السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
الأم العزيزة د.فيروز عُمر.. احترت بعض الشيء في كتابتي لهذه المشكلة..أأكتبها بالفصحى أم بالعامية, واخترت الفُصحى رغم ترجيحي للعامية لأني لا أحب أن أنشغل سوى بالتذكر فقط أثناء كتابتها ولكن كي تكون في أحسن صورة.
أمي العزيزة، دعيني أحدثك بشيء قد لا أكون مخطئ إن قلت أنه الأكبر في حياتي (العائلية) وهو (علاقة أبى بنا نحن بما فينا أمي) فسأسرد لكِ ما أتذكره وسامحيني في الإطالة، سامحيني.
قبل أن أولد علمت أنهما تزوجا (والداي) من خلال ما يُسمى بزواج الصالونات وكان السمة الرئيسية، وكانت حين إذن أمي منتقبة ووالدي بالطبع ممن يقولون عليهم (شيوخ) ومُربى للحيته وما إلى غير ذلك... وأنتِ تعرفين الاختيار الشكلي من خلال هذا.
فالمهم أن حدث الزواج بينهما ومن خلال معرفتي من أطراف عدة أن الأمور كانت كُلها على ما يُرام وبالفعل كانا يساعدان بعضهما على المُضي قُدما نحو طاعة الله، ولا أخفيكِ أني أرى أنهما (متشددان) في ذلك الحين لأشياء عدة لا أذكر منها إلا أني أشرت إلا أن التدين الشكلي كان مسيطر عن الداخلي.
فالمهم إلى أن وُلدت وفرحا بي وحاولا أن يربياني كما يجب (كيفما استطاعا) وعندما بلغت عامي الأول علمت من أطراف عدة ستسألين مَن هُم؟؟ أقول لكِ (ستي وعمتي ووالداي نفسهما وغيرها القليل) المهم حين إذ أن الخلافات بدأت بدون أي أسباب حقيقية وصارا يقفان على الأشياء التافهة قبل الحقيقية وخاصة من أبى, كان هذا الوقت بصدق يحمل الكثير من القسوة لدرجة أننا كنا نسكن في بيت جدي (والد أمي) وكان لا يجعلها تصعد إلى شقتهم فوقنا بثلاثة أدوار إلا كل شهر مرة.. أرأيتِ مثل هذا؟؟؟
المهم كان الكثير والكثير جدا من المشكلات ومنها أنها نسيت كما أتذكر شيئا لم تضعه في أكل، وحينها كنا في البلد عند أهله وطلقها طلقه، لا تستغربين سترين المزيد..
المهم كانت البداية لمرحلة أصفها بالـ(المُستحيلة) من ضرب لـ(بصق) لركل لشتائم قذرة...الكثير والكثير بصدق ولا أتحيز لأحدهما ولكن بالفعل حدث هذا منه مع أمي.. وجاءت أختي بعدى ببضع سنين ثم أخي وزاد هو عناد فوق عناده وذُل بمعنى الكلمة لها، ولعل السبب الأكبر منها لعدم الطلاق النهائي منه هو (عشان أربى العيال) وبالفعل كنا سنتهاوى واحدا تلو الآخر إن تفرقا حينها.. المهم أنها استحملت كُل هذا وصبرت وصدقيني لا أصدق أبدا أنها مرت بهذا، وحينها لم تتوقف المساندات سواء من عماتي أو جدي رحمه الله وعمي ولكن دون جدوى لأنه سيفعل ما يريده وفقط.
والعذاب يشتد ويشتد أكثر لها من كُل شيء، من تضييق شديد في المصروفات، وقد تحملت معه الآن 19 سنة ولكن حين أصف هذا كان حوالي 14 سنة وقد بدأ أن يرتاح ماديا ولكنه ضيق عليها كُل التضييق، وتوجهت للسلف وما إلى غير ذلك من الأشياء البديلة وبالفعل نجحت في سد الفراغ وكنت أرى كثير ورقتها التي تكتب فيها أن الدُيون تعدت الألف وخمسمائة وألف وسبعمائة وغير هذا، المهم أن الوقت مر والحال أدهى وأمر والحمد لله لكل شيء.
