السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....
قبل أن أبدأ أتمنى أن تقرأ الرسالة كلها فأنا واحدة من المرضى الذين يلجئون لحكيم مثلك.
أنا فتاة عمري 17 سنة أي في صف 11, مشكلتي أنني منذ زمان وأنا أعاني من الخجل المفرط ليس بسبب التربية غير الصحيحة, بالعكس فأمي وأبي غير متعصبين ومنفتحين حتى أنني في مدرسة مختلطة ولكنني الحمد لله محجبة ومحافظة، وهم ربّوني مثلما ربّوا أخي وأختي, لكن أنا غير أخواتي بالرغم من نفس التربية والدلال والظروف ولكن أعتقد أن هذه هي طبيعتي....
لذا فإن مشكلة الخجل عندي وعدم الثقة بالنفس مشكلة خطيرة ولكنني ساعدت نفسي ودرّبتها حتى أصبحت أناقش وأشارك بالأحاديث وأعطي رأيي بكل ثقة وعدم خجل والفضل لله ولكنني مازلت أعاني مشكلة: لا أستطيع أن أحكي جملة مفيدة باختصار!!! يعني ليس دائما ولكن معظم الأحيان, غالبا ما يقولون لي ((عيدي القصة لم أفهم مزبوط...)) أنا أميل للاختلاط بالجو والمناقشة والمزح كثيرا كثيرا وأحب الروح الطبيعية والمرحة ولكنني كيف ذلك وأنا غالبا ما أخفق في الكلام.
إن الذي فتح عقلي على هذه المشكلة هي تفكيري بمستقبلي: سوف أناقش, أختلط بالناس, أشرح للناس, أتحدّث إلى الأساتذة في الجامعة, سوف أعمل ويجب أن أتعلم كيف أبدأ بحديث وكيف أواجه المواقف الصعبة بحكمة... لقد قرأت بكتاب الفلسفة لمنهاجنا <<فرع علمي>>: ((الشخصية الغير متكاملة: هي التي تستجيب للموقف الجديد بأسلوب مفكك دون أن تستجيب لتجارب الماضي وخبراته, فهي تستجيب استجابة فاشلة. أما الشخصية المتكاملة: هي التي عندما تواجه موقفا من المواقف تستجيب بكاملها بكل ما لديها من إحساسات وذكريات وإدراكات وانتباه فتخضع بعضها لبعض وتتعاون في سبيل التكيف الناجح)) وأنا رأيت نفسي في الشخصية الغير متكاملة وقد وصفها حق الوصف!!!
فمثلا... المرة الماضية جاء تلفزيون الBBC للمدرسة وعندما سمعت بهذا بدأت أفكر: ماذا سوف أحكي؟ هل سيسألونني؟ هل........؟ إلخ ثم نظرت من حولي ورأيت الكل مطمئن وأنا هنا بدأت بالاطمئنان وتكلّمت مع نفسي كالعادة وحاولت أن أعود لطبيعتي... دخلوا الصف وكان الصّحفي والمصوّر لا يتكلمون العربية فتكلّموا مع طالب عندنا في الصف بالانكليزية نيابة عنّا ويحكي ويسأل وأنا قمة القلق.... بعد ما عدت للبيت أخذت نفسا عميقا وفكرت ما الذي أخاف منه, أنا مثل أي طالب سيسألونه وأنا عندي الثقة بكلامي و..... وأخيرا أقنعت نفسي بأنه شي بسيط وعادي ولا داعي للخوف والقلق ولكن (بعد شو؟).
