السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
مشاركة في: خطأ التأويل وجنسنة التفسير مشاركة
وهذا هو نص المشكلة الأصلية:
خطأ التأويل وجنسنة التفسير والله أعلم
أخط لكم هذه الكلمات وأنا تحت طائلة ضغوط لا يعلمها إلا الله، أنتزع هذه اللحظات من عمري ودراسة امتحانات نهاية الفصل، وها أنا ذا أعيد كتابة مشكلتي لكم، أتمنى أن تتحملوني وأن تأخذوا بيدي حتى نهاية هذا العام الحاسم بالنسبة لي، فهو عام تخرجي من الجامعة بإذن الله. أرجوكم لا تهملوا رسائلي فليس لدي من يسمعني بعد الله غيركم.
أنا فتاة معاقة مصابة بإعاقة حركية منذ الولادة، أدرس حاليا في الجامعة. مشكلتي باختصار هي أنني أعاني من ضغوط داخلية وخارجية رهيبة في هذا العام الحاسم بالنسبة لي، تتلخص تلك الضغوط في الناحية العاطفية وموضوع الزواج بشكل خاص. في العام الفائت خطبت صديقتي الحبيبة، وفي العطلة الصيفية تزوجت، أفتقدها كثيرا الآن، كانت تقلدني، كنا نتنافس نتناقش في الدراسة، افتقدت اكبر دافع بالنسبة لي.
خلال العطلة الصيفية الفائتة أيضا خطبت أعز صديقاتي وأقربهن إلى قلبي وعقد قرانها، رفيقة دربي، ومستودع سري، بل هي سجل تاريخي بكل ما فيه من أفراح وأتراح، بلسم حياتي، هي ملجأي.. لا تشكني شوكة إلا وأشكوها لها، لقد عانت كثيرا في سبيل هذا الموضوع وعانيت معها، أتذكر كم كنت أدعو لها بالزواج حتى أتمكن من التركيز في دراستي. لكنني لم أكن لأتخيل أنا زواجها سينتزعها مني إلى هذا الحد.
خلال العطلة الصيفية الفائتة أيضا خطب شقيقاي.. وفي بداية هذا العام خطبت شقيقتي الأصغر مني خاتمة بنات البيت وكتب كتابها وزواجها سيكون في خلال الأسابيع المقبلة.. ذهبوا جميعا وبقيت وحدي.. أحاديث الغرام تملأ أركان البيت من حولي، يجتمع الجميع ويبدأ الكلام من تحت الحزام، دون أدنى مراعاة لوجود بنت في البيت.
تلاطيش الكلام تحرقني كأي بنت لن يكتب لها أن تتزوج: أنا عرسي سيكون قبلك.. لن أزوج ابني لابنتك.. يتحدثون عن بيوتهم.. أشياء كثيرة لا أحصي لها حصرا.. أبتسم لهم وقلبي يئن وجعا، أحتبس بقايا غصة دفينة ودموع عصية أحملها معي إلى حجرتي أدفنها في وسادتي.
يتملكني الحرج والخجل من نفسي، لا أبالغ أبدا إذا قلت أنني صرت أتمنى الموت في كل لحظة، لماذا وضعتني يا رب في هذا الموقع المحرج وأنت تعلم ما أنا عليه من ضعف وخجل وعدم قدرة على التحمل؟ لقد صرت ساخطة على كل شيء كل شيء.
كم هي حقيرة هذه الحياة؟ كم أنا رخيصة.. شقيقي يذمني ويمدح جمال خطيبته.. شقيقتي ليست شقيقتي فقد صار زوجها كل حياتها لا شيء يجمع بيننا سوى حديثها عنه.. أشياء كثيرة من حولي لا أستطيع حصرها هي كما أتصور جزء من معاناة أي فتاة عانس.
في تلك الفترة كنت أحس بروحي تكاد تتصعد في السماء، فراغ روحي رهيب، لم يعد للحياة عندي أي قيمة، صرت أفكر كثيرا في الحياة والأجيال والناس، اكتئاب فظيع تملكني.. تقربت من الله كثيرا وفوضت إليه أمري وحاولت البحث عن أي مخرج. وما أن توافرت لي الظروف للعمل حتى هرعت إليه هربا من هذا الجو الخانق بعد أن كنت قد فرغت نفسي من كل شيء لأجل التخرج ومشروعه والمعدل ورفعه، وقد أثر هذا على دراستي بشكل كبير.
