الصوفية والفصام : محاولة للفهم ، ودعوة للاجتهاد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنا صاحبة مشكلة "الصوفية والفصام : محاولة للفهم ، ودعوة للاجتهاد" كم كانت سعادتي بالغة عندما تلقيت ردكم الكريم على مشكلتي أو على الأصح مشكلة والدي فقد نزلت عليّ كلماتكم برداً وسلاماً, لأنني لم أكن أصدق أن مشكلة والدي يمكن أن يكون لها حل أو شفاء وكنت أظن حتى لحظة كتابتي لحضراتكم أن والدي ملحد أو خارج عن الدين الأمر الذي كان يمزقني ليلا ونهارا بين دعاء ورجاء من الله أن يختم له بالإيمان.
الأخ العزيز الدكتور أحمد عبد الله، لقد لمست مشكوراً أصل المشكلة وقد جاء ردك على مشكلتي: أن يكون لديه أصدقاء من الطريقة الصوفية التي كان ينتمي إليها والذين قد يكونون مدخلا في علاجه.
وأحب أن أقول لك أن والدي يعيش في عزلة تامة منذ حوالي خمسة عشر عاما, فقد انقطعت كل علاقاته الاجتماعية بالناس ولا يخرج من البيت إلا ليتسلم معاشه الشهري أو يذهب "للضرورة القصوى" إلى زفاف أحد أخوتي مثلا، ولا يذهب لأي مناسبة حزينة مثل واجبات العزاء أو عيادة مريض ولو كانت أخته!!
لقد انقطعت علاقات والدي الاجتماعية تماما بكل أصدقائه ومعارفه وفي المناسبة الوحيدة التي يخرج بها وهي قبض المرتب، كثيرا ما يفسر أي كلمة عابرة أو شيء عادي علي أنه إهانة واستهزاء به.
أما بالنسبة لفكرة أن يقنعه أحد أساسا بفكرة العلاج فهي درب من الخيال لأنه يثور ويتغير تماما ويتهمنا بالجنون وليس هو "على حد قوله".
لقد اعتبرت حديثك عن العقاقير الشفافة التي قد تساهم في علاجه بارقة أمل أريد أن أتشبث بها أنا وجميع الأسرة - فقد يكون آن الأوان أن يشفى والدي ويكون إنسانا عاديا - أرجو أن تكتب لي أسماء هذه الأدوية - وإن كان هذا مخالفا لموقعكم العزيز- فأرجو أن تتكرم وتشير عليّ برأي آخر فقد يكون الله عز وجل جعلك سببا في شفاء شخص مسلم وإسعاد أسرته.
ملحوظة: لقد زاد والدي في الحديث بصوت عالي مع أشخاص غير موجودين لفترات طويلة ويتحدث أنه زعيم العالم وهموم العالم كله ملقاة على عاتقه.
وأحيانا يصبح حزينا مكتئبا دون أي سبب واضح . ولا ينام طوال الليل ولكن يظل متنبها محملقا في اللاشيء.
- هل تأخر علاج والدي جعل حالته مستعصية على العلاج أم أن هناك أمل؟
- والدي يبلغ من العمر الآن 61 عاما .
جعلك الله سببا في تخفيف الآلام وتفريج الكرب.
وجزاكم الله خيرا.
18/11/2003
رد المستشار
الأخت العزيزة، أهلا وسهلا بك وشكرًا على متابعتك، الحقيقة أن أخي الدكتور أحمد عبد الله، قد انحاز بشدةٍ إلى ظروف أسرتك كلها في مواجهة مرض الوالد كتب الله له الشفاء السريع، وطلب مني أن أقوم بمتابعة الرد عليك، وأن أحقق لك ما طلبت من ذكرٍ لأسماء العقاقير الدوائية التي تصلح في حالة العجز عن عرض الوالد وهو في هذه الحالة على الطبيب النفسي، ونظرًا لإدراكنا لخطورة الموقف، وذلك في غياب أعضاء الجماعة الاجتماعية، التي انعزل عنها الوالد تماما، والتي لم تعد تقوم بواجبها في مجتمعنا مع الأسف، ولمعرفتنا بالأبعاد الاجتماعية غير مأمونة العواقب لقيامكم بإجبار الوالد على زيارة الطبيب النفسي وأنتم أبناؤهُ وبناته وأعضاء أسرته.
