السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
R03;
أولا أود أن أشكركم على ذلك الموقع الذي كان حقا مخرجا لي من العديد من المشاكل التي مرت بي وكان عثوري عليه مصدرا كبيرا للسعادة في الوقت الذي كنت أعاني منه معاناة مرة.. فأنا طالبة جامعية عندي 20سنة ومنذ أن أدركت حقيقة الحياة وأنا أشعر أني لا أعيش في الدنيا فمهما أحاط بي الناس لدي شعور غريب بأني وحيدة غريبة.. ومنذ صغري وأنا أعاني من وساوس شديدة لم تتركني يوما فهي تتغير ولكنها مستمرة أحيانا تتمثل في الخوف من الموت وكانت تسيطر علي تلك الأفكار بشكل متوحش فما كانت تتركني لحظة وعندما كنت في الصف الأول الإعدادي كانت تسيطر عليه فكرة غريبة بأني قد أنزف وأنا نائمة حتى الموت وكنت أحاول أن أمنع نفسي من النوم خوفا.. ثم بعد فترة تحولت تلك الوساوس إلى الخوف على من أحبهم من الموت فكنت أنظر إليهم وأتخيل أنهم ماتوا وأبكي ليل نهار ولا أحد يعلم ما بداخلي وظلت تتبدل وتتغير باستمرار وكل مرة تكون أقوى مما قبلها وأكثر قسوة..
ومنذ شهرين تبدل حالي فقد تقربت إلى الله كثيرا والتزمت وشعرت بحلاوة لم أحسها من قبل وشعرت بقرب من الله منحني سعادة لم أعرفها أبدا حتى كنت أشعر أنه لا يوجد أسعد مني على وجه الأرض وأصبح تفكيري في الله لا ينقطع سواء في يقظتي أو في نومي واختفت تلك الوساوس التي طالما عذبتني وما كنت أتصور أن تنتهي أبدا.. اختفت تماما.. ولكني اكتشفت أنها كانت تعد نفسها لتهجم علي بوحشية ودون رحمة..
فتفاجأت بأفكار تهاجمني.. ولكن فيمن؟ إنها في إلهي ذي الجلال والإكرام على شكل عبارات فيها والعياذ بالله تطاول على المولى جل وعلا علوا كبيرا.. فكنت أبكي وأستعيذ وأكلم نفسي وأشتمها وأظل أردد لا لست أنا يا إلهي وما رأيت عذاب مثل ذلك قبل فكنت أجاهد نفسي لدرجة قربتني من الجنون حتى أتى شهر رمضان أخذت أدعو الله وأتضرع إليه بأن يجيرني حتى لا أضيع ذلك الشهر الكريم في عذاب ثم العذاب الآخر يوم القيامة..
ولا أدري ماذا حدث ففجأة استيقظت من نومي فلم أجد لترك الأفكار أثرا في رأسي لقد اختفت وحتى عندما أحاول تذكرها أجد نفسي قادرة على إبعادها بكل سهولة وما أشد فرحي لقد استعدت إرادتي وظننت أنها كانت وساوس الشيطان التي تصفد في رمضان...
ولكن آن لي أن أفرح فقد نسيت تلك الكلمة فما هي إلا ساعات حتى راودني من الأفكار ما هو أقبح لدرجة أني لم أعد أعلم من أنا أشعر وكأني في حلم أو ليصح التعبير كابوس فكانت الأفكار تأتيني في أعز ما أملك وهو عقيدتي..
فليس هناك فكرة إلا وراودتني حتى إني أحيانا أشعر أن الله يعدني كافرة وأني سأدخل النار لا محالة فلم يعد لدي يقين في أي شيء أشعر أني أعيش في خيال.. أخذت أبحث عن إعجازات القرآن على النت وفي الكتب وأقرأ في السيرة النبوية وكنت أنبهر بذلك الإعجاز وأظن أني قد استيقنت فلا تلبث أن تراودني الأفكار من جديد وكان هناك شخص بداخلي يكذبني وأنا أهاجمه..
تمنيت أن أكون مسلمة طبيعية حتى ولو لم أكن ملتزمة.. اعذروني للإطالة ولكني حقا في كرب شديد حتى أن عيناي تورمتا من البكاء وأشعر أن أيام رمضان تنفلت من بين يدي وأن الله لن يسامحني ولا يريد أن يهديني لأنه ساخط علي.. أمي تقول لي بأنه مس وأني سوف أتغلب عليه بقراءة القرآن ولكنها للأسف لم تفهم شيئا مما أعانيه.. كنت قد قرأت حالات مشابهة وأنها الوسواس القهري فلو كان كذلك هل يمكن أن أعرف ما هو الدواء الذي يمكنني أخذه وجرعته دون الذهاب لطبيب فوالدي صيدلي وهل حقا لن يحاسبني الله على ذلك؟؟؟
أفيدوني من فضلكم..
18/09/2007
رد المستشار
الأخت الفاضلة؛
اشكرك لثقتك بموقعنا مجانين نقطة كوم وبالعاملين عليه عسى أن يكون رصيدا لنا عند المولى عز وجل يوم العرض وأعتذر كثيرا لندرة تواصلي مع الأخوة الأعزاء لظروف عملي أو لضعف بصحتي أو تأخير عن دون قصد أو لخوف من مسؤلية أمام المولى أنا أضعف ما يكون عن تحملها فأمانة تحمل تناول عقول البشر لمن أشد المسؤليات.... لو تعلمون!!! داعيا ربي أن يعينني في الأوقات التي أقبل فيها تحمل مثل هذه المسؤلية.
يتضح من رسالتك أن التشخيص السريري (الإكلينيكي) الابتدائي لهذا الاضطراب معلوم بالضرورة ألا وهو اضطراب الوسواس القهري وهو فرع من اضطرابات القلق في التصنيفات العالمية وخصوصا التصنيف الأمريكي الرابع المعدل لتشخيص الاضطرابات النفسية DSM-IV-TR ومن الواضح أيضا انك تعانين من سمات وعُصابات (بضم العين) الوسواس منذ سني الطفولة.
ولكن ما لفت انتباهي في هذه الرسالة أمور عدة ومنها (وكثير ما أقابل مثل هذه الأمور أثناء معاينتي لمرضاي):
1- عدم إدراك الفرق ما بين وسوسة الشيطان (المعتقد به بالضرورة) وما بين وسوسة المرض.
2- الخوف واليأس من روح الله وتوقع عذاب الآخرة.
3- إجهاد الفكر في الوسوسة في المعلوم واللا معلوم.
4- معادلة الأفكار الوسواسية بأفكار أو سلوكيات أخرى للتخفيف من وطأة الوسواس.
5- الاهتمام بالعلاج بالعقاقير والتركيز عليه.
6- محاولة العلاج بدون معالج (لأي أسباب).
وللرد على هذه المسائل .........
1- الفرق ما بين وسوسة الشيطان (المعتقد به بالضرورة) وما بين وسوسة المرض:
فوسوسة الشيطان وسوسة لحظية وتنصب دائما في المعصية (بالترهيب أو الترغيب) واذا تواصل معها الإنسان يدركها ولا يستشعر ألما معها وقد ينجرف معها وعادة ما تكون ذات موضوع واحد ويستطيع الانتهاء منها بالاستعاذة قال تعالى"وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201 ) الأعراف"
أما وسوسة المرض فهي مستمرة ومتجددة ولا تنتهي وتشكك الإنسان في عقائده وتهدده ويعاني آلاما شديدة محاولا التخلص منها ورغم ذلك يفشل فيشعر بكبير الذنوب ولا يزور النوم عينيه وينعزل منكفأ على نفسه مؤنبا لها وكأنه كالمارد المسجون داخل زنزانة ضيقة لا يستطيع معها فعل أي شيء وليس عليه إلا إغلاق كل تواصل مع الحياة فلا شهية لطعام ولا تركيز في مذاكرة ولا تواصل مع بشر وقلق بليل ونهار ولا شيء إلا عبودية مطلقة لأفكار مستبدة مسيطرة مهددة محطمة. وأحيانا تتناوب ما بين الشك واليقين فيهدأ أثناء فترات اليقين والإقناع ولكن ما تلبث تعاوده الأفكار سريعا فتعذبه رغم إدراكه بمدى تفاهتها وعدم مسؤليته عنها.
2- الخوف واليأس من روح الله وتوقع عذاب الآخرة.
وهذا الأمر أيضا مردود عليه فلم الخوف وقد ثبت علميا وبالأدلة الدامغة أن مثل هذه المعاناة ليست إلا أعراض لاضطراب (مرض) قتل بحثا وثبت أنه ناتج عن عدم توازن بنسق المخ الكيميائي (dysregulation of CNS serotonin metabolism) وبهذا ينطبق عليه ما ينطبق على مختلف الأمراض من ابتلاء وثواب في حالة الصبر والاحتساب، ومن ثم الأخذ بالأسباب بالتداوي والعلاج ومرة أخرى نذكر بنبي الله أيوب حال ابتلاءه " قال تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) ( سورة ص – الآية 41 ، 42) ".