ذهبوا جميعا وتركوني وحيدة مع طيفه.. غادروا جميعا كل لحياته وبقيت وحدي مع طيفه، وما كان في نظري بالأمس حراما صار اليوم حلالا.. منذ سنتين أتذكر أنني نظرت في المرآة، راعني ما رأيت، خيوط الشيب بدأت تغزو شعر رأسي، والتجاعيد تخط طريقها إلى محاسن وجهي، كم أصابني من الحزن في تلك اللحظات، بدأت محاسن هذا الوجه تشد رحالها إلى الزوال، هذا الشعر الذي لم يخلق ربي على وجه الأرض أجمل منه يفنى بهذه السرعة، كما هذا الوجه الذي كان يوما يباري القمر في حسنه.. لم يحدث هذا لأي من أخوتي الأكبر مني.. إنها سنوات الاضطهاد والذعر التي عشتها يوما تحت رحمة من يفترض أنهم أهلي.
تصادف ذلك مع ولوجه رحلة حياتي، من أكبر دكاترة الجامعة، كان لقاؤنا الأول جريء، كان ينظر إلى وجهي يركز في عيني طوال المحاضرة، ليتمتع بجمال هذا الوجه قبل أن تندثر معالمه!.. وهكذا تعودنا لا يشرح إلا وعينيا متعانقتين.. أظهر اهتماما بالغا بي.. أمن بقدراتي.. شجعني.. وتجاوز عني كثيرا.. غمرني بعطفه وشفقته.. يتحدث المعاقون عن الشفقة.. أما أنا فلي فيها رأي آخر، فسنوات المعاناة التي عشتها جعلتني أرحب بالشفقة والمشفقين.. مجرد خربشة على الهامش.
صرت أحس وكأنه يحاصرني من كل جانب، كنت كالمكبلة أخجل من أن أفعل أي شيء أمامه، أخجل من أن أتحرك أمامه.. ولا أبالغ لو قلت أخجل حتى من أن أتنفس.. حتى صرت أقع في أخطاء بسبب شدة محاصرتي لنفسي.. وفي نفسي الوقت أتمنى أن ألفت انتباهه إلي، أتمنى أن يتجاوز إلى ما دون عيني.. وجهي.. يدي.. أحببته حتى النخاع.. شيء غريب يجذبني إليه.. أتمنى أن أضمه وأشمه.. أتخيله يحيا معي في كل لحظة.
عانيت من صراع رهيب مع الذات، وكلما تذكرته تذكرت الله وتوكلت عليه وتذكرت أن حبي الله يجب أن يكون أكبر من أي شيء آخر.. هذا الشيء الذي أفتقده اليوم بسبب أجواء الزواج والخطب من حولي. وعيناه لا تزال ملتصقتان بعيني، لا يشرح إلا لي، ولا ينظر إلا لي، وأنا لا أملك إلا أن أبادله الاهتمام.. رغم ما كان يسببه لي ذلك من معاناة نفسية كيف لا؟ وأنا المتدينة حافظة كتاب الله.
ذات مرة كانت إحدى الطالبات تتحدث إليه، ترتدي من الثياب ما يكشف أكثر مما يستر، وكنت أنا أجلس في الركن المواجه له من الغرفة، وعن يساري بقية الطالبات، أمامه طاولة، المهم أنها وبينما كانت تناقشه في مياعة وخلاعة وهو يزجرها بعنف لمحته ينزل يده إلى تحت حزامه ويسحب ثيابه للأمام مطمئنا أن أحدا لن يراه، في هذا الوقت نظر إلي وعرف بأنني انتبهت إليه، فصرفت بصري عنه بسرعة خاطفة...
وفي إحدى المرات كنت أجلس أمامه مباشرة وإلى جانبي طالبة متفوقة عرف عنها بأنها معجبة بهذا الدكتور، وجهها ممتلئ بالمساحيق، تبدو كالمهرج تماما على غير عادتها، كنا نكتب وهو يتكلم.. لمحته فجأة انزوى إلى الجنب مني وبدأ يحدق في يدي، نظرت إليه تتبعت بصره، لم يحرك بصره، قلت لنفسي يضحك علي يريد أن يوهمني بأنني أعجبه، أو ربما يتأمل شيئا ما في يدي لا أعرفه. تكرر هذا مرة أخرى وبنفس الطريقة الأولى..
