السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي مشكلة تسبب لي الكثير من الإحراج خصوصا أمام الآخرين، وتكمن المشكلة في أنى أصاب أحيانا بحالة ارتباك غير عادية و يصاحبها رعشة في اليدين حتى أنى لا أكون قادرة على إمساك فنجان القهوة مثلا دون أن يلاحظ الآخرون مما يسبب لي المزيد من الإحراج، علما بأن يداي ترجفان بطبيعتهما بعض الشيء لكن يزيد الوضع سوءا أمام الناس وخصوصا الأغراب أو الذين أكون حريصة على الظهور أمامهم بمظهر جيد وتكثر زلات لساني ولا أعود قادرة على السيطرة على نفسي.
هل هذه حالة نفسية وإن كانت كذلك فما سببها وهل لها من علاج أم ستظل تنغص علي حياتي، وخصوصا أنى مقبلة علي الزواج وأضطر لمجالسة أهل خطيبي وهم لا تفوتهم مثل هذه التفاصيل الدقيقة أفيدوني أفادكم لله.
19/01/2007
رد المستشار
الأخت السائلة، نعم ما تعانين منه هو حالة نفسية تقع ضمن إطار الرهاب الاجتماعي، وهو درجةٌ شديدةٌ من القلق الاجتماعي، فهناك بعض الأشخاص يخافون من التواجد الاجتماعي بين الناس. حيث يسبب لهم ذلك بعض الأعراض الجسمانية مثل: الرعشة والشعور بالعرق أو العرق الفعلي، واحمرار الوجه (البيَغ أو الاحتقان نتيجةً لزيادة تدفق الدم في الشرايين وهو ما تصاحبه أيضًا سخونة البشرة)، وزيادة التوتر في العضلات، زيادة ضربات القلب (الخفقان)، وجفاف الحلق أو ارتعاش الصوت.
وحدوث هذه الأعراض بالطبع وإدراك الشخص لحدوثها يؤدي إلى مزيد من القلق والتوتر وتصبح المواقف العادية لمعظم الناس مواقف محرجة للشخص، وهذا ما تشيرين إليه في إفادتك بقولك (حتى أنى لا أكون قادرة على إمساك فنجان القهوة مثلا دون أن يلاحظ الآخرون مما يسبب لي المزيد من الإحراج).
هناك بعض الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من الخوف في بداية مراهقتهم ولكنهم يقاومونه ولا يستسلمون له بتجنب التعرض للمواقف الاجتماعية، وهؤلاء الأشخاص كثيرًا ما يشفون من تلقاء أنفسهم ولا نستطيع اعتبار حالاتهم واصلةً إلى الحد الذي يسمح بتشخيص اضطراب الرهاب الاجتماعي، فهم يتحملون المستوى العالي من القلق الاجتماعي رغم ما يؤدي إليه من زيادة التوتر الشد العصبي لديهم، ويصرون على مواجهة كل ما تتطلبه الحياة الطبيعية من مواقف فتكونُ النتيجة هي الشفاء.
وهناك بعض الأشخاص الذين تكونُ الأعراض شديدة الوطأة لديهم فلا يستطيعون إلا الاستسلام بتجنب المواقف الاجتماعية التي تتسببُ في حدوثها، وهنا تكمن المشكلة لأن التجنب بقدر ما يعطيهم الراحة الظاهرة في البداية، بقدر ما يتسببُ أولاً في وضع قيود متزايدة على حياتهم الاجتماعية وثانيا في تضخيم الخوف لديهم بشكلٍ يجعل العلاج أصعب خاصةً في البداية وهؤلاء هم من نستطيع تشخيص اضطراب الرهاب الاجتماعي لديهم.
ورغم أنك لم توضحي لنا منذ متى بدأت معاناتك من هذه المشكلة فإن الأرجح أنها قديمة معك وأنك تأخرت في طلب العلاج، فقد أوضحت كثير من الدراسات أن مشكلة الخجل أو الخوف من المجتمع تظهر بشكل أكبر في فترة المراهقة مع احتمال ظهورها قبل أو بعد هذا السن، وهنا تبرز مشكلةٌ لابد من الإشارة إليها وهيَ تحمل مجتمعاتنا العالي لسلوك الخجل (تحت مسمى الحياء المحمود) خاصةً في البنات، فهو ما يتسبب في تأخر طلب العلاج وزيادة المعاناة في الكثير من الحالات، وهذا هو ما جعلني أسألك لماذا فاتتك أنت هذه التفاصيل رغم أنك فتاةٌ متعلمةٌ تعيش في أحد الدول الأوربية؟ لماذا لم تعتبري أن لديك مشكلةً إلى أن أصبح الوقت ضيقًا والخطيب على الباب؟
ولعل اللبس بين الحياء الشرعي المحمود في الإسلام هو السبب في ذلك، ورغم أن من مفسري الحديث من بينوا الفرق بين الحياء الشرعي السوي وبين ما هو ضعف مذموم، إلا أن معظم الناس لا يدركون الفرق، فمثلاً قال الحافظ ابن حجر في شرحه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قوله: "والحياء شعبة من الإيمان" الحياء في اللغة تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، لهذا جاء في الحديث الآخر: "الحياء خير كله" ولكن استعماله وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب علم ونية، فهو من الإيمان لهذا، ولكونه باعثًا على فعل الطاعة، وحاجزًا عن فعل المعصية، ولا يقال: رب حياء يمنع عن القول الحق أو فعل الخير، لأن ذلك ليس شرعيًّا.
