الإسلام المغدور به.. وألغام الرغبات الدفينة..!؟
سيدي، معذرة لو أطلت عليكم؛ فإنني أشعر بحاجة ماسّة إلى الكلام، وأبحث عن إنسان ألقي عليه بعض حملي..
مشكلتي سيدي تحتاج أن أرجع معكم بالذاكرة فترة طويلة مضت، وأعتقد أنها جزء كبير من المشكلة؛ حيث نشأت في بيئة ملتزمة جدًا بحمد الله، حفظت جزءًا كبيرًا من القرآن الكريم في طفولتي.. لقد نشأت في بيت محافظ؛ فالغناء حرام، ومن استمع إلى موسيقى "صُبّ في أذنيه الآنك يوم القيامة" هكذا تعلمت وأنا دون العاشرة، والتليفزيون حرام والشطرنج -الذي كنت أحبه جدًا- هو الآخر حرام، وكذا جميع الألعاب.. وهكذا تربيت وما شعرت بنقص في شيء؛ فعندي الكثير من البدائل -القراءة، ولعب كرة القدم، واستماع الأناشيد- كبرت وكبرت معي مفاهيمي ونظرتي للحياة.. كنت أصلى إماما بالناس وأنا دون الرابعة عشر من عمري.. هكذا وجدت نفسي أتحرك في إطار مرسوم لي حتى دخلت الجامعة.
كنت متفوقًا بحمد الله فدخلت إحدى كليات القمة، أنشأت أسرة جامعية مارست من خلالها الدعوة إلى الله بأساليب مختلفة مثل: الرحلات والحفلات الإسلامية والمسابقات.. المهم -وهذا هو بداية المشكلة- أنني حتى تلك اللحظة لم أكن كلّمت فتاة قط -غير محارمي وأقاربي- وبرغم جرأتي في وسط الشباب إلا أنني عندما تعرّضت للحديث مع إحدى الطالبات وجدت الكلمات تتطاير من ذهني، وحركتي مضطربة اضطرابًا عجيبًا.. بعد هذا الموقف جنّبت نفسي أي فرصة احتكاك ولو في أضيق الحدود بالفتيات.
ولعلك أول واحد أصارحه بتلك الحقيقة المؤلمة.. إنني تخرجت من الجامعة سيدي وأنا لا أعرف كيف تكون العلاقة بين الرجل وزوجته؛ فكما ذكرت لكم أنني نشأت نشأة محافظة إلى أقصى درجة –ولا أدري هل النشأة المحافظة بهذا الشكل صحيحة أم لا؟!- إلى هنا لم أكن أحمل همًّا كبيرًا، وإن كنت أحاول القراءة عن موضوع الجنس، لكنني ما استطعت تكوين صورة متكاملة عن العلاقة بعد.. ولا أستطيع أن أحكي لك كيف تكوّنت الصورة المضحكة في عقلي؛ فما كنت أتخيل أبدا صورة الحياة الجنسية.
وفقني الله للعمل في إحدى الشركات الأجنبية بمصر، وبدأت أخرج من دائرتي المحافظة في البيت أو الأصحاب إلى دائرة مفتوحة إلى أقصى درجات الانفتاح؛ شركة أجنبية وطبيعة العمل فيها ليست قاسية؛ فعندي الكثير من وقت الفراغ ولا بد إذن أن أشارك زملائي في الحوار و"الهزار" وغيره، لكنني فوجئت بمستوى حواراتهم التي أقل ما توصف به أنها حوارات منحلّة من أناس لا يخافون الله ولا يعرفون خُلُق.. تفتحت عيني على موضوعات جديدة، بالطبع لم أكن أشاركهم لكنني مضطر لسماعهم والجلوس معهم.. المهم أنهم لاحظوا أنني شديد التدين فاحترموني وصاروا يعاملونني على أني شيخ ليس له من أمور الحياة نصيب.. ورضيت أنا هذه النظرة؛ فقد أراحتني من مجاراتهم.
