معقول يحب اثنين
أعزائي،
السلام عليكم،
فكرت كثيراً قبل طلب المساعدة واللجوء لتحليل مشكلتي التي عكّرت حياتي وزلزلت كل توازناتي، وإن كان بالإمكان عدم عرضها. أنا إنسانة عادية متوسطة الجمال والإمكانيات العلمية والثقافية، وإن كنت بين أقراني أعتبر مميزة، متزوجة من رجل أعمال يختلف بالكثير عني! فهو رجل عملي لا وجود للشاعرية بحياته، معظم وقته خارج المنزل وكل المسؤوليات العائلية أقوم بها وإن كان على مضض، فأنا لي عملي، فأنا أخصائية اجتماعية، أعمل بمركز وظيفي محترم ولي أصدقاء كثر بحكم عملي. ماضيّ يحمل الكثير من الجراح، ففي الطفولة كنت قد تعرضت إلى ممارسات سيئة وتحرش من أفراد من العائلة زادت من آلامي، خاصة أن أمي كانت مطلقة وبعيدة عنا لتساعدنا بمسح دموعنا، ورغم هذا نشأنا نشأة حسنة، وتزوجت وأنجبت الأطفال،
رغم أنني لم أؤمن يوماً بقصص الحب ولا العشق، ومن كان يتغزل بي أو يحاول التقرب مني كنت أصده بكل هدوء، فأنا حذرة من الرجال وأخشاهم، ولكن هذا لم يمنعني من التواصل مع بعض الأساتذة الذين كنت أعمل معهم، وربما كنت أسمح لبعضهم بكتابة الشعر والقصائد لي دونما أية مبادلة من طرفي، أتواصل مع الزملاء من العمل بالنت، وربما نجلس الساعات نتحاور ولكن كنت أرفض استخدام الكاميرا معهم (معظمهم متزوجون) وكان هذا يريحني.
إلى أن أرسلت بأحد الأيام بدورة تدريبية لمدة ثلاثة شهور، وهناك كانت البداية أم النهاية، لا أعرف... والتقينا بأستاذ ذي سمعة واسم لامع بالأدب والثقافة والمعرفة والأخلاق، واهتمامه بالجميع وانبهار الجميع به لحسن سلوكه ونصاعة سيرته. كان مسئولا عنا بالدورة التدريبية، وكان مثالاً يقتدى به بدعمنا وإفادتنا ودفع كل منا بالطريق الذي طالما سعى له.
وكالعادة بدأت أتواصل معه بالنت، ونبقى لساعات يشرح لي النظريات ويزودني بالمحاضرات اللازمة لنجاحي وتقدمي العلمي، كنت منبهرة بمستواه الأدبي وأسلوبه الحضاري ورقة ودماثة أخلاقه، وأنا التي لم تعتاد إلا الخشونة من الزوج وشريك الحياة، ولا أخفي عليكم حسدي لزوجته التي علمت بعدها بأنها تسايره بالعلم والثقافة والجمال، وهي زوجة ناجحة رغم مركزها العلمي العالي والكل يعرفهم بحبهم لبعض وتفانيهم من أجل أولادهم، فهو كان لا يتأخر لحظة واحدة عن بيته واصفاً لنا أنه مستعجل بالعودة لجنته وعصافيره. وكان قد أضاف لكل مواصفاته مواصفات لم نعهدها وهي الزوج الحنون الوفي والأب المثالي. إلى أن انتهت الدورة التدريبية، وأرجعنا له كتبه وودعنا الجميع، وتابعت التواصل معه بالهاتف والرسائل والنت، وبدأنا نتكلم بأمور خارج العمل وأهمها مشاكلي مع زوجي.
