السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحمد لله على السلامة من رحلة التصنيف الشاقة التي قمتم بها.. وجزاكم الله كل خير على جهودكم التي أرجو أن تدخلكم الجنة من أبوابها الثمانية.
والآن.. قرأت تحقيقا حول العنف الأسري.. وجاء فيه: "وحول سيكولوجية الشخصية التي ترتكب جرائم العنف الأسرية ضد الأطفال والنساء تقول الباحثة إيمان شريف في الرسالة التي نالت بها الدكتوراه في كلية الآداب بجامعة عين شمس بمصر:
إن خصائص تلك الشخصية تنحصر في: -صورة سلبية ومشوهة للذات -سطحية الانفعالات -ضعف الروابط الانفعالية مع الآخر -فقر الحاجة للحب والرعاية -الإحساس بفقدان الأمن -السلبية في حل المشكلات -الانسحابية من المواقف دون إيجاد حلول للمشكلة -تفضيل الحلول العدوانية -وجود السيكوباتية بسماتها العدوانية -ثنائية الإدراك، وانفصام الشخصية بين الرغبة في الاعتماد والرغبة في التدمير - مشاعر الاضطهاد والإحساس بالظلم"
سؤالي هو: كيف نعامل نحن كأبناء آباءنا الذين ينتمون لهذا النمط من الشخصية العدوانية.. وكيف نعامل كنساء أزواجنا الذين هم على هذه الشاكلة.. وكيف نعلّم أطفالنا الصغار أن يقفوا في وجه أهاليهم الذين يعتدون عليهم بشتى صنوف الاعتداء الذي تم ذكره في المقالة.. ولو أن لي قريبا ينتمي إلى هذه الشخصية العنيفة, فكيف أساعده ليتخلص مما هو عليه ويعود إنسانا طبيعيا من جديد؟؟
أرجو أن تستبعدوا الحل القائل: زيارة الطبيب النفساني.. لأن أصحاب هذه الشخصيات لا يمكن أن يعترفوا أنهم بحاجة لزيارة: "طبيب المجانين".. مع احترامي الشديد لكل أطباء المجانين في هذا الموقع..
ولكن لا زالت تسيطر علينا هذه الأفكار..
ودمتم سالمين طيبين هانئين...
7/7/2007
رد المستشار
الابنة العزيزة "نهى" الأخت العزيزة أهلا بك، الحقيقة أن الرد على تساؤلك يدفعني إلى ضرورة إيضاح عديدٍ من النقاط المرتبطة بضرار (إساءة معاملة) الأطفال Child Abuse أو النساء Women Abuse، لأن تناول هذه القضية إنما يفرضُ علينا توخي الحيطة قبل إطلاق الأحكام، خاصةً عندما يكونُ من بين أسئلتك (كيف نعلّم أطفالنا الصغار أن يقفوا في وجه أهاليهم الذين يعتدون عليهم بشتى صنوف الاعتداء)، وأنا سأستثني الضرار الجنسي خلال ردي عليك، وسيكون حديثي معك متعلقًا بالضرار الجسدي المادي كالضرب أو بالضرار العاطفي كالسب أو الإهمال.
النقطة الأولى: هيَ أن تعريف ما يمثلُ ضرارًا سواءً للطفل أو للمرأة، يختلفُ اختلافًا كبيرًا من ثقافةٍ إلى ثقافةٍ ومن زمانٍ إلى زمان، بل ومن أسرةٍ إلى أسرةٍ إذا سلمنا بأن للضرار علاقةً بنوعية التفاعل القائم بينَ أفراد أسرةٍ ما، وبالتالي فما يعتبرُ ممارسةً طبيعيةً ومقبولةً بهدف التحكم والتقويم في مجتمع ما قد يعتبرُ ضرارًا في مجتمع آخر، كما أن ما كانَ طبيعيًّا ومقبولاً في زمنٍ ما يعتبرُ ضرارًا في زمنٍ آخر وأضرب هنا مثلاً بالقانون الأمريكي القديم الذي كان يجيزُ ضرب الزوجات ويشترطُ فقط ألا يزيدَ محيطُ العصا المستخدمة في الضرب عن محيط إبهام زوجها! ولعل الخطأ الذي يقع فيه كثيرٌ من الباحثين العرب هو اعتماد تعاريف مستوردة لما يمثلُ ضرارًا، رغم أن هذه التعاريف غير متفقٍ عليها حتى بين مبتدعيها.
