التردد الدائم
السلام عليكم، شكرا لجهودكم الدائمة في سبيل النهوض بهذا المجتمع وبعد؛
فأنا شاب في العشرينات من العمر 24 مشكلتي أنني أتردد كثيرا عندما أتخذ قرار معين، فمثلا عندما كنت أحب فتاة والحب كان في قلبي ولم أصارحها به كلما أردت أن أصارحها به وأقول لها بأنني أريد خطبتها أتراجع عن الموقف خوفا من أشياء كثيرة.
فلحظتها أتذكر بأن الزواج مسؤولية وغيره أي بمعنى آخر أتذكر كل الأشياء السلبية التي تحول دون مصارحتها بالأمر هذه الترددات تصاحبني دائما.
المشكلة الآن أريد أن أصارحها بالأمر لكن ماذا أعمل لهذه الوسوسات التي تشوش أفكاري.
ولكم جزيل الشكر.
06/11/2003
رد المستشار
عزيزي ....... المتردد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
التردد Indecisiveness ليس كله شرا، بل إن درجة منه ربما تكون مفيدة لإعطاء فرصة للتفكير في الاحتمالات المختلفة والعواقب المتوقعة ودراسة البدائل المتاحة ورؤية الموضوع من أكثر من جانب وربما يتبع ذلك استشارة ذوى الرأي في الموضوع الذي يشغلنا، وفي بعض الأحيان نفعل كل هذا ثم نجد أنفسنا مازلنا في حيرة من أمرنا حيث أن هناك جوانب في الموضوع مازالت خافية عنا وبالتالي تقلقنا وهنا نقوم بأداء صلاة الاستخارة وذلك بأن نسأل الله (العليم والمحيط بكل شيء) أن يوفقنا للخيار الأفضل وأن يبدد حيرتنا.
وهذا اعتراف منا بمحدودية علمنا وتواضع قدراتنا فالإنسان مهما بلغ من العلمA279; تبقى هناك أشياء هائلة لا يستطيع الإحاطة بها، بل إن الإنسان كلما زاد علمه كلما زاد وعيه بما يجهله ولذلك تجد العلماء والباحثين أكثر ترددا وحذرا لأنهم يعرفون مدى جهلهم بأشياء كثيرة في الكون والحياة وفى نفس الوقت يتوقون إلى الكمال أو الاقتراب من الكمال فتجدهم يمحصون الأمر ويدرسونه من كل جوانبه (المتاحة لهم) عدة مرات، وكل الناجحين والعباقرة كانت لديهم درجة من التردد والتأني تسمح لهم بالمراجعة والتأمل والتجويد.
وحياة كل منا هي عبارة عن مجموعة قرارات اتخذها، بعضها كانت تدفعه إلى الأمام وبعضها كانت تجره إلى الخلف، لذلك نتأنى في اتخاذ هذه القرارات ونفكر ونتأمل ونستشير، وفى ذات الوقت نستعين بالله ذي العلم الواسع الشامل ومن المفيد أن يتعلم الإنسان مهارة اتخاذ القرارات فهي مهارة حياتية غاية في الأهمية.
وكلما ازداد ذكاء الإنسان ازداد حرصا في اتخاذ قراراته وازداد تفكيرا وتأملا في العواقب والنتائج، وعلى العكس كلما انخفضت درجة الذكاء كلما كان الشخص مندفعا متهورا يفعل الأشياء دون تفكير ولا يعرف التردد.
كان هذا هو الوجه الإيجابي في التردد أما الوجه السلبي فيتضح في بعض الشخصيات الوسواسية (القهرية Obsessive Compulsive Personality) أو القسرية Anankastic Personality التي تتردد في كل صغيرة وكبيرة، ويصبح التردد معوقا لاتخاذ قرارات مهمة في توقيتها المناسب، فعنصر الزمن عنصر هام في الحياة، وبالتالي هناك أشياء تحتاج للحسم في توقيتات مناسبة فإذا تركنا أنفسنا للتردد بلا ضابط فإننا نضيع على أنفسنا فرصا كثيرة ونشعر ببطء الإيقاع وبأننا مكبلين بحبال الخوف والتردد والقلق، والتردد بهذه الدرجة المعوقة هو علامة عدم ثقة بالنفس وبالآخرين لذلك يخشى الإنسان من اتخاذ أي قرار بناءا على تفكيره أو حتى مشورة غيره.
وبعض المتردين يكون لديهم رعب من الوقوع في الخطأ فهم لا يحتملون أي درجة من الخطأ وبالتالي لا يقدمون على المغامرة باتخاذ أي قرار ويفضلون التوقف والجمود ويشعرون أنهم بذلك يعفون أنفسهم من الوقوع في الخطأ، ولكن التردد بهذه الطريقة يصبح خطأ كبير في حد ذاته وخاصة إذا كان الشخص في موقع مسئولية تستلزم اتخاذ قرارات مهمة وحاسمة في كثير من الأمور.