صرت لا أفعل شيئا سوى التفكير به في كل لحظة، امتلأ عقلي به، فرغم أنني انتهجت مبدأ ألا أنظر إليه ولا ينظر إلي إلا أن شوقي له يزداد يوما بعد يوم، وأي موقف تافه يؤثر بي حتى ولو كان لمحة، أتخيله معي في كل لحظة في كل موقف.. وما فجر مشاعري أكثر هو ذلك الحلم حين قبل فمي، أحسست بإحساس رهيب يشدني إليه، ثم حلمت بأنه ينزلني من على درج، وأنا أعرف نفسي تماما فنزول الدرج بالنسبة لي دائما هو سقوط وفشل.. لم أعد أستطع التركيز في الدراسة أبدا، بلا مبالغة أضعت الكثير الكثير، أصبحت أشعر بأنني أحاول تطبيق كل ما كانت أختي تقوله عن خطيبها، اللعنة على هذا العام المشئوم!
شوقي إليه يزداد، لقد كنت في حال أفضل من الآن بكثير، لعل النظرة تروي بعضا من البركان المشتعل في داخلي. كم أبدو جميلة بهذه الملابس الفاتحة.. ترى كيف ستكون ردة فعله عندما سيراني؟سأذهله، هكذا حدثتني نفسي.. تعمدت الجلوس على غير العادة أمامه مباشرة، كان يشرح.. لم ينظر إلي أبدا.. أما أنا فكنت أنظر إليه على غير العادة، وأحدث نفسي جيد لم يعد ينبته أصلا لي، رفع بصره فجأة محدقا بي، فصرفت عيني عنه بسرعة خاطفة إلى الأسفل، تنحى جانبا يملئوه الخجل، نظرت إليه اقترب بهدوء وعلى محياه أثر بسمة يحاول كتمها، وعيناه حمراوين يعلوهما الإرهاق، نظر إلي وهو يسبل برموشه ويشرح ثم صرف نظره إلى أسفل، تضايقت.. بهذه السرعة.. فخفضت رأسي كما فعل، ثم رفعته بحذر وأنا أحس بأن لديه شيئا ما، عاد ينظر إلي وأثر البسمة لا يزال يعلوه، ثم أخفض ناظريه، فخفضت رأسي، ثم رفعته بسرعة قبل أن يرفع هو، ها..... ها لقد سبقتك الآن، كفاية لعب عيال، رفع بصره إلى بصري، حدقت فيه تمنيت أن أتغلغل في خلايا عقله، نزع بصره مني بسهولة، استدار للوح كان قريبا جدا من مقعدي، استدار بطريقة تلفت نظر الجميع إلى يده التي كان يكتب بها على اللوح إلا أنا لم أتمكن من رؤية ما يكتب، وضع يده الأخرى على حزامه وسحبه إلى أعلى بحركة بسيطة جدا، شعرت بصاعقة تنهال على رأسي يا ويلي رأيت حزامه وما تحت حزامه!
يا إلهي ماذا فعلت؟ لا بد أن هذا حدث له بسبب أحد آخر لا يمكن أن أكون أنا، ظننت أن الأمر حدث بشكل عابر ولم تكن حركة مقصودة منه، تملكني الخجل الشديد، لكنني كنت راضية عن الوضع أخيرا تحرك هذا الجبل، سأنتقم من كل نساء العالم، رمقني مرتين بنظرات خاطفة، فكنت كلما نظر إلى شعرت برغبة في الضحك، وبصعوبة أمسك نفسي، حتى أنني تضايقت من نفسي كثيرا.
عدت إلى البيت كالعادة أحمله معي، ولا أفكر إلا به، كدت أجن وشعرت أن شيئا كبيرا قد حدث اليوم، اتصلت بصديقتي سجل تاريخي وحدثتها، قلت لها يبدوا أنني قد وقعت في الحب من طرف واحد، حدثتها بكل ما حدث فسرت لي الموضوع على أنه رجل حقير ودنيء، وفعل ما فعل متعمدا، كدت أقتل نفسي من شدة التفكير، بكيت بحارا، عرف بما في نفسي تجاهه، أنا الحقيرة.
تغيبت عن محاضراته أسبوعين متواصلين ثم حضرت له محاضرة كانت هي الحاسمة بالنسبة لي، ما أن رآني حتى اقترب مني ينظر إلى، كنت مرتبكة كثيرا، وبينما كان يشرح وبذكاء شديد ربط فكرة: لذلك فإن الناس يرتدون الفاتح.. ثم صمت.. ابتسمت بادئ الأمر، كرر الفاتح وأكمل والغامق في الشتاء والبنات يشاركنه الكلام ثم أكمل حتى يمتص الطاقة.. شعرت بالخجل يقتلني أخفضت رأسي، خشيت أن يلمحني أحد، خشيت أن أكون موهومة وهو لم يقصد شيء، في هذه اللحظة شعرت بعظام قفصي الصدري تلتصق بعظام الحوض، تذكرت شكلي وانحناء ظهري وتشوه جسمي كدت أبكي، أهذا شكل يغازل؟ يا ما الهدوم بتخبي.
