أكتب إليكم لأنكم بالنسبة لي المصدر الوحيد الموثوق فيه في هذا العالم المحيط بي، قد تكون مشكلتي مألوفة لكم، بل ومألوفة للجميع، ولكني لا أملك أية خبرة في مثل هذه المشاكل ولهذا أحتاج إلى رأيكم بشدة. سأحكي لكم القصة من البداية.
أعمل معيداً في أحد الكليات العلمية، وفي أول سنة لتعييني قابلتها، كانت طالبة لديّ في السنة الثالثة، ولكنها كانت تتميز بكل شيء جعلني أفكر في خطبتها، التدين، الأدب، الجمال، الطيبة، المرح، والأصل الطيّب، وكنت أشعر معها بالراحة النفسية التي لم أكن أجدها مع أحد آخر بما فيهم زملائي في العمل، وذلك على الرّغم من أنها كانت تقيم في محافظة أخرى وبعيدة عن محافظتي..
وعندما أخبرتها عن مشاعري وعن رغبتي في التقدم لخطبتها، لم ترفض بل فرحت بذلك جداً حيث أنها أيضاً بادلتني هذه المشاعر.. وعلى الرغم من أنني أخبرتها أن حالتي المادية لم تكن تسمح بذلك في البداية إلا أنها حثّتني على الصبر وأنها ستنتظرني، وبالفعل بعد عام واحد تقدمت إليها ووافق أهلها وحددنا ميعاداً للخطوبة، وأصبحنا –أنا وهي– ننتظر بصبر هذا اليوم..
إلى هنا كانت الأمور طبيعية وفي كل يوم كان حبي لها يزيد وهي أيضاً بالنسبة لي، ولكن كل شيء تغيّر فجأة، في اللحظة التي انتظرناها سوياً انقلب كل شيء، في أول لحظة رأتني فيها في حفل الخطوبة شعرت بأنها تغيّرت، كأنها تراني لأول مرة، وأثناء الحفل نفسه شعرت وكأنها تنفر مني ولكن تقاوم، وكل هذا كتمته في نفسي حتى أسألها عن هذا، وفي اليوم التالي أخبرتها عن ذلك فقالت لي أنها رأت رؤيا أنه لن يكون لنا نصيب، لا أدري لماذا تصر كل فتاة على أنّ كل حلم تراه هو رؤيا ستحقق بالفعل؟ أخبرتها أنّ هذا بيد الله أولا ولا يجب أن نضيع كل هذا بسبب حلم.
ولكن في الأيام التالية كانت لهجتها قد تغيّرت معي، وبالتالي لم أكن أحتاج لذكاء لأدرك أن مشاعرها نحوي قد تغيّرت، وبالفعل اتصلت بي والدتها بعد أقل من أسبوع من حفل الخطوبة لتخبرني بأنّ هناك شيئاً غريب قد حدث لابنتها وأن منذ حفل الخطوبة ونفسيتها ليست على ما يرام وأنها بدأت ترفضني.. وبالفعل ازدادت الأمور سوءاً بعد هذا حيث أنها كانت لا تردّ على مكالماتي وعندما ترد أصبحت لهجتها عدائية، سألتها عن سبب ذلك، عن أي شيء بدر مني لكي تتغير هكذا..
لكن كانت إجابتها غريبة، أنها كلما بدأت تزداد تقرباً لله وتصلي كثيراً، كلما يزداد رفضها لي وأن هذا هو قضاء الله وقدره ولا بد لي أن أتقبل هذا، وأنها أصبحت تصلي صلاة الاستخارة كثيراً ولكن النتيجة واحدة، لقد أصبحت تكرهني، وأنها بدأت تشعر بهذا قبل حفل الخطوبة بفترة، فيما بعد عرفت من أختها أنها تكذب في هذا الجزء بالذات، حكى لي والدها أنها تغيرت 180 درجة تجاهي لأنها كانت متمسكة بي بشدة، كما أنها في نفس يوم الخطوبة وقبل الحفل كادت أن تطير من الفرح كما قال لي، كما أنها تغيّرت بالكلية حيث أصبحت تأخذ قرارتها بنفسها وأصبحت لهجتها متغيّرة ومنعزلة بعض الشيء، كما أصبحت شاردة كثيراً وأكثر عصبية وتشخص ببصرها كثيراً، ولكن الأسوأ من ذلك أنها تقضي اليوم كله في معمل التحاليل الذي تعمل به، كأنها تهرب من البيت..
الآن أنا في قمة الحيرة، لا أعرف أي سبب لذلك ولكني متأكد أنه سبب خارج وعيها وليس سبب منها ذاتها، والدها يقول لي أن هذا حسد.. البعض يحدثني عن السحر وعن الأعمال والتلبّس بالجان وهذه الأشياء، وأنا رجل مؤمن لا أقبل بهذه الأشياء، وإن كانت حقيقية فإنني أعرف يقيناً أن القرآن الكريم وقوة الإيمان يمكن أن يحمينا من كل هذا..
