وساوس وشكوك
أنا فتاة عمري 22 سنة بدأت مشكلتي منذ حوالي أكثر من 6 سنوات بالتحديد منذ أن كنت بالثانوية العامة.... مشكلتي تكمن في شخصيتي:
بدأت مشكلتي بأن هناك أفكار تسيطر على ذهني ولا أستطيع الفرار منها أو التحكم فيها... كل الأفكار تتعلق بالدين والغيبيات: مثلا لو كنت أذكر الله يأتي على أشياء سيئة، أنا لا أعرف متى تنتهي!، وبمرور الوقت أصبحت هذه ليست المشكلة الوحيدة، بل أصبح هناك أشياء أخرى أهمها الوضوء والصلاة ماذا أفعل لأصلي؟
أ. قبل أن أصلي لابد أن أدخل الحمام سواء كنت أرغب في ذلك أم لا، وذلك لأتخلص من شكوك سيأتي الحديث عنها وفي الحمام أجاهد لإخراج أي فضلات باستخدام يدي ومحاولة الإخراج.
ب. بعد ذلك أذهب لأتوضأ... أحس أنني في حاجة لدخول الحمام مرة أخرى، ربما بسبب محاولتي التي قمت بها في المرة السابقة، لست أدرى طبيا هل هذا هو السبب؟
ج. أثناء الوضوء أحس بخروج شيء منى يستوجب إعادة الوضوء، هذا الشيء لا أحد يسمعه ممن في جواري.
ملحوظة: يمكن أن يستغرق ذلك حوالى45دقيقة.
د. بعد ذلك عندما أصلي، أصلي بلا روح وكل ما أتمناه هو الانتهاء من الصلاة قبل أن يحدث شيء آخر.
بالطبع من ذلك كله لا أحب الخروج عند أحد لأنه عند وقت الصلاة لابد أن أقوم بطقوسي كاملة، وربما أحتاج الأمر إعادة الوضوء؟ أو إعادة الصلاة مما يسببه من إلحاح، أيضا لا أحب الأعمال الجماعية أحب أن أقوم بكل شيء بمفردي، لا أطلب طلبا من أي أحد، ودائما حزينة ومكتئبة،
لقد حاولت العلاجَ من قبل 3مرات، ولكني أمل من طول فترة العلاج
أتمنى أن يتواجد لي علاج سلوكي.
18/11/2003
رد المستشار
الأخت السائلة، أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك بصفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أن إفادتك هذه تعتبرُ واحدةً من أهم الإفادات التي وردت لصفحتنا، لأنك تجسدين بوضوح أعراض وسواس القولون عند المسلمين Bowel Obsession In Moslems، وفي نفس الوقت تشرحين السلوكيات المباشرة المتعلقة بوسواس القولون بصورةٍ تختلف، وتقتربُ من الأفعال القهرية أكثر من الوسوسة الفكرية خاصةً فيما يتعلقُ بالقولون أيضًا، ومقارنة بإجابةٍ سابقةٍ لنا ظهرت على صفحة مشاكل وحلول للشباب تحت عنوان: وسواس القولون عند المسلمين.
مقارنةُ إفادتك هذه بتلك المشكلة تبينُ أن كلماتك أقرب للواقع في حياة المسلمين الموسوسين بقولونهم، وأقرب لما أصبحنا نسمع من مرضانا المسلمين خاصةً بعد صدور كتابنا الوسواس القهري بين الدين والطب النفسي، ولم ينقص من وصفك إلا بعدُ الاجتناب القهري لكل طعام حلال يصنفه المريضُ أو طبيبه الباطني (الذي يعالجه من ما يحسبُ أنه القولون العصبي)، على أساس أن أكل هذا الطعام سيثير جدار القولون، فيكثرُ الشعور بعدم الراحة وتزيد الغازات، ولعلك تعانين من ذلك ولم تذكريه في إفادتك باعتباره غير ذي مشكل، وباعتبار أن القولون العصبي مرض عضوي وحسب، مثلما يعتقدُ كثيرون.
