السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ طفولتي وأنا أمارس هوايات متعددة، وكان لي اهتمام محوري في حياتي ودراستي في مجال العلوم إلى جانب هوايتي للموسيقى حتى قرب انتهاء الثانوية العامة، وتبددت الأحلام ليس بسبب المجموع؛
فقد كان من الممكن أن ألتحق بكلية العلوم، ولكن لأني لا أعرف ماذا أريد أن أكون أو أعمل مستقبلا، أو ما هو هدفي في الحياة، حتى قبل الثانوية العامة؛ فلم أكن أحلم بعمل ما، اللهم إلا أن يكون في المجال العلمي.
ولكني دخلت كلية تهتم بالكمبيوتر والإدارة، ليس لأني أريدها؛ ولكن لأنها أفضل الاختيارات، ومع أنها كانت سهلة جدا إلا أني لم أكن أذاكر ورسبت في عدد من المواد، وأخيرًا حصلت على البكالريوس. والقلق والتوتر مشكلة مزمنة معي حتى بالنسبة للمشاكل الصغيرة، وعانيت من الإحباط والاكتئاب في نهاية الثانوية، وفي بداية الكلية أخذت علاجا دوائيا لمدة سنتين، وقد تحسنت عليه كثيرا، ولكن لم يحل مشكلة التوتر حلا جذريا.
ومنذ صغري وأنا لي عادات متعلقة بذلك، بدأت بمص إصبعي وأنا طفلة، ثم اللعب في أظافري، ثم كذا وكذا حتى وصلت إلى تقطيع شعر رأسي من الأمام لست سنوات، وهو ما شوه من مظهري. ومنذ بداية الكلية لا أمارس شيئا أحبه، ولا أعرف كيف أستغل إيجابياتي وكيف أعالج سلبياتي، ولا أجد من يشجعني ويرفع من روحي المعنوية، أريد مثلا أعلى لي، أفتقد إنسانًا يبث فيّ روح التفاؤل، ذا عقل راجح يرشدني ويساعدني أو يظهر لي حبا واهتماما؛ فأبي منفصل عن أمي، وأمي مشغولة بالعمل ولا ترى فيّ إلا السلبيات فتنتقدني بشدة باستمرار.
لا أعمل حاليا، وأخاف من تحمل أعباء جديدة في العمل، خاصة أني لا أعرف ماذا أحب أن أعمل، وأريد أن أعمل عملا أحبه، أيضا لا أستطيع أن أنظم وقتي فهو غالبا مهدر، وهو ما يشعرني بتأنيب الضمير، من جهة أخرى أرفض الزواج بشدة ولا أستشعر أهميته، أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الحمد لله أواظب على الصلاة والعبادات وأصلي صلاة الاستخارة في كثير من الأشياء، ومنها اختيار كلية الإدارة بدلا من العلوم، كذلك لا أستطيع أن أعمل تحت ضغط نفسي، ولا أنكر أن سلبياتي لها عامل مهم في مشاكلي؛ حيث إني كسولة وضعيفة الإرادة، أُراكِم الأعمال، لكني إذا عملت عملا فإنني أعمله على أكمل وجه، وأنا أحب الناس والوطن وصادقة وأمينة، ورومانسية وأهوى التغيير، وأصل رحمي، وأسامح وأغفر أمام كلمة طيبة، وكذلك وفية.
