وسامتي سر تعاستي: التحرش والجينز
حفظي للقرآن يضعف كرهت نفسي
د. نهلة السلام عليكم... أود أن أشكرك على اهتمامك بمشكلتي، وأقول لك أنني والله شعرت أنك كأمي. أود أن أعرض مشكلتي بمزيد من التفصيل؛ والدتي عاشت مع أبي منذ صغري عيشة كراهية وخوف، لماذا؟ لأنه كان عصبياً بشكل رهيب، وسأذكر لك بعض الحالات التي مررت بها مع والدي:
كان مرة يذاكر لي مادة الرياضيات وكنت بطيء الفهم فإذا به يضربني ضرباً مبرحاً وقام بشرب السيجارة أمامي بشراهة، وكان كلما أكمل شرب سيجارة أطفأها بيدي حتى أن الآثار لازالت موجودة إلى الآن كلما رأيتها ازداد كرهي له.
نعم هو أبي وأمر النبي بحبه لكنني لا أستطيع أن أغفر له ما فعل، ومرة خرجت من الحمام وكانت عليّ المنشفة فقط فإذا به يقطع سلك التلفون ويضربني به ضرباً شديداً فأتت أمي تبعده عني فأصابها ما أصابني وترك هذا أثار على جسمي لازالت إلى اليوم فلما سألته بخوف لماذا تضربني قال لأنك لم ترتب سريرك عندما استيقظت.
ومرة كنت ألعب ولم أذهب للصلاة فوجدني فوضع يدي على حجر كبيرة وأخذ يضربني على أصابعي حتى خرج منها الدم.... ستقولين أن هذا لا يصدق لكن أقول لك والله هذا ما حصل معي وهذا هو أبي الذي أحمل له من الكراهية مالا يعلمه إلا الله ووالدتي.
انتقلنا إلى مكان آخر -العاصمة- ومكثنا فيها خمس سنين ولم يتغير فيها أبي واضطر أبي أن يسافر مع العائلة إلى منطقة أخرى فأقنعت أمي الفاضلة أن تقنع أبي أن يتركني عند خالي خلال الإجازة لكي أحفظ القرآن فقبل أبي، ودخلت مركز لتحفيظ القرآن والحمد لله أكملت حفظه وكنت من المميزين بين أقراني بتجويد القرآن ولله الحمد، خلال هذه الفترة بدأت معاناتي من التحرشات التي حصلت معي إذ كان عمري في ذالك الوقت 12 سنة.
كان مركز التحفيظ بعيداً فكنت أستخدم المواصلات العامة، كنت أجلس ويأتي شخص فيجلس جانبي ويبدأ يلصق رجله برجلي ويبدأ يقرّب يده إلى عورتي فكنت أتصبب عرقاً وأشعر بخوف شديد وكنت أنزل مباشرة من الحافلة وقدماي بالكاد تحملاني، وهناك تحرشات حصلت في البيت من قبل ابن عمي أو بنت عمي، كنت وقتها في التاسعة من عمري ولم أكن أفهم هذا وكان يحصل عند نومي يأتي ويقوم بأفعال أستحي من ذكرها.
وعندما بلغت 15 سنة بدأت تظهر عليّ علامات البلوغ أيضاً صاحبتها أنني كنت لا أستطيع التحدث مع الناس لأنني كنت لا أنطق الحروف جيداً، أيضاً كنت عندما أمشي أتعثر كثيراً وتكون خطواتي غريبة بسبب خجلي من نظرات الناس إليّ وبدأ هذا بشكل مفاجئ وبدأت أعجب بالملابس بشكل غريب مع أن هذا يزيد من نظرات الناس إليّ وأقول لك والله ما كان همي أن أغري أحداً بل كنت أريد فقط لفت أنظار البنات إليّ، أقولها بألم.
