الزواج والمرض العقلي
السلام عليكم ورحمة الله؛
أنا شاب أبلغ من العمر 23 سنة، في سنة خامسة هندسة أعاني من الوسواس القهري وعسر المزاج منذ عدة سنوات، واستجابتي للعلاج جزئية إلى الآن، وأصبح لي 7 سنوات أتعالج، وأنا في الجامعة تعرفت على فتاة تعاني من الوسواس القهري وأخذنا نتناقش في ما نواجهه من مشاعر ومشكلات، ونحن على قدر جيد من الوعي بالنسبة لما نمر به، ومع الوقت أصبحت أفكر بالارتباط بهذه الفتاة، حيث أنني أشعر ببعض العاطفة تجاهها ونحن نفهم بعض جيدا فهل زواجي منها سيكون حلا جيدا لمشاكلنا وسيكون زواجا ناجحا؟
وما تأثير المرض على الزواج وعلى الأبناء؟
وشكرا.
07/11/2003
رد المستشار
الأخ السائل العزيز، أهلا وسهلا بك، وشكرًا على ثقتك في موقعنا وصفحتنا استشارات مجانين، سؤالك غاية في الصعوبة، فأنا كتبتُ مؤلفين كبيرين باللغة العربية عن اضطراب الوسواس القهري تجدهما معروضين في قسم إصدارات ومطبوعات على موقعنا مجانين هنا، لكنني لا أنسى أن أصعب مناطق البحث في أثناء الكتابة والإعداد للكتابين كانت فيما تسأل أنت ببساطة عنه،
مثلما كانت في حالة البحث عن التراث العربي الإسلامي في الموضوع، لكنني ذكرتُ في أحد الكتابين أنني فوجئت بعدم وجود دراساتٍ تهتم بأثر الوسوسة الوالدية على الأطفال، وقلة الدراسات التي تبحثُ طرق الوراثة، ونسبتها وقصورها الذي لم تتخلص منه نهائيا حتى الآن عن إجابة الأسئلة بشكل نهائي كما توضح لك الفقرة التالية:
بينت دراسات عديدةٌ وجود تأثير واضح للوراثة في اضطراب الوسواس القهري فهوَ أكثرُ في التوائم المتماثلة (33% - 63%) عنه في التوائم غير المتماثلة (7%)، وإن كانتْ بعضُ الدراسات قد أشارت إلى غير ذلك، وتكون العواملُ الوراثيةُ أكثرُ وضوحًا في الحالات التي يبدأُ فيها ظهور الأعراض قبل سن الرابعة عشرة، كما أن نسبة الإصابة بالوسواس القهري في أفراد عائلة المريض أعلى منها في أفراد المجتمع العاديين حيث وصلت إلى35% في الأقارب من الدرجة الأولى مقارنة بـنسبة1%-3 % في أفراد المجتمع العاديين، كما أن نسبة وجود اضطراب الوسواس القهري في آباء وأمهات الأطفال الذين يعانون من الوسواس القهري تصل إلى 18%.
إلا أن هذه الدراسات بالطبع لم تستطع حتى الآن الفصل ما بينَ ما هو وراثة خالصة متعلقة بالمادة الوراثية "الجينات" وبين ما هو ناتج عن ظروف بيئية أو ثقافية لعائلة معينة، خاصةً وأنهُ لم تُجْرَ دراساتُ التبني Adoption Studies (وتعني أن يربي والدٌ موسوس أطفالَ والدٍ غير موسوسٍ أو العكس)، التي ربما تعطي بعضَ الإشارات على هذا الموضوع.
وأما محاولاتُ إيجادِ ارتباطٍ بأحد المواقع الجينية فلم تعطِ حتى الآنَ نتائجَ واضحة أو أكيدة نظرًا لصعوبة هذا النوع من الدراسات، وأما الموقف العلمي اليوم كما يظهر على الإنترنت ـ والذي اضطرتني استشارتك للبحث عنه ـ فلم يتغير كثيرًا رغم مرور أكثر من سنة على إعداد الكتابين، فما زالت الدراسات تجرى، وما زال العينات تجمع، فمعظم المواقع لا تقول شيئًا إلا أنا نجري دراسة وإذا أردت أن تشارك فتطوع من فضلك!
