ذلك التعامل البدائي مع الإسلام ينقذنا، ولا عاد الواحد منا قابلا للتغيير وصلاح الحال، ولا المجتمع كله، إلا بثورة في فهمنا لديننا، وتعاملنا معه، وفهمنا لعصرنا وتعاملنا معه، وفهمنا لمشكلاتنا، وتعاملنا،معها بجدية أكبر!!
لا أمل في مستقبل أفضل ما دام الإنسان عندنا والمجتمع –كما هو- في اجترار وتكرار، وترديد وتسميع الكلام المرسل، والنصوص المقدسة المباركة، دون فهم أو تدبر أو تشغيل في الواقع، ومجتمع كهذا سيزداد انهيار، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم!!