ذات مرة كُنّا في استراحة للشركة، وجدت أحد زملائي يعرض عليّ أن أشاهد معه شيئًا مهماً، ووجدته يدير جهاز الفيديو على فيلم جنسي، وكانت أول مرة أتعرّض فيها لمثل هذا الموقف.. شاهدت مشهدًا منه، وكدت أصعق مما رأيت، فأعليت صوتي وتشاجرت معه وأطفأت الجهاز بعد مقاومة عنيفة معه ومع نفسي.. لكنني لا أخفي عليك سيدي أنني كنت أتمنى المشاهدة لسببين:
أولا: لأنني شاب مليء بالشهوة،
والسبب الأكبر: حتى أعرف ما الذي يحدث..
إلا أنني مع تلك الرغبة الدفينة قاومت وعارضت كل محاولة مماثلة.. حتى جاء يوم كنت أجلس فيه وحيدا باستراحة الشركة، وبينما كنت أقلّب بحثًا عن أسطوانة معينة؛ وجدت أسطوانة مكتوب عليها films.. ارتعشت يداي وتناولت الأسطوانة ووضعتها في جهاز الكمبيوتر، ووجدت بها مجموعة أفلام جنسية، وبرغبة مجنونة بداخلي وجدت مقاومتي تتلاشى تمامًا حتى شغلت أحد الأفلام، وجلست أشاهد ما لم أشاهده في حياتي، لم أصدق عيني ولا أذني، يومها تعرفت على عالم عجيب لم أكن أتخيل وجوده.. ووقعت في براثن تلك الأفلام الملعونة، وساعد على ذلك وجودي وحيدًا كثيرًا ثم امتلاكي جهاز كمبيوتر في البيت.
وبدأت أفهم طبيعة العلاقة بكل أشكالها، شاهدت الكثير من الأشياء الشاذة العجيبة، لم يستمر بي الحال كثيرًا مع تلك الأفلام بدأت أشعر "بقرف" عجيب من هذه الأفلام ومن الجنس كله، ولم تعد نظرتي بعدها بريئة إلى النساء حيث صرت أحتقرهن جميعًا؛ بسبب ما شاهدته، صرت أنظر لزميلاتي في العمل على أنهن ساقطات، لم أعد بعد ذلك أستطيع أن أتعامل مع امرأة إلا وأنا أتخيلها في مشهد من المشاهد المشينة التي رأيتها، وبعدما كنت أطمح للزواج وأنا لا أعرف شيئا عنه، صرت الآن سيدي أكره الزواج ولا أحاول التفكير فيه بعدما عرفت عنه كل شيء، وقلت: ربما كان شيئًا طبيعيًا أن تحدث لي صدمة مما شاهدته تستمر فترة معينة وتنقضي وأمارس حياتي بشكل طبيعي بعدها وأتزوج، لكنه مضى على الآن أكثر من عامين وما زلت أشعر بـ"القرف" من النساء، ولا أجد أي رغبة في الزواج، وكلما فاتحني أهلي في هذا الأمر أغلقته لهم دون سبب، وزاد من تلك المشاعر لدي أنني كنت أقرأ كتابا عن خطورة الزنا والتخويف منه، ونقل الكاتب كلمة للسيدة "هند بنت عتبة" قالت فيها تعليقا على آية الزنا "ولا يزنين ...": "أوتزني الحرة؟! ما أقبحه حلالا أنفعله حرامًا"، صرت أتذكر تلك الكلمة كلما جاء الحديث عن الزواج.. وكلما حاولت أن أتخيل شكل زوجتي.
