الصورة
حياتي في محراب العلم والدين, ولكن..!؟
الأخت في الله الحبيبة الأستاذة أميرة، أشكر لك ردك الجميل وجعله الله في ميزان حسناتك، ما كنت أتوقع اهتمامكم. والله لقد أحببتك في الله من مشاركاتك وردودك الجميلة ودفء حوارك.
أحمد الله سبحانه وتعالى لأنه هناك موقع مثل هذا يتيح للناس رؤية مشاكل الآخرين؛ فكثيراً ما عشنا نعاني ولا نجد من يسمعنا. أنا صاحبة الرسالة التي نشرت بعنوان "الصورة". ولا أطيل عليك ولكن أريد أن أعلق فقط على ردك؛ فرغم أنه كان قاسياً بعض الشيء، ولكني أعتقد أنك تحتاجين معرفة أكبر لشخصيتي حتى تكتمل الصورة لديك وتساعديني على تخطي مشكلتي لأني أعتقد أن الصورة التي وصلتك عني وعن علاقتي بزوجي لم تكن واضحة.
لقد فهمتي من طريقة كلامي أنني إنسانة منطوية أو كشرية متحفظة ومتشددة، ولكن على العكس أنا إنسانة محبة للحياة والناس وأن جزء من مشكلتي في الحياة هي شدة حبي لكل الناس.. فأنا لا أستطيع أن أكره حتى من يسيء إلي، ومن@608; الله تعالى علي بحب جميع أساتذتي وذلك لحبي لعملي وكذلك حبي لطالباتي وطلبتي الآن وزميلاتي في العمل، وكنت مشاركة في كل الهوايات: القرآن والموسيقى والتمثيل والشعر والطالبة المثالية.
لم أفهم ما معنى أن زوجي هو أول تواصل لي في حياتي؟ وليس ذنبه لا تتصوري أن زوجي هو أول إنسان أكلمه في حياتي فلا يعقل أن طالبة جامعية كانت الأولى على دفعتها ولا يلجأ إليها زملاؤها طالبين فهم شيء تعذر عليهم أو أخذ كتاب أو كشكول، ولكن أول حب في حياتي هو زوجي وأول إنسان تتفتح له مشاعر الأنوثة والإحساس بالحياة هو زوجي والحمد لله. أيضاً والحمد لله مارست مهنة الطب فلست أكادمية بحتة ولكن أخذت أيضا دراسات في فرع عملي من فروع الطب من جامعة القاهرة، والحمد لله مارست عملي كطبيبة وأحب أيضاً مريضاتي جداً، ولكن كما قلت قد أكون أثقلت على نفسي بعطائي للآخرين وعدم شكواي من أي شيء مهما كان، وقد تكوني فعلاً محقة فأنا أسعد بشعور الآخرين نحوي بالامتنان وما شاء الله عليك لاحظت ذلك بل وأسميتي مشكلتي "الصورة".
نعم حتى في العمل؛ أنا حملت أكثر من أي زميلة لي، وعندما أذهب إلى القسم تقول لي رئيسة القسم: "عندما تكوني موجودة أشعر بالراحة" لأنني أتحمل العمل الشاق دون أي كلمة أو اعتراض، وأيضاً كان والدي دائماً يتطلع أن أفعل ما هو أكبر من سني نظراً لتأخره في الإنجاب ويقول لي: "هل يعقل أن تلعب بنتي الكبيرة مراجيح" مثلاً وكنت أحب أن أرضيه دائماً حتى لو تنازلت عما أتمنى عمله.
أما حياتي في محراب العلم والدين فقط فهذه كانت حتى المرحلة الجامعية، ولكني معك أن علاقتي بكل الناس موجودة وحسنة والحمد لله ولكن ليس لي أي علاقة عميقة أو صداقة متينة مع أحد!! أما بعد زواجي فأنا أعترف أن زوجي (بسم الله ما شاء الله ولله الحمد) رأيت معه كل الحياة؛ هو من علمني الطب كممارسات، وهو من جعلني أندمج مع الناس وأفهم تفكيرهم، وعلى فكرة فأنا أحبه كثيراً ولله الحمد ومنطقة الحوار ليست منعدمة بيننا (كما أعتقد أنك فهمت ذلك) ولكن على العكس نتناقش في كل شيء: في الحياة والطب والشراء والأولاد والمستقبل، وقد شاركته كل ما يحب من الأغاني والماتشات والبرامج السياسية، وقد حاولت أن أغير من أسلوب حياتي ومن اهتماماتي، وحاولت أغير شكلي وأن أرضيه من كل النواحي المعنوية والمادية والجنسية فيما لا يغضب الله... فأعتقد أن تصورك عن انغلاقي كان مبالغاً فيه، أو أنني لم أوضح الصورة تماماً.. فأنا والحمد لله بطبعي لست نكدية ولكن أحب الفكاهة والرحلات ولكن هي قسوة الحياة، ولا أمدح في ذاتي ولكن أحببت فقط أن تريني كما أنا كي تساعديني وترشيدينني إلى مشكلتي وجزاك الله خيراً.
