السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بداية أحب أن أشكركم بشدة على هذا الموقع الرائع وبالذات صفحة الاستشارات هذه، فهي عمل رائع جزاكم الله كل خير عليه وجعله -بإذن الله- في ميزان حسناتكم.
أنا طالب في كلية الطب بالعام الرابع، وأحب الطب النفسي بشدة وأنوي التخصص فيه -إن شاء الله-، ولكن لدي بعض الاستفسارات التي أتمنى أن تساعدني فيها:
1- كيف أتأكد من اتجاهاتي وميولي تجاه الطب النفسي؟ بمعنى كيف أتأكد أن هذا هو ما أريده فعلاً وأنني قادر على ممارسته وتحمل مسؤوليته؟
2- كيف أؤهل نفسي من الآن لأصبح -إن شاء الله- طبيباً نفسياً متميزاً، وأعني التأهيل على الصعيد النفسي (شخصية الطبيب النفسي الناجح) والصعيد العلمي (ماذا أقرأ، ماذا أذاكر، هل هناك أي دورات تعليمية قبل التخرج يمكن أن تفيد مثل دورات في علم النفس الإكلينيكي مثلاً؟).
3- بعض الشبهات والإشكاليات: وما أكثرها في مجال الطب النفسي، وأنا أعلم جيداً أنها مجرد هراء ولا أساس لها من الصحة، إلا أن بعضها قد استوقفني وسبب لي بعض الإشكال، وأرجو سيدي أن أجد عندك رداً علمياً لها وفي نفس الوقت مبسطاً لأنها موجهة في الأصل لطلبة الطب وغيرهم مثل:
1- الطبيب النفسي مش دكتور أصلاً: ونسمعها كثيراً من طلبة الطب أنفسهم، وأحياناً بصورة أخرى مثل "الطب النفسي ليس له أساس علمي كباقي التخصصات" وسبب هذه المقولة أن الطب النفسي يقوم أساساً -في نظر الكثيرين- على علم النفس وهي مادة أدبية تدرس في القسم الأدبي بالثانوية العامة وفي الكليات النظرية، فأعراض المرض النفسي تعتمد على علم النفس لاكتشافها، كما أن العلاج النفسي بأنواعه المختلفة -السلوكي والمعرفي- يقوم أيضاً على علم النفس، فما الذي يستفيده الطبيب النفسي من دراسته المضنية للمواد الطبية العملية مثل التشريح والفسيولوجيا والكيمياء الحيوية والباثولوجيا والطب الباطني والأطفال وغيرها على مدار السبع سنين؟ ولماذا لا يدرس علم النفس الإكلينيكي مع بعض أساسيات الفسيولوجيا والفارماكولوجيا (من أجل وصف الدواء) فقط؟
وهو ما يقودنا إلى إشكالية أخرى وهي مقولة "الطب النفسي هو علم نظري لا عملي كباقي فروع الطب وينبغي أن يدرس فقط في الكليات النظرية" أو الفرق بين الطبيب النفسي والأخصائي النفسي، فالأخصائي النفسي يستطيع أن يقوم بكثير من أعمال الطبيب النفسي كالتشخيص والعلاج النفسي مع أنه لم يدرس في كلية علمية، بل وقد يستطيع أحياناً (بواقع الخبرة أو بدراسة الفارماكولوجي) أن يصف الدواء!!! فما هي فائدة الطبيب النفسي إذن؟ وما فائدة كونه طبيباً درس وتعلم في كلية علمية؟ أعلم أنه من المفترض أن يعملوا كفريق بشكل تكاملي لا تنافسي، ولكن حتى في هذه الحالة فأنا لا أعلم بالضبط ما هي مهمات ومسؤوليات كلاً منهم؟ وما هي الفروق والحدود الحقيقية الفاصلة بينهم؟
2- الطب النفسي والأدوية النفسية تلغي المشاعر والإرادة وتختزلها في مجرد مواد كيميائية: وهي نابعة من عدم قدرة الكثيرين على استيعاب حقيقة أن الأدوية المادية تؤثر على الحالة النفسية المعنوية، أنا أعلم أن مشاعر الإنسان وأحاسيسه وإرادته أمور معقدة مركبة تتأثر بأشياء كثيرة مثل طريقة التفكير ونمط التربية وغيرها، وتخضع في النهاية إلى حد ما لإرادة الشخص نفسه، وأعلم أيضاً في الوقت ذاته أن الأدوية النفسية فعالة ومفيدة في علاج الحالات النفسية فهي قد تخفف الاكتئاب والحزن والهم والقلق، لكني لا أستطيع التوفيق بين القناعتين!!