الآن إذا جاؤوا مرة أخرى سأكون كتير مرتاحة لأنني جرّبت الموقف والأسئلة والإحساس أما أول مرة ((موقف جديد غير مألوف)) كنت أخاف من التصرف وأي سلوك ((استجابة بشكل مفكك)) هكذا أنا فسّرت شخصيتي حسب ما تعلمت من كتابي ولكن ما هي الحقيقة يا حكيم؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مثال آخر.... إذا نادى الأستاذ اسمي للتسميع فإني هنا أحاول قدر المستطاع أن أرفع ثقتي عاااااااااااليا وأجيب وحتى لو خطأ ما عندي أيييييييي مشكلة بالخجل (هذا قبل الوقوف) لكن عندما أقف وأنظر لوجهه يبدأ وجهي بالاحمرار وهنا تصبح ثقتي 50% والسبب ليس الوقوف ولا نظرة الأستاذ ولا الموقف ولكن الاحمرار, أنا أنزعج كثيرا من هذه الحالة.... ما الحل يا طبيب؟
لم أكن أحب القراءة لكن ألزمت نفسي عليها والآن أحبها كثيرا وما أن أنتهي من كتاب حتى أنتقل إلى آخر ((بالرغم من أن قراءتي ليست سريعة وأنهي الكتاب بعد فترة طويلة لكن لن أستسلم وسأبقى أحاول)) وهذا شيء ساعدني كثييييييييييييييييييييييييييييرا على أن أحكي بشكل واضح وجمل مفيدة ولكن مازلت أريد الكثير لأتعلم فأنا ببداية طريق الإصلاح بنفسي...
كنت ألجأ لأختي حتى ((فش خلقي)) وتساعدني ولكنها تزوجت وسافرت والآن أنا وحيدة وأخي الكبير ولدي صديقة رائعة, عادة ما تساعدني في الأمور النفسية وأنا أيضا أساعدها في إعادة ثقتها بنفسها فهي تعاني من ظروف صعبة قليلا... لكن هذه المشكلة لن يساعدني فيها إلا أنت!
أرجوك ساعدني قبل فوات الأوان . وأتمنى أن ترد علي عن طريق الايميل ولا أضطر للمجيء للعيادة لأنه أمر صعب ((ليس لأن أهلي لا يتقبلون فكرة الطبيب النفسي لا بالعكس, لكن لظروف ثانية, وأنا أقول لك بإصرار: لا أستطيع المجيء ولا أستطيع أن أقول السبب))
ملاحظة : كتبت على ورقة ((Do it, Don’t miss it )) فكثيرا ما أفوّت الفرص وأندم ندم عمري وهذه العبارة ساعدتني في كثير من الأمور ولها تأثير إيجابي جيّد جدا
مايا
27/2/2008
رد المستشار
أهلا بالأخت الكريمة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
يبدو أن لديك إدراكا عاليا وصافيا لذاتك، ويبدو أنني أمام فتاة على درجة عالية من الهمة والرغبة في تطوير ذاتها، ولكن أتساءل يا ترى ما هدفها من هذا التطوير لذاتها (الخجولة) كما تصف هي نفسها؟!
هل هو هدف.. علمي – اجتماعي – ديني...
نعم، قد تقولين هو كل ذلك.. فنحن بحاجة لتلك المرأة القوية التي لا تخاف في الله لومة لائم تكتسب العلم وتربي أبناءً أقوياء صالحين...
أليس النبي الكريم محمّد صلى الله عليه وسلم يقول ((المؤمن القوي خير وأحب من الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير)) والمؤمن عام للذكر والأنثى.
بارك الله فيك وحفظك ورعاك.