وكنت في تعرضي لقضية أثر الوسوسة الوالدية على الأبناء قد ذكرتُ خبرتي الخاصة في الموضوع وهذا ما ستجده منشورًا على هذا الموقع قريبا ضمن قسم الوسواس القهري تحت عنوان: تأثير الأم الموسوسة على الأطفال وأما الجديد في استشارتك بالفعل وهو ما لم أتعرض له في الكتابين، كما لم يدرسه أحدٌ من قبل على حد علمي فهو تأثير أن يتزوج موسوس من موسوسة على الزواج نفسه،
فضلا عن تأثيره على الأبناء، فأما أن أتكلم هنا كلاما مبنيا على دراسات فليست بين يدي دراسات وأما أن أتكلم عن توقعاتي من خلال خبرتي الإكلينيكية التي لا أذكر أنني رأيت فيها موسوسا تزوج موسوسة أي كلاهما مريضٌ باضطراب الوسواس القهري، وإن كنت قد رأيت زوجين كلاهما من أصحاب الشخصية القسرية أكثر من مرة، وكانت انطباعاتي في الحقيقة غير مطمئنة!
بل إن قولك أولا عن أن استجابتك لعلاج الوسواس القهري ما تزال جزئية رغم طول رحلتك العلاجية التي امتدت لسبع سنوات حتى الآن، وأنك أيضًا تعاني من التواكب المِراضي Comorbidity بين اضطراب الوسواس القهري واضطراب عسر المزاج Dysthymia، وقولك البريء في إفادتك (وأخذنا نتناقش في ما نواجهه من مشاعر ومشكلات، ونحن على قدر جيد من الوعي بالنسبة لما نمر به، ومع الوقت أصبحت أفكر بالارتباط بهذه الفتاة، حيث أنني أشعر ببعض العاطفة تجاهها، ونحن نفهم بعض جيدا).
ثم سؤالك الأكثر براءة بعد ذلك عندما تقول: (فهل زواجي منها سيكون حلا جيدا لمشاكلنا وسيكون زواجا ناجحا؟) كل ذلك يجعلني أنبهك إلى خطورة ما تمر به أنت الآن من اضطراب في المعايير والمفاهيم وفهم حقيقة الأمور. وتعالى بالله عليك نرى أولا ما هو المطلوب أن يتوفر في شريك الحياة، أو ما هي معايير اختياره؟ فهل كونكما على قدر جيد من الوعي بما تمران به من معاناة مع الاضطراب النفسي، وكونك تشعر ببعض العاطفة نحوها ن وكونكما تفهمان بعضكما جيدًا، فلا أجد أفضل لدى صفحتنا استشارات مجانين من إحالتك إلى ردود مستشارينا السابقة تحت العناوين التالية لتمسك منها ببعض أطراف الإجابة المنتظرة من عبد الله الفقير الذي لا يعلم الغيب والذي هو أنا، فانقر مبدئيا على العناوين التالية:
اختيار شريك الحياة هل من ضابط
السن المناسب للزواج
مدافع عن حقوق المكتئبين م
تجاوزات فترة الخطبة وضغوط الأهل المادية
وجهة نظر حول الحب مشاركه
التوافق بين الزوجين: قواعد عامة
ولعلك الآن عرفت أن منطق الحب يختلف عن منطق الزواج (وأنت حتى الآن لم تصف مشاعرك نحوها بأنها حب)، ولعلك أيضًا عرفت من قراءة مدافع عن حقوق المكتئبين، أنك بهذا الشكل تبدأ زواجًا سيحتاج إلى الدعم الخارجي منذ البداية لا لطرف واحد بل للطرفين، ولعلك أيضًا فهمت أن ما قد تعتقد أنك التزمت به ولو أمام نفسك ليس داعيا مناسبا لزواج، ولا مبررًا لأن تشعر بالذنب تجاه الفتاة، مع أنك لم تشر لشيء من ذلك، ولكنه جائز الحدوث أحيانا ويبقى بعد ذلك في نفسي شيءٌ من قولك: (ونحن نفهم بعض جيدا)، بالله عليك ماذا تقصد.