فإذا كانت الأدوية الكيميائية تؤثر على مشاعر الإنسان، فلم لا تؤثر على أشياء أخرى مثل الإرادة والضمير؟؟!!!! فربما في المستقبل يأتي المريض إلى عيادة الطبيب النفسي ويقول له "دكتور، لا أحب عملي ولا أشعر بحماس له" فيرد الطبيب "خذ هذا الدواء وسينشط مراكز الحماس في مخك" أو يقول آخر "دكتور، إن عندي موظفاً عديم الضمير والأمانة" فيرد الطبيب " أعطه هذه الأقراص وستنشط مراكز الضمير في مخه فيصبح أميناً في عمله"!!!!! هل يمكن أن يحدث هذا؟!! طبعاً لا، ولكني لا زلت أريد رداً علمياً شافياً.
وفي النهاية أود أن أشكركم ثانية على مجهوداتكم الرائعة وعذرا للإطالة.
16/12/2007
رد المستشار
الدكتور "أحمد" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛
وأشكر أولاً مجانين.كوم على إتاحة المجال لي للرد على هذه الاستشارة، والذي ذكرني ببداية دخولي لهذا الفرع الرائع!! وأهنئك أخي الكريم على هذا الحب الذي هو بداية الطريق للدخول لهذا الفرع الدسم الذي بحاجة ليس فقط للحب بل للعشق لتحمل التبعات الاجتماعية والعلمية والمهنية لخوض غمار هذا البحر.
ثانياً نأتي للرد على أسئلتك:
السؤال 1 - كيف أتأكد من اتجاهاتي وميولي تجاه الطب النفسي؟ بمعنى كيف أتأكد أن هذا هو ما أريده فعلاً وأنني قادر على ممارسته وتحمل مسئوليته؟
الجواب: أن تضع حبك لهذا الفرع على المحك العلمي والعملي، وكيف ذلك؟!
عبر دراسة المنهاج الدراسي للطب النفسي Psychiatry وعلم النفس Psychology لتعلم مدى شغفك وتفهمك لهذه المادة، ثم عبر الاحتكاك مع الأخصائيين النفسيين وكذلك المرضى المصابين بأمراض عبر المستشفيات والعيادات النفسية التي ستمر عليها من خلال دراستك للطب، ومن خلال ذلكم سينمو حبك لهذا الفرع.
السؤال 2- كيف أؤهل نفسي من الآن لأصبح -إن شاء الله- طبيباً نفسياً متميزاً، وأعني التأهيل على الصعيد النفسي (شخصية الطبيب النفسي الناجح) والصعيد العلمي (ماذا أقرأ، ماذا أذاكر، هل هناك أي دورات تعليمية قبل التخرج يمكن أن تفيد مثل دورات في علم النفس الإكلينيكي مثلاً؟)، قد يكفي العشق للشيء والدافعية القوية له ليغير الإنسان حياته كلها من أجل معشوقه، نعم هذا ما قد يفعله بك اختصاص النفسية إن عشقته وهو أهلٌ لهذا العشق...
أما الصفات الشخصية للطبيب النفسي الناجح فهي (وهذا بعض):
قدرة جيدة على التعاطف Empathy أي فهم المشاعر الذاتية ومشاعر الطرف الآخر.
رغبة قلبية صادقة لمساعدة الآخرين.
قدرة جيدة على التواصل مع الآخر.
الحيادية وتقبل الآخر مهما كان.
المرونة النفسية كالتعامل مع أصغر الأعمار وأكبرها.
وعلى الصعيد العلمي.. ما أكثر ما كُتب وما سوف يُكتب عن النفس البشرية!!
لكن الآن يتوجب عليك دراسة الطب النفسي Psychiatry Textbook من كتابك الجامعي بشكل جيد وعميق، وأن تتفهم الواقع الحالي لهذا العلم والنظريات المطروحة لأسباب أمراضه، كذلك من المفيد زيارة أطباء نفسيين والجلوس معهم والحوار معهم حول الطب النفسي، وكونك من مصر الحبيبة فليكن أولئك من مستشاري مجانين كالعزيز د. وائل ود. المهدي ود. السعدني ود. أحمد عبد الله ود. الوصيفي وغيرهم من الأكارم.
ومن ناحية أخرى إن للطب النفسي علاقة توأمة مع الفروع الأخرى من الطب وأهمها الطب العصبي Neurology وطب الغدد Endocrinology والطب الباطني عموماً، فالطبيب النفسي الحاذق لابد له من أن يلم إلمام جيد بهذه العلوم، لأن المرض النفسي قد يكون ناجم عن مرض عضوي أو العكس، وكثيراً ما يترافق المرض النفسي مع أمراض أخرى كالداء السكري DM أو ارتفاع التوتر الشرياني فكيف ستصف العقار النفسي للمريض وأنت لا تعرف التعاملل مع الحالات العضوية؟!. كما أنه لا يتم فحص المريض النفسي دون فحصه من الناحية العضوية والعصبية.