كنت أعتقد أن هذا هو الحب الذي يربط بين قلبين وكنت أتصور أنه لا يمكن أن يتصور حياته وأنا لست فيها كما أنني لا أتصور حياتي وهو ليس فيها، فبعده عني جعلني أشعر أنه كل شيء في حياتي وأنني (وهو ليس معي) كأني في دنيا غريبة لا أشعر بطعمها وأن وجوده معي يعطيني الإحساس بالأمان، ولكن بعدي عنه جعله يفكر في أخرى معي لنملأ معاً فراغ حياته فشتان بين رد الفعل!!!
أنا لا أريده أن يشعرني بحمده لما فعلت وتقديره لكن لأنه هو من كان يراسلني عندما كنا في مصر كل يوم ويكتب لي المسجات وكان معي عادي جداً بالرغم من وجود هذه الإنسانة الشبح في حياته فهذا ما يزيد الموضوع صعوبة علي@608; فهو لم يتغير أو يغير من كلامه معي، وبالرغم من ذلك خان مشاعري وحبي فكيف أثق أنه وهو عادي معي في أي وقت لا يخونني في نفس الوقت- يعني لا أتخيل أبداً أنه وهو معي أنه يتحول إلى إنسان آخر بعيد عني وينسى كل حبه لي وكل حبي له؟؟ وكأن له شخصيتان؛ واحدة محبة لي وواحدة محبة لنفسه يبحث عن متعتها بأي وسيلة متى يتخلص الإنسان من هذه المشاكل التافهة ليرى المشاكل الأكبر للأولاد وللأمة والحياة والإسلام.
إنني كما قلت ناقشته في المشكلة فقال أنه كان يشعر بفراغ شديد في بعدي أنا والأولاد عنه وأنه بدأ بلعبه على النت وتطور وأنه أخبرها أكثر من مرة أنه لن يستطيع أن يتزوجها ولكنها كانت تلاحقه وأن هذه أزمة منتصف العمر، وعلل@609; لي أيضاً أنه يشعر أنني أحب دراستي وأنني قد تقدمت وأخذت الدكتوراه مما بدأ يشعره أنني انشغلت وكبرت عنه فتصرف كالطفل الذي يلفت انتباه أمه لانشغالها عنه، وقد عرض علي صورها وهي قد أرسلت له صورها مع زوجها الأول وأيضاً رسائله لها بالتفكير في الزواج من إنسان عربي مقيم ببلدها أفضل، ولكن في آخر الرسالة قال سأظل نادماً طوال حياتي أننا لم نتزوج وكم حطمت قلبي تلك الكلمة ويقول أنها مجرد كلمة مجاملة وأقول لنفسي كما قلت له من أحب إنسانة فعلاً لن يرضى لها تلك الحياة فأخذ يضحك وقال: (حتى هي صعبت عليك وأنا لا)، فهل كلمة مجاملة لتلك الإنسانة أم ما يقوله الآن مجاملة لي؟؟؟
أدركت من خلال توجيهاتك لي أنني والحمد لله أمشي في الطريق الصحيح وهو أننا يجب أن ندافع عن حبنا وعن أسرنا ولا نتركها في مهب الريح ولا يتعبنا ذلك بل إن شاء الله مأجورين عليه وأنني قد تأخرت في طلب التحرر من المشاعر المؤلمة فما يجب أن أفكر فيه الآن هو نفسي، وقلت لي يجب أن أنسى ولكن بالله عليك ما الذي يساعدنا على النسيان وكيف يرجع الإنسان إلى عقله ويرضى بقضاء ربه فهو سبحانه موزع الأرزاق ويحمد ربنا حتى ولو لم يجد ما يتمنى من الوفاء الذي يشعر الإنسان بالأمان الذي لم يتمنى غيره، كيف نحلم بالمستقبل وما قد يفاجئنا من الغدر؟ ولكن فوضت أمري لله فليعيني الله تعالى ولا يجعلني ممن يكفرن العشير.