شكرا لكم
وجزاكم الله خيرا
28/5/2006
رد المستشار
الأخت السائلة؛ كان الله في عونك؛ فقد عانيت الكثير وما زلت تعانين، وفي رسالتك ما يشير إلى مستوى عالٍ من التوتر بحق، ولا أدري لماذا لم تذكري لي اسم العقار الدوائي الذي استعملتِه لمدة عامين كما قلت؟
وقد وصفت ذلك العقار بأنه حسنك كثيرًا، ولكنه لم يحل المشكلة من جذورها، وأنا هنا أريد أن أعرف منك ما هي جذور المشكلة في رأيك؟
إن الجذور التي تتكلمين عنها -وكما قلت أنت في رسالتك- تعود إلى سن الطفولة؛ لأنك كنت تمصين أصابعك، وكما قلت "ومنذ صغري وأنا لي عادات متعلقة بذلك، بدأت بمص إصبعي وأنا طفلة، ثم اللعب في أظافري، ثم كذا وكذا حتى وصل إلى تقطيع شعر رأسي من الأمام، وذلك لست سنوات؛ وهو ما شوه من مظهري"، فأنت تتكلمين عن طفلة ظهرت عليها أعراض اضطرابات العادات منذ طفولتها.
والمقصود باضطرابات العادات تلك الأفعال غير المرغوب فيها التي يجد الشخص نفسه مضطرًا لفعلها وتكرارها رغم عدم رغبته هو شخصيا في ذلك، ولكنه لا يستطيع منع نفسه من تكرارها؛ لأنه كلما فعل ذلك تعاظم القلق والتوتر داخله؛ ولأنه كلما مارس ذلك الفعل أعطاه قـدرًا لحظيًّا من الراحة والهدوء، وهذه العادات في حالتك هي -حسبما ذكرت- مص الأصابع، ثم اللعب في الأظافر (أو قضم الأظافر)، ثم نزع الشعر؛ فأنا أعرف أنك حاولت منع نفسك من ذلك وكنت تفشلين!
ودائمًا ما يتميز مزاج ذلك الشخص بالقلق والتوتر المزمن الذي يكاد يكون جزءًا من تركيبته النفسية، وربما يكون هنالك أيضًا بعض التردد، وبعض التهور أحيانًا في مقابل التحكم الزائد في النفس؛ فما تتكلمين عنه من أعراض بدأت بمص الأصابع ثم اللعب في الأظافر، (وربما أكلها أو قضمها بالأسنان أو ما نسميه في الطب النفسي باضطراب قضم الأظافر المتكرر Onychophagia )، ووصلت الآن إلى نتف الشعر Trichotillomania.
هذه الأعراض كانت قديمًا توصف على أنها سمات عصابية Neurotic Traits لدى الشخص، وعندما نتكلم عن سمات في شخص ما فإن المقصود هو أن لهذه السمات أساسًا بنيويا تركيبيا في ذلك الشخص. وأما اليوم فقد أصبحت هذه الأعراض واحدة من اضطرابات نطاق الوسواس القهري، وبعضها قد يتحسن بالعلاج الدوائي المسمى بالماس أو الماسا (أو مضادات الاكتئاب التي تعمل من خلال السيروتونين)، إضافةً إلى العلاج المعرفي السلوكي، ولكن استمرار التحسن مرهون بالاستمرار على العلاج، كما أن نجاح العقار ليس أكيدًا بنسبة كبيرة مثلما هو الحال في اضطراب الوسواس القهري نفسه.
ما تصفينه على استعجال في إفادتك إذن هو لب المشكلة، والواضح أيضًا هو أن لاضطرابك أساسا عضويًّا لا جدال فيه اليوم، وكونك تحسنت على عقار ما لا يعني في نظر الطبيب النفسي إلا أنك محظوظة، وطبيبك الذي وصف لك ذلك الدواء أيضًا محظوظ؛ فكيف لم تنتبهي لذلك؟ لست أدري!
وما الذي تقصدينه من قولك في إفادتك "أخذت علاجا دوائيا لمدة سنتين، وقد تحسنت عليه كثيرا، ولكن لم يحل مشكلة التوتر حلا جذريا"، إن تحسن حالة نتف الشعر على دواء عقاري هو شيء لا يحدث كثيرًا، فإن حدث فالمريض والمعالج محظوظان كما قلت لك من قبل، ويجب على الطبيب أن ينصح مريضه بالاستمرار على الدواء، ويجب على المريض أن يلتزم بذلك، إلا إن كان التحسن الذي تقصدينه هو تحسن في أعراض الاكتئاب فقط دون تغيير في معدل نتف الشعر أو قضم الأظافر أو غير ذلك، بمعنى آخر أن كونك تحسنت كثيرًا على عقار لا يعني كما قلت أنه لم يتمكن من حل المشكلة من جذورها، بل يعني أنه فعل ذلك بالتأكيد.