نعم تثور شهوتي كثيرا مثل أي شاب في سني لكنني صرت أكره الزواج وأخاف إن تزوجت أن أحتقر زوجتي مثلما احتقرت كل امرأة شاهدتها تمارس الجنس.. تلك هي مشكلتي التي لم أستطع أن أتكلم فيها مع أحد لا من قريب ولا من بعيد.. فأرجو أن أجد لديكم حلاً أو تفسيرا لحالتي تلك.. ومعذرة مرة أخرى على الإطالة.
* تم نشر هذه الاستشارة من قبل على موقع إسلام أون لاين
رد المستشار
الأخ الكريم: أنت اخترت أن تثق بنا وتصارحنا فهل أقل من أن نرد النتيجة بمثلها على الأقل إن لم يكن بأفضل منها؟!
هناك نوع من المشكلات التي تصلنا أتوقف أمامها، وأتأمل فيها كثيراً؛ مما قد يؤدي إلى تأخرنا في الرد عليها حين يبدو أن الرد لا بد أن يكون شافيًا ومستوعباً للقضية المطروحة، وليس فقط للجانب الشخصي الخاص بصاحب أو صاحبة السؤال، وكما فعلنا في "قضية ملتزم" وإجابات أخرى نتوكل على الله ونخوض غمار ما تطرحه هنا مع التأكيد على شكرنا لك؛ لأنك فتحت هذا الملف الهام:
أولاً: هناك نمط أو أنماط متداولة باتساع بين المسلمين، وحدود ذهنية وفعلية وممارسات منسوبة للإسلام، وهو منها بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
كيف شاعت هذه الأساطير والأباطيل، ووصلت إلى أن تكون هي الأساس المُكوِّن للنموذج الإسلامي المطروح أو المُتصوَّر عند البعض، هذه قصة كبيرة قد تطرحونها، ونتحاور فيها فيما بعد.
سأقتصر هنا على نقطة مثال واحدة، وهي مسألة الموسيقى والغناء، وهي تعرض لكثير من الشباب الملتزم؛ فيجد للوهلة الأولى ما ذكرته عن صب الآنك، وغير ذلك، ثم يُفاجأ مَن يتعمق في الأمر -وقليل ما هم للأسف- أن وضع المسألة ليس هكذا أبدًا.
"يكتشف" أن كل أحاديث السماع وآثاره مطعون في صحتها!! عدا استثناءات قليلة يمكن حملها وتأويلها على أكثر من وجه، و"يكتشف" الأصل الغائب للمسألة، وهي أن الغناء كلام، والموسيقى صوت، والكلام والصوت حلاله حلال، وحرامه حرام.
وإن تحريم الغناء باعتبار ما يُحدثه في بعض النفوس إنما يرتبط بحدوث هذا الأثر، وهو نسبي يختلف من إنسان لآخر، و"يكتشف" أن من أفضل ما قيل في هذا الباب قول شيخ الإسلام ابن تيمية: من رأى في السماع شبهة فقد حرَّمه على نفسه، وللشيخ العلاًًًمة "يوسف القرضاوي" والدكتور الجليل "علي جمعة" وغيرهما فتاوى في هذا الشأن بيِّنَة وساطعة، و"يكتشف" هذا المتعمق الباحث عن الحقيقة أن المسلمين طوال تاريخهم كانوا يُنشدون ويستمعون، وأنه ليس كل الغناء مجونًا، كما أنه ليست كل الموسيقى جيدة، ويكتشف أشياء وأشياء لو سردتها جميعاً لك هنا فستطول هذه الإجابة وربما تخرج عن المطلوب منها، ولكنني أختصر، بالجملة يجد صاحبنا بعد رحلة -قد تطول– من التقصي والتحري أنه كان ضحية عملية تضليل رهيبة جرت ربما باسم "الحماية من الفتنة" أو "التحصين" ضد الفساد… إلخ من النوايا الحسنة التي لا تبرر فساد المنطق، أو بطلان السند أو زيف الدليل.
