اضطراب الأحوال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
الدكتور وائل أبو هندي، جزاكم الله خيرا على ما تبذله من جهد ووقت لمعالجة المشكلات التي تواجه المجتمع...
مشكلتي هي أنني لا أعرف مشكلتي بالضبط فأنا أظن نفسي أني إنسان جيد ومن حولي من الناس يظنونني كذلك ولكن لا أدري هل أنا شجاع أم جبان.. هل أنا مثقف أم جاهل... هل أنا حليم أم عصبي جدا... هل أنا أتميز بالحياء أم بالجرأة المذمومة.... هل أنا متدين أم متفلت.. هل أنا ذو رأي أم إمعة.. هل أنا... هل أنا...
أقول هذا لأني دائما وأبدا أبدو هادئا إلا في بعض المواقف القليلة جدا جدا التي تنفلت أعصابي لدقيقة أو أقل أو أكثر قليلا ولكني أعود إلى طبيعتي الهادئة فمثلا في العشر سنين الأخيرة لم أقف في موقف غاضب إلا مرتين أو ثلاث مرات بالأكثر... والعجيب أن بداخلي بركان يغلي في كل مرة أكظم غيظي ولكن لا أدري هل هو حلم أم جبن..... أيضا أظهر في بعض المواقف بأني ذو رأي وقد يكون فعلا رأي سديد ولكن المصيبة لو تعرضت أنا لموقف يحتاج إلى رأي لا أجد نفسي أبدا وأجدني مضطربا وخائفا من اتخاذ القرار، وبرغم ذلك أتخذ قرارا وأكون على استعداد لتحمل نتائجه.....
أحيانا أفكر في بعض مشاكل افتراضية التي قد تواجهني وأضع لها حلولا أو لا أجد لها حلولا فيصيبني ذلك بالقلق والتعب الشديد إلى أن أهرب من التفكير فيها وهكذا... وأحيانا أتأكد من أني سوف أواجه مشكلة معينة ولكني أؤجل التفكير فيها واتخاذ أي قرار فيها وأنا متأكد أنه سوف يأتي يوم ما وتفتح هذه المشكلة فأكون قلقا بالنسبة لهذا الأمر.......
أحيانا أكون موضوعيا جدا في مواجهة الأحداث التي تحيط بنا كمجتمع أو كإنسان أو كأسرة أو في العمل... وأحيانا أخرى أرى المشكلات بعين التهويل والمبالغة ولا أراها صغيرة أبدا إلى في أضيق الحدود.. مع العلم جيدا والله أني أؤمن بقدر الله وأنه لن يصيبنا إلى ما كتب الله لنا وأن كل شيء يسير بقدر الله وقدره.......
أحيانا أواجه بعض الأحداث بشجاعة وجرأة وأحس من نفسي بذلك... ولكن أحيانا أيضا أجد نفسي جبانا لا أستطيع المواجهة ولكني غالبا في هذا الموقف أكون لم أكن قد حددت موقف معين بشأن الحدث الذي أمامي وأخاف أن لا أجيد التصرف في هذا الأمر وأن ألخبط الدنيا أكثر مما هي ملخبطة وأحيانا أحس أن قدراتي سوف تخونني.........
أحيانا يكون عزمي وإصراري كبيرين لا حد لهما وعندما أضع هدفا أمامي أبذل كل ما بوسعي ولا يخرج من دائرة اهتمامي أبدا حتى أحققه ويظل شغلي الشاغل، حتى في الرياضة ولعب كرة القدم إذا كنا مهزومين بفارق كبير جدا أنا من يلعب حتى آخر نفس وآخر دقيقة بكل جد ونشاط وأحس إني ممكن أعمل حاجة... وأحيانا أخرى على العكس تماما أكون كالخرقة البالية التي لا تحرك ساكنا ولا تفعل أي شيء أرى الأهداف التي أكون قد فكرت فيها تنهار أمامي هدفا هدفا ولا أحرك ساكنا ولا أنبس ببنت شفة..... كنت أحفظ القرآن وأرى نفسي أنساه جزءا جزءا وسورة سورة وآية آية ولم أحرك ساكنا ولم أفعل شيء سوى التسويف وتأجيل حل هذا الأمر إلى أن تتحسن الظروف.......