كان دائماً يعطيني النصائح المفيدة، بت كالمنومة أتصل به من الصباح لأتمنى له صباحاً سعيداً، وبالمساء لأسأله عن مشكلة لولدي، وبالآخر ذكر لي بأن غيابي بالعمل كان له الأثر على الجميع، وهو منهم. ثم انتقلنا لمرحلة بأن نحن محتاجين لأصدقاء، وسنكون الأصدقاء بتبادل الهموم والمشاكل، رغم أنه لم يشكي لي يوماً أو تذمر لحظة. بدأ يكتب لي الشعر الذي يكتبه دائماً والذي هو غذائه الروحي، حتى فاجأتُه وسألتُه عن العلاقة بيننا ما هي وإلى أين سائرون؟
وكانت المفاجأة رسالة أدبية أحتفظ بها إلى الآن، وكلما ضاقت الدنيا بي أقرأها رغم أنني عرفت بعدها أنها خالية من كل فحوى، فهي كتبت للكتابة والعرض ليس إلا. سأذكر لكم بعض الشيء من الرسالة لتعذروني وتعرفوا دوافعي وراء المشي خلفه رغم أنني لم أخرج يوماً عن المسموح معه ولم أنسى يوماً أنني متزوجة وأم، عدا أنه كان يراني بالكاميرا متزينة وكأنني لوحدي. وهو أيضاً، حتى لا أظلمه لم يخرج عن المسموح يوماً معي، ولم يطلب مني يوماً طلباً سوى الكتابة الشعرية والقصائد وبعض الغزل الأدبي... بدأ رسالته يشكرني على رقتي بالتعامل ورهافة إحساسي، ومن ثم شرح لي كيف حصل هذا الانزلاق بالمشاعر رغم كل الحذر والحرص، وانفجر بداخله هذا الكم من المشاعر وهو الذي اعتاد على النمط الذي أعرفه، وأنني كنت الأنثى التي أحيت الشاعر الموؤد.
ولكي لا يخسرني أوجد لي مساحة خاصة بحياته وشبهها بمثل من يخرج من بيته ليدخن سيجارة بأريحية حتى لا يؤذي من يحبهم بالدخان ثم يعود لهم محباً نشيطاً، وبهذا لن تختل توازناته طالما لا يوجد أي نوع من الالتزام ولا الوعود. ثم نبهني أنه من الصواب قطع هذه العلاقة التي هي بعيدة عن الأشكال الروتينية والطفولية للعلاقات حتى لا يحصل التعلّق ومن بعده الألم عند قطعها الحتمي، فهي علاقة عقيمة كما وصفها. وتابعنا بعدها بالاتصال والرسائل، وتدهور العلاقات ببيتي وازدياد ازدهارها ببيته حتى سافر مع عائلته لأوروبا مدة طويلة، حاولت الاتصال به بكل الوسائل تركت الخبر عند أصدقائه بأنني محتاجة له من أجل تحضيري للدكتوراة. عاد من إجازته، وكعادته رقيقاً مجاملاً يكتب الكلام الجميل وكأنه مفردات تسترسل على لسانه دون تعب أو جهد، هنا طلبت رأيه بأنني سأذهب لمقابلة زوجته من أجل خدمة تعليمية، لم يمانع على العكس حضر لي موعداً معها، وعندما رأيتها كانت قمة بالذوق والذكاء والرقي وقدمت لي كل الإمكانيات وهي تقول: من يأتي من عند الغالي فهو غالي.
خرجت والدمعة ترقرق بعيني، فأنا لم أبوح له يوماً بشيء سوى تبادل الخواطر وتقبل كل أنواع الغزل والكلام الذي يقوله، وهو لا يتجاوز الخطوط التي هو وضعها، ولم يقل يوماً أنه يحبني بل كان يقول بأنّ لي مكانة خاصة عنده. تابعت الاتصال والكلام والبحث معه لفترة حتى بدأت اشعر بأّنه بدأ يتأخر على الرد عليّ، لم يكلمني ولا مرة بالأوقات المخصصة لأسرته، فنهاية الأسبوع حسب تعبيره "يريد العيش كل ثانية مع حبيبته وأولاده". بدأت ألاحقه وأعاتبه، وانقطع فجأة، وبعد شهر رد على رسائلي والتي كنت أذكر أن رؤيتي له بالعمل ولو لثواني جعلتني أشعر وكأنني بحلم، ثم أرسلت له كم أذكره مع فنجان قهوتي، ومن ثم أسأله بماذا أخطأت، وكان رده كالعادة بأنّ المساحات عليها ألا تختلط، وعلينا العودة بالرجوع للمساحات القديمة، وافتخر بصداقتي والتطور الأدبي الذي لامسه بكتاباتي. من ثم منذ ثمانية شهور رغم متابعتي له لم يرد علي ولا بأية وسيلة، رغم أنه يتواصل مع الجميع ويساعد الجميع.
أسئلتي ما الذي حصل؟ هل كان صادقاً معي؟ إن كان صادقاً، كيف يحب زوجته وبنفس الوقت يتغزل بأخرى؟ كيف استطاع أن يكون واثقاً بأنني لن تتولد عندي المشاعر وأبادله بما كان يكن لي؟ وخاصة أني لم أعتد الحب والاهتمام، عكسه تماماً! وإن كان كاذباً، هل هذا يعني أنني سلّمت قلبي لعابث؟
هل يستطيع الرجل أن يكون/ يحب اثنين؟
أفيدوني.