إن مريض اضطراب الوسواس القهري عندما يقول هذه العبارة عن أحد أفراد أسرته، يخيفني أنا شخصيا كطبيبه المعالج بقدر ما يسعدني، فأما ما يسعدني من أجله فهو أنني وجدتُ من سيساعدني في علاجه، بعد أن أكسب جولة تغيير مفهومه عن الأفكار التسلطية والأفعال القهرية وكيفية التعامل معها من المعالج المساعد، وكيف أوضح لذلك المعالج المساعد أنه من المتوقع بعد عدة جلسات علاج معرفي وعدة تطبيقات للعلاج السلوكي أن أسمع مريضي يشتكي لي منه وكيف أنه أصبح أقسى عليه من الجميع،
وأما إذا لم أنجح في إقناع فإن السبب غالبا ما يكونُ غما ضعفا في ذلك المعالج المساعد لأنه لا يستطيع تحمل آلام المريض النفسية اللازمة لنجاح علاجه مع الأسف، أو لأنه هو أصلا مقتنع ولو دون وعي كامل منه بأن الأفكار التسلطية يحسسن أن نتصالح معها بالاقتناع بها، ثم أداء الأفعال القهرية ليست فقط لتخلص المؤقت من القلق وإنما لأنها هي الأفعال الصحيحة.
أي أن المعالج المساعد باختصارٍ لا يصحُّ أن يكونَ مريضًا بالوسواس القهري!! فهل كنت تقصد يا أخي السائل من أنكما تفهمان بعضكما ويشعر كل منكما بمعاناة الآخر، وبالتالي سيساعده على الوفاء بمتطلبات وسوسته؟؟ هذه الحالة الزواجية لو حدثت لا قدر الله فإنها تكونُ كارثةً لأنهها ستثبت المرض ففيك وربما فيها، ولله در أطفالكما فيما قد يرون من عذاب!
وفي نفسي شيء أيضًا من تسميتك لنفسك بعمدة المجانين وأريدك دون أن أحاول وضع نظريات وتصورات من عندي، أن تشرح لي سبب اختيارك لهذا اللقب وماذا يعنيه، كما أنني أيضًا أتعجب من تسميتك لمشكلتك بعنوان الزواج والمرض العقلي؟ فأين هو المرض العقلي أصلا سواء في حالتك أو حالة الفتاة المعنية لكنني أرجع بعد ذلك كله لأقول لك أن الصورة لا يشترط أن تكونُ بهذا التشاؤم الذي أطرحه، رغم أن له مبرراته المنطقية، وذلك لأن أمورَ من ستتزوج أنت ومن ستتزوج هي وما مصير زواجكما.
وما هو حتى المآل المرضي لحالتك أو حالتها، (رغم وجود ما يشير إلى زيادة تملك اضطرابك منك وطول مدته وتواكبه المراضي مع عسر المزاج واستجابته الجزئية لعلاج الذي لا نعرف إن كان كاملاً أم منقوصا ، أي هل استخدمت العلاج العقاري والمعرفي والسلوكي أم ل، رغم كل ذلك).
لا نستطيع أن نجيب إجابةَ الواثق من كلماته لأن الغيب غيب، ولكننا مطالبون يا أخي بأن نأخذ بالأسباب وأن نتحرى جيدًا ونتفكر قبل الزواج، أليس كذلك ديننا الحنيف؟ أريد منك في النهاية متابعةً تشرح لي فيها أكثر عن كل الجوانب التي أشرت إليها خلال إجابتي عليك، مع تقديم معلومات كافية عن اضطرابها هي، وعن كثيرٍ في الحقيقة من أعراضها وأعراضك لأننا لا يكفينا أن تقول لنا أنك مصاب بالوسواس القهري لنفهم حالتك فأنت في جميع الأحوال كيانٌ بشري له خصوصيته، وكذلك البنت التي حدثتنا عنها، وقد تكونُ أعراضك مختلفةً تماما مع أعراضها أو مع أعراضِ أيٍّ ممن نعرف من مرضى الوسواس القهري، إذن فنحن في انتظار متابعتك وأهلا وسهلا بك دائما على صفحتنا استشارات مجانين.