الانحراف احتمال وارد في غياب الأهل
بداية...ألف شكر لك يا دكتور وائل أبو هندي، على كل ما قدمت لي من مساعدة في إعانتي على التوصل لخيوط حل مشكلتي المعقدة المركبة، جزاك الله خيرا بحق هذا الشهر الفضيل، وإن عجزت أنا عن رد فضلك عليّ بالدنيا، أسأل الله أن يجزيك عليه خير وسعادة في الدنيا والآخرة ويوفقك لمراضيه ويجنبك معاصيه.. آمين رب العالمين...شكر جزيل مرة ثانية
أما الدكتور أحمد فلن أنساك في دعائي أبدا... وجازاك الله خيرا في الدنيا والآخرة وسهل عليك أمور الدنيا والآخرة ومن عليك بالسعادة والهناء في الدنيا والآخرة وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة
دكتور أحمد..أتفق معك تماما بأن أهلي قد أخطأوا بإبقائهم أختي لوحدها وهم يعترفون بخطئهم هذا ونادمون عليه، وأعرف تماما أن بقائي أنا الأخرى ببلد الغربة هو خطأ أخر.دائما ما أفكر به، بعيدا عن صعوبة الحياة ومرارة الغربة...بل من أجل شيء أخر وهو كلام الناس ونظراتهم مع علمي علم اليقين بأني والحمد لله أراعي الله وأهلي في تصرفاتي، وأفكر بإمكانية الرجوع والاستقرار هناك لكن في نفس الوقت أفكر بأهلي.. بإخوتي ومازال الطريق طويل لتخرجهم واعتمادهم على أنفسهم ..وكم تعب والدايّ من أجلنا، كليهما ولم يعتمدا على وظائفهما بل كل منهما كان لديه عمل أخر بجانب العمل الأصلي...
وأفكر بأن العودة معناها الأنانية وتفضيل النفس على من بذلوا أنفسهم وزهرة شبابهم علينا...وأتفق معك أنهم للأسف لم يحسبوا حساب للزمان بكثرة عددنا وأننا كلما كثرنا كثرت مطالبنا واحتياجاتنا المادية والمعنوية، وأدركوا ذلك متأخرا بعد فوات الأوان بعد أن كبروا في السن وتجاوزوا الخمسينات في العمر...والندم واللوم على ذلك الآن لا ينفع خصوصا من طرف الأبناء للآباء ...لكن أخذت أنا درسا منه إن كتب الله عز وجل لي يوما أن أكون زوجة وأم
واتفق معك بأن أختي شقت طريقها وحدها في الغربة وأنها واجهت تحديات أكبر منها في طريق وعر شائك.. ومغريات الحياة خصوصا هنا تذهل العقول... ويمكن أن يسيل لها اللعاب للذين نفوسهم ضعيفة
لكن في نفس الوقت علقت حضرتك بأن "تربية الأسرة لكما كانت جيدة في نواياها، ولكنها كانت محدودة في آفاقها" وأحب أقول لك يا أخي أبدا لم تكن في اعتقادي تربية الأسرة محدودة في آفاقها...
عمل كل من والدايّ على تربيتنا على مبدأ الحوار وبناء شخصياتنا وتبصيرنا بالحياة وملابساتها منذ فترة المراهقة وكانت هذه هي مهمة والدتي وخصوصا في مسألة اختيار شريك الحياة، لقد أوضحت لنا أسس الاختيار الصحيح وضرورة تحكيم العقل والمنطق وعدم تغليب العاطفة وكانت تعزز ذلك لنا بشواهد واقعية من الحياة من الذين أحسنوا وأساءوا الاختيار وكما وأوضحت لنا خطورة مغامرة ومجازفة إصرار الفتى أو الفتاة على اختيار شخص ما ومغبة وعواقب تحمل مسؤولية الاختيار.. وأكثر ما أكدت عليه هو حسن الاختيار وما يتبع ذلك من آثار على الحياة المستقبلية اجتماعيا ثقافيا ودينيا وهذا أكيد يكون في صلب بناء أسرة جديدة بما فيها الأبناء الجدد، هذا الكلام نقش في ذهني منذ فترة مراهقتنا مرورا بحياتنا الجامعية لغاية سفر كل منا.لقد كانت ولا تزال صديقة وأم..