بقيت مطرقة طوال الوقت.. كان يرفع صوته في نهاية المحاضرة حتى كاد يثقب طبلة أذني لكنني لم أرفع رأسي يكفيني ما سببته لنفسي يكفيني عذاب.
المشكلة الآن أنني لا أستطيع أن أنسى ما حدث، في كل لحظة يتكرر بداخلي، أضعت الكثير، أكثر من شهر مر على ما حدث، لا أتصور أن مثلي تتعرض لذلك، في كل لحظة أسرح أتذكر من جديد ما حدث بدقائقه أبحث عن تفسير له، أنام وبمجرد استيقاظي أتذكر، كيف أنساه؟ تارة أتصور أنه سيفعل بي شيء، وتارة أستأنس خيالاتي معه وأتمنى فعلا أن يحدث أي شيء، شاركوني الرأي بما حدث انصحوني أرجوكم قبل أن أجن.
اعذروني، لا تنشروا رسالتي.. عذرا على رداءة الأسلوب وعدم تناسق الفقرات فكلما تذكرت شيئا أضفته على وجه السرعة لا تتأخروا علي في الرد، جزاكم الله خيرا عني.
6/7/2007
رد المستشار
ابنتي "هي"؛
تحية طيبة عاطرة وأهلا ومرحبا بأمثالك من عقلاء الأدباء، لفت نظري اليوم -وذلك من حسن حظي- وأنا أقرأ مشاركة الأخ الفاضل عن استشارتك، ورأيه في جمال وروعة أسلوبك الأدبي، فعزمت على العودة وقراءة استشارتك بإمعان أكثر، وبالطبع أنا أتفق مع أخي د. وائل ومع أخي المشارك في أن ما كتبتيه هو قطعة أدبية رائعة في تفاصيل العشق والغرام؛ بداية من الكنايات التي يتفوه بها الخطاب مرورا بالنظرات والعبرات والزفرات ووصولا إلى ما تحت الحزام، والأجمل هو جمال وصفك وتحليلك للنوازع والدوافع والغرائز والميول البشرية، ولا أملك إلا أن أنحني وأرفع القبعة تقديرا وإعجابا لكل ما كتبت،
وإن كنت أتفق مع الدكتور وائل بأن هناك بعضا من الغموض عن تفاصيل مشكلتك، وأتفق معه أيضا في أن الطبيعة القسرية القهرية لشخصيتك هي السبب في إخفائك الكثير من التفاصيل عن مشكلتك والصحية المتعلقة بمدى الإعاقة الحركية لديك، وعن علاقتك بوالديك، وعن حالتك المادية، والمستوى الثقافي لأسرتك، وعن طبيعة دراستك، وهل مررت بتجارب عاطفية في أثناء مراهقتك المبكرة؟، ولماذا تفتقدين الأمل في الزواج إلى هذا الحد؟!، وحتى بلدك يا ابنتي لم تعطنا فكرة من أي المحافظات أو حتى من أي البلاد أنت؟.
وكل هذه الأسئلة مني لأنني أعرف أحد الأساتذة الأفاضل بجامعة الإسكندرية من المهتمين والمتخصصين في جراحة التشوهات الخلقية بالعمود الفقري، وأنا لا أعرف هل حالتك من الحالات القابلة للتقويم الجراحي أم لا؟ فهذا القرار يحتاج لرأي استشاري أو أكثر من المتخصصين في هذا الموضوع.
ابنتي العزيزة؛
أنت مشروع أديبة عربية موهوبة يلزمها المزيد من القراءة والصقل والتشجيع، وأريدك أن تعتزي بذاتك، وتعتدين بنفسك، فإن أُخِذَ منك بعض سمات جمال الجسد فقد أعطاك الله عز وجل -الحنان المنان– جمال العقل وروعة الروح؛ فلله الحمد الكثير والشكر الجزيل على ما أعطى، وله سبحانه الصبر الجميل على ما أخذ، وفي النهاية أرجو منك ألا تتوقفي عن الكتابة، وتابعينا بمشاركاتك وكتاباتك عن نفسك وعن غيرك، وبإذن الله يكون حظك من الدنيا والآخرة أكبر من حظ أخواتك وإخوانك وأقرانك، وبشر الصابرين.