سؤالي الملح الآن كيف أعيد بناء سقف بيتي الذي انهار؟ كيف أثق به؟ كيف أنسى وكيف أشعر بالأمان؟؟ ما الذي يساعد الإنسان على النسيان؟ وهل أنا إنسانة أنانية أبحث فقط عن سعادتي المفقودة التي لم أعشها سوى لحظات بسيطة ولم أفكر كيف أضحي بكل شيء كأي أم لتسعد أبناءها وتنال بذلك الجنة بأمر الله؟ ليسامحني الله، ولا تقس أنت أيضاً على فيكفيني ما أقسوه على نفسي.
ينتابني شعور مقلق وهو أنني أريد أن أصرخ، أن أتحرر من كل قيودي، أن أتمرد على كل حياتي، وأن أدمر كل من يحاول إيذاء مشاعري، أو أن أعيش هذه المرحلة المراهقة التي لم أعشها ويمنعني حبي لأولادي وزوجي وخوفي من الله من التمرد (وقد قرأت في بابكم مثل هذه المشكلة وهو ما سميتموه الصراع بين العقل والقلب)، فهل عدم مروري بهذه المرحلة جعلني فعلاً إنسانة غير سوية وأحتاج إلى طبيب نفسي؟؟ ولكن أليس من عاشها كمن لم يعشها الآن؛ إنها في كل الأحوال قد مرت ولأتخيل أنني فعلت بالفعل كل ما أريد ووصلت إلى حكمة الحياة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، ولما لا نتمنى أجر الصابرين (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)، ولما لا نتعشم أن يظلنا الله بظله يوم لا ظل إلا ظله كشاب نشأ في طاعة الله.
أشعر أحياناً أنني أفتقد الحنان والظهر والصدر الحنون، لم يكن لي خال أو عم أو خالة أشكو له وأستشيره فسامحوني، أنا أفضض لكم عما يدور بخلجات نفسي كلها لأنني لا أحب أن أعكر صفو حياة زوجي أو أحمله مالا يطيق فلم أعد والحمد لله أحدثه في هذه المشكلة والتي مر عليها وقت طويل ولله الحمد ويا رب لا تعود ثانية أبداً، لكن ما أفتقده هو السلام النفسي الداخلي والشعور بالأمان، ولعل ما زاد من معاناتي عندما كبر أخي وتزوج العام الماضي فرأيه أنه يحب البنت الحلوة ولكن يتزوج البنت المؤدبة وأنه لا يشعر تجاهها بأي حب أو شوق ولا توحشه إذا بعد عنها وأنا دائماً أقول له اتق الله وأحبب زوجتك لتهنأ بحياتك وتنال رضا الله فهل كل الرجال كذلك؟؟؟ وهل أنا بالنسبة لزوجي كذلك؟؟
لي مشكلة أخرى أحب أن تساعدوني فيها وهي أنني أخاف من كل شيء من قيادة السيارة، من أن أعوم، من الركوب في الملاهي مثلاُ ودقات قلبي تعلو، لقد استشرت أكثر من طبيبة وطبيب قلب ولكن قالوا لي أن قلبي الحمد لله سليم ولكن ماذا يحدث لي لا أعرف؟؟ وأخيراً، أعتقد أننا لا نملك لأنفسنا السعادة؛ إن لكل إنسان علة تشغله وتعكر صفو حياته، ولكن لندعو الله أن يرزقنا هذه المشاعر الرائعة ولا يحرمنا منها، أعلم أن الله تعالى حرم على آدم عليه السلام أن يقترب من شجرة التفاح ليكون رمزاً لنا جميعاً أننا لابد أن يكون هناك شيئاً ما ينقصنا في حياتنا ولكن ها نحن يا ربي صابرون فأعنا يا رب ولا تحرمنا من فضلك فأنت على كل شيء قدير.
أتمنى أن يعيد الله صوابي لكي أرى من هم أقل مني و أظل حامدة لله وشاكرة، وزوجة صبورة وراضية ومعينة له على الطاعات ابتغاء مرضاة الله، وليسامحني الله على ما راودني من أفكار وليهد الله تعالى كل الأزواج لزوجاتهم وكل الزوجات لأزواجهم وليحفظ أسرنا المسلمة من الانهيار ويرزقنا حسن التصرف ويبعد عنا الشيطان، وأن يقنعنا بما رزقنا ويبارك لنا فيه، وأن نحاول أن نجد شيئاً جميلاً في أنفسنا نحاول أن نسعد به الآخرين لأننا سنجد سعادتنا أكيد في إسعاد من نحب ولا ننتظر أن يسعدنا غيرنا، فإن تحررنا من مشاعر الأنانية وحبنا لغيرنا أعتقد أنه سيكون الطريق إلى السعادة ولن يضيع الله أبداً عملاً صالحاً لوجه الكريم وسيرزقنا أجمل مشاعر تمنيناها، وإذا مررنا بأزمة سيرزقنا بمن يحبنا ويخفف عنا فله الحمد من قبل ومن بعد ولا حول ولا قوة إلا به.
