السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
الأخوة في استشارات مجانين،
أولا أتقدم بجزيل الشكر لكل القائمين على الموقع وبارك الله فيكم ولكم إن شاء الله.
ثانيا أعتذر عن عدم إمكانية انتظار فتح باب استقبال المشكلات وأرجو تقبل اعتذاري.
أما ما يتعلق بسبب الإرسال فإنها مشكلة لا أبالغ لو قلت أنها قد جعلت من حياتي جحيما أولها أن شقيقتي الكبرى مريضة بداء السرقة منذ طفولتها وكانت دائما موضع شبهة لأي شيء مفقود من منزل أي قريب نزوره ومنهم طبعا خالاتي والحمد لله انتبه والدي مؤخرا إلى واجب العلاج النفسي لها وفعلا والحمد لله تم الشفاء.
والمشكلة الحقيقة أن خالتي سامحها الله لا تنسى هذا الأمر أبدا ولا تقتنع أنه مرض نفسي بل إنها لا تتورع عن الحديث فيه مع الغرباء الذين لا يعلمون شيئا حتى علم الجميع وساءت سمعة أختي كثيرا كثيرا حتى أنه منذ ما يقرب من خمسة سنوات لم يطرق الباب خطيب واحد لها من قريب أو بعيد والأمر يا سيدي أن خالتي هذه أغنى منا كثيرا فهي تملك الكثير من المال وعقارا ملكها لكنها دوما تتعالى علينا هي وأبناؤها.
وأنا أتذكر منذ طفولتي أن ابنة خالتي هذه ضربتني يوما وعندما هممت بضربها أجابتني لا تجرؤين وقلت لها لماذا قالت (بفلوسي) رغم أنها تصغرني بستة سنوات غير أنهم يشيعون عند أبناء أعمامهم أننا نغار منهم ونحقد عليهم والله يعلم أننا لسنا كذلك أبدا وغير ذلك أنها تمقت الخير لنا وتستكثر كل شيء علينا حتى أنني عندما حصلت على وظيفة جيدة بأحد القطاعات الخاصة أنا وأختي ظلت تسخر مننا عند الغرباء لأننا بنات ونعمل حتى إذا حدث أن تقدم لي احد الشباب وكانت ظروفه جيدة فإنها تظل تتوصف في خطاب ابنتها حتى تشعرني انه لاشيء بجوارهم أو أنني يتقدم لي أقل الناس حتى أشعر أن نفسي كسرت وكلما شعرت بالرضا عن شيء في حياتي أنا وأختي تتفنن في إظهار كل ما تملكه وتظل بحديثها في آذاننا حتى تقتل فرحتنا بما قد حصلنا عليه، حتى عندما تمت خطبتي يوما ما وكنت أشكر الله على كل شيء وأرى خطيبي أفضل من الجميع ومقتنعة به تماما فعلت نفس التصرفات وظلت تسخر منه ومن هندامه وتقارن بينه وبين فلان كأنها تمزح لكننا نعلم المقصود منها دوما.
لقد أصبحت خالتي يا سيدي عبئا على حياتنا يكدر علينا كل شيء ويسخف لنا كل شيء وما يأسني من إمكانية التغيير حتى مرض أختي السابق هذا الذي لازال يطاردنا في أحاديثها هي وأبناؤها اللذين يتكبرون علينا حتى أنهم قالوها يوما لأختي في وجهها أنهم يخجلون أن يقولوا أنها ابنة خالتهم أمام أصدقائهم بحجة ما عرفه الناس عنها (والذي كانت خالتي وأبناؤها سببا في انتشاره).
والغريب يا سيدي أنها متدينة كثيرا في زيها فهي منقبة لكنها لا تتدين أبدا في تصرفاتها خاصة معنا وما يحزنني هذه الأيام كثيرا كثرة حديثها أمام أمي عن خطاب ابنتها التي لم تنتهي من المرحلة الثانوية بعد وكثرتهم فتكتفي أمي بالإنصات والصمت لكنها تبكي كثيرا كلما اختلت بنفسها ونحن نعرف الأسباب ولا يمكننا أن نأخذ موقفا أو نتحدث في هذا الأمر لكن كل شيء عند الله وفي القلب يمزق فينا كثيرا خاصة لقلة خطاب أختي ولتعثري أنا أيضا مع من كان خطيبي قبل أن تفسخ الخطوبة بعدما تعكرت نفسي بما لم يعد يقبل التسامح أو قبول القليل أنا أو والدي فالضغط علينا أكثر من طاقة البشر.
