أنا أريد أن أكون ممتازا في الدراسة وأنا أبي وأمي مطلقان وكل منهما متزوج، وأنا كنت عايش مع أمي لحد سن الابتدائي وأبي أخذني عنده، وكنت بخاف منه أوي ومش عاوز أعيش معاه وكان بيقول كلام وحش على ماما،
وفي مرة سبت له البيت ورحت عند جدي والد أمي وجدتي لأمي وأنا قاعد معاهم مرتاح بس عاوز أكون أحسن واحد، علشان أعرف أبي إني كويس وأثبت لجدي أني أستحق ثقته.
24/10/2003
رد المستشار
ابني الغالي، هل تعلم ما تأثير رسالتك علي؟ وهل يمكنك أن تدرك ماذا تمنيت أنا عندما قرأتها؟
لقد تمنيت يا بني أن ألحقك بعائلتي وأن أرعاك كما أرعى ابني عبد الرحمن، وبالمناسبة هو من سنك تقريبا ويحمل نفسا متوقدة مثلك تماما، وتمنيت أن أذهب لوالديك لأعاتبهم على إهمالهم لرعاية فلذة الكبد وحبة الفؤاد، كنت أود أن أقول لهما أن انفصالكما وسعي كل منكما لنيل أسباب السعادة بالصورة التي يرضاها لنفسه لا تعني بأي حال من الأحوال أن تتخليا عن رعاية هذا الكنز الرائع الذي وهبه الله لكما، فمن الضروري أن تتشاركا سويا في رعايته والاهتمام به، مع الحرص على أن تتجنبا أن يسعى كل منكما لإفساد علاقة ابنكما بالطرف الآخر.
كل هذه الأفكار قد دارت في رأسي وأنا أتأمل كلماتك الحزينة وأنت تصف حال والديك، ولكنني وجدت النقطة المضيئة في حياتك هما جدك وجدتك بما يقدمان لك من رعاية وعناية واهتمام، وبمنزلهما الذي تحول إلى مأوى آمن لك بعد أن ضاقت بك سبل الحياة في بيوت والديك، وهذه رحمة من ربك بك يا ولدي الحبيب، وأول ما أطلبه منك أن تحاول أن تتناسى المشاكل الموجودة في حياتك وألا تجعلها معوقا لك عن مواصلة التقدم.
احرص على أن تتواجد مشاعر الألم في حياتك فقط بالقدر الذي يعينك على تجاوز أزماتك وبالقدر الذي يعين على دفعك للأمام، وفي هذا الصدد أتذكر حكمة عظيمة أضعها دائما نصب عيني ويفيدك بالطبع أن تتذكرها دائما وهي: "ما لا يقتلني يقويني".
الأمر الثاني الذي أحب أن ألفت انتباهك إليه هو أهمية أن تحرص على سلامة مشاعرك نحو والديك، فهما والديك وإن أخطئا التصرف، وهما والديك تحت كل الظروف، فاحرص على برهما والسؤال المستمر عنهما، وكن عارفا ومقدرا لجميل جدك وجدتك، فلا تؤذيهما ولا تسيء إليهما، واحرص دوما على مساعدتهما في قضاء شؤونهما، فدعوة منهما ستبارك لك في حياتك.
أما بالنسبة لأمر دراستك، فأول ما أحب أن ألفت انتباهك إليه هو أهمية الحرص على أن تسعى للتفوق لأجلك أنت ولأجل مستقبلك، ومع تنظيم الوقت، والحرص على مذاكرة دروسك أولا بأول، والحرص المستمر على التدريب على الامتحانات، والتركيز أثناء شرح المدرس، وكذلك الحرص على ألا تكتفي بالحفظ ولكن حاول أن تفهم جيدا دروسك وأن تستفسر عما غمض عليك من معان، ومع كل هذا أود أن وأنصحك أن تحرص على الإكثار من القراءة حتى تتمكن من تحسين مستواك وأسلوبك في الكتابة، ومما يساعد على استظهار الدروس أن تستعمل أكثر من وسيلة في المذاكرة، فالصوت العالي والكتابة والرسم وغير ذلك يعينك بشدة على تذكر المعلومات، ومن المهم أيضا أن تحرص في بداية مذاكرة أي موضوع على أن تأخذ فكرة كلية عن الدرس بكل عناصره، لا تهتم في البداية بالتفاصيل الصغيرة في هذه القراءة الأولية، ويأتي الاهتمام بالتفاصيل في القراءات التالية.
