السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف علاج الوسواس الشيطان؟؟؟؟؟
21/1/2008
رد المستشار
الابنة العزيزة "حياة" المغربية أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، مرةً أخرى تؤكدين لي ذلك اللبس في أمر الوسوسة، فهذا المفهوم هوَ أكثر المفاهيم التباسًا لدى العامة والخاصة في بلادنا، لأن علماء الدين في جانبٍ وأطباء النفس في جانب آخرَ تمامًا، ولم يحاول أحدٌ من قبل سبر غوار هذه القضية، لكنني بعد ما يعلمه الله من البحث والتدبر قد وصلت إلى رأي أدعو الله أن يكونَ صحيحًا، فالوسوسة عند المسلمين ثلاثةُ أنواع:
أولا: وسوسة النفس: قال تعالى:(ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) صدق الله العظيم "16 سورة ق"
ثانيا: وسوسةُ الشيطان :قال تعالى: (فوسوَسَ لهما الشيطانُ لِـيُـبْـدِيَ لهما ما وُرِيَ عنهما من سَـوءاتِهِما و قالَ ما نهاكما ربُّـكُما عن هذه الشجرةِ إلا أنْ تكونَـا مَـلَـكَـيْـنِ أو تكونا من الخالدينْ) صدق الله العظيم "20 سورة الأعراف"
وقال تعالى: (فوسوسَ إليه الشيطانُ قالَ يا آدمُ هلْ أدُّلُّـكَ على شجرَةِ الخُـلْـدِ وَمُـلْكٍ لا يَـبْـلَى) صدق الله العظيم "120 سورة طـه"
وكذلك قوله تعالى: (من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوسُ في صدورِ الناس) صدق الله العظيم "4 و 5 سورة الناس"
وقد كان لذلك تأثير كبير وما يزال على فهم المسلمين لمعنى الوسوسة وعلى إحداث الكثير من الخلط بين المعنى الديني الإسلامي للوسوسة والمعنى الطبنفسي للوسواس القهري وكذلكَ على ردِّ فعل الإنسان المسلم إذا وقع في براثن الوساوس.
ووسوسة النفس خبرة عادية لكل الناس فنفس كل واحد توسوس له بأن يفعل ما تميل إليه نفسه وتشتهيه فإذا كان هذا الإنسان صاحب ديانة يلتزم بها فإن عليه أن يقاوم وسوسة نفسه بحيث تكون أفعاله في إطار ما يحله دينه وإذا لم يكن صاحب ديانة تنظم له حياته فإنه يفعل ما توسوس له نفسه به في إطار قانون المجتمع الذي يعيش فيه خاصة إذا كان الفعل الذي توسوس له نفسه به فعلا علنيا.
وأهم ما أريدُ تنبيه القارئِ له هنا هو نوعية المواضيع التي توسوس بها النفس فهذه دائما أشياءٌ محبَّبَـةٌ للنفس البشرية ولكنها منظمة في إطارٍ معين داخل ديانة الإنسان فوسوسةُ النفس لا يمكن بحالٍٍ من الأحوالِ أن تتعلق بمواضيع مقززة أو مرفوضة أو على الأقل غير محببة للنفس وهي بالتالي لا تسبب ما تسببه الأفكارُ الوسواسيةُ القهرية من إزعاج للشخص.
ثانيًا وسوَسَةُ الشيطان: وهيَ ما يؤمنُ به كل مسلم لأن الشيطان عدوٌ للمسلم في أمره كله دينا ودنيا لكنَّ وسوسة الشيطان تختلف عن الوسواس القهري فالشيطان يوسوس في حدود قدرته التي سمح له الله سبحانه بها وهيَ محدودةٌ وفي مقدور كل بني آدم أن يتغلب عليه بذكر الله عز وجل والاستعاذة به سبحانه وتعالى، ولكن أهم نقطة هنا هي تعلقُ معنى كلمة الوسواس بالشيطان وكون الوسواس أحد أسمائه فإن الأمر يحتاج إلى تدبر كبير فقد ورد الاسم في القرآن الكريم لا منفردًا بل متبوعًا بصِفَةٍ وهيَ الخناس أيِّ الذي يخنسُ "ومعناها يختفي أو يتأخر لفترةٍ ثمَّ يعاودُ الظهور"ويذكرُ مختارُ الصحاحِ وَالقاموس المحيط أنَّ الخناس اسم من أسماء الشيطان لأنه يخنسُ إذا ذُكِـرَ الله عز وجل أي يسكتُ عن الوسوسة على الأقل لفترةٍ من الوقت وهنا نقطتان في غايةِ الأهمية:
الأولى: أن الشيطان حسب النص القرآني هو الوسواسُ الخناس وليس كـل وسواس شيطان وليس كل خناس شيطان أما ما أراه في كل من مختار الصحاح والقاموس المحيط فهو أنه في مادة وسوس ذكر أن الوسواس اسم الشيطان وكذلك في مادة خنس ذكر أن الخناس هو اسم الشيطان!!! وحسب رأيِّ المتواضع فإنه من الأفضل بعد تراكم المعرفة العلمية أن نستخدم النص القرآنيَّ كما ورد فيكون الشيطان هو الوسواسُ الخناس وليس الوسواسَ فقط ولا الخناسَ فقط.
والثانيةُ: أن الشيطانَ يكفُّ ولو مرحليا عن الوسوسةِ عند الاستعاذةِ بالله عز وجل وهذه أيضا نقطة في غاية الأهمية فالوساوسُ القهرية لا تخفت ولا تختفي بعد الاستعاذةِ بالله من الشيطانِ بل إن الكثيرَ أيضا من وساوس النفس بالمعنى الذي بينته فيما سبق لا تختفي بمجرد الاستعاذةِ بالله من الشيطان لسبب بسيط هو أن الشيطان ليس دائما مصدرها وإن شاركَ فيها في كثيرٍ من الأحيان.
وما أستطيعُ استنتاجه أيضا مما سبق هو أنَّ كلَّ وساوس النفس ووساوس الشيطان إنما تصول وتجولُ داخل حدودِ مقدرة الإنسان بمعنى أنه يستطيع التعامل معها والتحكم فيها سواءً بذكر الله أو التعوذِ به أو قراءة القرآن الكريم أو بزيادة تمسكه والتزامه بشعائر دينه إلى آخرِ الوسائل الدينية لتهذيب النفس، ولكنَّ الوسواس القهري شيءٌ مختلفٌ عن ذلك!
ثالثًا: الوسواس القهري: وهو علة مرضية تصيب بعض الناس كما تصيبهم أية أمراض أخرى . وهو عبارةٌ عن أفكار أو حركات أو خواطر أو نزعات متكررة ذات طابع بغيض يرفضها الفرد عادة ويسعى في مقاومتها أي أنها ليست من المحببات إلى النفس، كما يدرك الشخصُ أيضاً أنها خاطئة ولا معنى لها، لكن هناك ما يدفعه إليها دفعاً ويفشل في أغلب الأحيان في مقاومتها. وتختلف شدة هذه الوساوس حتى إنها لتبدو –لغير المتخصصين– عند زيادة شدتها وكأن المريض مقتنع بها تماماً. ويعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان أيضاً في عباداته وكذلك في شؤون حياته الدنيوية، لكنهُ لا يزول بالاستعاذة ولا يخنسُ عند ذكر اسم الله تعالى فهوَ وسواسٌ غير خناس! كما أن بغض نفس صاحبه له ينفي كونهُ يتبعُ وسواس النفس حسب الفهم الذي قدمناه من قبل.
وهكذا أكونُ قد ما استطعت الاهتداء إليه من أسباب الاختلاط في استخدام كلمة وسواس ولكن الحقيقة التي ألمسها ويلمسها الكثيرون من العاملين في مجال الصحة النفسية والطب النفسي في بلادنا العربية هيَ أن هناكَ على مستوى الناس استعمالاتٌ أخرى لكلمة وسواس فهناك من يستخدمونها لوصف العديد من الاضطرابات النفسية دونَ تحديد، لمجرد أن فكرةً ما غير مرغوبٍ فيها أو إحساسًا ما غير مرغوبٍ فيه يوجدُ لدى الشخص ويسبب له نوعًا من الضيق.
أرى يا حياة أنني قد أجبت الآن على سؤالك، فهل كنت تقصدين الوسواس الخناس أم الوسواس القهري أم وسواس النفس؟
اقرئي يا ابنتي على مجانين:
الوسواس القهري ومفاهيم جديدة
مسلم يعاني من الوسواس القهري: ماذا عن العلاج؟
وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين.