مشاركة على استشارة: المحرومة: أمية أمتنا النفسية
أنت على أعتاب اكتئاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أولا أود أن أهنّئ القائمين على هذه الصفحة بحلول العشر الأواخر من رمضان.. وأسأل الله أن يبلّغنا جميعا ليلة القدر.. وأن يجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم.. وأن يجمعنا في مستقر رحمته وتحت عرشه يوم القيامة إخوانا على سرر متقابلين, كما جمعنا في هذه الدنيا من خلال هذه الكمبيوترات.. آمين..
ثانيا.. لدي تعليق على استشارة: المحرومة: أمية أمتنا النفسية
حيث أن هذه الاستشارة لفتت نظري وبشدة, لأنني قرأت فيها تاريخ فصل من فصول حياتي.. يبدو أن نفس الآلام ستظل تنتابنا وستظل فصولها تتكرر على مر الدهر..
صاحبة هذه الاستشارة أيها السادة الأفاضل ضحية جديدة من ضحايا الآباء والأمهات.. وأظن أن الضحايا من أمثالها كثيروووووووووون جدا في مجتمعاتنا.. لدي تساؤل:
أي نهضة ننتظرها في المستقبل لهذه الأمة إذا كنا لا نزال نعاني قصورا رهيبا وجفافا مميتا في القدرة على التربية السوية؟؟ لا أريد أن أعود للخوض في الماضي وفي أسباب ما نعانيه– نحن ضحايا هذا الوضع – إلا لأستطيع من خلاله أن أرسم الخطوط العريضة للوحة الغد.. والذي أريد أن أضع فيها وقبل أي شيء شمسا دافئة تدفئ قلوبنا التي جمّدها الحرمان.. لن أعود للحديث عن أهالينا وعن ما فعلوه بنا.. لن أعود لتذكر آلام الماضي المضني..
كل ما أريده الآن ونحن في هذه الأيام المباركة: أن يغفر الله لهم و يسامحهم.. لأننا سامحناهم من قلوبنا.. وأن يغفر لنا أيضا خطايانا.. وأن يعيننا على تجاوز ما نحن فيه لنبني غدا أفضل لأبنائنا.. ولأمتنا.. ولإسلامنا.. وللإنسانية جمعاء..
أختي صاحبة المشكلة:
أريد أن أقول لك أنا معك.. ولست وحدك التي تعانين هذه المعاناة الرهيبة.. أختي الحبيبة.. لقد ذكرتني كلماتك بنفسي فبكيت.. ولا زلت أغالب دموعي وأنا أكتب هذه الكلمات لك..
أريد أن أقول لك فقط أنك ستنجحين بإذن الله في تغيير حياتك.. وستنجحين في إقفال الجروح العميقة التي سببتها والدتك في نفسيتك.. ستقفلينها وستظل مقفلة وللأبد.. ولن تستطيع بعد الآن أن تجدد نزفها كلمات النقد من حولك.. ومهما كان قائلها..
ستنجحين وأنا واثقة من ذلك.. ولكن هناك بعض الأمور والخطوات التي يجب أن تفعليها لتحققي هذه النتيجة.. أعلم أنك الآن تشكين في مدى صدق كلامي.. وما سأنصحك به الآن هو من وحي تجربتي والتي كانت شبيهة بتجربتك وإلى حد كبير.. ربما لم تشبهها بأسبابها ولكن النتائج كانت نفسها.. والحمد لله.. وبفضل معونة الله استطعت أن أخرج مما كنت أعانيه بعد أن كانت لدي قناعة أنني لن أخرج منه ما حييت.. وأن هذه هي نهايتي: الظلام والوحدة والبرد الشديد..
الدكتور محمد جزاه الله كل خير أعطاك نصائح قيمة جدا هي من وحي علم تعلمه وتجارب شاهدها أمامه.. وأنا سأعطيك نصائح هي خلاصة تجربتي في الخروج من هذه الكبوة..، نحن الآن في وقت رائع وهو العشر الأواخر من رمضان.. أي أن سلاحك الأول هو: الدعاء, أولا يجب أن توقني أن الله تعالى يستطيع أن يفعل ما يفعله الطبيب النفسي, وبما أنك لا تستطيعين الذهاب لطبيب نفسي إذا لم يبق أمامك إلا الله.. التجئي إليه واطلبي منه أن يعينك على الخروج مما أنت فيه..
هل تعلمين أن الله تعالى سيكون لك بمثابة الحضن الدافئ الذي تتوقين إلى أن تلقي بنفسك فيه.. سيسمعك.. وسيرحمك.. وسيستجيب لك.. لأنه رحيم جدا و ودود جدا ولطيف جدا.. أختي الغالية.. ما أنت فيه الآن فرصة ثمينة لتعرفي الله أكثر وتتقربي إليه أكثر.. صدقيني ستحبينه حبا شديدا حين تعرفينه وحين ترين فضله وإنعامه عليك..