مرت سنتين من الشد والجذب ووصلنا لحوالي ثلاث سنوات مضت، بدأ قليلا يتغير ونسيت أن أقول أنه تزوج في وقت أن كُنا تحت خط الفقر الحقيقي بدافع أنه (بعمل خير والست غلبانة مين هربيلها عيالها؟؟) وكانت دون أي تنقيص من حقها تعمل في البيوت ولكن بعد زواجها صار يفضلها بالطبع على أمي ويقول لها (جزمتها برقبتك وأنتي أساسا....) وما إلى غير ذلك, الذُل هو السمة الرئيسية لحياتها معه, المهم بدأ منذ ثلاث سنوات وأنا الآن 18 سنة أي منذ أن كُنت 15 ورويدا ً رويداً بدأ يخفف الضرب فلم يعد يضرب ولكن الشتائم من أصغر موقف تنهال بالطبع, وتزوج أخرى وطلقها ثم تزوج أخرى وهى الآن عائشة معه ولا أعلم يقينا طلق الثانية أم لا.., وصار لا يأتينا إلا كل أسبوع مرة واحده.. ولعل هذا أهم سبب لتقليل شتائمه بجانب محي ضربه لها وما إلى غير ذلك.
المهم أنها لم تتعلم القراءة والكتابة ولا أقول أمية (لأني أعرف جيدا أصل كلمة أمية وهى لسابقة تاريخية كان الولد يُنسب إلى الأم لا الأب، ومنه أُطلق على كل متأخر علميا أنه يشبههم)، المهم أنها كانت حُجة قوية كي يعيرها به وهو مؤهله متوسط للعلم، المهم أنه كان بالفعل (ديكتاتوري) وبدأ بعض الشيء يعوضنا عن المهانة التي عشناها في أننا نقطن منزلا بمفردنا وأشياء من هذا القبيل وصار ماديا معنا إلا أمي متغير تماما بصدق، المهم أن المشكلة تبدأ من هنا....
بالطبع ودون أدنى شك أن ما سبق ذكره كله عبر السنين أثر على نفسية أمي وجعل بها بعض الأشياء التي لازمتها كـ(العصبية الشديدة-عدم القدرة الكبيرة على التحمل) وأشياء أخرى.. وأنا الآن أحبهما ورغم ما حدث فبصدق أعذره وأقول لا أعلم كيف سيقف أمام الله وهو يسأله عنها؟؟
المهم أنى لا أفضل أيهما على بعض وإن حدث شيء فأقول لها خطئها في البداية وأقول خطئه هو وهكذا, ولكن من أصغر موقف يحدث شتائم وكلام من أمثال (أنت جاهلة ايش عرفك و و و و وإلخ) وأنا أقف مكتوف الأيدي حينها ولا أعلم ماذا أفعل.. وفى ذات الوقت في رمضان لم يفطر معنا سوى مرة ولم يتسحر بالكاد إلا مرة, وكان أمرا عاديا وعندما سألته بشيء من اللُطف لماذا هذا قال لي (أن أختي الصغيرة وأخي.. بيقرفوني في عيشتي يا أخي وبكره اليوم اللي أجي فيه) فظظلت صامت.
معذرة يا أمي العزيزة فيعلم الله كم أنا أعلم أنك ستتفهمين كلماتي هذه ولهذا أقول كُل ما بوسعي بكل الثقة في فهمه الصحيح، المهم أني أريد أن أجعلها على ثقافة أعلى مما هي عليه عن طريق القراءة والكتابة أولا ثم الكُتب وما إلى غير ذلك، وكي أحدث شيئا ايجابيا بيني وبينه بدأت منذ فترة قصيرة أن أتعامل بمبدأ (هدية لكل مناسبة) ولاقت بعض الإيجابية منه..
فماذا أفعل في هذا وخاصة أن أختي الصغيرة عندها 8 سنوات؟؟؟
أنا لست في حيرة من أمري.. لكني أطبق قول الله تعالى (فسأل به خبيراً)..
أعزك الله أيتها الأم الفاضلة وأكرمكِ وأعانكِ على فعل الخيرات، وتقبلي معذرتي على إطالتي.
18/11/2007
رد المستشار
الأخ الكريم والابن البار بوالديه..
عندما قرأت مشكلتك ذكرتني بكلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العلاقة بالوالدين.... تذكرت قوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أحب الأعمال إلى الله فقال الصلاة على وقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد وقوله أيضا رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة ثم تذكرت حديثه الذي به: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك.