والنتيجة أن أصحاب العقول والإبداعات المؤمنة هجروا ميادين الفنون جميعاً -إلا قليلاً منهم بقي على استحياء- فشاعت على إثر ذلك فنون هابطة الكلمة، منحطة المستوى، منزوعة القيم، وأصبح الشائع بالفعل هو نوعية من فن ركيك وسافل، وما أسهل أن تشجب وتدعو إلى تحريم هذا الفن! وما أصعب -وسط أهوال وعقبات كثيرة- أن تنتج فنًّا آخر يدعو إلى قيم آخري كما ينبغي أن يكون الفن، وكما هو في أماكن أخرى وثقافات أخرى على نحو ما.
يا أخي، ما يحدث بشأن الفنون ومنها الموسيقي يجري في مجال الهوايات والاهتمامات حتى "يجفف" ينابيع الجمال في الحياة الواحد تلو الآخر، فلا يشعر الملتزم بهذا الجمال إلا "خِلسة" وكأنه يسرق، ويتلازم مع هذه الخلسة الكثير من الاعتذار، والشعور بالذنب.
هل تُراني أبالغ؟
طيب، انظر إلى نفسك، وأنت تقول: صاروا يعاملونني على أني شيخ، ليس له في أمور الحياة نصيب.
وانظر إلى أختي الملتزمة التي أرسلت لي من الخليج وتقول في ثنايا رسالتها: بما أنى فتاة مؤمنة يجب أن أتخلى عن مباهج الحياة وأتجه إلى الله.
ولم أضع أنا أية علامات تعجب بعد كلماتك أو كلماتها؛ لأن فئات العلامات لا تكفي!! يا ألله، يا ألله.. من الذي وضع الإسلام ضد الحياة، وهو الذي جاء لها "اسْتَجِيْبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم"، جاء بالحياة فأحيا النفوس، وأحيا العرب الذين كانوا موتى لا ذكر لهم، ولا مكانة، ولا مستقبل، وأحيا الإنسان وما زال يحيي، ويبعث بحياة ويحررها من كل قيد جاء به عرف فاسد، أو قيد مستبد.
الإسلام دين للحياة، فكيف صار يبدو أحيانًا دينًا للموت؟! ومن فعل هذا بنا؟
مَن الذي زرع في الأذهان أن الإسلام دين الكآبة والعبوس والإعراض عن الحياة للاتجاه إلى الله!!! واهب الحياة، خالق الحياة والموت ليبلونا أينا أحسن عملاً.
لا يا أخواتي وإخواني، ولا يا أخي، ليس الإسلام ضد الحياة، ولا مع الجهل بشئونها، ولا مع الإعراض عن مباهجها الحلال، وهي أكثر بكثير من مساحة الحرام، وما قاعدة "أن الأصل في الأشياء الإباحة"، وغيرها من القواعد الأصولية والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، إلا تأكيد متجدد على أن الإسلام شيء آخر غير هذا المتداول الشائع في كثير من النواحي.
ثانيًا: دعني أقلْ بصراحة ووضوح: إن البيئة التي تكرِّس الجهل بشئون الحياة - ومنها الجنس - وتكرِّس الحرمان من متعها الحلال، وتضطرب فيها أو تغيب عنها العلاقة السليمة الطبيعية بين الجنسين أو حتى بين الأجيال المختلفة.. وحفظ القرآن فيها منفصل عن فهم الحياة؟!
