تأخر الزواج.. جاهلية تحكمنا و..... مشاركات
العنوسة
أنا أيضاً أعاني من مشكلة تأخر الزواج ورغم أنني مسيحية ولا تعدد عندنا ولا عرفي ولا مسيار... فأنا وبكل موضوعية وتعقيباً على المعلق الأخير، لا أعلم هل حقاً الحل في الموضوع هو التعدد والمسيار والعرفي؟ هل سيكون حال المرأة المتزوجة مسيار أو عرفي أفضل؟
أنا فقط أتساءل، هل يهرب الإنسان بعقله المحدود إلى حل المشكلة بمشكلة أخرى؟ ربما الحال أفضل نعم من ناحية إنجاب طفل والحياة من أجله، أو الهروب من الكلمة البشعة "عانس" لا أدري لكن في النهاية فإن 70-80% من هذه الزيجات تنتهي كما بدأت فهي لا تعدو كونها علاقة عاطفية شرعية أملها في الاستمرار ضعيف، وهي "مقلقلة" وتترك المرأة بعدها أسوأ من قبل، وطبعاً تبحث المرأة عن علاقة أخرى وأخرى بشتى الطرق "الشرعية" فننتهي كما هو الحال في الغرب، ولكن بفارق بسيط أن العلاقات موثقة بورقة (وربما لا) وبفارق أن المرأة تتخلص من شعورها الذنب.
وأنا أتساءل هنا لمَ انتقاد الغرب والصياح بانحلاله بكرة وأصيلاً، فأنا مثلاً لا أرى حالي مؤسفاً كامرأة غير متزوجه أكثر منه كزوجة ثانية. لا أرى نفسي غير أنثى بالأولى وأنثى بالثانية اللهم إلا إذا كانت الزوجة الأولى قد انتهى دورها عاطفياً واستقالت عن دور الأنثى، ففي هذه الحالة أرى أن جميع الأطراف راضين، وربما تكون هذه الحالات هي التي نسمع فيها أن وضع عائلة فيها تعدد مستقر، ولكن تشكل هذه الزيجات نسبة ضئيلة جداً، وأنا إذ قد أرثي لحال العانس فإنني أرثي بنفس المقدار لزوجة ثانية وليس السبب هو العرف بل هو الواقع.
بكل الأحوال لا أرى حلا لمثل هذه المشاكل إلا بتقبل زواج الفتاة في سن متأخرة وعدم حصرها في سن العشرينات وتشجيع الفتاة على إيجاد دور لها في المجتمع وفي الحياة، مع تغيير ثقافة الرجل الذي يرغب في صغيرة السن، فنحن نرى الفتاة في الغرب والتي وصلت لعمر الـ 35 هو شيء عادي لا يدعو للحزن وربما تتزوج رجلا بعمرها أو أكبر بسنوات قليلة ليست هناك ثقافة العذراء الصغيرة بل ثقافة الأنسب.
14/2/2008
رد المستشار
من حق القراء أن أحاول تفسير وتوضيح ما يبدو أنه لم يصل أو وصل على نحو خاطئ، ومن حقي على القراء أن يبذلوا جهدا في القراءة، وألا يتسرعوا ولا يختصروا ولا يستنتجوا من عند أنفسهم بقدر الإمكان، وأقول بقدر الإمكان لأن أية قراءة تتضمن اختصاراً واستنتاجاً بالضرورة، على خلفية التكوين الذهني والإدراك العقلي لكل منا حين يقرأ.
الأخت صاحبة المشاركة هنا وصلها أنني بعد أن رسمت خريطة المشكلة وصفت الحل بأنه القبول والإقبال على الزواج العرفي والمسيار، وما شابه!! وهذا اختصار شديد الاختلال لما أعتقد وأزعم أنني كتبته بوضوح، ولا بأس بالإعادة ففيها إفادة بمشيئة الله.
منظومة حياتنا كلها تحتاج إلى مراجعات وإعادة نظر ونقد وتوليد أنظمة تسيير أخرى لكل جزئية فيها، والبديل لذلك إما استمرار المساخر والفوضى والمعاناة التي نعيشها، أو المزيد من الانهيارات تحت مطارق أنماط الحياة الغربية المتداولة في العالم كله الآن بفعل العولمة، ولأن في هذه الأنظمة بريق يغري، وفي بعضها ما ينفع الناس بأكثر من الأنظمة التي نعيش بها، فإن عملة الأفكار المستوردة تبدو أحياناً أجود وأجدى مما لدينا، والعملة الجيدة تطرد الرديئة، فهل نحن مصرون على الرديئة؟!
ثم نذهب لماذا نصرخ ونشكو مما نسميه تارة الغزو الفكري أو الثقافي، أو مما نسميه تارة أخرى انهيار القيم أو شيوع الفاحشة، والحق أن من يفشل في توليد أنظمة تكفل للفضيلة أن تعيش فإنه هو بنفسه يشيع الفاحشة عرف هذا واعترف به، أو جهله أو تجاهله!!
وقلت بوضوح أن كل جزئيات منظومة الزواج تحتاج إلى مراجعة بدءاً من شكل ومساحات وصيغ العلاقات بين الجنسين، والموقف من حركة المرأة في المجال العام، بل مراجعة وجود أو انعدام أو تشوه المجال العام من الأصل، وكذلك الإنضاج والتكوين الإنساني التربوي لكل فرد بحيث يستطيع الاختيار أصوب ما يمكن.... حين يقرر الزواج، كما نحتاج إلى مراجعة الموقف من مبدأ الزواج نفسه، بحيث تتغير النظرة لمن تأخر زواجها نسبياً، ونتوقف عن الضغط على أعصاب الناس الأمر الذي يضطرهم أحيانا إلى الزواج لمجرد الزواج، أو هروباً من النقد أو المعايرة!!
مواقفنا النفسية من برامج الإعداد للزواج، وقبولنا أن نصبح طلابا نتعلم فقه الزواج والوالدية، والكف عن الهبل القائل بأن الفئران تتزوج والصراصير كذلك، دون أن تتعلم أو تتثقف!!!
وموقفنا من أشكال زواج لا بأس بها شرعاً بينما هي مدانة اجتماعياً!!
مثل أن تتزوج امرأة بعد طلاقها ولديها أطفال صغار، أو أن تتزوج شاباً أصغر منها، أو أن يتزوج الشاب من مطلقة، أو غير ذلك مما يرفضه المجتمع تصريحاً أو تلميحاً، وأزعم مع من يزعم أن دائرة الزواج بصيغته الوحيدة التي تقبلها مجتمعاتنا، وتنتظرها كل أسرة، ويعتبرها الناس هي الصحيحة وغيرها باطل أو مرفوض، هذه الدائرة تضيق أصلاً عن استيعاب حجم العلاقات بين الجنسين في كل ثقافة وحضارة منذ فجر التاريخ، ولكل ثقافة وحضارة ودين طريقة للتعامل مع رغبات الناس وحركتهم في هذا الشأن، وعلى مستوى التطبيق فإن المثالية التي يبدو أن المسيحية الموجودة حالياً تدعو إليها وتتبناها، يبدو لي أن هذه المثالية لا توجد إلا في عقول البعض بينما يوميات الواقع الحقيقي، وبعضه شبه معلن، وبعضه أكثر استخفاءاً، تبدو أبعد ما تكون عن هذه المثالية النظرية التي تتخيل أسرة دائمة مقدسة تحقق لكل أفرادها الاستقرار، وتوفر لهم الحب والجنس والدعم المعنوي والمادي في كيان واحد مستمر ربط الله عقده من فوق سبع سماوات!!
ليس عندي أرقام أو إحصاءات، ولكنني أعرف أن هذه المثالية لا تبدو متكاملة ولا تجد لها مكاناً إلا في مواعظ آباء الكنيسة، ودفاتر التلقين والدعوة والدعاية الخارجية أو الداخلية، بينما الواقع والعمل فيه يجري على غير ذلك!!
وفي حالة المسلمين فإن أصل التشريع، وفلسفة التصور لا تتجه إلى هذه المثالية فيكون مصيرها المواعظ وبطون الكتب، إنما يبدو أن الإسلام يطمح إلى نوع آخر من السمو ينشأ عن واقعية متحركة تتجاوب مع حاجات الإنسان دون أن تنسى وضع مجموعة محددات خفيفة، ولكن فارقة، تحقق تخطيطا شاملا للمسألة برمتها.
ورغم الاختلاف في أصل الموقف بين الإسلام والمسيحية في هذا الشأن أي في الموقف من الجنس ومطالب الجسد مثلاً، ومن غايات الزواج وأهدافه، ومن أشكال الدخول فيه والخروج منه، رغم هذا فإن التخبط صار يجمع المسلمين والأقباط في محاولتهم لتطبيق وفهم ما تمليه المعتقدات، ومفهومٌ أن شكل تخبط هؤلاء سيختلف بالتالي عن شكل تخبط أولئك، ولكن أستطيع القول أن كثيراً من تخبطات المسلمين متأثرة بأفكارٍ وممارساتٍ مسيحية، والعكس صحيح في حالة المسيحيين العرب الذين يتمسكون بالعقيدة، ولكن يرون في نظام الإسلام مزايا تسيل اللعاب، وبخاصة الرجال في موضوع التعدد، وأحياناً بعض النساء والرجال فيما يخص مسألة الطلاق، وهذا حديث يطول!!
انغلق في وجهنا واقعنا ومستقبلنا، وسنظل رهائن تلك المحابس التي وضعنا أنفسنا فيها إلا أن نراجع جميعا مسلمين ومسيحيين منظومة نظرتنا وممارساتنا في كل شأن، وفي الزواج خاصة، لأن الأسرة في حالتنا هي خط الدفاع الوحيد والأخير، وهي الحصن إذا كانت ما تزال باقية لنا حصون!!
في حالة عجز أداة الدولة وتعثرها، وتفكيك أواصر المجتمع، وتمزق أوصاله، وصراعات أحزابه وجماعاته وطوائفه، في وضع "الكل ضد الكل" كنا نقول أننا بخير ما دامت الأسرة بخير، ولكن الأسرة ليست بخير حالياً، والإصلاح يقتضي المراجعة الجذرية لكل مفردات ومكونات ومقدمات وتفاصيل عملية الزواج عندنا، وهذا ما أدعو إليه، وأعتبره مدخلاً لازماً لتحريك هذه المشاكل التي نواجهها، فهل يمكن اختصار دعوتي هنا كما تفضلت بأنني أرى "الحل" في القبول بالمسيار والعرفي؟!
في مواجهةِ أزمةٍ ومجاعةٍ أقترح أنا مشروعاً طموحاً لتسمين وعلف الماشية، وزراعة صديقة للبيئة، ورعاية صحية قبل وبعد وأثناء الذبح، وأن يتعود الناس على أكل أشياء لم يكونوا متعودين عليها في الذبيحة مثلاً، فتخرجين تقولين: الدكتور يقول أن حل المجاعة يكمن في أن نأكل الرئة والطحال ولحم الرأس والكوارع؟!
بالمناسبة أنا أحب هذه الأشياء وآكلها حين تطبخها والدتي أكرمها الله، ولكنني لا أتصور أن أكلها وحده يكفي لحل مشكلة اللحوم إذا شحت، وإن كان هذا بالطبع يبدو جزءاً ما للحل عند البعض!!
سيظل البعض الآخر يشمئز منها، في حين يعتبرها آخرون لذيذة ومتميزة، وهي في كل الأحوال أفضل من الجوع، أم أن البعض يرى الجوع أفضل؟!!
بالمناسبة أنا أيضاً أدعو إلى مراجعة السياقات كما أدعو إلى مراجعة المفردات كما شرحت، وأقصد بتأثير السياقات ما تعيشه الأسرة في ظل ظروف اقتصادية وسياسية وثقافية ونفسية مختلفة تماماً عما كان من قبل، وطبعاً لك أن تتصوري كم أنزعج من عدم طرح هذه المسائل كلها للنقاش العام، كما لك أن تتصوري كم يزعجني تبسيطٌ واختصارٌ مثل الذي وصلك لتصوري للمشكلة وحلها!!
أم أن مهمة المراجعة للمفردات والسياقات بدت لك صعبة أو مستحيلة فذهبت تقولين ذلك؟!
أظل مديناً لك بالشكر على جهدك واهتمامك بأن تقدمي نقداً ما، ومساهمة ما، مما أعطاني الفرصة ليس للإعادة بقدر المزيد من التوضيح والبلورة وإنضاج الأفكار، ودمت لنا ولمحبيك.