ومن يلاحظ الآية يجد أن الله أمر سيدنا أيوب بالتداوي ويظهر أن التداوي كالعبادة بل هو عبادة. وكان أولى لله أن يشفي أيوب "بكن فيكون" وانتهى الأمر.
ومن يلاحظ أيضا يجد أن الأصل في الموسوس الإيمان بدليل إحساسه بالذنب الشديد حال الوسوسة وهي تعتبر أمرا عارضا أو حادث على أصل الإيمان.
3- إجهاد الفكر في الوسوسة في المعلوم واللا معلوم.
فالوسوسة في المعلوم هي معروفة وهى الوسوسة في إشكالية الإيمان والعلاقة بالخالق وأما اللامعلوم فأجد كثيرا من الموسوسين قلقين وشاغلين البال فيما سيكون وإلى ما سيئول حالهم أي دائما يفكرون في المستقبل غير المضمون بالضرورة ولا يفكرون في الواقع الذي يحتاج إلى تعديل وتصحيح وأذكر في هذا النطاق العالمة الفاضلة "كارن هورني" صاحبة مبدأ (الهنا والآن) وهذا ما يهمنا في العلاج.
4- معادلة الافكار الوسواسية بأفكار أو سلوكيات أخرى للتخفيف من وطأة الوسواس.
أخطر ما في الوسواس القهري ليس الوسواس ولكن ما يسمى بالأفكار المعادلة Buffering thoughts حيث هي التي تساعد على استمرار الأفكار الوسواسية وزيادة شدتها على المريض ويركز العلاج السلوكي على التغلب على مثل تلك الأفكار أو الأفعال فيساعد بدرجة كبيرة في تخفيف وطأة الوسواس. مثال ذلك عندما تأتي فكرة سب الإله يبدأ المريض في الاستغفار المستمر ثم تلح عليه الفكرة من جديد فيزيد في الاستغفار ويذهب للصلاة فتصر الفكرة وتلح على ذهنه وتبدأ حربا ضروسا بين المريض وبين فكرته فلا تسمح له بالتفكير إلا فيها ولا تسمح له بالنوم وتدور دائرة من الرعب لا فرار منها... وهكذا.
5- الاهتمام بالعلاج بالعقاقير والتركيز عليه.
مع إيماني واعتقادي الشديد بدور العقاقير في مساعدة المريض ولكني لا أراها الحل الوحيد والسحري المخلص من هذه الطقوس الوسواسية المدمرة ولكن بالعودة إلى أسباب هذا المرض نجد أن النظرية القائمة على "الاضطراب البيولوجي – النفسي – الاجتماعي" من النظريات الفاعلة والتي تفسر الأسباب والأعراض وطرق العلاج المختلفة لهذا المرض ومن الطرق العلاجية الأخرى والتي تساعد بدرجة كبيرة العلاجات السلوكية والعلاجات المعرفية السلوكية... وهناك طرق أخرى ليس هنا مجال لذكرها...
6- محاولة العلاج بدون معالج (لأي أسباب).
وكثير من الناس يحاولون معالجة أنفسهم ذاتيا خوفا من اكتشاف أمر مرضهم مما يعرضهم لوصمة المرض النفسي والخوف من نظرة المجتمع وعدم فهم الآخرين لمعاناتهم ولكن دون جدوى.
والمعالج هنا له أدوار متعددة منها:
أ. التشخيص السليم للمرض والمبني على أسس علمية فقد يكون سبب الوسواس مرض عضوي بالمخ مثلا فتختلف طرق العلاج تماما.
ب. إرشاد وحل المسائل التي تستجد أثناء العملية العلاجية.
ت. مساندة المريض حتى يتفهم طبيعة مرضه ومساعدته للتغلب عليه.
ث. معالجة أية أعراض جانبية للعقاقير إذا حدثت واختيار عقاقير مناسبة لكل حالة.
ج. تفصيل البرنامج العلاجي لكل إنسان مراعاة لاختلاف البشر من نواحي متعددة مثل الجنس والسن والتاريخ الأسري والشخصي والثقافي والاقتصادي لكل شخص.
ولذا أنصحك بالتوجه لأقرب طبيب نفسي.. عسى أن تجدي ضالتك والله ولي التوفيق.. ودعائي لك بالشفاء.. مع التواصل.
واقرأ على مجانين:
وسواس قهري: علاجه غير كامل
وساوس كفرية قهرية: اطلب العلاج
هو اضطراب الوسواس القهري بكل وضوح
علاج الوسواس بالعقار فقط لا يكفي