السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
أود أن أشكركم على هذا الموقع الرائع، وأتمنى أن يضع الله خدمتكم في حل مشاكل الشباب في ميزان حسناتكم إن شاء الله.
أريد أن أخبركم عن مشكلتي التي بدأت تؤرقني منذ عدة أيام، ففي تلك الليلة المشئومة وبعد أن استيقظت من النوم لأقوم بأداء صلاة الصبح فوجئت بسائل أبيض غليظ القوام على ملابسي لا أعرف ما هو يخرج من عضو التبول، خفت أن أعرض المشكلة على أهلي؛ خشية أن يكون ذلك مرضا قد ألمّ بي، علما بأن عمري هو 15 عاماً، وأنا شاب ملتزم ومواظب على صلاتي، وقد تكرر هذا الأمر عدة مرات حوالي كل أسبوعين مرة.
قمت بسؤال أحد زملائي في المدرسة فقال لي: إن هذا يدعى بالاحتلام، وإن ما أمرّ به الآن هو مرحلة البلوغ وهي تحدث للفتيان والفتيات، لم أفهم من كلامه شيئا، أتمنى أن توضحوا لي الأمور؛ لأنني الآن أعيش فترة من العذاب والخوف، وقد أثر هذا الأمر كثيرا على مستواي الدراسي.
في النهاية أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
8/12/2007
رد المستشار
يا أخ "محمد"، إن ما تصفه هو أمرٌ يحتفل به الرجال ويفرحون به؛ باعتباره إيذانًا بعبورك بوابة الدخول إلى الرجولة والتكليف كرجل مسلم، ليس فيه أبدًا ما يستدعي العذاب والخوف ولا وصف الليلة بالمشئومة يا رجل!
وها نحن نقف أمام مشهد شابٍ ملتزم عمره خمسة عشر عامًا لا يعرف شيئًا عن بلوغ الحلم، ولا يستطيع أن يسأل أهله ولا مدرسه، ولا يجد أمامه إلا واحدًا من أصدقائه ليسأله، ولا يبدو حتى أن صديقه -الذي يعتقد أنه يعرف- يعرف بالفعل أكثر من معلومات مشوشة! لكنه أفضل حالاً من صاحبنا على أية حال!
أليس المفروض أن يكون هذا الشاب المسلم معدا لمثل هذا الأمر الذي لا بد أن يحدث وإن لم يحدث لكان تأخره مدعاةً للقلق والفحص الطبي، وإن حدث فإنه يستلزم من الشاب أن يغتسل لكي يواصل صلواته الخمس؟! من المسئول عن ذلك؟ ولماذا لم يخبره أبوه؟ ولماذا لم يفهمه المدرس في المدرسة؟
يا "محمد" عندما يكبر الولد تظهر عليه علامات البلوغ مثل ظهور شعر العانة والوجه والشعر تحت الإبط وخشونة الصوت وزيادة حجم العضلات والأعضاء التناسلية الذكورية، وكذلك الاحتلام وهو خروج المني أثناء النوم عادةً أثناء حلم ذي محتوى جنسي.. وما حدث لك إذن ليس مرضًا بل هو البلوغ المنتظر.
والاحتلام يستوجب من الشاب المسلم أن يغتسل بعد قيامه من نومه لكي يتخلص من الجنابة وليس النجاسة؛ وذلك لكي يتمكن من أداء الصلوات الخمس، وأرجو ألا تسألني عن كون الحلم الجنسي حراما أم حلالا؛ لأن النائم غير مكلف بالطبع، والأحلام الجنسية هنا وسيلة من وسائل النفس لتنفيس الرغبات التي تضجّ بها نفس الشاب ولا تسمح المنظومة الاجتماعية الحالية بإخراجها في شكلها الاجتماعي المناسب إلا في السن المناسبة.
إنني أجد في رسالتك تلك محفزًا جديدًا للسؤال: من يعلّم؟ ومتى يتعلم أولادنا الجنس؟، وإلى متى يتعذب المسلمون الملتزمون بسبب جهلهم بوظائف جسدهم الطبيعية لأن البيئة الملتزمة التي يعيشون فيها تعتبر الكلام في كل ما يتعلق بالأمور الجنسية عيبًا أو حرامًا أو كلاهما معا؟!
الحقيقة أنني بدأت أفكر في حال كثيرٍ من الناس في مجتمعاتنا، وهم ينظرون إلى العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة باحتقار لا أجد له مبررا، وأنا لا أذكر أنني قرأت في كتاب الله عز وجل أو في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ما يشير إلى احتقار الجنس ما دام في موضعه، وسألت الكثيرين من الزملاء في المهنة وفي غيرها ممن لديهم ثقافة دينية ووصلت إلى نفس النتيجة.. إذن من أين جاء احتقار الجنس في تراثنا؟ ليس لدي من إجابة إلا أن يكون نوعا من الحيلة الدفاعية المسماة بالتكوين العكسي والتي تعني وجود أفكارٍ واتجاهاتٍ واعيةٍ منافيةٍ تماما للأفكار والتوجهات اللاواعية، ونتجت عن رغبة شديدة في الفعل الجنسي مع اضطرار لمنعه للجهل بالكثير من نواحيه.. وأنا هنا لا أتكلم على مستوى الفرد، بل على مستوى المجتمع.
وبدأت أفكر بعد ذلك في أولادي وأولاد المسلمين ومن أين سيتعلمون؟ ومن سوف يعلمهم؟
أنا أحسب أن السبب الرئيسي في مشكلة الكثيرين وفي معاناتهم هو أن الجنس كموضوع غير مصرح بالكلام فيه أصلا في مجتمعنا؛ وبالتالي يكوّن كل واحد أو واحدة فكرته الخاصة التي تنتج من مجموعة متناثرة من الإيحاءات والإيماءات يتلقاها خلال حياته من خلال حوار سمعه أو جملة قرأها أو فيلما شاهده... إلى آخره، ويضاف إلى ذلك بالطبع ما يقوله الشيخ أحيانا في المسجد، وما يقوله المدرس في المدرسة.
ولكن ما يجب أن ننتبه إليه هو أن المتلقي في كل هذه الأحوال سلبي تماما ولا يستطيع أن يسأل؛ لأن السؤال يعتبر قلة أدب ويسبب الإحراج طبعا لمن نسأله؛ لأنه في الغالب مثلنا لا يعرف إلا القليل!
واضح من ذلك أن النتيجة هي في معظم الأحوال فكرة مشوشة أو ناقصة، وليس هناك من يصححها!! الأمر متروك لمن إذن؟ ومتروك إلى متى؟!
يوجد الآن في الكتب المدرسية في المرحلة الإعدادية شيء عن الجهاز التناسلي في الرجل والمرأة وباقتضاب شديد، وأعرف من معظم من قابلت من الطلبة والطالبات أن هذا الدرس غالبا لا يشرح!! وإن شرح فإن الأسئلة فيه غير مستحبة؛ لأنها قلة أدب!
ما زال مجتمعنا العربي إذن يضع رأسه في الرمال كلما أحس بالخطر، وما زال يزداد ضعفا في مواجهة التطور الحاصل في العالم من حوله. ولست أدري من المستفيد من بقاء الوضع على ما هو عليه؟ وما زال يحيرني السؤال: من أفهم الناس أن الجنس شيء محظور؟ ومن أفهمهم أن الجنس وظيفته التناسل فقط؟ ومن أفهمهم أن الدين يحظر علينا أن نتعلم الجنس؟ ثم ما هي الجهة التي تصلح لتولى مسئولية تعليم الجنس للناس إن كانوا سيتعلمون؟ أم أننا سنترك الأمر كعادتنا للدش والإنترنت؟ وهل يجب عليّ لكي يبقى ابني مؤدبا أن أمنعه من دخول الإنترنت ناهيك عن الدش؟
الفرق كبير بين الذين يعلمون والذين يدّعون أنهم يعلمون! إن ما يحدث في مجتمعنا الآن من تفسخ متتابع للقيم إنما نشأ عن عجزنا عن تطوير أفكارنا وعن تفهم قيمنا الأصيلة التي خلطناها بالكثير مما لم ينزل الله به من سلطان ثم جعلنا الكل مقدسا! وغير قابل للنقاش دون أن نفكر ودون أن نستعد لما حدث ويحدث حولنا.. وحسبنا أن الرمال تدفئ آذاننا وتهدهد عقولنا!
ويتبع>>>: السائل الأبيض الغليظ مشاركتان