مطلقة: ليلة الدخلة لم أكن عذراء مشاركة (6)
السلام عليكم......
وكأنكِ أختي تتحدثين عني وليس عن نفسكِ ولكن لماذا أسميتها متناقضات؟
ولماذا أسماها طبيبي الفاضل د. أحمد تصورنا عن أنفسنا أو حقيقتنا وتصور الآخرين عنّا؟
أرى أن السبب هو اختلاف مستويات قدراتنا ومواهبنا في مجالات الحياة المختلفة. فمنّا من يملك ذكاءً اجتماعياً بدرجة عالية يستطيع به أن يجذب القلوب ومنّا من يملك الذكاء الذاتي الذي يستطيع به فهم نفسه والتخطيط لحياته، وأفضل مستويات تفكيره عندما يختلي بنفسه... وهكذا.
فأنت أختي الفاضلة بسيطة في تعاملاتك مع الناس متواضعة متسامحة ولكنكِ تحملين عقلاً راجح، وفكراً متألقاً فأين التناقض؟؟؟.
طبيبي الفاضل يبدو أن حضرتك رأيت الكثير من مجتمعنا لذلك أرجو أن تتحمل آراء من هي أقل عمراً واحتكاكاً.
طبيبي الفاضل شديدةً هي كلماتك: "ولكن في مجتمعاتنا السعيدة يبدو أن ذلك يبدو صعباً إلا بعد جهد ونضج كبير لأن آراء الناس وأحكامهم جزافية ومتسرعة وضاغطة جداً، ولا ترحم ولا تتمهل ولا تتبين، والناس نفسها مضغوطة ومشوهة ومتناقضة فكيف يمكن التعايش مع هؤلاء المرضى دون أن يتوارى الإنسان خلف أقنعة ومتاريس ليحمي نفسه من الكلاب العاوية ونظرات الفضول، واقتحام من لا يعرفون أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده؟!.."
لماذا نقول أنّ الناس مرضى ولا نقول أننا مختلفين وهذه سنة الله في خلقن، ولأُبين رأيي سوف أُسقط ذلك على مستشارينا الكرام. فأنتِ مثلاً أختي الفاضلة يجذبك عمق الفكر والرؤية الشاملة للأمور فاخترت د. أحمد ليجيب استشارتك، ونظرة أخرى يمكن أن تسمى الذي تسمينه أختي الفاضلة عمقا فكريا هو رؤية جدلية وتحميل للكلمات أكثر مما تتحمل. ليس لأن هذه الحقيقة أو تلك، ولكن لأننا مختلفين كل منّا له آراؤه وتوجهاته وأولوياته وأفكاره وهكذا خلقنا ربنا لنتعارف ونتآلف ونتوائم وليس لكي نقسم أنفسنا إلى مرضى ومعالجين.
معذرةً إن كنت تجاوزت .
15/3/2008
رد المستشار
يصل إلى موقع "مجانين" مداخلات بعضها أعتبره نقدا وأحتفي به، وقلت من زمن أنني مع من قال: "من ينتقدني فإنه يؤلف معي". وبعض المداخلات هي محض شتائم لا تستحق حتى القراءة، وبالفعل لا يتسع الوقت للنظر إليها فضلا عن مجرد التفكير في الرد!! إنما أعتبرها من معايير النجاح. وأنت في مشاركتك هذه تقدمين محاولة للنقد والاختلاف أرى أنها تستحق الاحتفاء والتقدير من حيث المبدأ، فأين التجاوز؟! ولماذا الاعتذار؟!
توجهين في كلماتك رسائل مزدوجة بمعنى أنك تخاطبين صاحبة السؤال الأصلي، وكذلك تخاطبين شخصي، وأنا هنا أجيب على ما يخصني فقط.
أتفق معك بشأن ما ذكرته من الاختلاف فيما بيننا في مستويات القدرات والمواهب، وأقول أن لهذا تأثيره على رؤية كل منا لذاته وللآخرين، وهذه الرؤية تقترب من الحقيقة أكثر بقدر ما تكون هذه القدرات فاعلة، والأدوات والمهارات نافذة ونافعة، أما قصور القدرات أو غياب أو ضعف بعضها فمن شأنه إبعادنا عن حقيقتنا حين نحاول أن نراها، ويمكن تسميته هذا الضعف أو القصور مرضا لأنه يعيق ويشوه رؤيتنا لأنفسنا وللناس، وأنت تريدين اعتبار هذا النقص نوعا من التنوع والاختلاف، والعبرة عندي بالمسميات لا بالأسماء، فلا يهمني إن كنا سنسمي هذا الوضع اختلافا أو نسميه مرضا، الذي يهمني أكثر أن نعالجه، وألا نستسلم لمقولة أن الاختلاف من سنن الله في الخلق، لأن هذا استخدام لحقيقة كونية أو إنسانية في غير موضعها!! وقد قيل يوما أن المرض النفسي وجهة نظر، وكان لابد أن نخوض الإنسانية تجربة مؤلمة تعلمت فيها أن المرض مرض ويحتاج إلى علاج، ووجهة النظر شيء آخر!!
وفي الدفاع عن وجهات النظر هناك ما يسمونه الدلائل والبراهين، وأقوى أنواعها الأبحاث العلمية الميدانية، والأرقام والإحصائيات، وأنا أفتقد إلى هذا في الموضوع محل النقاش، وكذلك أنت، وبالتالي فلا أستطيع أن أقول لك استنادا إلى هذا النوع المفتقد من البراهين والأدلة أنك تتعامين عن رؤية الواقع كما هو، والتعامي سهل، ويعفي من المسئولية، لا أستطيع القفز إلى هذه النتيجة لأنك تقولين مجرد انطباعات مستندة إلى خبرة بسيطة ومحدودة، وأنا أيضا للمفارقة، وبسبب غياب الدلائل من البراهين والأرقام أبحث وأتحدث عن مجرد انطباعات وتحليلات أيضا، وإن كانت مستندة إلى نوع أقل قوة من البراهين، ويسمونها خبرة الممارسة اليومية الميدانية، ولذلك فإنه لا يوجد معيار حاسم جازم يفصل في ما أقوله من حيث هو شديد وقاسي، أم واقعي وبليغ؟!
فقط خبرتي وممارستي من ناحية، ومن ناحية أخرى يوجد ما يمكن تسميته "المقدرة التفسيرية" بمعنى أن هناك نظرتك التي ترى أنه اختلاف وتنوع، وهناك نظرة ترى أن الواقع حولنا هو بيئة مرض نفسي بامتياز، ويمكن للناس أن يستخدموا مقولتك أو مقولاتي، والمقولات ذات المقدرة التفسيرية الأعلى تكون هي الأنفع، مع ملاحظة أن كل وجهة نظر أو أية مقولات لا يمكنها تفسير كل شيء، أي أن لكل مقولات قدرة تفسيرية جزئية بطبيعة الحال!!
وكل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد كما نعرف أما لماذا أقول أن الناس مرضى ولا أقول أنهم مختلفين، فطبقا للمدرسة التي أتحمس إليها في الطب النفسي فإن الفارق بين وجود مرضى نفسي من عدمه هو الإعاقة الوظيفية، فليس كل حزين مصابا بالاكتئاب، إلا إذا توافرت أعراض الاكتئاب لفترة تحددها أدلة التشخيص إضافة إلى الإعاقة الوظيفية المصاحبة للاكتئاب، وأنا أستخدم نفس الأسلوب في رؤية المرض الاجتماعي، فما ترينه أنت أحيانا تنوعا أسمح لنفسي أن أعتبره مرضا حين يرقى في تقديري إلى أن يكون إعاقة ومعيقا عن سريان الحياة بسلاسة، وقدر مقبول من المشكلات!!
