الثقة بالنفس .........
لا أعلم من أين أبدأ، أو كيف رمت بي أمواج الحياة على شطآن الجنون والفشل.. حسناً، سأبدأ حين فقدت شخصا عزيزا علي و قد كان أهم شيء في حياتي، وتوفي، وكانت صدمة، ما أعتقد سأصدم من أي شيء آخر، بعدها خضت تجربة جدية ومريرة مع الاكتئاب، حتى أنني لا أعلم إذا كنت قد شفيت منها أم لا إلى الآن!!!، لم يكن لي طاقة للعيش، كرهت كل الناس، كل إنسان ضاحك، عزلت نفسي جيداً عن الناس.. من بعدها..
بدأت أضع حياتي في محض الخيال، كما أردت أن أكون، ووضعت طموحاتي بطيات الخيال، وجعلت من الخيال واقعي الذي عشته وأحسسته، أعني أنني أتخيل الناس الذين أريدهم حولي أو أي شخص أختم له حولي وأتكلم معه وأكون شخصية قوية، تماماً كما أردت أجد صعوبة في تطبيق تلك الشخصية القوية مع الناس، أميل للانطوائية، عديمة الثقة بالنفس، علاقتي مع أمي ليست متوترة، لا أستطيع أن أثق بأحد إطلاقاً، أخاف فقدان الأعزاء، شكاكة بشكل رهيب يدمرني، كنت أوائل الفائقات والآن أكافح للنجاح، لا أستطيع الدخول إلى لب المواضيع بل أحوم حولها، بحثا عن تلك الأعراض، ولم أعرف ما خطبي!!..
أرجو المساعدة أهل مجانين،
فقد فقدت نفسي بالكامل.....
23/03/2008
رد المستشار
ابنتي الغالية؛ أهلا ومرحبا بك على موقعك.....
واضح بنيتي أعراض الاكتئاب من رسالتك؛ والذي أطل علينا بمخالبه وأنيابه السوداء من بين سطورك المعبرة والمؤثرة، وإن كان من المهم أن نعرف متى بالضبط فقدت ذلك الشخص العزيز جدا، والذي اختفى من حياتك بوفاته؟!، لو حدث ذلك الفقد منذ أقل من سنة فهذا التفاعل منك نعتبره في حدود المقبول لمشاعر الحداد والأسى والحرمان نتيجة فقد شخص عزيز علينا، لدرجة أن بعض الأشخاص يظنون -ممن عانوا الحداد والأسى- أن ذلك الشخص حي يرزق، فيتحدثون معه ويقدمون له الطعام، وقد يقدمون لهذا المتوفى الهدايا في يوم ميلاده!!!.
ولهذا الحداد مراحل قد تحدث لمن فقد شخصا عزيزا أو عضوا من جسده أو يعلم أن لديه مرضا قاتلا يسبب الوفاة في غضون أشهر قليلة أو أيام معدودات، فما هي تلك المراحل؟!
(1) الإنكار
إن المرحلة الأولى هي الإنكار، وهي حالة تتكون من الصدمة والإجفال والذعر ورفض عام لقبول أو إدراك الحقيقة؛ فنقوم بعمل كل شيء وأي شيء لكي نعيد كل شيء إلى ما كان عليه أو نتظاهر بعدم حدوث شيء، فالإنكار حيلة دفاعية غير ناضجة، وعلى الرغم من ذلك فكل منا قد يستخدمها ولو لمرة واحدة في حياته؛ وذلك لكي يحافظ الشخص على توازنه النفسي في المواقف بالغة الصعوبة؛ حيث يكون هناك المزيد من التوتر والخوف في هذه المرحلة. فردود الأفعال المصاحبة للإنكار تشمل: رفض تصديق الواقع، أو إنكار أو تقليص أهمية الخسارة والفقدان، أو إنكار أي شعور تجاه الخسارة (اللامبالاة) أو التجنب الذهني لما يحدث، فقد نشعر حينئذٍ بأننا مبتعدون عن أنفسنا، وأن استجابة مشاعرنا سطحية أو غير موجودة أو غير ملائمة مثل الضحك عندما يجب أن نبكي والبكاء عندما يجب أن نكون سعداء!.