أرجوك يا سيدي أرشدني ماذا افعل; لقد جعلت خالتي حياتنا جحيما
أدمـــــنت أحـــزانـــي فصرت أخاف ألا أحزنا
وطعنت آلافاً من المرات حتى صار يوجعني ألا أطعنا
11/8/2007
رد المستشار
الأخت العزيزة؛ أهلا وسهلا بك، أحييك على الكلمات الشاعرية التي وردت في آخر إفادتك فهي تعبر عن نفس شاعرة بالفعل، وأشكرك على ثقتك بموقعنا مجانين، والحقيقة أنني رغم طول إفادتك لم أستطع أن أجد فيها ما يصلح قاعدة بناء تصورٍ معقول لمشكلة بعينها، فمثلا مسألة الحكم على سلوك السرقة بأنه مرضي أو غير مرضي أمرٌ أحتاج فيه إلى معلومات أكثر وأعمق بكثيرٍ مما ذكرت في إفادتك هذه، وربما لأنك تعتبرينه سلوكا كان في الماضي، وتستشيرين بشأن مشكلةٍ في الحاضر، لكنك لم تحددي لي ما هي المشكلة الحاضرة؟
قرأت إفادتك عدة مرات، وانفعلت لها كل مرة، لكنني رغم ذلك لم أستطع أن أحدد مشكلة معينة، وأريد بداية أن أحدد لك شكل ذلك النوع النادر من السرقة الذي يعتبره الطبيب النفسي سرقة مرضية أو يسميه الطب النفسي هوس السرقة Kleptomania أو Pathological Stealing، فخصائص هذه الحالة هي كما يلي: فشل متكرر من الشخص عند مقاومة الاندفاع نحو سرقة أشياء لا يحتاجها لاستخدامه الخاص أو لكسب مالي، بل أن هذه الأشياء قد يتم التخلص منها أو توزيعها أو تخزينها.
ويصف المريض عادة إحساسا متزايدا بالتوتر قبل أن يفعل فعلته، وشعورا بالرضا أثنائها وبعدها مباشرة، وبالرغم من اتخاذ بعض المحاولات لتكتم الأمر، إلا أن الشخص لا يستنفد كل وسائل التكتم، كذلك تتم السرقة بشكل منفرد وتنفذ دون وجود شريك. وقد يعبر الشخص عن قلق ويأس وشعور بالذنب بين نوبات سرقة المحلات (أو الممتلكات الأخرى) ولكن ذلك لا يحول دون تكرار السرقة، ومن غير الشائع أن نجد حالات تستوفي هذه المواصفات ولا تكون نتيجة ثانوية لواحد من اضطرابات نفسية أخرى، كالاكتئاب وأحيانا بعض أشكال صرع الفص الصدغي Temporal Lobe Epilepsy.
وفي التشخيص التفريقي لحالات هوس السرقة يجب تمييز السرقة المرضية عن الحالات أو الاحتمالات التالية، التي تحدث فيها سرقات متكررةٌ أيضًا:
(أ) سرقة المحلات المتكررة دون اضطراب نفسي ظاهر، في هذه الحالات يسبق الأفعال تخطيط دقيق، كما يوجد دافع واضح من المكسب الشخصي: مراقبة الاضطرابات النفسية والسلوكية المشتبه بها
(ب) اضطراب نفسي عضوي المنشأ: تكرر عدم دفع ثمن المشتريات نتيجة لضعف الذاكرة أو أشياء أخرى من التدهور الذهني.
(ج) اضطراب اكتئابي مع سرقة : بعض مرضي الاكتئاب يسرقون وقد يكررون فعل ذلك مدة استدامة الاضطراب الاكتئاب.
إذن فحالات السرقة المرضية التي تكونُ قابلةً للشفاء التام هي حالات الاكتئاب، أو الصرع، أو ربما بعض حالات اضطرابات العادات والنزوات Habit and Impulse Disorders أو اضطرابات التحكم في الاندفاعة Impulse Control Disorders، والتي تندرج ضمن اضطرابات طيف الوسواس القهري وتحتاج إلى مشوارٍ علاجي طويل، فإلى أي الفئات كانت تنتمي حالة أختك، لا أستطيع القطع بشيء، وإن كنت أستبعد أن يكونَ المرض ناتجا عن ضعف في الذاكرة نظرًا لحداثة سن البنت.