وإضافةً إلى أن ما جاء في إفادتك الثانية أو متابعتك هذه يوضح بجلاء معظم معايير التشخيص المطلوبة لكي نقول أن الوالد مصابٌ باضطراب الفصام الزوراني Paranoid Schizophrenia، حيث يظهرُ قولك: (والدي يعيش في عزلة تامة منذ حوالي خمسة عشر عاما, فقد انقطعت كل علاقاته الاجتماعية بالناس ولا يخرج من البيت إلا ليتسلم معاشه الشهري أو يذهب "للضرورة القصوى" إلى زفاف أحد أخوتي مثلا...... كثيرا ما يفسر أي كلمة عابرة أو شيء عادي علي أنه إهانة واستهزاء به) وجود الانسحاب التام من المجتمع ووجود الوهامات الزورانية Paranoid Delusions، وكذلك تظهرُ الهلاوس السمعية Auditory Hallucinations والتي تشير إلى اختلال الإدراك فهو يسمع أصواتا لا وجود لها خارج أذنيه، كما تظهر وهامات العظمة Grandiose Delusions في قولك: (لقد زاد والدي في الحديث بصوت عالي مع أشخاص غير موجودين لفترات طويلة ويتحدث أنه زعيم العالم وهموم العالم كله ملقاة على عاتقه)
وهو ما يشير إلى اختلال التفكير، ووجود هذه الأعراض بصفة دائمة لمدة تزيد عن شهرٍ لا خمسة عشر عاما تكفي لتشخيص اضطراب الفصام، وأما زيادة الفترة الزمنية للاضطراب عن عامين فتجعلنا نسميه مزمنا، ولكنها لا يشترط أن تعني أنه لا أمل في العلاج، فالأمل موجود إن شاء الله دائما، وصفحتنا معكم إن شاء الله.
وأما قولك: (أحيانا يصبح حزينا مكتئبا دون أي سبب واضح) فيشير إلى اختلال المشاعر لديه وعدم مطابقتها للواقع المعاش، وأما قولك (ولا ينام طوال الليل ولكن يظل متنبها محملقا في اللاشيء) فربما يشيرُ إلى نوبةٍ حادةٍ من زيادة الأعراض على خلفية من الفصام المزمن، وكي لا أطيل عليك فإنني سأكتفي بأن أنصحك بقراءة الرد التالي على صفحتنا استشارات مجانين: الفصام المزمن وأعراضه السالبة
وسأصف لك العقار الذي يمكنُ أن يستخدم في حالة والدك ولكن مع بعض المحاذير التي يجبُ أن تنتبهوا إليها جيدًا وذلك لأن الرجل جاوز الستين من العمر، وعندنا حكمة ذهبية في التعامل مع كبار السن من المرضى وهي أن نبدأ بأقل الجرعات الممكنة وأن نزيدها ببطءٍ قدر الإمكان، وقبل كل ذلك عليك أن تعرفي أن العقار الشفاف السائل والذي لا يغير طعم عصير الفاكهة هو عقارٌ مرتفع الثمن ولا بديل رخيص له، ويوجد بالأسواق على شكل نقط واسمه ريسبردال Risperdal Drops، والجرعة تكونُ كالتالي: نقطة واحدةٌ في اليوم الأول قبل النوم، وفي اليوم التالي نقطةٌ في الصباح أو في السحور إذا بدأتم في رمضان، ونقطةٌ في الإفطار، وأنصح بأن تنتظري على هذه الجرعة عدة أيام، ثم تزاد بعد ذلك إلى نقطتين في جرعة المساء ، وابقوا على نقطة واحدةٍ في جرعة الصباح، ثم بعد عدة أيام تزاد الجرعة إلى نقطتين في الصباح ونقطتين في المساء.
وهذا العقار نادرًا ما يسببُ النعاس، ونادرًا ما يسببُ حدوث الرعشة، المهم أن عليك أن تبدئي بالتدريج وتابعينا أولاً بأول، إلا أن من المهم أن تعرفي أن أفضل ما يمكنُ أن يضافَ إليه هذا العقار هو عصير الفاكهة الطازج أو المعلبات، ومن الممكن إضافته إلى المياه الغازية باستثناء المشروبات الغامقة اللون لأنه قد يرسب اللون في تلك الحالة، وما نخشاه هو أن يكتشف الوالد ما تفعلونه فتسوء الأمور، ويبدأ في تصور أنكم تحاولون إيذاءه ووضع السم لا قدر الله له فانتبهي جيدا لخطورة ما تقومين به.
واعلمي جيدًا أن التحسن المنتظرَ قد تحتاج بوادره إلى عدة أسابيع حتى تظهر، وإن كان بعض الهدوء متوقعا منذ الأيام الأولى لاستخدام العقار، لكن اضطراب التفكير والإدراك قد يحتاج إلى عدة أسابيع في الغالب، واعلمي أيضًا أن ذلك كله لابد أن يتم في إطار من المعرفة بأن الاضطراب المزمن يحتاج إلى علاج مزمن، وأن الأمر لابد سيكونُ توطئةً لعرضه على أقرب طبيب نفسي بمجرد ما يصبحُ التفاهم معه ممكنا، وفقك الله وأسرتك وأهلا وسهلاً بك دائما.