إننا نقوم بإصدار معظم سلوكيات المهتمين بشئون الغير في هذه المرحلة (هجر الأشياء والسيطرة وكبت المشاعر)، كما أن شعورنا بالجنون مرتبط بهذه الحالة، إننا نشعر بالجنون لأننا نكذب على أنفسنا، كما أننا نصدق أكاذيب الغير، لا شيء يمكن أن يجعلنا نشعر بالجنون بطريقة أسرع من أن يتم الكذب علينا. إن تصديق الأكاذيب يدمر كياننا، إن بصيرتنا تعرف الحقيقة ولكننا ندفع بها بعيدا ونقول لها "إنك مخطئة"، وكما قال المستشار سكوت إيجلستون "إننا نقرر أن هناك شيئا أساسيا خاطئا بنا لأننا نشك في الغير، وعندما نتحدث بخصوص أنفسنا ومشاعرنا الداخلية نقول إنه لا يجب الثقة بها بعد الآن"، إن الإنكار ليس كذبا ولكنه وببساطة عدم السماح لنفسك بمعرفة الحقيقة، إن الإنكار هو ما يمتص الصدمة، وهو رد فعل طبيعي للألم، والخسارة والتغيير، وهو يحمينا من ضربات الحياة الموجعة حتى نجمع مصادرنا الأخرى للتعايش معها.
(2) الغضب
عندما نترك إنكارنا لخسارتنا فإننا ننتقل إلى المرحلة التالية ألا وهي: "الغضب"، قد يكون غضباً منطقيا، أو غير منطقي، وقد نكون على حق في إخراج غضبنا، أو قد نعبر عن غضبنا بشكل غير عقلاني؛ بأن نصبه على أي شيء أو أي شخص. قد نلوم أنفسنا وكل من حولنا على ما فقدناه!، وعندما نتفحص وننظر لحجم وكم وطبيعة الخسارة فقد نصبح منزعجين، أو إلى حد ما غاضبين أو ثائرين أو يتملكنا الغضب بشدة؛ وهذا هو السبب في أن تعديل مسار شخص ما، وتوضيح الحقيقة لشخص ما، أو مواجهة مشاكل خطيرة قد لا تسفر عما نتوقعه، فإذا ما أنكرنا موقفا ما فلن نتجه مباشرة إلى قبول الحقيقة، ولكن سوف نتجه نحو الغضب، ولهذا فنحن بحاجة لأن نكون حذرين عند المواجهات الكبرى والحاسمة.
إن العمل على تعديل مسار الناس وتمزيق أقنعتهم، وإجبارهم على مواجهة الحقيقة المحبطة يعد عملا خطيرا ومدمرا، إن الإنسان يتمكن من العيش عند إدراكه لواقعه، وبطريقة أو بأخرى فإنه يبقى خادعا لنفسه، فإذا لم يتم إخباره الحقيقة، فمن الذي سيتحمل هذا العبء ويخبره بالمصيبة الواقعة مرة أخرى؟!، أما إذا كنا نخطط لعمل مقاطعة لما يحدث من حولنا فنحن عندئذ بحاجة إلى مساعدة نفسية متخصصة!.
(3) المساومات وعقد الصفقات
بعدما نهدأ من غضبنا على ما فقدناه أو ما نتوقع أن نفقده قريباً؛ فعندها نحاول عقد صفقة أو مساومة مع الحياة أو مع أنفسنا أو مع شخص آخر!، وفي إطار هذه المساومات، إذا قام أحد الأطراف بأداء ما هو مطلوب منه وأدى الطرف الآخر في المقابل واجباته والتزامه، فلن تواجه أيا من الطرفين أية خسائر.
إننا لا نحاول بذلك تأجيل ما سيحدث حتما، بل إننا نحاول منعه، ففي بعض الأحيان تكون المفاوضات معقولة ومنتجة، كمثال: إذا تصالحت مع زوجي فلن نكون في حاجة إلى إنهاء علاقتنا، أو لقد اعتدت على التفكير في أنني لو عافاني الله من هذا المرض الخطير لسوف أتصدق بعمل مستشفى ضخم لعلاج ذلك المرض الخبيث!.
(4) الإحباط
عندما نرى الصفقة لا تفيد، وعندما نشعر بالإرهاق من محاولاتنا لتجنب الحقيقة، وعندما نقرر أن نعترف بما ألقته الحياة في طريقنا -بأمر ربنا عز وجل- فإننا نشعر بالحزن، وأحيانا بالإحباط الشديد، وهذا هو أساس الحزن، وهذا ما كنا نحاول تجنبه بكل السبل!، هذا هو وقت البكاء، وهو شيء مؤلم. هذه المرحلة من العملية تبدأ عندما نستسلم، وتختفي عندما تنتهي هذه العملية ونجتازها.