لكنني أجد أن معظم محتوى الرسالة هو الشكوى من الخالة، إلى الحد الذي يشعرني بأنها فضفضة عن مشاعرك السلبية تجاه تلك الخالة وسلوكياتها المتعجرفة، ولك الحق طبعا في أن تشعري بمثل تلك المشاعر السيئة تجاه سلوك مذموم شرعيا واجتماعيا من جانب خالتك، لكن الذي يجب أن تسألي نفسك عنه هو في الحقيقة أمر مختلف أو بعد مختلف من أبعاد المشكلة، وهذا البعد هو:
إلى أي حد يا ترى مسئولةٌ أنت أو أفراد أسرتك عن تأثير سلوكيات تلك الخالة عليك أو على أسرتك؟ وما الذي يجعل لسلوكها (والذي هو شائعٌ في مجتمعاتنا وليس نادرًا) كل ذلك التأثير على حياتكم؟ ألا ترين أنكم كأسرة وكأفراد درتم كثيرا في فلك تلك الخالة؟ وأنكم تعطون اهتماما أكثر من اللازم لما تقول وما تفعل؟ قد تكونُ والدتك أقلكم مسئولية عن ذلك لأنها أختها، لكنني لا أستطيع إعفاءها تماما من المسئولية!
ولنتكلم قليلا عن نموذج تلك الخالة وأبنائها وبناتها ربما، أصحاب ذلك السلوك المتعجرف غرورًا بالمال والغنى، من من الناس يحبهم أو يلتصق بهم؟ هل أحد يفعل ذلك غير المستعدين لتحمل سخافاتهم لسببٍ أو لآخر؟ فهل يصح له بعد ذلك أن يشتكي؟ أو أن يحمل صاحب ذلك السلوك تبعة تأثيره على حياته هو؟
كان الأصح هو أن يتم تحجيم سلوكيات تلك الخالة ومن يتصرف مثلها من أبنائها أو بناتها، بأن نبين لها ولهم أن هناك حدودا لما نحن على استعداد لتحمله فإن لم نفلح في ذلك، فإن الاجتناب قدر استطاعتنا هو الحل الأمثل، وذلك عملا بقوله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) صدق الله العظيم (الأعراف:199).
وهل ترين المغتر بماله، والمحقر لشأن الآخرين نتيجة لذلك، والمتلمس لعيوبهم ونقاط قصورهم ليفضحهم بها (إن صدقت روايتك عنها) غير جاهل؟ إذن لماذا نصاحب الجاهل، بينما هو يجرحنا ويؤذينا؟ بل ونتحمل إلى الحد الذي تؤثر فيه أفعاله على قرارات حياتنا مثل الزواج أو غيره؟
وأما أن تدينها تدين يقف عند حدود الزي ولا يؤثر في السلوك، فنحن لا نستطيع القطع بذلك لأن الكيان الإنساني (غالبا) كيان متغير، وليس ثابتا كما يظن البعض، فقد ترتفع إيمانياتنا وقد تهبط، وقد يؤثر تديننا في سلوك دون الآخر، فنحن بشر وكل بني آدم خطاء، لكن المهم هو أننا سنسأل أول ما نسأل بين يدي الله عز وجل عن أنفسنا وأفعالنا، ولا أظن أن شماعة الخالة ستكونُ صالحة يومها!، فأنت كما أستنتج من إفادتك، رفضت الخطيب بعد فترة من الخطوبة لأسباب تتعلق بقدراته المادية، متأثرة بكونك أنت ووالداك لم تعودوا مستعدين لتقبل القليل؟ فهل كل هذا بسبب غنى الخالة؟؟ إنك إذن تريدين أن تصبحي مثلها!!، فكيف تلومينها؟
إذن عليك أن تناقشي مع نفسك ومع والدتك إن أمكن، عيوب ومميزات بقاء احتكاككم بالخالة وأسرتها وتوازني بين العيوب والمميزات، ثم قرري بعد ذلك واعلمي أنك مسؤولة عن ذلك القرار، واعذريني إن كنت قد قسوت عليك قليلا، ولكن القسوة أحيانا واجبة، وأهلا وسهلا بك دائما فتابعينا بالتطورات.