طواغيت وأصنام
أولاً: أريد أن أشكر الدكتور أحمد.. وأقول: جزاك الله خيراً على هذا التحليل، وهذه النصائح ذات الأبعاد.. وأسأل الله تعالى أن يبارك في وقتك لتنجز (الكتيب) الذي تستحقه هذه المشكلة.
ثانياً: استوقفني جداً الاقتراح القائل: لا تنتظروا الثورة، ولا تعلقوا آمالكم على السياسة.
ثالثاً: أشدد على الأخ صاحب المشكلة (التي تكاد تنطبق على كل منا، على مستويات متفاوتة نوعاً ودرجة) أن يقرأ الإجابة بإمعان وروية.. أن يحللها جيداً ولا يتهرب مما تقترحه من خطوات.. وإلا فإنه لن يكون أكثر من متشكٍ يبحث عمن يستمع إليه، وليس باحثاً جاداً عن حل.
رابعاً: وبحكم تجربتي أقول له: إنك في العمر الذي يساعد على محاولة التحرر في كل المناحي التي اقترحتها الإجابة.
خامساً: هل لاحظت يا أخي أنك تختار باستمرار.. وأن اختيارك دائماً كان القناعة وتجنب الصدام وإيثار السلامة.. إنهم يسمونها (منطقة الراحة) آن الأوان أن تتحمل بعض ردود الفعل.. ومن فضلك لا تحتكم إلا إلى الشرع.. في تقويم غضب أو رضا من حولك.
أخيراً: أذكرك بقوله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" تلك الآية التي بدأنا نفهمها ( للأسف الشديد) بعد أن وصلت إلينا بعض نتاجات الغرب فيما يسمى التنمية البشرية (مثل البرمجة اللغوية والعصبية).. لكن بالمناسبة أقترح عليك كتاباً لعلك سمعت به (العادات السبع لأكثر الناس فعالية) وهو لرجل دين أمريكي شهير.. اسمه ستيفن كوفي، أعتقد أنه نفع كل من قرأه.. يكمله كتابه: الأهم أولاً.. إدارة الوقت..
هذا ما أوحت به مشكلتك.. كتبته ارتجالاً. فإن أفدتك في شيء فمن فضل الله تعالى.. وإلا فاعذر عدم تفهمي أو تقديري.. قواك الله وأعانك.
أم عبد الله
20/6/2007
رد المستشار
كنت أرجو أن أضيف لصاحب الرسالة الأصلية محبسين آخرين نبدو فيهما من الرهائن بشكل مزمن، ألا وهما: الوحدة والحرمان!!
ولا أريد الاستطراد في الحديث عن الوحدة التي هي الشكوى الأغلب في أحاديث من قرروا أن يبوحوا بما يؤلم، وقد تعرضنا قبل ذلك أيضا إلى سجن الحرمان الذي يعيشه الملايين من أمتنا دون أن يجدوا سبيلا للأنس بشريك من لحم ودم يواسي ويذهب ببعض الحزن، ويخفف جواره من الأسى، وضغوطات الحياة!!
لكن هذا كله لا يمنعني من الاحتفاء بهذه المشاركة التي أعتز بأن إجابتي قد حركت قلم صاحبتهاـ وهي ثقيلة القلم، قليلة المشاركةـ ولا بد أن شعورها بحجم آلام السائل الشاكي من ناحية، وربما لأنها وجدت في الإجابة ما يدفعها للتعليق ففعلت، وأنا لها من الشاكرين، وحبذا لو تصبح عادة عندها، وعند غيرها ممن يكون لديهم أو لديهن ما يقال إضافة وتعميقا، أو تعليقا على الإجابة.
والحقيقة أنني كنت أود أن تكون إجابتي تلك بداية ليصف كل منا خرائط محبسه وتحرره ليكون لغيره عبرة ومثالا، وصدقت السيدة هنا حين قالت عن مشكلة السائل أنها تكاد أن تنطبق على كل منا، ولكن بمستويات متفاوتة نوعا ودرجة.
كلنا في محابس، وكلنا نحاول أن نتحرر، وتبادل الخبرات هنا يدعم ويفتح آفاقا هائلة أمام من يريد أن يغادر ضيق السجون إلى بحبوحة العيش خاصة إذا استوعبنا واقتنعنا بأننا أحيانا مجرد ضحايا لأفكارنا الخاطئة، واستسلامنا للشائع من التقاليد والمفاهيم التي يعتبرها البعض من الرواسخ والثوابت، وهي ليست سوى أصنام أو خرافات وأباطيل شاعت بين الناس، واختلطت بالثقافة أو المعتقد، وصار الناس يعتبرونها من الأصول، وهي ليست بشيء!!
وبدلا من ربط التحرر بالخروج على كل الدين، والانسلاخ من كل الجذور، والانكفاء أو الانعزال أو الهجرة بعيدا عن كل أصل أو تاريخ أو انتساب لأن هذه قد تبدو بوضعها الحالي محض قيود تشد وتكبت، أو تهوي بنا إلى أسفل سافلين!!
هذا النمط من"التحرر" أثبت فشله وعدم جدواه، وصار لازما علينا نقده، والتحرر من التحرر الزائف!!
فبدلا من الوهم بأن هذه هو التحرر والمدنية أو الانعتاق والتقدم يمكن تمييز الخبيث من الطيب، والغث من السمين، والقمامة من النفائس بنوع من التدقيق والتعميق نحتاجه بعيدا عن العقلية التعميمية، وذهنية اللطم وشق الجيوب، أو تقديس القديم لمجرد أنه قديم، أو الشائع لأنه هكذا!!
تقول المشاركة وترجو السائل أن يتحكم للشرع وحده، وهنا يبدو مربط الفرس وحجر الزاوية، فالخلط صار شديدا عند كثيرين بين الشرع والتقاليد والموروثات، ويبدو الاختيار النكد المتاح غالبا هو إما التمسك بالكل أو التخلص من الكل، وأنا أقول أن هناك طريقا ثالثا هو الخلاص، إن كان ما يزال أمامنا فرصة للخلاص، وهو التدقيق والتميز والفصل والفلترة، وكشف الخلط ونقد الأفكار والممارسات الضارة المستنزفة لطاقاتنا الذهنية والحركية في التردد بين هذا القطب أو ذاك!!
وأخيرا فإن برامج تنمية الذات، وإدارة الوقت، وتطوير مهارات التفكير والتواصل تحتاج إلى معرفة وإلى تدريب، وهذا يحتاج بدوره ـ كما شرحت أنا من قبلـ إلى بيئة تفاعل اجتماعية أجد أنها غائبة غالبا، أو تحتاج إلى بعث وتطوير في الأقطار أو الأوساط التي توجد فيها أنوية لها!!
تنخفض قيمة هذه البرامج إذا تلقاها الإنسان ولم يطبقها، وتطبيقها يلزمه تفاعل وعلاقات، والشاكي ـ مثلنا جمعياـ يشكو من تفكيك الروابط الاجتماعية، وإضعاف فرص اللقاء بدعوى منع السياسة، أو لمحاصرة الناس وحركتهم!!
غياب المجال الاجتماعي العام محبس رهيب تقوم عليه الحكومات أحيانا، وتساهم فيه التقاليد أحيانا أخرى، وندفع ثمن هذا الغياب غالبا من تآكل في الشخصية، وضعف وهشاشة في التكوين الإنساني لكل منا، لأن الاحتكاك حتمي لنمو الوجدان والمهارات... أشكر للمشاركة مساهمتها، وفي انتظار خرائط محابسكم وتحرركم!!