وأخيرا أقول لك عزيزي السائل أنه نظرا لأنك لم تعط تفاصيل كافية عن بقية سماتك الشخصية لذلك لم أتمكن من معرفة إلى أي نوع من هؤلاء تنتمي، وإنما أشعر أن قلقك الحالي منصب على اختيار شريكة حياتك وهذا أمر غاية في الأهمية يترتب عليه أشياء كثيرة في حياتنا وبالتالي يستحق أن تفكر وتتأنى وتستشير ذوى الرأي من حولك، ثم تصلى صلاة الاستخارة داعيا الله أن يوفقك لما فيه الخير، وبعد كل هذا إذا عزمت على الأمر فتوكل على الله وتقبل الأمور المترتبة على قرارك ولا تقل بعد ذلك لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا فإن لو تفتح عمل الشيطان، واعلم أن الأمور في هذه الدنيا نسبية فليس هناك قرار كله مكاسب وإنما نقبل أن تكون هناك بعض التضحيات أو العقبات طالما أننا سلكنا الطريق الصحيح في اتخاذ القرار.
وإذا فعلت كل هذا ووجدت نفسك مازلت عاجزا عن اتخاذ قراراتك في توقيت صحيح فأنت تحتاج لاستشارة طبيب نفسي فربما يكون ذلك جزءا من حالة وسواس قهري تحتاج لعلاج دوائي وعلاج نفسي، وإذا لم يكن هذا الاحتمال المرضى موجودا فربما يفيدك التدريب على مهارة اتخاذ القرارات وذلك بواسطة متخصص في العلاج النفسي (طبيب نفسي أو أخصائي نفسي).
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي: الأخ السائل أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك بموقعنا وصفحتنا استشارات مجانين، ما أود الإشارة إليه هنا بعد الإجابة المستفيضة للزميل الدكتور محمد المهدي هو: أن أسأل الأخ صاحب المشكلة عن نوعية عمله فقد ذكر لنا أنه موظف في خانة المهنة، لكن معرفة نوعية وظيفته مهمة بالنسبة لنا فكما أشار أخي الدكتور محمد المهدي فإن الكمالية صفةٌ محمودةٌ عندما تكونُ موجودةً في بعض الأشخاص بشكلٍ يخدمُ مثلاً وظائفهم كالأطباء والطيارين، فأنتَ تجدُ الجراحَ الذي يسعى إلى الكماليةِ دقيقًا في موعده وفي جراحته وفي تنفيذه لأدق تفاصيلها،
لكنكَ في ذات الوقت تجدُ أن الجراح الذي يفرطُ في ذلك يزعجُ طبيبَ التخدير لأنهُ يعرضُ حياة المريض للخطر بسبب طول الفترة التي يريدُهُ فيها مخدَّرًا، لكي يتمكنَ من إتمام كل شيءٍ بالدقة التي يريدها، وإنما يجيء ذكرُّ الكمالية هنا لأن هناكَ علاقةٌ ما بين الكمالية وما بينَ الشك وبينَ التردد Indecisiveness والذي يمكنُ أن يكونَ سببًا للبطءِ الوسواسي خاصةً في اتخاذ القرارات.
وإذا أردنا أن نستطلعَ المكنونَ النفسي وراءَ صفة الكمالية هذه في أفكار أصحابها لوجدناهم مساكينَ يعيشونَ في عالمٍ مرعبٍ من المثاليات والقواعد التي تدفعهم في كثيرٍ من الأحيان إلى الإحجام عن التجربة أو عن تعلم الجديد فهم لا يستطيعونَ تحملَ الخطأ لأنهم يجبُ ألا يخطئوا، واضحٌ طبعًا أن في ذلك انحرافًا عن الفطرة البشرية، بالرغم من أن هذه الصفة تبدأُ مع الإنسان من طفولته فقد تجـدُ في كل فصل دراسي طفلاً أو طفلين بهذا الشكل لكن الطفل بالطبع لا يقولُ لكَ أنهُ يعاني من الرغبة في الكمالية أو من الإحساس بعدم اكتمال الفعل لسببٍ بسيطٍ هوَ أن الطفل لا يدركُ أن ما لديه هو صفةٌ مرضية ولكنهُ يعتقدُ أنهُ كذلك يجبُ أن يكونَ الجميع،
فتراهُ لرغبته في إدراك الكمال في أفعاله يقع فريسةً لكمٍّ كبيرٍ من القلق، والحقيقة أنني بشأنك يا أخي السائل أرى أن العرض على طبيب نفسي متخصص هو من أهم ما يتوجبُ عليك فعله لأن من الممكن أن تكونَ لديك أعراضٌ أخرى لا تدري بها تشكل عوائق في حياتك بينما تعتبرها أنت طبيعية، وفي النهاية أحيلك إلى عدة ردود سابقة لمستشارينا تتعلق باختيار شريك الحياة فانقر الروابط التالية:
اختيار شريك الحياة هل من ضابط
السن المناسب للزواج
وجهة نظر حول الحب مشاركه
التوافق بين الزوجين: قواعد عامة
وأهلا وسهلا بك دائما فتابعنا بأخبارك وشاركنا بآرائك.