التحرش الجنسي
أنا فتاة في مطلع العشرينيات، ومشكلتي أن أسرتي تعيش في بلد آخر للعمل، وأنا في بلدي للدراسة. والمصيبة تكمن في أن شقيق والدي وهو في منتصف العمر ومتزوج قد تحرش بي لفظيا، ثم بدأ في التحرش بي فعليا، ويستغل ثقة الأهل المطلقة، ولم أستطع أن أعرض الأمر على أحد إلا إحدى قريباتي، ولكن دون نتيجة تذكر..
ماذا أفعل فليس لدي من أثق به ويساعدني؟!!
وشكرا
11/1/2006
رد المستشار
الأخت العزيزة، لك الله تثقين به فلن يخذلك أبدًا، وتسألينه العون فيعينك إن شاء الله، ثم إن لك نفسك التي هي نفس فتاة مسلمة عمرها 20 عامًا، ولها من الذكاء ما أهّلها لدخول الجامعة ، وتستطيعين الاستعانة بالله، وادعاء القوة حتى وإن لم تكوني متأكدة من أنها لديك؛ لأن جزءًا كبيرًا من القوة (إلا القوة بالله) هو ما ندعيه وليس موجودًا بالفعل فينا.. عمك هذا ضعيف، ويعلم كم في تصرفه من دناءة وخسة، وهو ما يجعله أضعف؛ فأنا إذن لا أطلب منك أن تكوني أقوى من قوي، ولكن أقوى من ضعيف لا يحترم نفسه.. أليس كذلك؟
أختي الكريمة عليك أن تفهمي جيدا وبوضوح أن ما يحدث لك من عمك ليس إلا تحرشًا جنسيًّا من ذكر بالغ بأنثى بالغة، وعليها إما أن تقبل أو ترفض؛ بمعنى أنك لست طفلة صغيرة لكي نتكلم عن إضرار جنسي لا يد لك فيه؛ فأنت تستطيعين الرفض، وتستطيعين القبول، وأنت مسئولة عن سماحك له بفعل ما يفعل.
قد يكون هو مريضًا نفسيا أو مصابًا بعشق المراهقات، أو قد يكون مريض الشخصية بغض النظر عن كونه مرتاحًا في زواجه أم لا فهذا الأمر لا يعنينا، إلا إن كنا نحاول أن نجد له العذر في تعديه عليك واستغلاله لما يفترض فيه أن يصونه! وليس في هدفنا الآن أن نشخص حالته أو نعالجه، لكنني في الحقيقة لا أستطيع أن أبحث له عن مبررات؛ لأن ما يحاول فعله معك إنما يقع داخل إطار غشيان المحارم (أي إقامة علاقات جنسية بين من لا يجوز الزواج بينهم، حسب الأعراف الفطرية البشرية)، وهو مرض يصيب الأسرة لا الفرد؛ لأنه هو (أي عمك) شخصيا قد يكون مجرد شخص انتهازي يستغل ظروف اعتمادك على أهل أبيك من ناحية الإقامة معهم، وهو يعلم أنك مضطرة لذلك بحكم سفر والديك. وقد يخمن أنك لن تستطيعي البوح بذلك لأحد من أهل البيت أو لوالدك أو والدتك، وعلى تخمينه هذا سيتمادى في محاولاته معك، وقد يكون غير مكترث بالنتائج.
وأنا فهمت من كونه متزوجًا وأنت لا تدرين إن كان مستريحًا في زواجه أم لا... أنه لا يعيش معكم في نفس البيت أو نفس الشقة، ولا أدري هل صحيح ما فهمته أنا أم لا؟ لكن وجوده في نفس الشقة أمر في منتهى الخطورة؛ لأن من الممكن أن يفاجئك وأنت نائمة، وهذا أمر لا نستطيع حساب عواقبه!
وعليك أنت إذا أردت أن تضعي حدًّا لهذا الأمر أن تكوني قوية في رفضك لما يفعل، وأن تشعريه بأنك أنت التي تهدد ولست التي تخاف. انتبهي يا أختي أن عليك أن تنهريه بقوة، وأن تبعديه عنك، ولا مانع من التهديد بأنك ستفضحينه.