هذه البيئة اسمح لي أن أسميها باسمها الصحيح، هي بيئة "متخلِّفة" عمَّا يريده الإسلام من الإنسان والحياة، هذه بيئة ينبغي أن تتغير؛ لتكون موافقة لمقصود الشرع الحكيم لها، تبدو كفيلة بإزهاق مقاصده، وإعدام قيمه، وتشويه صورته الناصعة، وهو ما يحدث تمامًا باسم المحافظة والالتزام. لعل الشيخ سيد قطب رحمه الله، وهو يطرح أفكاره عن التصور الإسلامي أسسه ومقوماته كان سيستنبط هذه الحقيقة، وحين تحدث عن المجتمع الجاهلي كان يقصد هذا الذي نرمي إليه، ومع اختلافنا معه -رحمه الله– حول بعض النتائج النهائية المتوصل إليها، نرى أن في أطروحاته عمقًا يحتاج إلى إعادة نظر ونقاش، ومن اللافت أن البيئة المتخلفة قد أعادت إنتاج مقولات "قطب" على نحو كرَّس التخلف، والبُعْد عن مقصود الإسلام في الوقت الذي قصد قطب منه غير ذلك، بالتأكيد اتضح أننا سنحتاج فعلاً إلى تجديد وتنقية تصوراتنا وممارستنا مما يتعارض مع نصوص قاطعة، ومقاصد واضحة، وقيم راسخة في التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة، وربما تكون هذه المهمة هي من واجبات الوقت؛ فطوبى لمن ساهم في هذا بجهد.
أقول لك: إن هذه البيئة المتخلفة عن الإسلام تبدو بيئة نموذجية كمقدمة للانحراف، فالشيطان كما قلنا يأخذ الناس، ويدخل بهم من باب الشهوات والشبهات والبيئة المثالية التي يحبها، ويعمل فيها بكل سرور، هي تلك البيئة التي تنمو فيها الشهوات السرية، وبسبب قمعها وعدم الاعتراف بالأصل المباح لها تنحرف تجلياتها وممارساتها على أنماط وأنواع كثيرة كما يتضح من صفحتنا هذه.
البيئة المثالية للشيطان، هي تلك التي يغيب فيها الوعي والعلم بأمور الحياة -باسم المحافظة- فيكون هذا الجاهل صيداً سهلاً، وهدية متاحة وقريبة، وغنيمة باردة لا يتعب الشيطان في إضلالها، فهو إنما ينقلها من الضلال بالجهل إلى الضلال بالانحراف، وهي نقلة بسيطة للغاية، وهي تطور يكاد يكون تلقائيًّا، وفي حالتك نموذج لما أقول… وفيها تم تأجيل العلم بأمور هامة وأساسية -باسم المحافظة– ثم حدثت الصدمات على النحو الذي تروي، وحدث الانحراف في حالتك على نحو لطف الله بك فيه، فاحمده على العافية، فقد رأينا وترون معنا انحرافات تكون أشدّ تشوهًا، وأصعب في علاجها بالتالي، أما أنت فأمرك أهون بحمد الله؛ فما حدث لديك هو خلل في تكوين المفهوم، ناتج عن وضع التعميم بشأن كل النساء، وكل العاطفة وكل الجنس، وهو تعميم خاطئ أدى إلى تعميم مفهوم خطأ، وبالتالي حدث خلل في العملية الإدراكية للواقع من حولك.
ثالثًا: هل أبالغ إن قلت لك: إن هناك أزواجًا وزوجات يجهلون ويجهلن أبسط المعلومات والحقائق الشرعية والعلمية عن الحياة الأسرية وعن العلاقة الحميمة بين الزوجين؟!
وبسبب هذا الجهل والتناقض بين ما يريده الشرع، وما نعيشه بالفعل بقيت أغلبية الرغبات المشروعة في أصلها دفينة، وشكراً لك على هذا التعبير الدقيق الرائع. الرغبة في الجنس والحب، والمعرفة عنهما وممارستهما، لا ينبغي أن تكون دفينة يا أخي، في المجتمع المسلم.