ابني الحبيب، استعن بالله دائما واجعله ملجأ لك وملاذا، وكن علينا حريصا وتابعنا بالتطورات.
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي: أنت الآن رجلٌ يا بني، الابن العزيز، لا تدري كم أسعدتني رسالتك، وكما برزت كلماتك رغم مرارتها، ورغم امتزاجها بحزن كبير على حال مجتمعاتنا أسرًا وأفرادًا، رغم كل ذلك برزت كلماتك ككلماتٍ أسمعها من مراهق حسب التصنيفة السنية المعتادة، لكنها تقالُ عادةً من الرجال.
إن المشكلة التي تواجهك أيها الرجل الصغير هيَ أنك تشعر بوطأة المسؤولية، وتجد نفسك مرغما على حملها، لتطفئ بها جروحًا حامية الوطيس داخلك، وهكذا والله فعل الرجال يا بني، وبينما اعتدت أن أجيب في الاستشارات التي تأتي ممن هم في مثل سنك على حائرٍ أو قلق أو متعثرٍ في دراسته أو صداقاته أو مشاعره العاطفية أو الجنسية رغم اعترافي بأهمية ذلك وأحقيتهم فيه، أو أحيانا على شاعرٍ في أحسن الأحوال بمسئوليته عن أن يحرزَ تفوقًا في الدراسة فيسأل عن كيف أذاكر وإن من منظور الرغبة في التفوق من أجل إثبات الذات، وباللجوء إلى أي أسلوبٍ للوصول إلى التفوق، إلا أن هذه مسئوليات المراهق الذي يكونُ لديه استعدادٌ لتحمل المسئولية فيبدأ بالتدرب على حملها بهذا الشكل وداخل هذا الإطار.
أما أنت فأمرك مختلف، وقولك مختلفٌ، وحملك مختلفٌ، وعلى سبيل الفكاهة لعلك تذكرُ الأستاذ "أحمد زكي" الشاعر في مدرسة المشاغبين، اللذين أعرف أنك لن تكونَ منهم أبدًا لأنك رجل، لعلك تذكره عندما كان يقول: أنا وضعي مختلف!
فهذا وضعك وهذا حملك وأنت تعرفهما، وتعرفنا بهما، فأهلا بك رجلاً لن تحتاج إن شاء الله إلا إلى الله، وأما أنا فيشرفني أن أكونَ معك عبر هذه الصفحة الواعدة، (لأنك أنت اخترتها)، ولأنها بحق صفحةٌ أنارتها الأضواء مثلما أنارت كثيرًا وعلى مدى عقودٍ طويلة من الزمان، سأكونُ معك دائما يا بني، فلا تشعر بالخجل ولا بالتحرج من مكاتبتنا وسؤالنا وأعدك أن أجيب عليك دائما بأسرع ما يمكنني، وأول ما أطلبه منك الآن هو أن تقومَ فتتوضأ فتصلي لرب العالمين الذي منحك هذا الوضوح في الرؤية والعزم على الفعل وإثبات الذات، وأسأله سبحانه أن يكونَ عونك في ذلك وفي كل شيء، وأن يهيئ لك من عباده، من يرون فيك ذلك الرجل الواعد أنت الآن والحمد لله مستريح عند جديك لأمك، فاحمد الله على ذلك.
ولك أنت أقول، ما قاله الإمام الشافعي من أبيات شعرية، قد أكونَ نسيتُ كلمات الشطر الأول من البيت الثاني لكنني لم أغير لا المعنى ولا الوزن الشعري: شكوتُ إلى وكيع سوءَ حفظي ـــ فأرشدني إلى ترك المعاصي..... وذكرني بأن العلم نورٌ.... ـــ ونور الله لا يهدى لعاصي وأزيدُ على ذلك بأنك تطلب ليس فقط أن تحسن المذاكرة وإنما تطلبُ أن تكونَ أحسن واحدٍ في الدنيا أي أن الأمر أكبر من مجرد المذاكرة، ولهذا السبب أنا وعدتك بأن نكونَ معك دائما، لأن الهدف هدف رجل أيضًا، يفرض علينا احترامه، برغم الألم ، الذي يستحق أن نسميه الألم البناء أهلا بك، ولا تؤخر علينا متابعاتك وموافاتك لنا بكل التطورات، فنحن كما قلت لك أسعدتنا رسالتك.