أمّا أنا فإنني فعلت ما أملاه علي عقلي.. في البداية فصلت الخطوبة معها فقط، حتى يخف ما عليها من ضغط.. ثم أخبرت والدها على ألا يضغط عليها أحد وأن يتركوها تماماً وأن يحاولوا أن يعيدوا الجو الاجتماعي حولها كما كان قبل الخطوبة.. أن يحكوا معها في أي شيء وأن يضحكوا معها وهكذا.. كما طلبت منه أن يقرأ القرآن كثيراً في البيت، وأن يحاول الجميع حولها أن يتناسى موضوع الخطوبة، وليس أمامنا سوى الصبر والدّعاء عسى الله أن يحدث شيئاً وعسى أن تعود لطبيعتها مع مرور الوقت..
لا أدري إن كان ما فعلته صحيحاً أم لا ولكني أريد رأيكم بشدة، وأن تخبروني عن أي تفسير لما طرأ على خطيبتي من تغيرات، خاصة وأنني مازلت متمسكا بها بشدة..
أعتذر عن الإطالة وشكراً لكم.
07/10/2007
رد المستشار
ولدى؛
أنا أكثر من يؤمن بالحسد والعين وما شابه.. ولا أنكرهما ولا أنكر أثرهما... بالعكس يتهمني البعض أني أضع عليهم أهمية أكبر من حجمهما الطبيعي... لأن في النهاية كل شيء بقضاء الله، ولكن الحسد والعين لا يجعل إنسانا يكره إنسانا آخر ويشعر بالاختناق في وجوده ويحاول جاهدا أن يتخلص منه، لو سلمنا بالحسد والقوة الغيبية، فكما قلت فالاستعاذة من الشيطان وقراءة المعوذتين.. وقراءة القرآن كله إذا لزم الأمر تشفي من كل سوء.... وكذلك الصدقة
والحقيقة أيضا لدي تفاسير كثيرة ولكن ليست بالتحديد حقيقية أو واقعية، هي مجرد افتراضات بنيتها على ما قصصته أنت....
احتمال أنها لم تحبك بالمعنى الذي تصورته أنت... طالبة السنة الثالثة عمرها تسعة عشر عاما تقريبا.. بل فرحت أن معيدا يحبها ويريد الارتباط بها... لا أعني أنها كذبت عليك بل لم تكن تعي مشاعرها ولا معناها، وشجعتك على الصبر والانتظار من باب الرغبة في الحصول على القصة، قصة حب كما تسمع عنها... وحين آن أوان الجد وأصبحت أو ستصبح الزوج... الرجل الذي سيحصل عليها بالكامل.... نفرت كل قرون الاستشعار لديها وشعرت أنها لا تريدك إلى هذه الدرجة... فبدأت الكراهية والاختناق.. وفى هذه الحالة هي فعلا تهرب من نفسها إلى المعمل ولا تهرب من البيت.. تهرب لأنها تعرف أنها أخطأت في القرار وأنها خلقت بنفسها لنفسها هذا الوضع ولا تعرف كيف تتصرف.
احتمالية أخرى.. أنها أعجبت بك كما أعجبت بها... وتمنت فعليا الارتباط بك.. ثم نصحها ناصح أن تصلى صلاة استخارة... فصلت ودعت.. وأنت لست خيرها ولا هي خيرك في الدنيا ولا في الآخرة كما يقول الدعاء.. فكان أن ألقى الله في قلبها –لأنها هي من صلى– هذا النفور.
وكان من الممكن أن يحدث لك أنت هذا الأمر... وكما قالت لك.. كلما ازدادت قربا من الله كلما ازداد نفورها منك... وليست أول حالة أقابلها بعد أن تعاهدا يتغير طرف فيها لسبب غير مفهوم مجرد أنه بدأ يتقرب إلى الله ويدعوه مستخيرا.. وطبعا كانت تهرب إلى المعمل لأنها لا تعرف كيف تواجهك أو تواجه أي إنسان بهذا الشعور الكئيب.. وهي من شجعك بل ودعاك إلى البيت، واحتمالات أخرى كثيرة.. منها أن تكون من النوع الذي يتأثر برأي من حوله وأن تكون إحدى الزميلات وأنت معيد على الاثنتين قد انتقدتك شكلا أو موضوعا أو ملبسا.. أو استهزأت بك... أو يكون أحدٌ قد قال لها ما الذي يجعلك تتزوجين شخصا غير ميسور الحال وأنت بهذا الجمال والكمال... وهكذا.
الخلاصة أنت لم تخطئ التصرف بل تصرفت التصرف المنطقي الوحيد... بأن فسخت الخطبة بل وطالبت أهلها ألا يتحدثوا معها في الأمر.. ولم تلح عليها أنت كما يفعل بعض الشباب بالسؤال السخيف: أنا عملت لك إيه؟؟ ليه تعامليني كده؟؟ ده جزائي إني حبيتك؟؟ وكأنها كانت تريد أن تكون في هذا الموقع.
انتظر يا ولدى... وتريث قليلا... الزمن كفيل بإبراز الأسباب... فإما أنها أسباب حقيقية.. أو أنها فعلا من أثر الدوي على الآذان والقر.
وفى النهاية ثق أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم.