السلام عيكم ورحمة الله وبركاته،
بداية أود أن أشكر كل القائمين على هذا الموقع الرائع وأسأل الله أن يجزيكم عنا خير الجزاء وأن يدخلنا وإياكم الجنة بغير حساب اللهم آمين.
أنا شاب أبلغ من العمر 22 عاما، مشكلتي بدأت منذ حوالي 11 عاما حين كنت بالصف الخامس الابتدائي، فقد كنت عندما أشعر بالقلق أو التوتر وخاصة في أيام الامتحانات، أحك منطقة في وسط رأسي، والغريب أني كنت وما زلت أستمتع بنتف الشعر من هذه المنطقة فقط ولا أدري ما سر هذه المتعة الغريبة وكأن هذه المنطقة ليست من جسدي وكأني أبارز عدوًا وأقتله.
المهم أنا الآن تخرجت في كلية الهندسة ومع ازدياد حدة التوتر والقلق تزداد هذه العادة القبيحة يوماً بعد يوم وتسبب لي الحرج، فقد أصبحت هذه المنطقة الآن خالية من الشعر، ولكني ما زلت أحكها بيدي وفي بعض الأحيان أود لو أقطعها باستخدام الموسى. فما العمل، وكيف أتخلص من هذه العادة القبيحة التي لا أستطيع التوقف عنها منفرداً أو أمام الناس.
ماذا أفعل
وجزاكم الله خيرًا.
23/6/2007
رد المستشار
الأخ السائل العزيز؛ أهلا وسهلا بك، الحقيقة أن مشكلتك تستدعي كثيرًا من التأمل، خاصةً وأنك واضحٌ جدا في تعبيرك، وقادرٌ على النفاذ إلى مشاعرك ووصفها بدقة فضلاً عن صدقك في التعبير عنها، ويضاف إلى ذلك أنك الرجل الأول في زوار صفحتنا استشارات مجانين الذي يشتكي من مشكلة نتف الشعر.
وبالرغم من ذلك فأنت تطرح عددًا من الأسئلة التي ما تزال الإجابة الوافية عليها صعبةً إلى حد كبير، وذلك لأن المعلومات المتوفرة في الطب النفسي عن اضطراب نتف الشعر Trichotillomania ما تزال قليلةً وما تزال أسباب هذا الاضطراب غير معروفة حتى الآن.
وأما ما هو واضح في إفادتك ويجعلها مختلفةً عن كل الأسئلة التي جاءتنا في استشارات مجانين وقمنا بالرد عليها، فهو تصريحك بأن في فعل النتف متعةً ما، وأنت إذا راجعت ردودنا السابقة مثل: "نتف الشعر وقضم الأظافر"، و"نتف شعر الرأس.. وسواس يحتاج طبيبً" وأيضًا "نتف الشعر في غرفة الاستجواب"، فستجد أنك تصرح باستجلاب المتعة من خلال النتف، فهل يحدثُ ذلك منك لأنك رجل ولا تجدُ حرجًا من ذل؟ بينما الأخريات كن بناتًا، والتصريح بالاستمتاع عيب عند البنات!
وهل يعتبرُ مرضى نتف الشعر الذين لا يتحدثون عن متعةٍ في النتف أو الذين يصفون أفكارًا ومشاعر تسلطيةً قبل النتف (تعتبر فكرةً ملحةً بالنتف لا يستطيع الشخص مقاومتها) وأفعالاً قهرية بعده تتمثل في السلوكيات التي يمارسها أو تمارسها الحالة في الشعرة بعد النتف.. هل يعتبرُ هؤلاء نوعًا آخر من أنواع النتف أم هم شكلٌ من أشكال اضطراب الوسواس القهري تتركز الإمراضية النفسية فيه حول الشعر؟
ما زلنا بحاجةٍ إلى دراساتٍ كثيرةٍ لكي نستطيع الرد على هذا السؤال.
والأهم من ذلك هو أنك تصف حالةً تتطابق إلى حد كبيرٍ مع طريقة التفكير "الرسمية" في تصنيف الاضطرابات النفسية، ويقصد بطريقة التفكير الرسمية هذه طريقة تفكير المصنفين الأمريكيين في تصنيفهم الثالث والرابع DSM-III و DSM-IV، ومصنفي منظمة الصحة العالمية في تصنيفهم العاشر للاضطرابات النفسية ICD-10 فهم يصنفون اضطراب نتف الشعر ضمن اضطرابات التحكم في الاندفاعة أو اضطرابات العادات والنزوات.
إذن تبدو المعايير التشخيصية التالية واضحةً في إفادتك، ويقصد بالفعل هنا فعل نتف الشعر من تلك المنطقة في وسط رأسك:
1- الفشلُ في مقاومة اندفاعةٍ أو نازعٍ أو هوًى للقيام بفعلٍ ما ضارٍ لنفسك.
2- شعورٌ متعاظمٌ بالاستثارة قبلَ القيام بذلك الفعل.
3- الإحساس بالمتعة أو الرضى أو التخلص من الضغط النفسي أثناء القيام بذلك الفعل.