واقرأ على مجانين:
أنا... والطب النفسي... والصور!!1
القسم الثاني الرد على الشبهات حول الطب النفسي.أولاً اعلم أنك لن ترضي الناس، فامضي في حياتك المهنية حسب مصلحتك على نور من الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((.. احرص على ما ينفعك..))، وأشعر أنك بعد أن قلت أن كل هذه الشبهات لا صحة لها وأنك بحاجة لرد علمي مبسط لأنها موجهة في الأصل لطلبة الطب!!، بمعنى أنك ستقوم بمحو أمية طبنفسية لطلاب الطب، طيب يا سيدي.
الشبهة 1- الطبيب النفسي مش دكتور أصلاً والطب النفسي ليس له أساس علمي كباقي التخصصات وهو علم نظري لا عملي كباقي فروع الطب وينبغي أن يدرس فقط في الكليات النظرية، فالأخصائي النفسي يستطيع أن يقوم بكثير من أعمال الطبيب النفسي كالتشخيص والعلاج النفسي بل وقد يستطيع أحياناً (بواقع الخبرة أو بدراسة الفارماكولوجي) أن يصف الدواء!!!
أي ما هو الفرق ما بين الأخصائي النفسي والطبيب النفسي؟!
الجواب: أجبتك قليلاً عن هذا السؤال عن علاقة التوأمة ما بين الطب النفسي وغيره من الفروع...
غالباً أي فريق نفسي لابد له من طبيب نفسي ليترأسه فهو المسئول عن التشخيص النهائي، أما وصف الدواء فهو حصراً بيد الطبيب النفسي الذي درس الطب.
الشبهة 2- الطب النفسي والأدوية النفسية تلغي المشاعر والإرادة وتختزلها في مجرد مواد كيميائية، فإذا كانت الأدوية الكيميائية تؤثر على مشاعر الإنسان، فلم لا تؤثر على أشياء أخرى مثل الإرادة والضمير؟؟!!!! فربما في المستقبل يأتي المريض إلى عيادة الطبيب النفسي ويقول له فيرد الطبيب "خذ هذا الدواء وسينشط مراكز الحماس في مخك" هل يمكن أن يحدث هذا؟!! طبعاً لا، ولكني لا زلت أريد رداً علمياً شافياً.
الجواب: الأدوية النفسية هي عكّازه تساعد الطبيب والمريض على النهوض من كبوة المرض وعلى الشفاء والتحسن من حالة الوهن العصبي الحاصل لجهازه العصبي من جراء حالة الكرب الذي يعاني منها. الأدوية الحالية لا تلغي الإرادة بل تحسن التربة النفسية أو المزاج (MOOD) وبدوره تتحسن الإرادة، بمعنى أن الأدوية الحالية لا تبدل الصفات الخُلقية أي تحول المؤمن إلى كافر مثلاً، بل تساعد المريض أن يظهر بصورته الحقيقية قبل إصابته بالمرض.
الطبيب النفسي يبحث عند هذا المريض الذي يقول ((دكتور، لا أحب عملي ولا أشعر بحماس له)) لماذا لا يحب عمله ولماذا لا يشعر بالحماس له؟!، فهل هو مرض الاكتئاب المسبب للحزن وفقد الدافع للعمل أم هو مرض وسواس النظافة الذي يشغل بال المريض بمواضيع الطهارة مما يدعوه لترك العمل والجلوس في المنزل مع وساوسه أم هو مرض الفصام وفيه توهمات اضطهادية Paranoid Delusions يشعر من خلالها المريض بعدم الأمن في عمله والخوفف من زملاءه. فما يقوله المريض يمثل علمياً وطبياً ما يعرف بالعرض Symptom وعلى الطبيب أن يعالج السبب وليس العرض، كمن يأتيك ولديه إسهال Diarrhea هل مباشرة تصف له دواء مضاد إسهال دون أن تتحرى وجود مرضض كالإنتان المعوي؟!!..
واقرأ على مجانين بحث مفيد جدا حول الأدوية النفسية:
الدواء النفسي يجب أن يحل كل المشاكل دون تعب ××
كيف يعالج عقَّارٌ مادي معاناة نفسية؟ ××
الأدوية النفسية كلها مخدرات تسبب الإدمان ××
لا فائدة من العقاقير النفسية ××
ومن المفيد أن تقتني كتاب الأستاذ العزيز وائل أبو هندي (نحو طب نفسي إسلامي) ففيه الكثير من الردود الجيدة لما تريد، وكذلك مقالة الأستاذ الفاضل الدكتور طارق حبيب بعنوان (مفاهيم خاطئة حول الطب النفسي) المتوفرة على شبكة الإنترنيت.الدكتور الحبيب أتمنى لك من كل قلبي العشق لهذا الاختصاص ثم أن تملك الشجاعة الكافية لدخول هكذا اختصاص الذي يتحدى تيار العامة وما يقتنع به الناس.. تابعنا بأخبارك.. وأتساءل هل سيأتي يوم وتقول (تابعنا بأخبارك) كمستشار نفسي؟؟
الله أعلم!!.. مع أمنياتي لك بالخير والتوفيق...