أيضاً كنت بعد أن عرفت أن ما يقوم به الناس في المواصلات يسمى تحرشات فكنت كلما لاقيت هذا أرد عليه بكف في الوجه وضرب مما يضطر الفاعل إلى الفرار ولم أكن أستسيغ هذا كما كنت سألتني في الرسالة السابقة، وبدأ حفظي للقرآن يضعف كرهت نفسي لهذا وأصبت بحالة شديدة من العزلة وكراهية الناس والشك بكل من حولي أنه لم يصادقني إلا بسبب وسامتي وأخذت أفكر أن أشوه وجهي وأصيبه بالجروح، أخذت أحلق شعري تماماً لكي لا ألفت أي أحد، أصبحت أكره أستاذي الذي كنت أكنّ له أعظم الحب وكنت أعتبره أبي وكرهت حتى الخروج إلى الشارع.
والدتي، أكنّ لك كل الاحترام والتقدير وأرجو منك أن تصفي لي دواءً غير ذهابي إلى طبيب نفسي، مع العلم أن كل من حولي حاولوا التقرّب مني لفهم مشكلتي لكني لا أثق بأحد.
وجزاك الله خيراً.
16/12/2007
رد المستشار
لو أنّ كل تجربة مؤلمة في حياتنا ستجعلنا ننعزل عن الحياة ونكره الناس لما وجدت إنساناً يمشي على كوكب الأرض، والرّجولة ليست فقط في جذب اهتمام الفتيات ولكنها كذلك مواجهة مشاكلنا حتى نلتهمها بدلاً من أن تلتهمنا هي، فما مررت به ليس سهلاً ولكنك بإرادتك التي مكنتك من صفع من يفكر بالاقتراب منك وباستطاعتك حفظ كتاب الله، ستستطيع أيضاً أن تكون أقوى من ألم ورواسب تجارب التحرش وقسوة الوالد إذا أردت.
انظر معي كم رجلاً مرّ مثلك بتلك التجارب واستطاع أن يكون أقوى من تلك الظروف..... هل تتصوره لم يكن يتألم، هل تتصوره تجاوز مشكلته بعصاً سحرية؟ ولكنه قرر أن يهزم الخطأ وقرر أن يجعل نجاحه وسط محاولات الفشل مسألة حياة أو موت حتى وإن كره التواصل مع طبيب أو معالج نفسي، فلا تكن أقل منه يا صديقي فالدواء يكون مراً ولا نفرح بتناوله لكن فيه الشفاء، ومرارة الماضي تلاحقنا لكن إصرارنا على التغيير تهزمها.
وما أراه الآن منك بشير خير يا صديقي فأنت ترجو العلاج والراحة بعد طول عناء، وهذا حقك فلا تبخل على نفسك به ولا تهدره أو تضع عراقيل لا داعي لها، فهل هناك أعز من راحة البال والرضا عن النفس والنجاح؟ هل تهوى أن تكون في مقاعد المتفرجين لا الفاعلين الناجحين؟
قد لا تشعر برغبة في التمتع بمباهج الحياة لما لمسته من أعراض اكتئاب بين سطورك فلا تستسلم لها واستعن بالله وبطبيب نفسي ثقةً ماهرٍ حتى يكون يد قوية تستطيع أن تعتمد عليها للوقوف مرة أخرى على قدميك لأن الطبيب النفسي لديه برامج علاجية بخطوات محددة لا يتسع المقام هنا لذكرها حيث يقوم بمزج طرق العلاج السلوكي والعلاج الدوائي وغيره مما يراه مناسباً حتى تنتقل معه "بإرادتك" وقوة عزمك من الشخصية التي تحمل رواسب مشكلات التحرش السابقة لديك لشخصية سوية واثقةً من نفسها قادرةً على التعامل مع مشكلاتها حيث سيساعدك على اكتساب صداقات بريئة وطيبة ويفكر معك في حلول لتكوين علاقة مقبولة مع والدك الذي أرى أنه كان يحب أن يراك تفعل الصواب دائماً من وجهة نظره لكن تصرفاته خانته كثيراً للأسف؛
ولا تنسى أن من تمام الرّجولة مواجهة مشكلاتنا لحلها حتى وإن أخذت منّا وقتاً وجهداً وأن النجاح يأتي من قلب الفشل وأن الله موجود يعلم ويعين فلا تيأس أبداً، فالفاشل هو من استسلم بإرادته للفشل بعد أن نضج واستطاع أن يفرّق بين الماضي الذي لم يكن بيديه وبين الحاضر والمستقبل الذي صار من صنع يديه، هيّا تشجع وابدأ في طلب العلاج.