وفي المجتمع المسلم الأول جاء شاب إلى رسول الله في حادثة شهيرة نعرفها، وقال له: رخِّص لي في الزنا، ولم يفعل هذا الشاب ما فعل لمجرد أن شهوته كانت فائرة، ولكن أيضاً لأنه فهم من الإسلام أن هذه الرغبة لا ينبغي أن تكون دفينة، بأبي أنت وأمي يا رسول الله.. هل أنكر عليه أصل الرغبة؟! وقال له احتشم واستحِ، أو قال له: اعرض عن هذا، واتجه إلى الله أو قال له الجنس دنس، أو كماليات، أو من مباهج الحياة المستنكرة، أو قال له: اصبر؟! إنما عالج طبيب القلوب والنفوس الأعظم في تاريخ الإنسانية الداء على النحو الصحيح، وبالمفهوم الصحيح حين قال له: أترضاه لأمك... إلخ.
لم ينكر عليه رغبته، ولم ينكر عليه جرأته، ولم يطعن في فهمه لمقصد الإسلام في هذه الناحية لأنه صحيح، ولكنه وجَّهه إلى حقيقة غابت عنه، وهى أن ممارسة الجنس في الإسلام إنما توضع في إطار نظام الأسرة، وتدور في شبكة مركبة من الحقوق والواجبات المتبادلة، وأنها ليست مجرد الفعل الجنسي، أو العملية الجنسية، وإلا كان البشر والأنعام سواء، ولتقطَّعت الأرحام، وتخربت الذمم.
هذا هو النبي -صلى الله عليه وسلم- فهماً ومعالجة فمن شاء فليجهل أو يعلم، "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون"، وهذه هي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم– "فمن رغب عن سنتي فليس مني" كما قال عليه الصلاة والسلام، وليحذر الذين يغيِّرون ويبدلون من أن يكون مصيرهم هو ما ورد به الأثر عن قوم يرونه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة على الحوض ويتجهون إليه، ويتجه إليهم فإذا بالملائكة تحول بينهم وبينه، ويقولون للنبي: إنك لا تدري ماذا أحدثوا من بعدك، لقد غيروا وبدلوا فيُعرِض النبي صلى الله عليه وسلم عنهم.
هذا كله أقوله لأؤكد لك أنه لا توجد في الإسلام رغبات دفينة، إنما بصدد رغبات مشروعة أو مرفوضة طبقاً لتصور الإسلام، وفي حالة الرغبات المشروعة فإن الإسلام يكفل لها الإنقاذ بوسائل واضحة، وينبغي أن تذلل العقبات التي تحول دون هذا الإنقاذ؟ أما في حالة الرغبات المرفوضة فإن الإسلام يعتبرها أهواء فاسدة، وخواطر سيئة ترد على كل إنسان، وينبغي أن يتعامل معها بالتسامي عليها، وتهميشها بممارسة الحلال الذي هو الأوسع والأطيب.
رابعًا: ما حدث في حالتك هو عملية دفن استمرت لسنوات طويلة، وكأنك تحفر أعمق لتدفن أعمق، ولم تنتبه إلى أن الذي تدفنه هو لُغم سينفجر مع أول ضغطة فيمزق نفسك، ويشطر وعيك، ويشوِّه نظرتك وإدراكك للحياة، والجنس والحب والنساء… إلخ.
لا يا أخي الكريم، لا الذي رأيته هو الجنس ولا النساء كما تظن… ولا العلاقة بين الرجل والمرأة بهذا التبسيط المُخِل الذي تعتقده اليوم… اسمح لي أن أقول لك: إنك انتقلت من الجهل إلى التصور البُدائي، وهو بطبيعته ناقص ومشوَّه وسطحي.. ومعذرة، الذي رأيته يا أخي هو مشاهد مصنوعة بواسطة رجال ونساء في مجال احتراف هذه المهنة الساقطة، وهو نوع من التمثيل المنحط؛ والنجمات المشهورات والنجوم المعروفون يرفضون التورط في مثل هذه الأفلام والمشاهد، ويعتبرونها نوعًا من الفن الرخيص إن جاز تسميتها بالفن أصلاً.
ما رأيته لا يَمُتّ بأي صلة للجنس إلا من ناحية بعض خطوات وآليات الممارسة، أما بقية الجوانب فهي باطلة وسافلة لا علاقة لها بسمو العلاقة الراقية بين البشر، وهم يمارسون الجنس.