ثم خلال مرحلة الجامعة كانت هناك متابعة مباشرة من قبل والدي من خلال نصائحه لنا الغير مباشرة لتوجيهنا كيف نحيا الحياة الجامعية وكيف نستثمرها بتفوقنا... وكيف نحسن اختيار زميلاتنا وزملائنا كان نعم الأب الصديق ولاحظ سيدي كلمة "الصديق" وقد حرص أيضا على معرفة بمن نختلط بالحياة الجامعية وحرص على التعرف على زميلاتنا وزملائنا بعلاقات ودية من خلال زيارته للحرم الجامعي بين فترة وأخرى لزيارة زملاء له تدريسيين، وبالمناسبة أبي تدريسي تربوي كان يعمل في حقل التدريس وحتى لا تخلط الأمور أنا وأختي خريجات نفس الجامعة
أؤكد لك أنهم سعوا بطرق شتى لتوسيع مدركنا لفهم الحياة وعملوا على تغذيتها دينيا.. وسعوا لتغذية عقولنا فكريا بتشجيعنا على قراءة كتب خارج ميدان الدراسة ومنذ زمن بعيد.زرعوا ثقتنا بالله وثقتنا بأنفسنا، عرفونا معني الحرية المقيدة التي التزم بها الآن وأنا بعيدة عنهم
لكن مشكلة أختي يمكن وضعت سيادتك يدك عليها وهي أنها صدمت بالثقافات المتعددة والمعالم المختلفة والهويات المتشعبة واختلاط الأمور وضياع المفاهيم في هذا البلد ولم تستطع الموازنة والاهم من ذلك الاختلاط ومن ثم عدم اختيار الصحبة الحسنة والطبع يجر.. وبما أن هذه الصحبة تحيا حياة مليئة بالأخطاء فقد تلقت دروس تعليمية تشجيعية جديدة على أيديهم وكانت هي لديها الاستعدادات للأسف للتغيير نحو الأسوأ والعامل الأكبر الذي ساعد هو غياب الأهل.. على الرغم من أنه يوجد نماذج مشرفة لفتيات بعيدات عن أهليهم هنا وقمة بالأخلاق والالتزام وقد جاءوا لطلب الرزق لأسباب نوعا ما مشابه لأسبابنا.وكنت أتمنى لو كانت أختي منهن
سبب آخر ذكرته هي لي بأنها لم تعش مراهقتها مثل باقي البنات كأن المراهقة إذا لم تقترن بتجارب صبيانية طائشة وعدت بسلام فان ذلك سبب لخلل في المستقبل.. تدعي بأنها تعيش الآن مراهقتها ولعل هذا هو السبب الذي جعل سيادتك تلتمس بأن تفكيرها تفكير تحت العشرين وبالفعل هو كذلك باعترافها
بالنسبة للأفكار المبدئية التي تفضلت سيادتك بالتكرم بها عليّ أكيد أعتز بها وقمت من أمس بتطبيق إحداها وسألتزم الباقي إن شاء الله
-العودة أو البقاء وإبلاغ الأهل
وكنت عازمة بشكل أو آخر أن أعلم أهلي بطريقة أو بأخرى وقد بيّنت لحضرتك مسبقا باني اتصلت ولمحت لهم تلميحا بتغيرات تصرفاتها، أما أمس فقد اتصلت بأهلي وقبل ذلك اتجهت للذي هو على كل كبيرة أكبر وصليت ركعتين قضاء حاجة ودعوته بأنه هو الذي جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم (ع) أن يجعل الأخبار الغير سارة التي سأقصها عليهم تنزل بردا وسلاما ويلهمهم الصبر والصحة والحكمة وخير تدبير الأمور وأعلم بأنك ستقول بأنه خطأهم لكن لا نيأس من الذي رحمته وسعت كل شيء.. ومن ثم علموا الأمر بمجمله، فعلى الأغلب سنسافر في زيارة لهم في أقرب وقت ممكن وستبقى هناك
- للشدة واللين
فهذه هي سياستي معها منذ أن قدمت هنا وهي تحبني جدا وتثق بي جدا وأحب بأن أخبرك باني لم ألبس ثوب الواعظ معها دوما خصوصا بعدما أدركت عدم تقبلها لنقاش أي موضوع من وجهة نظر دينية للأسف وبدأت أوضح لها أخطار ما تقوم به من وجهة نظر اجتماعية والآثار النفسية لمثل هكذا علاقات وتصرفات إن باءت بالفشل خصوصا على الفتاة ذلك لأنها تعتمد على عواطفها بتصرفاتها والخروج من تجربة أن لم تكن تجارب فاشلة سيترك آثار جسيمة وكنت أجبر نفسي على أن أعطل عقلي معها واستمع إلى مبدأ الحب الذي تتكلم عنه..
بمبدأ العقل تؤمن كلامي صحيح وأن تصرفاتها خطأ خصوصا مع هذا الرجل الأجنبي لكن أكيد أنت اعلم بالنفس وضعفها إن تبعت هواها فتجيبني: "بان ليس هناك رجلا في حياتي أنا ولذلك فانا لا أدرك كلمة ومعني رجل في حياة امرأة ولن أدرك ذلك إلا بعد أن كون في حياتي إنسان ما".. ويمكن أن تلمس أنت سكنها واطمئنانها إلي بأن كنت مستودع أسرارها فتقصها لي دون حرج في رسالتي السابقة وعندما أبلغتني بنواياها بأن تتزوجه من دون علم الأهل قمت تشجيعها على أن تقوم بإخبار العائلة وأن لا تيأس من محاولة واحدة بل تحاول عدة مرات لعلهم يرضون وكان ذلك من شهور مضت، لكن الذي جعلني اذكرها برب العالمين وحدوده وغضبه أن أمهل لفترة هو بعد صبر لعدة شهور..وبعد أن سمعت ما كانت تفعله معه على الهاتف وتراكم مخزون لمدة سنة تقريبا وشعرت وأدركت باني شيطان اخرس وان الله سيحاسبني يوما ما على سكوتي ونفس السبب جعلني اخبرها بين الحين والآخر بان كل تصرف من تصرفاتها لا يرضي الله أبدا.
بالنسبة للمال الذي تساعد به العائلة فلقد قلت لها أنا قبل شهور عديدة عندما لمست عزمها على الاستمرار مع هذا الشخص بأن أهلي لن يقبلوا منها درهما واحدة إذا ما ارتبطت به والله الشاهد على كلامي هذا ..وهذا الذي سيحدث بالفعل ، فلسنا يا سيدي من عبدة الدراهم ولسنا من مفضليها على رضى الله والمبادئ وأرجو أن تقدر إن مر الإنسان بظرف ما هذا لا يعني انه باع دينه وأخلاقه وفي بعض الأحيان تحكم الإنسان ظروف فوق إرادته وأحيانا تكون من صنع يده واحرص ما يحرص عليه أهلي وهو الرزق الحلال والابتعاد عن المال المشبوه ولا يوجد أبوان على سطح الكرة الأرضية يرضون الانحراف لأبنائهم مهما كانت الأسباب
-الزواج المحتمل
اشك في رضا أهلي وموافقتهم عليه بسهولة، لكن الذي سأقوم به يا سيدي هو اخذ نسخة من أجابتك الكريمة هذه على أوراق مطبوعة عند زيارتي أهلي في الوقت القريب وسأجعلهم يقرئونه أو أقرؤه أنا لهم لعدة أسباب أولها ليدركوا خطأهم بإرسالهم إياها لبلد الغربة أكثر.
