السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: المشكلة مع أمي إنها تؤلمني بكلامها عني ودعائها علي بدون سبب أحيانا وأمام الأقارب والجيران تتكلم عني بأمور لا أحب أحد أن يعرفها، وتقول أتمنى أن تذهبي من وجهي وتتزوجي من إنسان سيء لدرجة أني أصبحت أفكر بالانحراف وعمل علاقات لأتخلص منها ولكن مازالت أخلاقي وديني يمنعاني من ذلك ولكن أخاف أن أفقد صوابي يوما ما فماذا أفعل.
انصحوني:
ملاحظات؛ عمري 19 وأدرس بكالوريوس إنجليزي
* تم نشر هذه الاستشارة على موقع إسلام أون لاين
5/9/2007
رد المستشار
الابنة العزيزة؛ أهلا وسهلا بك، ونشكرك على ثقتك في موقعنا مجانين، مشكلتك مع والدتك تكمن في تصرفها نحوك بشكل جارح لك أمام نفسك وأمام الآخرين، وقد قلت في إفادتك أن ذلك قد يكونُ دون سبب أحيانا، فهل هو دون سبب من وجهة نظرك أنت فقط؟ أي أن لديها هي أسبابها؟ أم أن هناك اختلافا في الآراء بينكما تجاه سلوكيات معينة؟
من الطبيعي أن يكونَ اختلاف بينكما طبعا فيما يتعلق بالآراء والتوجهات تجاه الأحداث والأفعال لأنك صغيرة وتنتمين على جيل آخر، لكن من المفترض في نفس الوقت في الأم أن تدرك ذلك الاختلاف بل وأهميته، وعليها أيضًا أن تسمح به وأن تتعامل معه باحتواء وقدرة على التفاعل، وهنا يكمن لب المشكلة، فحقيقة الأمر يا بنيتي أن الأم التي علمنا ديننا أن الجنة تحت أقدامها، فقد روى أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم عن معاوية بن جاهمة السلمي أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: "هل لك من أم؟" قال نعم، قال: "فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحاكم صحيح الإسناد.
هذه الأم المسلمة مثلها مثل كل أفراد المجتمع المسلم الذي نعيش فيه لم يتم إعدادها لمواجهة ما تمرين أنت به، ولم يهتم أحد بذلك، ويبدو أننا اكتفينا كأمة من فهمنا لحديث الجنة تحت أقدام الأمهات، بأن نتركهن وشأنهن تسيرهن فطرتهن التي فطرن عليها (غريزة الأمومة) أو طبيعتهن وفسيولوجية سلوكياتهن بلغة أهل الطب النفسي، ونسينا ما كان يجبُ علينا أن ننتبه إليه من أن تأثير غريزة الأمومة في سلوك الأم ليس أبدًا مؤثرا يعمل في الفراغ فهو يتأثر بالخلفية المعرفية للأنثى الإنسان (وخلفياتنا المعرفية كلنا قد تم العبث بها تجاهلا وجهلا وتقصيرا وغفلة ولله الأمر من قبل ومن بعد)، بمعنى أن عدم الإعداد الذي لم تظهر آثاره بصورة واضحة حتى الآن على الأطفال في سنوات العمر الأولى (ولكن هناك أمهات من حديثات السن أسمعهن وهن يذكرن كيف يفكرن في سؤال مثل لماذا أضيع كل هذا الوقت في رعاية كائنات صغيرة قد لا تعترف لي بالفضل!)، إلا أن غريزة الأمومة غالبا ما تغلبهن، وغالبا ما تجد الأم الصغيرة السن من يعينها ويرشدها في رعاية صغارها.
لكن النقطة الخطيرة والتي ظهرت الآن جلية (ومنذ زمن في الحقيقة ولكننا نبدو وكأننا نفهمها متأخرين بحق)، فهي عدم إعداد الأمهات للتعامل مع مراحل العمر التالية لأبنائهن وبناتهن، والأنكى والأمر هنا هو أن الغريزة التي تكونُ قويةً جدا تجاه الصغار، تضعف بالتدريج تجاه الكبار، أي أننا هنا نصبح لا نتكلم عن نفس مشاعر الأم تجاه الصغار، عندما يكبر أولئك الصغار، فإذا تخيلنا ما لا يمكن حصره من التغيرات والتأثيرات المعرفية التي تحيط بنا من كل جانب في العالم الذي نعيش فيه اليوم آباء وأمهات وأبناء فإننا ستصدمنا تخيلات ووقائع ما كانت على البال!