ما رأيته يدخل في باب الدعاية والإعلان والترفيه أكثر من أن يصلح مصدراً للمعرفة والتعلم، وحين نعتمد هذه المواد مصدراً معتبراً للمعرفة، نكون كمن يلتمس المعلومات الصحيحة في حكايات الخيال، وكمن يبحث عن العلم في مجالس الحشاشين!! (أخطأت حين شاهدت هذه الأمواج، وآسف يا أخي، ما رأيته في هذه الأفلام إنما يزيد من التشويش والتشوه والتخبط الذي كان في ذهنك عن الجنس، وعن الحب، وعن النساء. الذي يلتمس الماء من معين كدر ملوث حتمًا تُصيبه الأمراض، وخاصة مع ضعف مقاومته أصلاً).
ومن الأصوب أن تتعرف ثانية على هذا العالم؛ فأنت لم تعرف عنه غير الانحرافات المبالغ فيها من محاولة إشعال الشهوة، وإيقاظ الرغبات الدفينة أكثر مما فيها من أية معرفة ذات قيمة عن العاطفة أو عن المرأة أو عن الجنس.
خامسًا: تسألني: ومِن أنَّى لي أن أصحح معلوماتي الخاطئة، وأعيد ترتيب أفكاري المضطربة؟!
أقول لك: نحن في هذه الصفحة نحاول، وستجد لدينا ما يُفيد في هذا الصدد، وهناك كتب علمية، وشرائط ومواقع إنترنت تعليمية تعطي معرفة أدق مع أخذ اختلاف الموقف الأخلاقي -بيننا وبينهم- في الاعتبار، وأقول هذا لأن الكتب والشرائط والمواقع هي بلغات أخرى غير العربية، وصادرة عن ثقافات أخرى غالباً، أو هي مترجمة أو معرَّبة، وهناك نقص كبير في مواد تعالج هذه المسائل من منظور متكامل يجمع بين العلم والدين والشرع والواقع، ونرجو أن يتقبل الله إسهامنا المتواضع في هذه الصفحة بشأن هذا النقص.
يا أخي، لقد خرجت إلى الحياة من قوقعة "المحافظة" التي كنت فيها، وانفجرت ألغام الرغبات الدفينة، وكان ما كان، وأرجو أن تكون هذه التجارب جميعاً رصيد إنضاج لك لا مبعث ألم وانعزال وسوء فهم وتقدير، وعندما تنزل لتتعلم حقًّا عن الحياة بأنشطتها المختلفة، والعالم بمباهجه ونعمه الكثيرة الحلال، وعن الإسلام بعظمته وخيانة أهله له، وتربص أعدائه به، وعن الحب الذي هو أهم محاور حركة الكون والبشر، ومن أعظم نعم الله على الإنسان، وتفضيله له على الأنعام، وحين تتعلم حقًّا عن الجنس فتعرف أنه شيء آخر غير المعروض على الشاشات أو المتداول في مجالس الحكايات التي يرويها زملاؤك.
حين تعرف الحب الحلال، وتتذوق الجنس الحلال، وتتفهم الحياة والكون والإسلام أكثر، يومها ستكون قادراً على تغيير المفاهيم المختلة، والصور المشبوهة، وسيعرف زملاؤك عندها حقائق كثيرة مغيبة حين تنقلها أنت لهم، وتصبح أنت مرجعاً لهذه الأمور جميعاً، وصدقني، إنهم سيظلون يعتبرونك شيخاً؛ لأنك ملتزم بالآداب والأخلاق والعبادات الإسلامية فكن بسلوكك ومعرفتك شيخاً لا درويشًا، كن شيخاً مَرْجِعاً كما ينبغي أن يكون الشيخ.
وتابعنا بأخبارك وزياراتك.