أحيانا أكون معتدا بنفسي وعظيم الثقة بها وبقدراتي التي قد تكون محدودة ولكني أراها جيدة ويمكنني عمل شيء بها... وأحيانا أخرى بل أصبح غالبا أفقد الثقة في نفسي وفي قدراتي وفي إمكانياتي حتى وإن كانت عظيمة فالعمل الذي أؤديه قد أكون قد عملت مثله عشرات المرات أو أكثر ولكن فجأة أجد نفسي أفكر هل أستطيع العمل الذي طلب مني هل أستطيع أن أعمل العمل الفلاني هل أستطيع أن ألعب اللعبة الفلانية هل أستطيع أن أتكلم مثلما تكلمت كثيرا... ثقتي بنفسي تخونني كثيرا هذه الأيام............
أحيانا أكون إنسان مرح جدا ومتمتع بروح الدعابة والفكاهة إلى حد كبير لدرجة أنني أحس أن أصدقائي لا يستطيعون الاستغناء عني أبدا وأرى في وجوههم ووجوه عائلتي الكثير من الفرح والبهجة بمجرد رؤيتي.... وأحيانا أخرى بل أصبح الغالب على في هذه الأيام أنني أصبحت مهموما حزينا حتى وإن ضحكت فالضحكة تكون غير طبيعية....
أعرف أني قد أطلت وأني غير منظم في كلامي وأعرف أني لم أتكلم بكل ما عندي من كلام ولكن هذه بداية وسوف أتواصل مع حضرتك ثانية إن شاء الله.
ملحوظات هامة:
أنا أخ لأخين آخرين (أخ مسافر خارج مصر ، وأخ مقيم في مصر).
الأخ الذي في خارج مصر هو الأخ الأوسط ظروفه المالية صعبة للغاية وهو بعيد عنا أكثر من 13 سنة، الأخ الذي في مصر وهو الأخ الأكبر كثير المشاكل ولا يقوم بدور الأخ الأكبر على الإطلاق بل هو ينتظر أن يأخذ ممن حوله ولا يفعل أي شيء ليعطي للآخرين.
أبي وأمي توفيا هذا العام بعد عامين من المرض لأبي وعام للمرض لأمي وأمي توفيت بعد والدي بـ 6 شهور وهي كانت آخر من أتكلم معه عن نفسي، أعمامي وخالاتي وأقاربي مشغولون في أنفسهم والعلاقة بيننا علاقة فاترة أخاف أن أرتمي في أحضانهم لأنهم لن يفهموا هذا الكلام ولن يقدموا لي الكثير فأبي وأمي في شدة مرضهما لم يفعلوا لنا شيئا وكانوا يزورننا كأنهم أغراب وأداء واجب وفقط.
أنا منذ تخرجت وأنا العائل الوحيد لأبي ولأمي وكنت في مرضهما والحمد لله الذي يخدمهم ويشتري لهم الدواء وأحاول أن أخفف عنهم وماتا وهم راضون عني والحمد لله، أخي الكبير لا أحس بوجوده أبدا في حياتي، أنا خطبت أخت زوجة أخي وأنا الآن عاقد عليها وسوف يتم البناء بعد شهرين أو أكثر حسب الظروف..... أتمنى أن يكون رد حضرتك متبوعا باقتراحات عملية.
18/11/2003
رد المستشار
الأخ السائل أهلا وسهلا بك على موقعنا وشكرًا على ثقتك بصفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أنني قرأت رسالتك عدة مرات بحثًا عن المشكلة، وأنت تقول في أول إفادتك أنك لا تعرف ما هي مشكلتك، أما أنا فأقول لك رأيا مبدئيا أبنيه بالطبع على ما ورد في إفادتك.