النقطة الثانية: أن خصائص شخصية القائمين بالضرار سواءً كانوا من الرجال أو من النساء ليست خصائص ثابتةً أو متفقًا عليها، فكل الشخصيات رجالاً ونساءً قد تقوم بمثل هذا الفعل في وقتٍ ما وتحت ضغوطٍ ما، صحيحٌ أن خصائصَ معينةً تكونُ أكثرَ ظهورًا في شخصيات مرتكبي الضرار لكنها ليست بالضرورة تلك الخصائص التي ذكرتها في إفادتك نقلاً عن المقال المذكور، والذي يسرد نتائج دراسةٍ ما لا نستطيعُ اعتبارها نهائيةً ولا صالحةً للتعميم على الجميع (وهذا لا ينقص من قدرها فهي في ذلك مثلها مثل كل الدراسات العلمية النفسية الاجتماعية)، فهذه الخصائص في أحسن الأحوال هيَ خصائص مرتكبي حوادث الضرار المأساوية التي تصل إلى المؤسسات الطبية أو إلى الشرطة، ولذلك نجدُ نسبةً كبيرةً من مرتكبيها بهذه الخصائص وهيَ خصائص اضطراب الشخصية المستهينة بالمجتمع Dyssocial Personality Disorder، كما أن من أهم خصائص مرتكبي الضرار أنهم هم أنفسهم كانوا ضحايا للضرار في طفولتهم، بل إن من الدراسات ما يشيرُ إلى أن الضرار ينتقل من جيل إلى جيل، ليس فقط في الإنسان بل في قرود الشمبانزي!
النقطة الثالثة: هيَ أن هناك خصائص أيضًا لضحايا الضرار، ليست بالضرورة ناتجةً عن ذلك الضرار، بمعنى أنها سابقة على حدوثه في كثير من الأحيان، فمثلما نجدُ تلالاً من الدراسات تبينُ الآثار النفسية والاجتماعية السلبية للضرار بأنواعه المختلفة، ومثلما نجدُ دراساتٍ تحاول استنباط وتحديد صفاتٍ معينةٍ لمرتكبي الضرار، فإن هناكَ دراساتٍ تهتم بصفات وخصائص من يكونون أكثر تعرضًا للضرار سواءً من الأطفال أو الزوجات أو الأزواج (فالأمر لا يتعلقُ فقط بالنساء وهناكَ كثيرٌ من الأزواج يضربون من قبل زوجاتهم حتى أن التسمية القديمة ضرار الزوجة Wife Abuse قد تحولت الآن إلى ضرار شريك الحياة أو ضرار القرين Spouse Abuse،
فما هيَ يا ترى تلك الخصائص التي تميزُ من يتعرضونَ للضرار؟، إن أهم تلك الخصائص (باستثناء ما لا ذنب لهم فيه كالعيوب الخلقية الجسدية أو الإعاقة بشكلٍ أو بآخر)هيَ المزاج السيئ، والعند، وكثيرًا ما نجدُ الطفل أو الشريك الأكثر عرضةً للضرار مختلفًا بشكلٍ أو بآخر من الناحية السلوكية، بحيثُ أننا حينَ نقول بأن الطفل أو الشريك المتعرض للضرار كثيرًا ما يستفزُّ مرتكب الضرار لارتكابه لا نكونُ بعيدين دائمًا عن حقيقة الأمور، وأنا هنا من موقف أني طبيبٌ نفسي أود أن أوضحَ بعدين هما من أهم الأبعاد الفاعلة في قضية الضرار وهما:
أولاً: ما رأيك في إحساس الأم التي ابتلاها الله تعالى بطفلٍ قليلِ الذكاء مفرط الحركة طائش التصرفات؟ هذا الطفل بقدر ما يمثلُ لها قطعةً من كيانها بقدر ما يمثلُ لها دليلاً شاخصًا على فشلها في إنجاب طفلٍ سليم! أليس كذلك، ألا تقع هذه الأم المعذبة والمبتلاة في آتون المقارنة بين سلوكيات ابنها وبين سلوك أبناء جيرانها أو أخواتها؟ هل نعتبرُ هذه الأم مجرمةً لأنها تضرب ابنها أحيانًا؟ بالطبع لا فهيَ تحتاج إلى علاج نفسي لتتعلمَ كيف تتقبل قضاء الله وكيف تعامل ابنها وكيفَ تحسنُ من سلوكه بأساليب أخرى غير الضرب.
وثانيًا: ما رأيك في الطفل العنيد الكثير الصياح الذي يكذبُ ويعصي الأوامر وربما تطاول على والديه أو اعتدى على إخوته، أو الزوجة التي تصر على عدم طاعة زوجها؟ أو على فعل ما يغضبُ الله، ثم لا يفيدُ معها لا خصامٌ ولا هجرٌ ولا يجدُ من أهلها من يستطيع تعديل سلوكها؟
ومن المهم هنا أن نشير إلى المفاهيم المتداخلة والمتفاعلة فيما يتعلق بعلاقة الفرد بأبنائه أو بشريك حياته فمن مفهوم الحب والقبول الذي يستتبع السماح بالحرية للآخر إلى مفهوم الامتلاك الذي يستتبع ضرورة التحكم، وأنا هنا لا أقصدُ الدفاع عن مرتكبي حوادث العنف ضد الأطفال أو ضد شيك الحياة، وإنما أريد فقط التنبيه على ضرورة الإلمام بملابسات كل حالةٍ على حدة، وإلى ضرورة مراعاة الكيان النفسي والمعاناة الاجتماعية والحياتية التي يعيشها الجميع في مجتمعنا، فرغم أن انتشار العنف الأسري هو ظاهرةٌ عالمية، إلا أن لهذه الحوادث طعمها الخاص في مجتمعاتنا العربية،
فما يتعرضُ له الأفراد في مجتمعاتنا العربية طولاً وعرضًا وخلال ساعات النهار والليل يسمح لنا بالحديث عن ما أسميه بضرار المجتمع كل المجتمع Community Abuse، فنحن كلنا أعضاء هذه المجتمعات نتعرض للضرار النفسي والعاطفي ونعيش في بيئاتٍ تجعلنا في كربٍ مستمر لأسبابٍ لا يتسع المقام هنا للخوض فيها، ولكن هذا الشكل من التناول هو ما يجدر بنا أن نبدأ به لكي لا نقع ضحيةَ التشظي في تناولنا للقضايا ، ولكي لا يكونَ هناك مجالٌ لسؤالٍ كسؤالك (ماذا نفعل أو كيف نتعامل أو كيف نعلم أبناءنا أو نساءنا طريقة للتعامل مع مرتكبي الضرار ضدهم؟)، فالإجابة على كل هذه التساؤلات هيَ أن على كل فردٍ منا أن يتعامل ويسلك بالشكل الذي يفرضه عليه دينه، ولو استطعنا ذلك ضحايا ومرتكبين للعنف لجنبنا أنفسنا كثيرًا من الإثم، فالإسلام كما طلبَ من الكبير أن يرحم الصغير طلب من الصغير أن يوقر ويحترم الكبير، قال صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه الترمذي).
كما أن الإسلام كما طلب من الزوجةَ أن تطيع زوجها طلب من الزوج أن يرفق بها أما ما يتعلق بالزوج فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجال بالرفق بالنساء، فقال فيما أخرجه البخاري "رفقًا بالقوارير"، وقال: "خيركم خيركم لنسائه". والله أعلم، وهكذا نجد أن ما يجبُ على الجميع هو التخلق بأخلاق الإسلام، صحيحٌ أننا بعيدون تماما عن ذلك ولكننا لا نستطيع تعليم أبنائنا مثلاً أن يثوروا في وجوه آبائهم أو أن نعلم الزوجات أن يقمن بالرد على أزواجهم صاعًا بصاع، إلا أن من المهم أن يتعلمَ القائمون على الأسر في بلادنا طرقَ وأساليب أخرى للتعامل مع رعيتهم سواءً كانوا أطفالاً أو زوجات، فهناك مهاراتٌ في التعامل خاصةً مع الأطفال يفتقدها كثيرون من المربين في بلادنا مع الأسف، خاصةً في الوقت الذي أصبح فيه الأطفال أكثر وعيا بحقوقهم.
وأما سؤالك الأخير (ولو أن لي قريبا ينتمي إلى هذه الشخصية العنيفة, فكيف أساعده ليتخلص مما هو عليه ويعود إنسانا طبيعيا من جديد؟؟) فلن تكونَ إجابتي عليه هيَ ما طلبت مني استبعاده وهو زيارة الطبيب النفسي، لأن الحل الذي يقدمه طبيبٌ نفسي بمفرده في حالة اضطراب الشخصية المستهينة بالمجتمع نادرًا ما يكونُ كافيًا، فمازال الطب النفسي يحبو بخطواتٍ بطيئةٍ في طريق النجاح في التعامل مع مثل تلك الشخصيات، بل إن أنجح الطرق في علاج هؤلاء الناس حتى الآن هيَ تجميعهم معًا في مكانٍ يعيشون فيه سويا لفترةٍ غير قصيرة ربما تصل إلى السنة أو تزيد ويسمى هذا النوع من العلاج بالمجتمع العلاجي Therapeutic Community ، حيثُ يتفاعلُ كلٌّ منهم مع الآخر، ويقوم الأطباء النفسيون المشرفون على العملية العلاجية بتنظيم جلسات علاج جمعي بشكل منتظم حيث تتم مناقشة تصرفات كل فرد تجاه الآخرين بعمق ويرى كل منهم كيف أثر وتأثر في الآخرين، على أمل أن يزيدَ استبصاره بسلوكه وعواقبه الوخيمة على المحيطين به وعلى نفسه.
وهذا بالطبع حلٌّ أصعبُ وأكثرُ كلفةً مما طلبت منا استبعاده لكنه هو أفضل الحلول المتاحة في الطب النفسي الغربي، وإن كان من الممكن تحت تأثير ندمٍ مؤقتٍ يصيب أصحاب هذه الشخصيات أن يتم اللجوء إلى الطبيب النفسي وأن يتناول المريض بعض عقاقير مضادةٍ للعدوانية تقلل إلى حد ما من حدة انفعالاته وتهوره.
ولي في النهاية سؤال عن الباب الثامن للجنة الذي تشيرين إليه في أول إفادتك وأنت تدعين الله لنا أن يثيبنا على جهودنا في استشارات مجانين، حيث تقولين (وجزاكم الله كل خير على جهودكم التي أرجو أن تدخلكم الجنة من أبوابها الثمانية) وأسأل الله أن تجابَ الدعوة وأن ندخلها من أوسع أبوابهاً، وأكررُ شكري لك على اهتمامك، وتابعينا بأخبارك؛ أهلا وسهلا بك على مجانين يسعدني جدا أن يفتح أحدهم أو إحداهن أرشيف مجانين وأنت تتحدثين عن مشكلة عرضت في السنة الأولى من عمر هذا الموقع 4 مايو 2004، يا ترى ما هي أخبار هبة؟ صاحبة المشكلة لا أنا ولا أنت ندري.... لكنها إن شاء الله في خير تزوجت وأنجبت صبيان وبنات..... ربنا يرزقها بما نتمناه لها.
للأسف هبة لم تتابع غالبا... ولا أدري إن كانت نصيحتك الحكيمة لها قد جربتها من قبل ولم تفلح؟ الله أعلم لكن أغلب الظن عندي أنها جلست مراتٍ كثيرة جلساتٍ هادئة مع أمها وحاولت ربما مجرد شرح وجهات نظرها لا محاولة الاقتراب من الأم كصديقة تتبادل معها الأسرار مثلما تتمنين لها..... ولا أدري هل هو صعب على الأم العربية؟ أم لا
ثم أن البنت صاحبة المشكلة كانت تحتاج إلى دعمٍ سريع ومنظم وقد أوضحت أن أحد أهم أسباب تفاقم مشكلاتها هو عدم قبول الأم لفكرة أن بنتها مكتئبة! هذه وحدها تقطع سبل التلاقي بسهولة بينهما حتى تتخلص البنت من عسر مزاجها أو اكتئابها القصير الأمد وبالتالي فإن الخطوة التي تقترحين قد تكون أفضل بعد أن تصل تلك الفتاة إلى من يقدم العون النفسي اللازم، وقد لا يكون طبيبا نفسيا وإنما شخصا ملما بكل ما يصلح للعلاج والتغيير فإذا توفر ذلك الشخص في غير الطبيب النفسي فهو إن شاء الله مفيد.
الأم عندنا نادرا ما تشعر أنها متهمة أمام ابنتها -طالما لم تقصر الأم مع ابتنها بانفصالٍ طويل عنها في الطفولة أو المراهقة- مثل هذه الأم غالبا ما ترى نفسها بريئة مضحية وابنتها مخطئة أنانية ... وغير ذلك تخاف الأم خوفا كبيرا دفينا على ابنتها... ليس الخوف الطبيعي وإنما هو خوف عصر السيولة القيمية والمعرفية -وأكملها حتى السيولة الكلية- الذي نعيش، أنت يجب أن تتخيلي أثر دخول المحمول إلى كل ركن في كل بيت إن الأم تجاهد لتشعر ببعض من المراقبة –المطلوبة- لابنتها... المشكلة أن الأم العربية تواجهها تحديات جمة وهي غير معدة لصعود حصاة! إلا من رحم ربي!
كثيراتٍ من الأمهات يعجزن إذن عن المرور بسلامٍ ببناتهن في فترة الطفولة المتأخرة والمراهقة وربما حتى الزواج، كثيراتٍ يتسببن إما بجهلٍ أو خوف أو خجل في تعسير المهمة على البنت على أقل تقدير وفي كوارث نفسية أو اجتماعية بكافة أشكالها، لكن يا نهى هذا أمرٌ شرحه يطول، ونحن بعد لا نعرف شيئا عن هبة فدعينا نتوسم... خيرا ونقول ربما هي في حالٍ طيب ولعلها يوما تتابعنا مخبرةً بحالها،
شكرا على المشاركة وأهلا بك وبمشاركاتك دائما.