والجزءُ الأول من معاناتك التي بدأت منذ ست سنوات كان مع الأفكار التسلطية الاقتحامية أو المقتحمة وربما الأفكار الاجترارية التشكيكيَّة في المعتقدات، ولكن من الواضح أنه لم يعد يؤلمك كثيرًا مثلما كان من قبل، وعلى أي حالٍ ستجدين كثيرًا من المعلومات عن هذا النوع من أنواع اضطراب الوسواس القهري في عديدٍ من ردودنا السابقة سواءًا على صفحتنا هذه فانقري العناوين التالية:الوسواس القهري في الأفكار، علاج معرفي!
ي نطاق الوسواس القهري: رحلة العذاب
نسة لبنانية تسأل عن الوسواس القهري
مضان والوسوسة: هل تزيد الوسوسة في رمضان؟
الوسوسة الدينية وخرق السماء
وأما وصفك بعد ذلك لمعاناتك الحالية الأهم، والأكثر إبعادًا لشكل حياتك عن الشكل الطبيعي لحياة الفتاة المسلمة المتزنة، فهو ما تودين الخلاص منه، وتشيرين بوضوحٍ في إفادتك إلى طقوسك التي تعوقك عن الحياة كغيرك من من هن في مثل سنك وظروفك، فكل شيءٍ يدور حول ضمان عدم انتقاض الوضوء، وبما أنك كمسلمة مطلوبٌ منك أن تصلي خمس مرات في اليوم، فما أسهل ما تكونين فريسةً للأفكار التسلطية والأفعال القهرية لتلتهم أيام حياتك، وأنت في عذابٍ دائم، وما لم تذكريه ولكنني أراه من خلف الكلمات، أنك لا تشعرين بالراحة منذ سنوات إلا في أيام الدورة الشهرية، عندما لا تكونُ هناك صلاة مفروضةٌ عليك، فربما في تلك الأيام تستطيعين الخروج وزيارة الأقارب وغير ذلك من الأنشطة التي تتعارض مع الطقوس المطلوبة للصلاة.وهو نفس ما يرمي إليه قولك عن مشاعرك أثناء الصلاة: (بعد ذلك عندما أصلي، أصلي بلا روح وكل ما أتمناه هو الانتهاء من الصلاة قبل أن يحدث شيء آخر)، وهو ما يعني عجزك أصلا عن الكف عن مراقبة القولون أثناء الصلاة، وأما الوضوء بالنسبة لك فقد يستغرق ساعةً إلا ربعا، وأخشى أن يكونَ ذلك في الأحوال العادية، وكل ذلك يجعل صلاة المسلمين التي تمدهم بالراحة والسكينة وتعينهم على مواجهة أعباء حياتهم، إنما تمثل عذابا يوميا بالنسبة لك، ألا ترين في ذلك دليلاً واضحا على خطأ النتيجة التي وصلت إليها، لأنك بنيت على فكرةٍ خطأ من الأساس.وأنا سأسألك سؤالاً عن حالة القولون أثناء أيام الدورة؟ ألا يكونُ هادئا؟؟ واصدقي مع نفسك، لأن جزءًا كبيرًا من ارتباك عمل القولون لديك، إنما يعود إلى حالة التوتر والتأهب المستمرة التي تعيشينها خوفًا من خروج الريح دون أن تأذني له أو على الأقل دون أن تعرفي بخروجه!، وربما يكونُ لعبثك باستخدام أصابعك دورًا في الأمر أيضًا، وإن كان ذلك يعتمد على مدى البعد الذي تبلغينه ومدى الحركة التي تستطيعها الأصابع في الدبر.ورغم ما ورد في إفادتك من تحديد للشيء الذي تراقبين وتشكين في خروجه عندما قلت: (هذا الشيء لا أحد يسمعه ممن في جواري)، وما في ذلك من إشارةٍ إلى علمك بالحكم الديني في الموضوع، والذي ربما سمعته من أحد من سألتهم من الشيوخ: وأصل كلامهم مبنيٌّ على الأحاديث الشريفة التالية, والتي تبين كيف أن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام كان يستخدم العلاج السلوكي المسمى بمنع الاستجابة Response Prevention في علاج هذه الحالة:عن عبد الله بن يزيد رضي الله عنه قال: شكي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الرجلُ يُخَيَّـلُ إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال:"لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.ومن أحاديث النبي-صلى الله عليه وسلم-التي تقدم علاجا عمليا لمثل هذا النوع من الوسواس حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ أبي داود: "إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له: إنك قد أحدثت، فليقل له: كذبت إلا ما وجد ريحا بأنفه أو سمع صوتا بأذنه" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.رغم ذلك فأنت عاجزةٌ عن الاقتناع، وعن الشعور بالثقة، أو بأن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ويقول في كتابه الكريم في آخر آيات سورة البقرة بسم الله الرحمن الرحيم: "لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ " صدق الله العظيم.تقولين بعد ذلك: أيضا لا أحب الأعمال الجماعية أحب أن أقوم بكل شيء بمفردي، لا أطلب طلبا من أي أحد، وهو ما نظنه راجعا إلى عدم ثقتك في إتقان الآخرين للأفعال، ويجعلنا من ناحية نشير إلى البعد الخفي نوعا ما في تركيبتك النفسية والمتعلق بسمة معرفية سلوكية نسميها بالنزوع المفرط إلى الشعور بعدم الاكتمال Incompleteness، وبالتالي للكمالية وفرط الإتقان Perfectionism، إضافةً إلى الشك المرضي Pathological Doubt ، فأنت غير مقتنعةٍ بأن الآخرين يستطيعون القيام بالفعل مثلما تتقنينه أنت، وهاتان سمتان معرفيتان شائعتان في مرضى الوسواس القهري، ومرضى الشخصية القسرية أيضًا، لكن ما يقلقنا في قولك لا أحب الأعمال الجماعية هو أن يكونَ ذلك القول ممتدا إلى الصلاة في جماعة، والتي كثيرًا ما تساعد الموسوسين من المسلمين، إن هم أدركوها طبعا.وأما قولك: (ودائما حزينة ومكتئبة.)، فنراه أولاً رد فعل طبيعي للسجن الدائم والقيود المفرطة التي تضعينها على نفسك، وفي نفس الوقت نشير إلى وجود علاقة وثيقة لاضطراب الوسواس القهري مع اضطراب الاكتئاب وتواكب المراضية Comorbidity شائع ومعروف، ونحيلك إلى قراءة إجاباتنا السابقة على استشارات مجانين والتي تناقش الموضوع، كما تشير إلى العلاج العقاري المشترك:
الوسواس القهري والاكتئاب
كرات الزئبق والوسواس
ما هيَ الم.ا.س.ا؟تقولين بعد ذلك: (لقد حاولت العلاجَ من قبل3مرات، ولكني أمل من طول فترة العلاج)، ومن الغريب أنك لم تذكري لنا أي شيء عن تأثرك بالعلاج أو استجابتك له، ولا مدة استمرارك عليه حتى واضحة، ثم تقولين ببساطة بعد ذلك: (أتمنى أن يتواجد لي علاج سلوكي)، والحقيقة أن لحالتك علاجا سلوكيا وعلاجا معرفيا بالطبع، لكن الملل بسرعة وعدم الرغبة في التعب سيمنعانك من إكمال العلاج السلوكي مع الأسف.
وأول ما يجب أن تتعلميه وهو أصعب ما في الموضوع، هو أولا أن تتعلمي القدرة على تحمل عدم التأكد Uncertainty، كشعورٍ ينتاب كل بني آدم، دون أن تكونَ الاستجابة لذلك الشعور إعادةَ تحقق أو تكرارا مثلما هو الحال في أفعالك القهرية، والعلاج السلوكي في حالتك سيعتمد في جزء كبير منه على منع الاستجابة القهرية رغم التعرض لما يشعرك بالشكExposure & Response Prevention، أي أنه أمرٌ ليس سهلا بالمرة، ولا يستغرقُ وقتا قصيرًا أيضًا، ولكن من ينعم الله عليه بالقدرة على إكماله دائما ينعم بالشفاء.