وقال الحافظ أيضًا: قال عياض وغيره: إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة، لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب علم، وأما كونه خيرًا كله ولا يأتي إلا بخير فأشكل حمله على العموم، لأنه قد يصد صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله على الإخلال ببعض الحقوق، والجواب أن المراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيًّا، والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس شرعيًّا بل هو عجز ومهانة).
وخلافًا لكل أنواع الرهابات التي تكونُ أكثر شيوعًا في النساء فإن المخاوف الاجتماعية تتساوى في شيوعها بين الرجال والنساء ، وقد تكونُ محدودةً بمواقف معينة مثل الأكل في مكان عام أو إلقاء خطبةٍ في جمع من الناس أو مقابلة مع أحد أعضاء الجنس الآخر مثلاً أو قد تكونُ حالة الرهاب الاجتماعي معممةً فتتضمن كل المواقف الاجتماعية تقريبًا خارج الأسرة.
وهناك كثير من المتخصصين في الطب النفسي وعلم النفس يؤكدون أن كثيرًا من الأشخاص يعانون من هذه المشكلة في صمت لأعوام طويلة ولكنهم يبدءوا في طلب المساعدة في حالة تزايد الحالة لدرجة أنها قد تسبب بعض المشاكل الكثيرة والأزمات في الحياة.
واضطراب الرهاب الاجتماعي هو حالة مزمنة تحتاج لعلاج معرفي سلوكي طويل نوعًا ما. كما أن حوالي نصف المرضى الذين يعانون من هذه المشكلة يعانون أيضاً من بعض المشاكل النفسية (الأخرى) مثل اضطراب نوبات الهلع أو اضطراب الاكتئاب الجسيم.
ونستطيع تصنيف مرضى الرهاب الاجتماعي إلى صنفين بناءً على نوعية المواقف التي يتجنبونها أو التي تحدث فيها أعراضهم ، وإن كان لب أو جوهر معاناة المريض في كل الأحوال هو كيف سيقيمني الآخرون؟
النوع الأول: هم الأشخاص الذين يحدث لهم توتر شديد لفكرة أنهم يقومون ببعض الأعمال أمام الناس أو في وجود بعض الأفراد. وهذه الأعمال تتضمن العمل أو إلقاء خطبة علي سبيل المثال، ونستطيع تسميتهم بمرضى الرهاب الاجتماعي التنفيذي.
أما النوع الثاني: فهم الأشخاص الذين يخشون أي موقف يمكن أن يكون سبب في تفاعلهم مع المجتمع أو مع الأشخاص الآخرين مثل الاجتماع أو التعرف بأشخاص جديدة، ونستطيع تسميتهم بمرضى الرهاب الاجتماعي التفاعلي.
وأما سؤالك عن الأسباب فإن هذا أمرٌ شرحه يطول ولن يفيدك العلم به كثيرًا خاصةً وأن الأسباب الأكيدة غير معروفة، وليس لدى الطب النفسي وعلم النفس سوى مجموعة من النظريات، إضافةً إلى أن أنجح طرق العلاج في حالات الرهاب الاجتماعي هو العلاج المعرفي السلوكي الذي يهتم بالأعراض الموجودة وكيفية التخلص منها دون إعطاء أهمية كبيرةٍ للأسباب، فلا تشغلي نفسك بموضوع الأسباب هذا.
وأما ما يجعلني أطلب منك ضرورة العرض على طبيب مختص بالأمراض النفسية والعصبية فهو ما قلته في إفادتك: (علما بان يداي ترجفان بطبيعتهما بعض الشيء لكن يزيد الوضع سوءا أمام الناس و خصوصا الأغراب)، فكون يداك ترتجفان بطبيعتهما يجعلك بحاجة إلى إجراء فحص إكلينيكي للجهاز العصبي، وأما كونُ الأعراض تزيد في حالة تعرضك لموقف صعب كوجودك أمام من تهتمين بالظهور أمامه بمظهر القوية الواثقة من نفسها ، فإن هذا أمرٌ شائع في كل حالات الرعشة سواءً نفسية المنشأ أو الناتجة عن أسباب أخرى.
واقرئي من على مجانين:
الحياء الشرعي والرهاب المرضي
أريد التخلص من خجلي: برنامج علاجي
مجتمعاتٌ ضد توكيد الذات
وفي النهاية أقول لك أن من الممكن الاستعانة ببعض العقاقير التي تقلل من الأعراض الجسدية للقلق وذلك في حالة الرغبة في مواجهة موقف محدد غير متكررٍ بطبيعته مثل مقابلة أهل الخطيب أو الزوج المرتقب وغالبًا ما يكونُ هذا العقار أحد مثبطات البيتا، كما أن من الممكن الاستعانة ببعض عقاقير الاكتئاب خاصة عقار الماس أو الماسا، لكن أنجح طرق العلاج كما بينت لك من قبل هو البرنامج السلوكي المسمى بالتعرض مع منع الاستجابة وكل ذلك أمرٌ سيحددهُ لك الطبيب النفسي المختص بعد تقييم شاملٍ لحالتك،
عليك إذن أن تسارعي باستشارة الطبيب النفساني والله معك وتابعينا بأخبارك.