اطلبي منه أن يبقيك قريبة منه دائما.. اطلبي منه أن يساعدك في إنهاء جروح نفسك.. اطلبي منه أن يعينك على الاستمتاع بطفولة أطفالك.. أعلم أنك الآن لا تشعرين بهم.. وأعلم كم يعذّبك أنك لا تشعرين بأبنائك.. ولكن الله تعالى سيعينك على أن تشعري بهم وتحبيهم و(يغلي قلبك عليهم).. اطلبي منه أن يقوّي ثقتك بنفسك وأن يجعلك عصيّة على النقد, وأن لا تنال أبسط كلمات النقد منك ومن نفسيتك فتنكث في الجرح الغائر ثانية..
الدعاء والالتجاء إلى الله بضراعة سلاح من أفتك الأسلحة التي تواجهين بها كل مشاكل حياتك إلى أن تنتهي هذه الحياة بكل آلامها ومشاكلها وتذهبي إليه وتلاقيه.. اطلبي منه أن يدلّك على الطريق الصحيح وأن يعرّفك على الناس الذين سيساعدونك في تخطّي ما أنت فيه.. اطلبي منه وكلّميه بالعامية.. بثّيه شجونك وأحزان قلبك.. فقد كان يعقوب عليه السلام يفعل ذلك، ويقول تعالى على لسانه عليه السلام في سورة يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم "إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ".. صدق الله العظيم
أختي سلاح الدعاء سلاح لا يخطئ.. ولا يحتاج إلا إلى كفين مرفوعتين وقلب ذليل منكسر بين يدي الله.. ثم الإجابة محققة بإذن الله لا محالة.. أرجوك لا تستسخفي كلماتي هذه.. وجرّبي, ماذا ستخسرين أكثر مما أنت فيه؟؟ إن لم ينفعك هذا الدعاء فلن يضرّك.. ولكنني واثقة أنك إن دعوت الله بقلب مخلص فإنه سيجيبك..
نصيحتي التالية لك هي أن تحاولي إيجاد درس ديني لمن تثقين بدينه من العلماء وتتابعيه ليغسل آلام قلبك.. ويساعد جروحك على الاندمال بسرعة أكبر.. وأيضا.. لا تبتعدي طويلا عن الناس الطيبين مثل القائمين على هذا الموقع وموقع إسلام أون لا ين.. فقد كان لهم فضل كبيييييييييييييييييير جدا علي في إنقاذي مما كنت فيه.. وستجدين الشفاء أنت أيضا على أيديهم بإذن الله..
لا تستسلمي للوحدة أبدا أبدا أبدا.. ولا للفراغ.. وحاولي أن يكون لك نشاط أو عمل تعملينه.. لا أدري مدى قدرتك على التركيز الآن.. ولهذا أقول لك ليكن نشاطا خفيفا لأنه إن كان نشاطا ثقيلا فإن قدرتك على التركيز إن كانت متدنية فإنك سترتكبين الكثير من الأخطاء في أداء هذا النشاط الثقيل وهذا سيهيج ضميرك عليك وسيعزز عندك الشعور بالفشل وبأنك لا تنفعين في شيء.. والحقيقة يا أختي أنك الآن بسبب قلة تركيزك– إن كانت موجودة– فمن الطبيعي أن ترتكبي الأخطاء بل والحماقات أحيانا.. ولكنني أبشّرك بأنها مرحلة عابرة ستنتهي حين تتماثلين للشفاء بإذن الله..
وأخيرا أسأل الله العلي الكبير، الحليم الكريم.. أن يغسل أحزانك وينهي آلامك بأسرع مما تتصورين.. وأن ينهي آلام هذه الأمة جميعا.. آمين..
والآن لدي طلب من أصحاب هذا الموقع..
أولا.. النصائح التي تقدمونها لنا رائعة جدا وعملية جدا.. فجزاكم الله كل خير.. وبلّغكم ليلة القدر..
ثانيا.. لو أنكم تفتحون لنا صفحة خاصة نحن الذين نحتاج إلى الدعم النفسي بسبب سوء التربية الوالدية.. تقدمون لنا فيها الطرق التي نتبعها لنتخلص مما نحن فيه ولنكون أفضل في المستقبل..
ولنكون عناصر فاعلين في مجتمعاتنا.. لأنني وكما رأيت مستوى الوعي يرتفع عند من اكتوى بنار تجارب حارقة مثل تجربتنا هذه.. وحرام والله أن نهدر هذا الوعي ولا نوظّفه ونوجهه ونستثمره.. ونحن في أمس الحاجة إلى كل ذرة من وعي لبناء هذه الأمة.. ونتواصل نحن مع بعضنا من خلال هذه الصفحة بتجاربنا وبمقترحاتنا فتتركز جهودنا.. ونخطو نحو غد أفضل..
