الأفكار السلبية والقهرية
المشكلة يا دكتور تكمن في تردد أفكار السن بشكل مؤلم نفسيا وجاءتني الحالة وأنا أقارب 30 سنة، وأحسست أني قد كبرت جدا ولم أعد شابا، وشعرت بالاكتئاب والضيق بشكل متكرر ومؤلم ومكدر... ثم أكملت الدكتوراه.. وتلا شت المشكلة شيئا فشيئا...
ولكن الآن ومع اقترابي من الأربعين عاودني نفس الشعور وبشكل أسوأ، ولا أستطيع تغيير فكري بسهولة... وبالطبع يزيد الألم مع رؤية الشيب والصلع وهما يزيدان...
وعندي أفكار سلبية أخرى ولكن سأتكلم عنها منفصلة لا حقا، وجزاك الله خيرا، أريد رأيك في هذا الشعور المرضي.. فهو مع تكراره والألم والاكتئاب المرافق له ما عاد طبيعيا...
لا تتخيل مقدار الاستفادة التي أجدها من هذه الاستشارات ووفقكم الله جميعا
فأنتم خير من استخدم علمه لخدمة البشر فلكم مني خالص الدعاء...
13/11/2003
رد المستشار
الأخ السائل أهلا وسهلا بك وشكرًا جزيلاً على ثقتك بصفحتنا وعلى إطرائك لنا ، الحقيقة أن اختيارك للعنوان الذي اتخذته لمشكلتك جاء دالاً بشكلٍ كبير، فقد قدمت صفة السلبية على صفة القهرية وأنت تحدثنا عن أفكارك، ولهذا دلالةٌ على نوعية المعاناة، ودلالة أيضًا على القدرة العالية على الاستبطان Introspection، وكذلك القدرة العالية على إيصال المعنى وأنا أحييك على ذلك.
فأما كون اختيار العنوان وترتيب الصفات فيه دالاً على نوعية المعاناة، فذلك لأننا هنا نقف بين نوعين من المعاناة كثيرًا ما يختلطان ببعضهما وهما المعاناة من الاكتئاب والمعاناة من الوسواس، لكنك توضح لنا أن أساس المعاناة هو الاكتئاب وليس الوسواس، وفي إفادتك ما يؤكدُ ذلك كما سأبين لك.
فوصفك للأفكار بأنها سلبية يأخذنا ناحية الاكتئاب، ثم إيضاحك أن الأغلب منها هو المتعلق بكبر السن وأنك كبرت وشخت وغزا الشيب فوديك، وبدأ الصلع يزحف إلى آخر ذلك من الكلمات الموحية بإحساسك الشديد بالفقد، وهذا جوهر الاكتئاب، وكذلك إشارتك إلى نوبةٍ سابقة من الاكتئاب منذ عقد كامل من الزمان، كما يفهم من قولك في إفادتك : (وجاءتني الحالة وأنا أقارب 30 سنة، وأحسست أني قد كبرت جدا ولم أعد شابا، وشعرت بالاكتئاب والضيق بشكل متكرر ومؤلم ومكدر، ثم أكملت الدكتوراه، وتلا شت المشكلة شيئا فشيئا)، فهذه كانت نوبة اكتئاب زالت من تلقاء نفسها، وكانت أفكار الكبر والشيب وأنت في أوج الشباب هي محور تفكيرك الاكتئابي،
وأما كونك لا تستطيع تغيير الأفكار وتشعرُ بأنك مجبرٌ أو مقهورٌ على أن تفكر بهذا الشكل فهو أيضًا يتماشى مع الاكتئاب ذي الصبغة الوسواسية خاصةً وأن محتوى الأفكار نفسه يكونُ اكتئابيا، وأن أكثر ما يضايقك هو عدم قدرتك على طردها من ذهنك، وليس أنك تراها غير منطقية (خاصةً في النوبة الحالية)، فأنت ترى في ظهور الشيب وازدياد الصلع دلائل على أنها أفكار صحيحة، ويحد الاكتئاب الذي يصبغ مشاعرك من قدرتك على التخلص من هذا النوع من التفكير الاكتئابي الاجتراري Depressive Ruminations، والذي أشرت إليه من طرف خفي في قولك: (وعندي أفكار سلبية أخرى ولكن سأتكلم عنها منفصلة لاحقا)، فهذه النوعية من الأفكار الاجترارية تختلف عن الأفكار الاجترارية الوسواسية Obsessive Ruminations، والتي غالبا ما تكونُ إما بلا معنى أو بمعنى يرفضه الشخص منطقيا بصورة تامة، بل ويرعب ويتألم أشد الألم من مجرد إمكانية وجود دليل على صحته.
ونجد الفرصة الآن سانحةً لإحالتك إلى عددٍ من الإجابات السابقة على صفحتنا استشارات مجانين تحت العناوين التالية :
الوسواس القهري والاكتئاب
اللا مبالاة هل هي اكتئاب؟
عسر المزاج والاكتئاب
التفكير النكدي
الاكتئاب الجسيم وماذا بعد
الاكتئاب الدائم أم عسر المزاج
الاكتئاب المتبقي أم العلاج المنقوص؟
علاج الاكتئاب المعرفي: فتح الكلام:
أبو حامد الغزالي يعاني الاكتئاب
ثم تقول بعد ذلك في إفادتك : (أريد رأيك في هذا الشعور المرضي... فهو مع تكراره والألم والاكتئاب المرافق له ما عاد طبيعيا.....)، والحقيقة أن الشعور المرضي بالكبر الذي تشير إليه إنما هو الذي يرافق الاكتئاب، وليس العكس، أي أن الاكتئاب هو الأساس، وهو بالفعل غير طبيعي، لأنه يسببُ الألم ويعيق الإنسان عن أداء ما يجبُ عليه أداؤه في حياته اليومية.
وأما قولك مع تكراره فلا ندري ماذا تقصد بالتكرار، فأنت إن كنت تقصد تكرار نوبة الاكتئاب مرةً أخرى بعد عقد من الزمان، فإن الاكتئاب اضطرابٌ رديدٌ بطبعه، فصحيح أن الاكتئاب الذي نتحدث عنه غير طبيعي إلا أن طبيعة الاكتئاب هي أنه يرتد على صاحبه ويعاوده من حين إلى حين، وأما إن كنت تقصدُ تكرار الشعور نفسه في إطار نوبة الاكتئاب الحالية، فإن هذا التكرار طبيعي في إطار الاكتئاب غير المعالج، ولكن الاكتئاب كما قلنا غير طبيعي
هذا هو رأينا يا أخي السائل في ضوء ما تفضلت به من معلومات، ونشكرك على دعائك لنا ونسأل الله أن يقبل دعواتك ولك منا مثلها بظهر الغيب، نسأله سبحانه أن يعيننا على أن نعلَم وأن نتعلم من الناس، وأن ننفع الناس بما علمنا، ونرحب بك وننتظرُ متابعتك، ومشاركتك.
ويتبع>>>>>>>>>>>>>>>: الأفكار السلبية والقهرية م