وأما ما هو جديدٌ أيضًا في إفادتك فهو اقتصار النتف على منطقةٍ معينة من وسط رأسك حتى أصبحت بلا شعر تقريبا كما تقول في إفادتك، والأكثر شيوعا هو أن يستهدفَ معظم شعر الرأس (في الحالات التي يقتصر فيها النتف على شعر الرأس وإن كان أي شعرٍ في الجسد يمكنُ أن يكونَ معرضًا للنتف في حالات أخرى من اضطراب نتف الشعر)، ثم تشير بعد ذلك إلى ما يجعل الحيرة أكبر، وهو ما يفهم من إشارتين في إفادتك الأولى (كنت أحك منطقة في وسط رأسي) والثانية (ما زلت أحكها بيدي وفي بعض الأحيان أود لو أقطعها باستخدام الموسى)، فأنت هنا تنبهنا إلى ارتباط الأمر (ظاهريا على الأقل) بمنطقةٍ معينةٍ من جلد رأسك، فهل يعني ذلك أن المشكلة تكمن في هذه القطعة من الجلد؟
إن أحد شروط تشخيص اضطراب نتف الشعر هو ألا يكونَ هناك مرضٌ جلدي، ونحن بالطبع نعرف أنه لا يوجد مرض جلدي لديك (اللهم إلا ما قد ينتج من أفعالك أنت تجاه تلك المنطقة)، وذلك لأن المرض الجلدي لن يظل أحد عشر عامًا مقتصرا على منطقة من وسط رأسك وإن كنت لم تذكر لنا مساحتها بالضبط لكنها على الأرجح صغيرة، كما أنك لم تشر إلى استثارة للحك مصدرها الجلد، المهم أن ما يمكن أن يستشف من إشارتيك هاتين هو أمرٌ آخر قد يكون إنارةً على طريق محاولات فهم هذا الاضطراب المحير.
ونحن هنا سنفكر في: ما هي يا ترى آثار حك منطقةٍ معينةٍ من جلد الرأس أو نزع الشعر منها، ثم لما أصبحت بلا شعر تقريبا، ما زلت تحكها، بل وتود أحيانًا أن تقطعها باستخدام الموسى؟ ماذا يمكنُ أن تعنيه تلك الرغبة الملحة في استثارة منطقةٍ معينة من الجلد، والشعور بالاستمتاع من ذلك، وعدم القدرة على الإقلاع عن هذا السلوك رغم ما يسببه لك من حرجٍ ومن ضرر واضح للعيان؟ هل مثلاً هو تخفيف قلقك وتوترك وهو ما تقول إن هذه العادة بدأت معك به؟ لا أظن أن هذه ستكون إجابةً كافيةً لأن كثيرين يشعرون بالقلق والتوتر أيام الامتحانات أو في غيرها ولا ينتفون شعرهم حتى وإن حكوا جلد رأسهم.
إن من المؤكد أن انعكاسا ما يحدثُ في جزءٍ من مخك كنتيجةٍ لاستثارة هذه المنطقة من جلد رأسك! ومن المؤكد أيضًا أن لذلك الانعكاس أثرا في جلب الشعور بالمتعة؟ ولكن أي متعة؟ أو أي نوعٍ من المتعة؟ أعتقد أنك وحدك القادر على إجابة هذا السؤال، وستضيف بهذا إلى معلوماتنا عن حالتك، وأنت أهل لذلك إن شاء الله.
وأما ما هو من باب ضرب المثال المؤيد لما استطعت النفاذ إليه من إفادتك، وهو في نفس الوقت من باب الاعتراف بالفضل لأصحابه، فهو ذكر الخبرة التالية مع واحدةٍ من أنبه مريضاتي تعاني من اضطراب نتف الشعر أيضًا، فبينما اتفقت معها على وضع ما تنزعه من شعرٍ كل يوم في مظروف واحد خاص بذلك اليوم على أن تكتب على ذلك المظروف تفاصيل الأحداث والمشاعر ما قبل النتف وأثناءه وبعده، في محاولةٍ لتبصيرها بما تفعله دون أن تدري وهي شاردةٌ أو مستثارةٌ لسببٍ أو لآخر.. وجدتها في جلسة العلاج السلوكي التالية تكلمني عن فكرة استخدام أحد الأجهزة التي تعطي نبضاتٍ أو إشاراتٍ معينة للجسد من خلال وضعها على مناطق معينة من الجسد في علاج حالتها، ومثل هذه الأجهزة تستخدم عادةً من قبل المتخصصين في العلاج الطبيعي وتقوم فكرتها على مبدأ تشتيت الجهاز العصبي بنوعٍ من صرف الانتباه العصبي عن الشعور بالألم.
وكانت المشكلة التي صادفتها بعد أن اختارت أحد الأجهزة واطلعت على دليل استخدامه أنها وجدت تحذيرًا من وضع ذلك الجهاز على الرأس أو على الرقبة، فكان في ذلك ما مثل إحباطًا لها، إلا أنه لا ينفي إمكانية أن تكونَ قد وضعت يدها ويد طبيبها على بداية التفكير بشكل جديدٍ في طريقةٍ للعلاج! خاصةً وأن مريضتي النابهة تلك أثناء تركيزها في إحصاء مشاعرها قبل وأثناء وبعد النتف، قد أخبرتني بأنها لاحظت حركةً أو رجفةً معينةً تحدثُ في أحد أصابع قدميها أثناء النتف، وهو ما يعني أننا بدأنا نفهم شيئًا قد يكونُ جديدًا، ونصحتها أن تحاول استغلال ذلك بأن تضع الجهاز المشار إليه على ذلك الإصبع حين تحس بالرغبة في النتف.
وأما طرق العلاج الحالية فقد تعرضنا لها في إجاباتنا السابقة على هذه الصفحة والتي أحلناك إليها في بداية ردنا عليك، ولكننا الآن نستطيع أن نضيف إلى أنك يمكن أن تبدأ معنا في محاولة استكشاف ما يطرأ على جسدك من تغيرات أثناء النتف، ونرجو أن تتابعنا بذلك بعد فترةٍ مناسبةٍ من التركيز، لكي تكونَ دقيقا في ملاحظاتك.
وفقك الله وسهل عليك الخلاص.. وتابعنا بأخبارك.