وهذا الرأي هو أن مشكلتك هي أنك تشعرُ أن هناك مشكلة، هي أنك تشعرُ بأن شيئا ما ليس على ما يرام، وبالتالي أراك في هذه الإفادة تتكلم عن مشاعر ومواقف وأفكارٍ هي في مجملها داخل إطار خبرات الإنسان الطبيعي، إلا أنك تشعر أن شيئا ما غير طبيعي أو ليس على ما يرام، معنى هذا الكلام هو أنك تمر بحالة من حالات القلق التي تظلُّ خبرةً إنسانيةً طبيعية ما دامت متعلقة بموقف حياتي ما كما أستطيع أن أخمن أنه الوضع في حالتك، وما دامت في حدود معينة ربما تتضح لك بعد قراءة الردود السابقة على صفحتنا تحت العناوين التالية:
اضطراب القلق المتعمم
القلق المزمن والبحث عن الطمأنينة
"مجرد قلق ، ولا اختناق من القلق!"
اختلال الإنية وخلطة القلق والاكتئاب
ونحن هنا لا نشير إلى أننا نشخص حالتك بأنها اضطراب نفسي، فهذا ما لا نستطيعه من خلال إفادتك، وإنما نبين لك ما قد يساعدك على فهم مخاوفك وأسبابها، فالسمة الأساسية لاضطراب القلق المتعمم Generalized Anxiety Disorder، هي قلق عام مستديم ولكنه لا يقتصر، أو حتى يسيطر بشدة، في حالة بيئة خاصة، أو موقف حياتي معين، والأعراض المهيمنة في كل حالة تتباين تباينا كبيرا.
ولكن يشيع الإحساس بالعصبية طوال الوقت، وبالرعشة، والتوتر العضلي، والعرق، والدوار، والخفقان والدوخة، وحس الانزعاج أعلي البطن وذلك بالإضافة إلي مخاوف وتوقعات سيئة كأن يفكر المريض أنه شخصيا أو أحد أقاربه سوف يمرض قريبا أو يصاب في حادثة، ويشترط الطبيب النفسي أن يعاني الشخص من أعراض قلقية أولية في أغلب الأيام ولمدة عدة أسابيع متصلة علي الأقل وعادة عدة شهور، وتشمل هذه الأعراض عادة عناصر من:
(1) توجس (مخاوف بشأن مشاكل في المستقبل، وإحساس بالانفعال، صعوبة في التركيز، الشعور بعدم الكفاية لدرجة أنه علي شفير الهاوية.الخ).
(2) توتر حركي (تململ، صداع عصبي، رعشة، عدم القدرة علي الاسترخاء).
(3) زيادة نشاط الجهاز العصبي المستقل (دوار، عرق، سرعة ضربات القلب أو سرعة التنفس، إحساس بانزعاج شر سوفي ( أعلي البطن )، دوخة، جفاف بالفم، الخ).
ونحن في حالتك نرى أنك وإن لم تذكر لنا في إفادتك ما يشير إلى أي من الأعراض الجسدية لذلك الاضطراب، إلا أنك مررت بفترة عصيبة لمدة طويلة بسبب مرض والديك يرحمهما الله، وكنت وحيدا في تحمل المسئولية، وهذا الكرب المزمن يمثل خلفية مناسبة لحدوث القلق بوجه عام، وهناك إضافة إلى ذلك أنك الآن على وشك الزواج المبارك إن شاء الله، وكل هذه تغيرات حياتية، نستطيع في إطارها أن نفهم قلقك على أنه طبيعي على أغلب الظن، وفي النهاية نتمنى أن نكونَ قد أوضحنا لك بعض المفاهيم عن الصحة النفسية، وأهلا وسهلا بك دائما فتابعنا بأخبارك.