(5) القبول والاستسلام
هذا هو ما نريده، بعدما أغلقنا أعيننا وغضبنا وركلنا وصرخنا وتفاوضنا وشعرنا بالألم، وفي النهاية، نصل إلى حالة القبول للأمر الواقع من فقدنا لعزيز أو حتمية فقدان شيء عزيز علينا في أقرب وقت. إنها ليست عملية استسلام عاجزة أو شعور بمبدأ: "وما الفائدة؟!"، أو أنني لا أستطيع المقاومة أكثر من ذلك!. وهي ما تشير إلى بداية نهاية المقاومة، ولكنها لا تعني الرضا بالأمر الواقع، ولا يجب أن نقول إن القبول هو مرحلة سعيدة، بل إنه مرحلة متبلدة وخالية من المشاعر، إنها تشبه وكأن الصراع قد انتهى، وتقبلنا الأمر الواقع، وقد استسلمنا مهزومين تماما، ورافعين للرايات البيضاء.
إننا لا نشعر بالراحة فقط مع ظروفنا الحالية والتغييرات التي تحملناها ولكننا نعتقد بطريقة ما أننا قد استفدنا من خسائرنا والتغييرات التي طرأت علينا، حتى إذا لم نتمكن من فهم كيفية حدوث ذلك وسببه، فالآن وبعد أن تجاوزنا المراحل الأربع السابقة لدينا ثقة في أن كل شيء على ما يرام وأننا أصبحنا أكثر نضوجا.
هكذا يتقبل الناس الأشياء، وإلى جانب تسميتها بعملية "الحداد أو الأسى أو الحرمان"، فقد يمكننا أن نطلق عليها عملية التسامح أو عملية الشفاء، إنها ليست عملية مريحة؛ (وبشكل خاص)، وفي الواقع هي عملية محيرة وغالبا ما تكون مؤلمة. إننا نشعر وكأننا ننقسم إلى جزأين!، وعندما تبدأ العملية فإننا نشعر بالصدمة والذعر، وبينما نمضي خلال المراحل الخمس فإننا غالبا ما نشعر بقلة الحيلة والضعف والوحدة والعزلة؛ لذا يجب أن نترفق بأنفسنا، فهي عملية مرهقة، فقد تعمل على استنفاد جميع طاقاتنا وتفقدنا التوازن.
وعلى الشخص الذي يعاني من الحداد أو الأسى أن يقوم بمراقبة كيفية مرور تلك المراحل الخمس، وشعور الشخص الذي يعاني بما هو في حاجة إليه، على هذا الشخص التحدث إلى الأشخاص المؤمنين العقلاء الذين يمنحونه الراحة والدعم والفهم الذي يحتاجه. تحدث عن الأمر بصراحة كأن تقول: إن الشيء الذي أعانني على خسارتي –في ظروفي الحالية– كثيرا هو شكر الله، بغض النظر عما أشعر به أو أفكر فيه بشأنها، والشيء الثاني الذي يساعد الكثير من الناس هو الدعاء إلى الله بمنحنا السكينة، إننا لسنا بحاجة إلى أن نتصرف بشكل غير لائق مع أنفسنا في مثل تلك المواقف الصعبة، ولكن على من يتعرض لموقف من مواقف الفقد والحداد والأسى على عزيز فقده أن يخوض عملية الحزن بصبر وشجاعة؛ لأن قضاء الله وقدره (نافذ نافذ) رضينا أم لم نرض بذلك؛ فلسلامة صدورنا وللحفاظ على إيماننا علينا أن نرضى ونسلِّم لما يحكم به الله علينا، سواء كان ذلك في فقد عزيز علينا أو الابتلاء بفاجعة من فواجع الدهر.
بنيتي العزيزة؛
إذا كان فقدك لهذا العزيز الغالي قد مر عليه أكثر من سنة فأنت بالتأكيد في حاجة إلى الذهاب إلى طبيب أو طبيبة نفسية، وعليك بالتحدث عن هذا الشخص العزيز المتوفى كثيرا؛ للترويح عن نفسك، ولا مانع من المساعدة ببعض العقاقير النفسية المضادة للاكتئاب، وأنا على ثقة من أنك ستستعيدين ثقتك بنفسك مع مرور الوقت، فكل شيء في الحياة يُولد صغيرا ثم يكبر إلا المصيبة تُولد كبيرة وتصغر مع مرور الوقت.
ابنتي الطيبة؛
دعواتي الحارة من صميم قلبي بتماثلك للشفاء من الأسى والحداد والحرمان على ذلك الشخص الغالي الذي افتقدت، وألهمك الله الصبر والسلوان، وتابعينا بأخبارك.