إن سكوتك عن الشجب بصوت عال (بغض النظر عن الاعتبارات التي تبررين بها سكوتك لنفسك) سوف يشجعه على التمادي في التحرش بك، إنك لو نقلت له الإحساس بأنك لا تفهمين ما يفعل فسيفسر ذلك بأنك تخفين استمتاعك بما يفعله (ورغبتك فيه) وراء حجاب من التغابي (أو الاستهبال) كما يقول المصريون، وإذا رفضت الرفض (المؤدب) أي إذا كنت ما زلت تحترمينه وتقدرين أنه عمك فسيفسر ذلك بأنه ضعف منك ورغبة أيضًا في الاستمتاع بما يفعل (وكأنك غير مسئولة)، ولن تكون نتيجة ذلك أيضًا إلا تماديه في التحرش بك، وإذا رفضت الرفض الأنثوي الذكي المشهور (بمعنى أن تجري من ركن إلى ركن في الغرفة، وتقولين كلمات، مثل: "لأ لأ يا عمي مش كده، عيب، لأ أرجوك، حد يشوفك!") فستفتحين شهيته أكثر فأكثر!
لا أدري لكنني أتوسم الخير فيك، وأعتقد أن استمرار الأمر لمدة سنة كما بينت في رسالتك معناه أنه لا يقيم في نفس الشقة التي تقيمين فيها، ولذلك مثلاً كانت مرات تحرشه بك معدودة على أصابع اليد؛ وهو ما جعل طول المدة الزمنية ممكنًا، أما إن كان تخميني هذا خاطئًا فإن الأمر يحتاج إلى سرعة التصرف!
أنا أعرف أنك في موقف صعب، ولست في مجال إلقاء اللوم عليك؛ لأنني أدرك أنك واقعة في ورطة، ولا تعرفين كيف يكون التصرف السليم؛ لأن أحدًا لا يعلم البنت كيف تتصرف عندما يتحرش بها أخوها أو عمها أو أبوها أو المفترض فيهم أن يقوموا بحمايتها من الآخرين (لأننا كمجتمع ننكر أن هناك شيئًا اسمه غشيان المحارم حتى عن أنفسنا)، لكنني أقول لك ببساطة: إنك إذا كنت تعرفين كيف تحمين نفسك في الشارع من تحرش الرجال بك، فإنها نفس الطريقة إذا كنت في البيت، عليك أن تدركي أنه ساعة يتحرش بك إنما هو رجل يتحرش بأنثى وليس عمًّا يداعب بنت أخيه، إنك تستطيعين قول أشياء، مثل: "احترم نفسك بصوت عال"؛ فتكون النتيجة أنه هو الذي سيخاف.
انتبهي؛ لأن استمرار هذا الأمر سوف يحمل لك الكثير من الأضرار النفسية التي يسميها الأطباء النفسيون "سلوكيات تدمير الذات"، إن سكوتك على هذا العم المنحرف يعني أنك تساهمين معه في تدمير ثقتك بنفسك وبالآخرين، وتكرار هذا العمل سيملأ نفسك بالضيق، وسيجعل احتمالات إصابتك بالاكتئاب عالية حتى إن لم تشعري بذلك الآن؛ لأنك يوما ما ستدركين أنك فرطت في احترامك لنفسك ولرؤيتك لذاتك في علاقتها بالآخرين.. عمك هذا ليس إلا عمًّا منحرفًا يجب تقويم سلوكه أو على الأقل تجنب أذاه، وليس في الأمر مجال للبحث عن مبررات له؛ فعليك في أسوأ الأحوال النجاة بنفسك على الأقل!
إذن أنا أقول: إن عليك أن تحاولي وضع حد للأمر بنفسك، أي بينك وبينه وفي إطار من إيمانك بقوة موقفك، ولا تخشي تهديده بأنك سكت طويلاً مثلاً؛ لأن قوله شيئًا كهذا يعني أنه ضعيف لا أنه قوي.
كما أنصحك إن كنت غير معروفة في أسرتك بأنك متدينة وملتزمة أن تعلني أنك مثلاً قررت الالتزام بالصلاة (إن كنت غير ملتزمة بها)، أو ارتداءك الحجاب (إن كنت غير ملتزمة به)، أي أن بإمكانك إن أقدمت على ذلك أن تخيفيه، وتأكدي أنه سيخاف منك إذا ظهرت بمظهر المسلمة الملتزمة؛ لأنه كما قلت لك في بداية الرد يعرف أنه ضعيف، وأن فعله فعل دنيء.