حين أرى هذه المشاكل المتكررة في مجتمعاتنا يحضرني كثيرا قول الشاعر
آن أن يوحّدنا الجرح --------------- وأن نلتقي على أشجانه
ونحن أيضا.. آن الأوان لكي نعمل ونعمل.. فالعمر قصير والطريق طويل وشاق.. والعقبات أمامنا كؤود.. وليس لنا والله إلا 3 أسلحة نحقق بها ما نريد:
عون الله – العلم – العمل المنظم الهادف الذي يركز الجهود ويختصر الهدر في الوقت والجهد..
وجزاكم الله كل خير.. وأعاننا الله جميعا للعمل على ما فيه خير البشرية كلها..
آمين..
18/11/2003
رد المستشار
الأخت الفاضلة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنتم بخير؛
سعدت كثيرا بقراءة تعقيبك وخواطرك وتداعيات أفكارك حول الأخت صاحبة الرسالة، وأنا أؤيد ما ورد بالرسالة من أفكار، وأؤكد بأن ما يحدث من أخطاء الأبوين في التربية إنما يحدث دون قصد منهما، فهما في الحقيقة ينشدان كل خير لأبنائهما ولكن أحيانا يخطئون الطريق لهذا وجب علينا ألا نحمل لهما مشاعر سلبية بسبب ما وقعا فيه من أخطاء تربوية، وإنما نقول: "رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً " صدق الله العظيم، ثم نفكر كيف نعالج آثار الأخطاء التربوية التي لحقت بنا، وأن نستشير ذوى الخبرة والاختصاص ونتلقى منهم ما نستطيع من دعم ومساندة.
إضافة إلى ذلك هناك فكرة الأب البديل أو الأم البديلة وهى أن يختار الشخص أحد الرموز الصالحة في المجتمع ويصاحبه أو يتتلمذ على يديه أو يستشيره فيما يعرض له من أمور، وهو بذلك يعوض ما نقص في الأب الحقيقي دون أن ينتقص من حقوقه شيئا، وهو ما يطلق عليه بعض الناس " الأب الروحي"، وهذا الأب البديل ( أو المساعد أو المدعم) يكون له دورا تربويا هاما ربما يفوق دور الأب الحقيقي (أو الأم الحقيقية)، ومن هنا كانت الوصايا بمصاحبة أهل العلم والصالحين.
وفوق كل هذا هناك العلاقة بالله - التي أشرت إليها - وهذه العلاقة حين تكون قوية وصحيحة تؤدى دورا تربويا عظيما وتعوض ما نقص من تربية الوالدين وتصحح الأخطاء إن وجدت، وليس أدل من فاعلية هذه العلاقة في التربية من مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم ير أباه وماتت أمه في طفولته المبكرة ومات جده بعد وقت قصير وحرم الدفء والحنان، ولكن الله سبحانه وتعالى تعهده بالرعاية والحفظ فكان خير خلق الله خلقا وسلوكا.
وربما يقول قائل إن هذه أشياء خاصة برسول الله ليؤدى دوره الذي أراده الله، وهذا صحيح إلا أن رعاية الله وحفظه وتوفيقه تظل مكفولة لكل من يلجأ إليه طالبا العون وهو عوض من فقد الأب أو الأم أو الحنان بشرط التوجه إليه بإخلاص والثقة في عونه، وهذه العلاقة تشكل دعما نفسيا وتربويا هائلا يعوض كل ما فات ويصحح ما حدث من أخطاء الأبوين التربوية والنفسية.
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخت العزيزة، أهلا وسهلا بك وشكرًا على مشاركاتك الثرية التي تضيء صفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أن لدي إضافتان تركهما لي أخي الزميل الدكتور محمد المهدي، أما الأولى فتتعلقُ برأينا في حالة صاحبة المشكلة الأصلية المحرومة: أمية أمتنا النفسية، فهي بالفعل كما قلت يُخشى عليها من أن تكونَ على شفا حفرةٍ من الاكتئاب، وهذا ما نبهناها إليه من خلال ما أحلناها إليه من مشكلات، وهو أيضًا ما أعتقد أن أخي الدكتور محمد المهدي، سيشير إليه ويوضحه في متابعته لها والتي أتمنى أن يتمكنَ من إتمامها قبل أن تحجب عنها خدمة النت كما قالت لنا في أول إفادة منها.
وأما الإضافة الثانية فتتعلقُ بالرد على اقتراحك أنت الذي تقولين فيه: (لو أنكم تفتحون لنا صفحة خاصة نحن الذين نحتاج إلى الدعم النفسي بسبب سوء التربية الوالدية.. تقدمون لنا فيها الطرق التي نتبعها لنتخلص مما نحن فيه ولنكون أفضل في المستقبل..)، فنحن نعد بذلك من خلال منتديات موقعنا مجانين على الخط، وأهلا وسهلا بك وبمشاركاتك الثرية دائما، ودمت سالمةً لنا ولكل من ينفعهم الله بك وهم كثير.
ويتبع >>>>>>>>>>>: المحرومة والأم البديلة : أمية أمتنا النفسية م