بالنسبة لمشكلتك:
أولاً: تقولين عن نفسك أنك متدينة، لكنني أتساءل عن أن وجودك في مدرسة مختلطة ألا يؤثر على شخصيتك الإسلامية وقوة هذه الشخصية، فأي بنت ملتزمة دينياً أو لديها حياء وأخلاق مثلك أنت إذا تعرضت لأن تقف في الصف أمام شباب وتتكلم وهم في ريعان الشباب وعنفوانه ستنتابها وبشكل اعتيادي حالة الحياء (وليس الخجل)، وهو أمر طبيعي يحصل مع المرأة في هذه المواقف وقد ذكره الله تعالى في قرآنه، ففي خَبَر موسى عليه الصلاة والسلام حين وُورِده ماء مَدين أنه جاءته إحدى المرأتين تمشي على استحياء. (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) سورة الْقَصَصَ (25)
قال عُمر رضي الله عنه: قد سَتَرَتْ وَجْهها بِكُمِّ دِرْعها. وما كان مِن موسى عليه الصلاة والسلام إلاّ أن قابَل الحياء بِحياء.... وصِفَات الكمال هي تِلك الصِّفَات التي اتَّصَف الله تبارك وتعالى بِها . والحياء صِفَة مِن صِفَات الله عزّ وَجَلّ.. ومِن أحَبّ الْخَلْق إلى الله مَن اتَّصَف بتِلك الصِّفَات. ففي الحديث الصحيح: "إن الله عز وجل حَيِيّ سِتِّير يُحِبّ الْحَيَاء والسِّـتْر". رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
والحياء صِفَة مِن صِفَات الأنبياء.. فقد وَصَف النبي صلى الله عليه وسلم موسى عليه الصلاة والسلام بالْحَيَاء.. بل بِشِدَّة الحياء.. ففي الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام: إن موسى كان رَجلا حَيِـيًّا سِتِّيرًا، لا يُرَى مِن جِلْدِه شَيء اسْتِحْيَاء مِنه. بذلك وُصِف موسى القويّ الأمين.
وحَياء العَذَارَى مَضْرِب الْمثَل..! قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم أشدّ حَياء مِن العَذْراء في خِدْرِها. رواه البخاري ومسلم.
وفي حديث أنس رضي الله عنه: وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء. رواه البخاري ومسلم.
فما أحوج المرأة على مَـرّ الزَّمَان إلى هذا الْخُلُق الـنَّبِيل، والوصْف الكريم.. ذلك أنه لا يُوصَف أحَد –على وَجْـه الْمَدْح– بِقِلَّـة الْحَيَاء.. وإنما يُذَمّ مَن يُذَمّ بِقِلَّـة الْحَياء.. وصَفَاقة الوَجْه.. والوَقَاحَـة..!
ففي لسان العَرَب: وَقِح الرَّجُل إذا صار قَليل الْحَياء، فهو وَقِحٌ.
وقال ابن الأثير: في حديث أبي الدراداء: وشَر نِسائكم السَّلْفَعَة. هي الْجَرِيئة على الرِّجَال. فالحياء زِينة للرِّجَال والنِّسَاء.. والحياء خَيْر.. ولا يأتي إلاَّ بِخير..
قال عليه الصلاة والسلام: الحياء لا يأتي إلاَّ بِخَيْر. رواه البخاري ومسلم.
ملاحظة: هذه مقتطفات من مقالة جميلة بعنوان ((تَمْشِي على اسْتِحْـيَاء)) لِعبد الرحمن بن عبد الله السحيم منشورة على موقع صيد الفوائد saaid.net..
أترين كم هو جميلٌ حياؤك وكم يدل على علو خلقك ودينك..
أما الخجل فهو يدل على ضعف في الشخصية، وفي درجاته الخفيفة هو صفة غير حميدة وسلوك غير سوي ينبغي مساعدة الأشخاص المصابين به على التخلص منه وقد يصل لدرجة المرض النفسي المعيق عن الحياة الاجتماعية ويسمى حينها الرهاب الاجتماعي Social Phobia وبالتأكيد أنت لم تصلي لدرجته.
وعلى العموم الرهاب Phobia هو خوف يتميز بما يلي:
1. فيه مبالغة وعدم تناسب مع الموقف أو العامل المخيف.
2. غير منطقي وغير مقنع.
3. لا يستطيع الشخص التحكم بالخوف إراديا [خوف لا إرادي].
4. يؤدي للهروب وتجنب الموقف المخيف.
فالسمة الأساسية المميزة للقلق الاجتماعي تتمثل في الخوف غير الواقعي من التقييم السلبي للسلوك من قبل الآخرين. والبنت الملتزمة المتدينة لما تقف ويحمر وجهها أثناء إجابتها على سؤال أمام حشد من الذكور هذا يظهر خلق الحياء فيك كما يبدو لي من كلامك وليس الرهاب.
لكنك قد تقولين: ولكنني أعاني من ذلك أمام النساء وليس فقط أمام الذكور.. وذلك لحصول عملية التعميم للموقف في الصف إلى الحياة الاجتماعية عموماً، نتيجةً لتكرر هذه المواقف في الصف لعدة مرات وجدت نفسك في حالة فشل متكررة، هذا التكرار رسخ عندك فكرة ((أنا لا أعرف أن أتكلم)) أو ((يجب أن أتكلم بسرعة)) وترك لديك إحساس بدأ يتسرب إليك حول تدني صورة ذاتك أمامك Low Self Esteem أي انخفضت قيمة ووزن نفسك أمام عينك.. فبدأت بحوار سلبي مع الذات، وبدأت تخاطبينها تقولين لها:
((أنا شخصية مفككة)) حسب كتاب الفلسفة
((لدي خجل مفرط)) حسب قول جارات أمك وأقاربك
((لا أعرف التكلم)) حسب؟؟؟..
((الناس لا تفهم كلامي)) حسب؟؟؟..
((عليَّ أن أسرع في الكلام)) وهكذا..
ولكن ما الحل؟! بدأت بالحل الصحيح والسريع بعبارة ترد الروح لهذه الذات وهي عبارتك: ((Do it, Don’t miss it))
وهكذا يكون الحل -يا عزيزتي- بالحوار الإيجابي مع الذات وتشجيعها وتحفيزها.
ثم من أجل هكذا موقف (الوقوف أمام الصف والتحدث إلى الأستاذ) وعموماً من أجل كل المواقف التي تشعري بها بالارتباك، إليك بعض النصائح:
1- حياؤك لا تحاولي أن تتجنبيه وتخجلي منه فهو كما تبين مما سبق خُلقٌ طيب وجميل
2- إذا كنت تعانين من تهدج الصوت وعدم وضوحه حاولي تقليل الكلمات وإكثار الفواصل بالصمت بينها دون تشعري أن عليك الإسراع، مثلاً هذه الجملة:
((إن الحياء.. سكتة خفيفة.. خُلقٌ.. سكتة خفيفة.. جميل.. سكتة خفيفة.. ولابد للفتاة.. سكتة خفيفة.. المسلمة أن تتحلى به))
3- إذا كنت تعانين من رجفان اليدين فحاولي مسك شيء أثناء التحدث.
4- لا تنظري بدايةً عين لعين بمن يحدثك، بل انظري بالشعر فوق الرأس أو الجبين.
5- إذا أخطأت أثناء الحديث بكلمة أو أخرى فاضحكي مع محدثك على نفسك على هذا الخطأ ولا تشعري بالعار من هذا الخطأ، فجلَّ من لا يسهو ويخطأ.
ومن جهة أخرى أقترح عليك مناقشة تغير المدرسة مع أهلك إلى مدرسة غير مختلطة إن كان لهذا تأثير عليك.
أخوك وصديقتك والأهم أمك هم أشخاص جيدون كفاية لدعمك في قراراتك وفي حياتك.. ولست أنا الوحيد كما قلت ((هذه المشكلة لن يساعدني فيها إلا أنت!))، فحولك كثيرون بإمكانك أن تطلبي مساعدتهم في رحلتك التي لن تنتهي في إصلاح ذاتك، فالمؤمن والمؤمنة لا بد له من ذلك إرضاءاً للمعين العظيم الرحيم الفرد الصمد القوي ((((الله)))) سبحانه وتعالى، لكنني سعيدٌ إن جعلني الله سبباً في تفريج كربك هذا.. فعسى أن يجعل المولى جل وعلا من هذه الكلمات شفاءاً لما في صدرك.
اللهم آمين.. تابعينا بأخبارك.. أتمنى لك كل الخير والتوفيق والقوة.
Do it, Don't miss it and You won't miss it
واقرأ أيضًا:
مثلث الكلام: ثلاثة أضلاع
احمرار الوجه بين الخجل والرهاب
الطريق إلى التوكيدية في الإسلام
ويتبع >>>>>>>>: بين الحياء والخجل: تمشي على استحياء م