فإن كنت لا تستطيعين هذا ولا ذاك فإن عليك أن تلجئي لجدك؛ فإن لم يكن على قيد الحياة فجدتك؛ فإن لم تكن على قيد الحياة أو لم تستطع فعل شيء؛ فعليك باللجوء إلى عمك الأكبر.
فأما خجلك من الكلام في هذا الموضوع فلا مبرر، ولا مكان له، ولا يعفيك من المسؤولية إطلاقًا. وأما خوفك من ألا يصدقوك فينطبق عليه نفس الكلام؛ لأن علينا أن ندفع الضرر عن أنفسنا على الأقل بالشكوى. أما إن بررت سكوتك لنفسك بأنك تخافين على عمك وبيته أو على عائلة أبيك كلها بشكل عام؛ فأنا أقول لك: إنه لا مبرر لخوفك على من لا يخاف عليك، ولا يكترث بشيء مما تخافين عليه أنت.
واعلمي أن البديل الوحيد لإنهائك الأمر بنفسك هو إطلاع من يستطيع نهره أو تأديبه أو على الأقل إخافته من أفعاله تلك؛ لأن البديل المتبقي في حالة سكوتك هو فقط أن يستمر تحرشه بك إلى أن نصل إلى ما لا تُحمد عقباه!، وما لا تحمد عقباه هذا ليس فقط إلحاق الضرر الجسدي بك، وإنما الأهم والأخطر هو الضرر النفسي العميق الذي قد لا تدركينه الآن، إن السكوت على غشيان المحارم حرام يا ناس، ومهما صور لك الشيطان من عواقب الكلام، فإن سكوتك وأنت بالغة العقل والجسد سكوت حرام!
وأنا في نهاية ردي عليك أود أن أوضح لمن لا يعرف أن رد فعلك الذي خمنت أنا أنه السكوت والصبر هو رد الفعل المعتاد من البنات في مثل حالتك؛ لأن الأمر مخجل في كل الأحوال، ومجتمعنا جاهز لإلقاء اللوم على الأنثى دائمًا، وهذا من نتائج تخلفه وقصور نظره وعدم فهمه الفهم الحق للإسلام.
كما أحب أن أوضح لك أن ما تتعرضين له ليس موقفًا غريبًا ولا حتى نادر الحدوث مع الأسف، بل هناك الكثير من الفتيات يتعرضن له، لكن مجتمعنا كما قلت كثيرًا من قبل يدفن رأسه في الرمال على طريقة النعام. فلا تدفني رأسك أنت أيضًا؛ لأنك محاسبة أمام الله، ولعلك بعد أن تتخلصي من هذا التحرش أن تعملي أنت وكل من تعرضت لمثل هذا إلى توعية غيرك أو دعمهن حتى تتوقف هذه الجريمة.
أما رد فعل قريبتك التي لجأت إليها، وإن كنت لم توضحيه بالضبط، وإنما اكتفيت بالإشارة إلى أنه لم يوصلك إلى نتيجة؛ فأنا لا أجد تفسيرًا له إلا أنها هي نفسها ربما تكون قد وقعت ضحية لغشيان المحارم في يوم من الأيام، أو أنها كالأم التي قد تحتمل وجود علاقة غير سوية ما بين بنتها ووالد بنتها الذي هو زوجها!!! وتتغاضى عن ذلك من أجل أن تستمر الحياة، وهذه الأم للأسف موجودة في مجتمعاتنا.
إلا أن كون رد فعل قريبتك لا يرقى إلى مستوى المسؤولية، فإن هذا لا يعفيك أنت من المسؤولية، وكون السكوت هو رد فعل البنات المعتاد في مثل هذه الظروف أيضًا لا يعفيك من المسؤولية على الأقل؛ لأنك مسلمة لجأت إلى "مجانين"، ومن قبل ذلك فتاة مسئولة.
كما أنصحك بقراءة عدد من الإجابات السابقة التي تناولت نفس الموضوع بصورة أو بأخرى ، منها : ضحايا صامتات لنفسهن لائمات
ومن تضيق به الدروب: في مديح الأب الغائب مشاركتان
الضائعة: الخال الخائن بدلا من الخال والد مشاركة
عمك الآن خطر، فليتصرف الكبار
وفي النهاية أسأل الله أن يعينك ويقويك على الخروج من هذه الورطة، وتابعيني بأخبارك .