طبعا لك ولأمك هداها الله خصوصية لا أنكرها ولا أقلل من أثرها، ولكنني أقول لك أنه مثلما لم يتم إعدادك أنت كما يجب لمواجهة ما طرأ عليك في جسدك وفي عقلك من تغيرات، ومثلما شعرت كثيرا أن أحدا لا يفهمك، فإن نفس عدم الإعداد كان من نصيب أمك، وهي أيضًا لا تفهم نفسها ولا تفهمك!
لم تذكري أنت لنا شيئا عن أفراد الأسرة التي تعيشين فيها، ولم تذكري هل سلوك أمك تجاهك هو توجه خاص بك أي أنها تفعل ذلك معك وحدك أم مع أخواتك وإخوتك أيضًا؟ وهل هي هكذا دائما أم أن تغيرا ما طرأ على سلوكياتها أخيرا؟ كل هذه أسئلة يجب أن تجيبني عليها قبل أن أقول ردا مناسبا وخاصا بحالتك.
وقبل أن تسيطر عليك مشاعر الغضب من كلامي الذي يبدو وكأنه دفاع عن الأم، فإنني أحيلك إلى عدة روابط ستجدين فيها كثيرا مما يتوجب عليك العلم به لعل فيه ما يخفف عليك فانقري العناوين التالية، وفيها نماذج لآباء وأمهات مسلمين لم يتم إعداد أي منهم الإعداد اللازم مع الأسف:
الا أب ولا وطن: قلوب تنكر نبضها
نفسي في أم غيرها : أخي بكل احترام وأنا بالجزمة
الابنةُ المضطهدةُ ودبلوماسية العائلة
الابنةُ المضطهدةُ ودبلوماسية العائلة مشاركة
أمي سبب بلائي وشقائي
أبى خائن..أصبحت أكرهه
السير على حد السيف واستراتيجية ترقيق القلوب
دبلوماسية العائلة والندم حيث لا ينفع الندم
أدرك جيدا كمَّ الألم والمعاناة التي تعانين من طريقتها في التعامل معك، ومن عدم محافظتها لا على مشاعرك تجاه نفسك ولا تجاهها ولا حتى احترامها لوجودك أمام الآخرين، ولا حفظها لسرك كل هذا أدركه، ولكنني برغم ذلك كله، لا أستطيع أن أقول لك لماذا لا ترين في حياتك الآن إلا هذه المشكلة، ولماذا تبدو لنا أسرتك وكأنها مكونة منك ومن الأم؟ لماذا ترين في سلوكها معك (ودعواتها التي بالتأكيد من خارج القلب كما يقولون عندنا) رغم فظاظة ذلك كله، ما يمكنُ أن يدفعك في اتجاه الانحراف؟! وإقامة علاقات كما تقولين، ولماذا تتطرفين هكذا في انفعالاتك، ولسان حالك لسان حال من تريد معاقبة أمها بتدمير نفسها لماذا تختارين من العلاقات نوعها المنحرف؟ لكي تخلصي من من لا تستطيعين التخلص منها أبدا لأنها أمك! إذن هي الرغبة في عقابها على إهاناتها المتكررة لك؟
رغم أن من الممكن أن تقيمي علاقات داعمة لك ومعينة على اجتياز أزماتك كلها دون أن يكونَ ذلك انحرافا، فهناك يا ابنتي كثيرات يستطعن القيام بدور الأم البديلة فيمنحن الحنان والاحتواء، وهناك يا بنيتي واجباتٌ أهم في المرحلة التي تمرين بها من حياتك، منها أن تحسني أداءك الدراسي، ومنها أن تهتمي بإعداد نفسك وتنمية مهاراتك، ومنها ما يسميه أخي الدكتور أحمد عبد الله بالتكوين، وأنصحك بقراءة سيكولوجية الفتاة العربية
أي بنيتي يبدو أننا جميعا تركنا بلا إعداد لمواجهة ما لا يعلمه إلا الله من متغيرات نسأل الله أن يقينا شر الفتنة، ولكننا لا نستطيع إلا العمل على إعداد أنفسنا بأنفسنا ما استطعنا لذلك سبيلا، فاستعيذي بالله من نزغات الشيطان، واهتمي بما هو أولى أن نهتم به، وتذكري دائما أن البر بالأم طريق إلى الجنة،
وأهلا وسهلا بك دائما فتابعينا بالتطورات.