المحافظة على بر الوالدين والإحسان إليهما والصبر على إيذائهما أحيانا والتماس الأعذار لهما ومحاولة خلق جو إيجابي "حسن صحبة" بينكم.. هذه كلها أمور شاقة على النفس لذلك تكررت حولها الوصايا والأوامر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أنت الآن أمامك ثلاثة مهام رئيسية، ومهمة فرعية عليك أن تضع "خطة" بسيطة لكل منها:
المهمة الأولى: هي البر بالأم
المهمة الثانية: هي البر بالأب
المهمة الثالثة: هي حسن الصلة بأبويك
أما المهمة الفرعية: فهي محاولة الإصلاح ـقدر المستطاع_ بين الأب والأم، وأبدأ بالمهمة الأولى: برك لأمك...
لا مانع أن تعلم أمك القراءة والكتابة وترفع من مستواها الثقافي فهذا شيء طيب ومفيد ولكن الأهم الآن هو أن تقدم لها ما تحتاجه منك فعلا، وأعتقد أنها تحتاج منك الكثير، تحتاج الرفق والحنان والاعتراف بالجميل وتخفيف شيء من المسؤولية عن كاهلها ـوقد تحملتها هي بمفردها في شبه غيابـ أو أنانية الأب.. هي في أشد الحاجة للدعم (النفسي) الآن أكثر مما هي في حاجة لتنمية قدراتها.. ولكن ـهناـ أنبهك لأمر هام.
لا تبالغ في شعورك بالمسؤولية، وإلا ستتحول إلى نموذج (البطل) الذي تحدثت عنه نظرية تسمى (نظم العائلة)، والتي تقول أنه في غياب الأب يتحول أحد أفراد لأسرة إلى نموذج (البطل) أو (فخر العائلة)، وهو ـغالباـ الابن الأكبر الذي يبالغ في تحمل المسؤولية، ولا يسمح لنفسه بالخطأ أبدا، وقد يهتم (بالانجاز) لدرجة الأنانية، وقد يتطلع (للمثالية) لدرجة تثقل كاهله لذلك أدعوك ـببساطةـ أن تقدم الحنان والعطف والمشاركة في تحمل المسؤولية بتوازن واعتدال...
المهمة الثانية: هي برك لأبيك..
وحسنا فعلت أنك (لا) توجه له نصحا مباشرا، وأنك تتودد إليه بالهدايا وحسن المعاملة.. لأن أباك (لن) يتقبل منك نصحا، كما أنه لن يتقبله من أحد!!
لذلك فأفضل طريقة للتأثير فيه هي (حسن المعاملة) في صمت دون نصائح أو توجيهات، ولا مانع أن تحاول الاقتراب من عالمه، والتواصل معه بالحوار الدافئ الهادئ، لعلك تفهمه أكثر، وهو أيضا يفهمك، ويرى فيك الابن الودود الرحيم.
وهنا أيضا أنبهك بشيء هام، لا داعي أن يتحول برك لأبيك إلى (طاعة عمياء) لأن أبيك قد يفرض عليك أشياء لا توافقك، فأنت عند إذا غير مضطر لقبول كل أوامره، ولكن المهم هو حسن الصلة (فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا).
المهمة الثالثة: وهي حسن الصلة بأخويك، والمطلوب منك هنا (قليل) ولكن المهم هو (المداومة) على هذا القليل حتى لا يكون عبء تربيتهما ـبالكاملـ على أمك، وحتى لا ينشأ بداخلهم خلل نفسي أو تربوي بسبب شبه غياب الأب، وضغوط الأم.
أما المهمة الأخير (الفرعية) ـوهي محاولةـ تحسين العلاقة بين أبيك وأمك وأخواتك، فأنت لا تملك فيها الكثير، لأن (أباك) بطبيعته لا يسمع أحدا، و(أمك) قد تعرضت لآلام تحول بينها وبين أبيك، وكل ما نتمناه الآن هو أن تتحسن الأمور ـولو بشكل طفيف وبالتدريجـ وأن تحاول أن يكون لك دور مباشر دون (نصح مباشر أو وعظ).
الأخ الكريم.. أدعو الله تعالى أن يوفقك ويلهمك الصواب، وأوجه لك نصيحة أخيرة:
في خضم هذه المشكلات... لا تنسى نفسك، لا تنسى خططك الشخصية والترويح عن نفسك، وحسن الصلة بالله لتستمد منه العون سبحانه وتعالى.