04/11/2007
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
سعيدة أنا باستشارتك لأنها مفيدة لكل من يظن نفسه بعيدا عن خطر الانزلاق بسبب الزواج أو النضج٬ سعيدة لأنها تذكر بنهي الخالق عن مجرد الخضوع بالقول لأنه يطمع من في قلبه مرض والمقصود بالمرض هنا هو الهوى والميل.
لم تسلمي قلبك لعابث فعلاقتك به بالفعل اختلطت عليك ما بين إعجاب طالب بنموذج مشرق لأستاذ والرغبة في الاقتداء به والحصول على رضاه كنموذج٬ فرضا النموذج يضاف لتقدير الذات وكأننا امتلكنا بعضا من نجاحه وحاجتك كأنثى للحصول على الرضا. تعلقك به قد يكون عائد لحاجتك بالشعور بالأمان غير المشبع من طفولتك فتعلقت بنموذج يقدم الحب الذي كنت تحلمين بالحصول عليه كطفلة من خلال أسرة مثالية ومع ذلك فأنت تجاوزت السن الذي تعانين فيه من أعراض التعلق غير الآمن.
لقد كان واضحا معك من بداية التطور لعلاقتكما فأجابك أنك ملهمة له وليس حبيبة أي أن فيك خصال تعجبه فيعبر عنها شعرا ونثرا ولطفا في التفاعل معك ولكنه أبدا لم يكن حبا كما أنه ليس حبا من جانبك أيضا بل احتياج للتقدير وربما هروب من مشكلات بيتك فبدلا من أن تواجهي مشكلاتك قررت الاختباء منها خلف أحلام مراهقة.
لم يخدعك هو من البداية بل ظنك محصنة نفسيا بزواجك ومسئولياتك من الانزلاق والتعلق به ونبهك لأكثر من مرة بضرورة العودة لمساحة العلاقات الاجتماعية العامة وهذا جوابي على سؤالك ماذا حصل.
انتبهي من غفلتك وعودي لتطبقي مثاله في التفاني في حب الأسرة مع زوجك ولا تظني خطئا أنه إنسان كامل فالكمال لله وحده وما انسجامه وسعادته التي رأيتها إلا نتيجة عمل لبناء حياة أسرية مستقرة فالحب بحاجة ككل كائن حي بحاجة للرعاية٬ وما استقبال زوجته الحار لك سوى نتيجة تعودها التعامل مع المعجبات.
ذكرك للتفاصيل بكل هذه الدقة يشير إلى شعورك بالوحدة فهل تذكرين نصيحة الرسول عليه الصلاة والسلام بأن من رأي من يعجبه حسنها فليأت زوجه؟ أنها نصيحة ممن لا ينطق عن الهوى فاتبعيها ووجهي اهتمامك وجل وقتك لإنعاش علاقتك بزوجك فعلميه الرومانسية والاهتمام بالمشاعر وتخلصي من القطعة الأدبية التي منحك إياها كي لا تعطل عملية النسيان لديك٬ لا يعلم ما في القلوب غير الله ومن أكبر الأخطاء أن نعمل على تفسير سلوك الآخرين حسب أهوائنا عندما سألته هل هذا حب أجابك بأنه ليس حبا فلماذا تعذبين نفسك في الحيرة والأسئلة.
أما إن كان الرجل يستطيع أن يحب أكثر من واحدة فلا أستطيع أن أجيب نيابة عن كل الرجال ولكن عن نفسي أومن بأن الحب الحقيقي لا يكون إلا لشخص واحد فقد يتزوج الرجل أكثر من امرأة يعجبه في كل واحدة جانب ما ولكن بالنسبة للحب كمشاعر متكاملة وليس الإعجاب فلن يكون إلا لواحدة٬ وعليه الصلاة والسلام لم يحب غير خديجة رضي الله عنها في حياتها وغير عائشة من بين أزواجه رغم إحسانه لهن جميعا ولكن عندما سئل من أحب الناس إليك أجاب عليه الصلاة والسلام بلا تردد عائشة٬ وعندما أصر سائله من الرجال قال أبوها رضي الله عنه.
واقرأ أيضاً:
حتى في الماجستير أحبُّ أستاذي
وشاءت الأقدار
ويتبع>>>>>>: معقول بحب اثنين مشاركة