أقول ذلك لأن أروع ما في مقدور الدواء في مثل حالتك التي تأخذ العوامل التركيبية والبنيوية فيها جزءًا كبيرًا من الإمراضية النفسية هو أن يعطيك بعض التحسن في عرض كنتف الشعر أو قضم الأظافر أو غيرهما من أعراض نطاق الوسواس القهري، وهو لا يستطيع تحسين هذا العرض إلا إذا عمل عليه من الجذور التي هي اضطراب الناقل العصبي السيروتونين في بعض مشابك مخك العصبية.
أعتقد أنك لم تواظبي على جلسات العلاج السلوكي المعرفي مع طبيبك، أو أنك كنت تريدين من العقار الدوائي ما لا يستطيع فعله؛ فحالتك حسب التشخيص الذي وصلت إليه من خلال كلماتك (وأسأل الله أن يكون صحيحًا) تحتاج إلى شقين من العلاج:
الأول: هو العقار الدوائي الذي يحاول ضبط خلل كيميائي تركيبي في المخ، وذلك الضبط يشبه إلى حد كبير ما يفعله دواء ارتفاع ضغط الدم؛ بمعنى أنه مرهون باستمرار المريض على العقار!
أما الشق الثاني والضروري من العلاج فهو العلاج المعرفي السلوكي.
وقد تقولين لي: إن هنالك فرقًا ما بين حالتك وحالة مريض الضغط، وهو أن مريض الضغط تتحسن كل أعراضه عندما يستمر على العقار، وهو ما لم تشعري به في حالتك، ولذلك قررت ترك الدواء، وأنا هنا أقول لك: إنك قد تكونين محقة بالفعل في شعورك، ولكن حقيقة الأمور ليست كذلك! لأنك لم تكملي الشق الآخر المهم في العلاج وهو العلاج المعرفي والسلوكي الذي يمكنك من التخلص من الكثير من طرق التفكير الخاطئة وطرق التعبير عن الانفعال بشكل يضرك، كل هذا إلى جانب المشكلات التي نتوقع أن تحدث لمخلوقة قلقة منذ مرحلة مبكرة من حياتها؛ فهناك ولا شك تفاعلات مضطربة مع صديقاتك وربما مع أفراد عائلتك.
أما ما أشرت إليه في إفادتك من أنك لا تعرفين ما الذي تحبين عمله؛ فمعك حق ولا جدال في ذلك، ولكن لنفترض أن شخصًا ما لا يعرف ما الذي يحب أن يعمله.. فهل يكون الحل هو أن يبقى ذلك الشخص بلا عمل؟ بالطبع لا؛ فالأفضل هو أن نعمل وأن نحب ما نعمل!
وأما ما يتعلق بتنمية الإيجابيات وعلاج السلبيات في شخصيتك؛ فهذا هو أحد مكونات العلاج النفسي الذي تحتاجين إليه، إذن فحاجتك للعلاج النفسي بشقيه الدوائي والمعرفي السلوكي واضحة لا جدال فيها؛ فاستخيري الله سبحانه وتعالى، وتابعي مع طبيبك النفسي.
وبإمكانك تصفح موقعنا من خلال الروابط التالية لتجدي منها مرادك:
اضطراب نتف الشعر مقدمة Trichotillomania
اضطراب نتف الشعر العلية Trichotillomania Etiology
اضطراب نتف الشعر التشخيص Trichotillomania Diagnosis
نتف الشعر: العلاج مقدمة Trichollomania Treatment
برنامج علاج سلوكي لنتف الشعر (الأســبوع الخامس)
وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين وتابعينا بأخبارك.