وليدركوا بأنها واجهت تحديات مغريات ضعفت هي أمامها وإن ابنتهم لم تكن مريم العذراء عليها السلام لذا فهي غير معصومة من الخطأ وليختاروا أنسب الحلول وبأقل الخسائر ولكي يتبعوا معها أسلوب اللين والشدة لأن الشدة لا تنفع معها أبدا ويرجح أسلوب اللين أكثر معها حتى لا يخسروها ويرفقوا بها وحتى نستردها كما كانت ولاشيء بعيد عند رب العالمين الذي إن أراد شيئا يقول له كن فيكون وخاصة نحن غايتنا الإصلاح.
وأكيد سأكون على صلة مع سيادتك... وأشكرك شكرا جزيلا على رسم هذه الخطوط التي سأسير عليها وسأحاول جعل أهلي يسيرون عليها وأكيد سأكون أسعد أن رفدتني بالجديد من النصح....
رد المستشار
الأخت الفاضلة شكرا على ثقتك ومتابعتك، وأعتقد أنني لا أطمح ولا أريد ولا أستطيع محاكمة مدى جودة تربية أسرتك الكريمة لك ولأخواتك، وهل كانت مطابقة للمواصفات القياسية أو تضع في حسبانها أنكن تستعرضن لتجربة الاغتراب وحدكن أم لا؟!
فالإعداد للاستقلال المادي والمعنوي وإدارة الذات في غربة كالتي تعيشان فيها شيء، والحوار المستمر في الاختيار السليم للأصدقاء أو لشريك الحياة مثلا شيء آخر تماما.
وليس في مقدوري، ولا في حسابي محاكمة نصيبهم ومساهمتهم في الحال التي وصلت أختك إليها سواء بدورهم في التربية أو قرارهم بتركها وحدها في وسط جحيم المغريات الضاغطة حيث تعيشان أنت وهي وأنا على يقين أن تأثير التنشئة في الطفولة وما بعدها يكون له أكبر الأثر على الإنسان ولكننا كبشر لسنا مجرد امتدادا حتميا أو باردا لما نشأنا عليه، وإلا لا نتفت مسئوليتنا أمام الله سبحانه وأمام الناس، وفي نهاية المطاف فإن الإنسان يختار بين أْن يكون امتداد لما نشأ عليه، ويختار لحياته مسارا يستقل هو بتقديره، أو يجني ثماره،
وأحسب أنك من الصنف الأول الذي يختار الوفاء لمسار التنشئة مع محاولة التطوير والتحسين ما أمكن، بينما أختك من النوع المتمرد على مسار النشأة وساعدتها على ذلك الظروف التي وضعت فيها، ولا أدري إلى أي مدى سيتوقف هذا التمرد أو ينصلح بعودتها إلى أرض الوطن، واستقرارها هناك ولا أحسب أن موقفها منك، ورأيها فيك سيظل على حاله بعد أن تعرف أنك أعطيت الأهل تقريرا مفصلا عن سيرها وسلوكها في الغربة فكيف تتعاملين مع هذا الموقف؟!
ولا أدري هل من المناسب والمفيد أن تعرضي إجابتي بنصها لأسرتك أم يكفي أن تنقلي منطقها وأفكارها أو بالأحرى ما تقتنعين بأنه مناسب منها إليهم، والحقيقة أني أخشى أن جدوى النص بالنسبة لهم ستكون أقل لأنهم لا يعرفونني، ولم يقرأو لي، فهل من المناسب أن يكون أول تعرفهم علي نقدا لهم، ونصائحَ حول ماذا يفعلون في شأن ابنتهم وتابعينا بالتطورات.