إذن، وبشكل علمي، فإن الخروج من المعيار الذاتي المطلق في الحكم على الأمور، ومعيارك في الحكم على تنوع نظرتك أو نظرة غيرك للمستشارين، وللخروج من هذا المعيار مفرط الذاتية في الاستحسان أو عكسه نحاول وضع معايير موضوعية ذكرت منها: خبرة الممارسة والمعالجة، والقدرة التفسيرية للمفاهيم، وربما نجد معايير موضوعية أخرى لو فكرنا أكثر.
إذن الفارق بين التنوع المحمود والقصور المذموم هو وجود الإعاقة، أو يتحول العالم إلى مجرد مادة سائلة فلا أحكام ولا مواقف ولا رفض، فقط مجرد اختلاف وتنوع، وبالتالي فإن الاستبداد والظلم والشذوذ الجنسي والتأخر العقلي، والجمود العاطفي هي مجرد آراء وتوجهات علينا أن نقبلها ونتعايش معها، ونتآلف مع أصحابها، ونتوائم مع ما تسببه لنا من آلام!!!
ولو كانت هذه المقولة ممكنة لاستراحت الإنسانية كثيرا، ولكن للأسف فإن المشوهين نفسيا مثلا لا يسكتون إلا في حربهم على غيرهم ممن يرى غير ما يرون، فهم الذين قالوا، ولاحظي:
"أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"!!
وأخشى يا أختي أو ابنتي أن أغلبنا يخطو متسامحا مثلك، وهو نوع التسامح المؤسس على قلة الخبرة والاحتكاك فيقابل الأمراض والعاهات، والمشوهين والمشوهات بوصفها اختلافات تنوع وتعدد ثم صدمات، بعضها يكون قاصما، أسال الله لك ولنا العافية، فينقلب من التسامح القديم الهش إلى رعب وفزع وهلع، إلى قلق واغتراب ورغبة في الرحيل إلى الداخل والانعزال، أو إلى الهجرة لأنه اكتشف ـ ويا للمفاجأة ـ أننا نعيش في غابة!!!
ولقد رأيت شابا من هؤلاء في أعقاب صدمات بعضها شخصي، وبعضها قومي وطني عام، وربما أنا مهتم جدا بألا يحدث انكسار عند هذا الاكتشاف/الصدمة، وألا ينهار صاحب الاكتشاف الألمعي الذي ظل يتماسك نافيا لما يراه حوله متعاميا عن رؤيته هروبا من الألم، أو من المسئولية، ثم يكتشف وينهار، ووظيفتي أن أمنع هذا الانهيار قبل حصوله، وكذلك يهمني أن يخرج هذا المكتشف من صدماته تلك وهو أقوى وأكثر نضجا وحكمة، مهمتي أن أنتقل بنفسي وإياكم من هلع الضحية إلى فاعلية المعالج!!
أختم بتكرار الإشادة بجهدك، وبالتأكيد على أن هناك سنة التنوع والاختلاف بين البشر فعلا، ولكن رؤية ما يسبب اختلالات وإعاقات حياتنا بوصفه ضمن هذا التنوع، هذه الرؤية تحتاج منك إلى مراجعة، كما أشكرك على تصريحك بأنك فهمت من كلامي أننا ينبغي أو يمكن أن نقسم أنفسنا إلى مرضى ومعالجين، بينما أنا أعتقد، ولعلي أراجع كلامي ليكون معبرا أكثر، أزعم أننا كلنا نعيش في بيئة أمراض اجتماعية ونفسية، وأنها أصابتنا وتصيبنا جميعا بدرجات، والشاطر من يدرك قصوره ويعالجه ويساعد الآخرين على أن يتعالجوا، وباختصار مخل جدا أرى أننا كلنا مصابين، وكلنا معالجين محتملين.