ساعدوني على اتباع الطريق الصحيح في التفكير وإيجاد الطريق الذي يجد الإنسان فيه السعادة دون أن يغضب الله،
وسامحيني على عدم ترتيب أفكاري وعلى أسلوبي الاستنكاري الذي قد ينبع فقط من آلامي.
13/01/2008
رد المستشار
ما ذكرته عن تفاصيل حياتك وممارستك للحياة العملية والزوجية وغيره يجعلني أقول لك أنك تستطيعين أن تكوني طبيبة نفسك ببعض المجهود ولكن لديك عدة أمور أريد توضيحها لك لا لتعرفيها فقط ولكن لتطبقيها.
* لديك مفهوم المثالية في التفكير والتطبيق بشكل فيه بعض المبالغة فأنت أم بقوة... زوجة بقوة..... طبيبة بقوة محبة لأهلك وترضيهم بقوة ؛ورغم ما اتفقنا عليه من وجود ضغط نفسي عليك في ذلك مقابل رضاك عن نفسك ورضاء من حولك عما تقومين به إلا انه ليس بالضرورة أن يشكل علاقات حقيقية ذات عمق! وليس من المفترض أن تكون كل علاقاتنا عميقة فهي جميلة هكذا في محيط عملك وأهلك! ولكنها ضرورية مثلاً مع زوجك فالفكرة المثالية للعلاقة بالزوج هي ما قلتيه تماماً من حوارات متعددة المواضيع وإشاعة جو المرح والتغيير في تفاصيل العلاقة الخاصة معه ولكنها لازالت غير عميقة!؛ لا زالت بعيدة عن المساحة الداخلية له بدليل وقوعه في مثل تلك الأمور رغم انسجام الوضع الخارجي بينكما فأين الحديث بينكما عما يحتاجه ولا يجده بصدق في علاقتكما الزوجية ككل؟ أين الحديث عن أحلامه هو؟ أين الحديث عن رغباته هو؟ أين الحديث عما يستهويه هو وليس عما يرضيه عنك؟ أين الحديث عن احتمالية وقوعه في مرض نفسي أو اضطراب يجعله يتصرف هكذا ليعالج ويرتاح مثلاً؟ فما يحدث بينكما جميل حقاً ولكن ما زال ينقصه "القرب" الحقيقي نحو الداخل الذي يستعر بتأنيب ضمير أو رغبات مكبوتة أو مضايقات أو غيره لديه وبهذا القرب لن يتحدث إلا من قلبه ولن يقول إلا حبا من دون مجاملة.
* الانفجار والتمرد يؤذي ويعقد مشكلاتنا أكثر ولكن بالفهم والترويّ والتعلّق بالتواصل مع الله يهون الطريق كثيراً؛ فعليك أن تمنحيه الثقة بحق بالتوازي مع هذا القرب الذي قصدته معه ولتكوني صديقة أهم من زوجة فلو تصورت فعلا أنه صديقة تحبينها وتريدين لها السعادة ستتصرفين كما أقول لك! فالصديق يحمل قبولا وحنانا كبيرا لصديقه رغم ما يراه من زلات صديقه ليعالجه ..ولتحدثيه وكأنك هو؛ كأن تقولي مثلاً أنا أعلم أن النزوع للسيدات رغبة تلح عليك رغم أنك تكرهها...... لو كنت مكانك لاستشرت طبيبا نفسانيا.. ما الذي أعجبك في فلانة؟... لتتناقشي معه بصدق، أعلم أني أتصورك امرأة خطيرة وستتحمل كل هذا ولكنك كذلك بالفعل فحاولي.
* ثقتك الحقيقية فيه ستبنيها بيديك حين تقتربين كما اتفقنا فالأمان لا نحصل عليه من الخارج ولا من كلمات ولكن نحصل عليه من صدق الإحساس بداخلنا وبصدق الإحساس الواصل لنا من شركائنا فهيا ابدئي... .رغم اعترافي بثقل ما قلته لك وبأنك ستبذلين جهداً كبيراً.
ولكن منذ متى تتحقق السعادة بلا كد أو تعب؟ فحين تنظرين إليه على أنه يعاني نفسيا سيخفف ذلك وطأة جرحك منه وتابعيني بأخبارك