السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت قد عانيت من اكتئاب لفترة طويلة بدأت منذ دخولي الجامعة تخصصاً لا أرغبه بإملاء من الأهل (لم أكن أعلم في حينها أن هذا اكتئاباً). كان يحمل -كما عرفت لاحقاً- كافة الأعراض النموذجية: سرعة التعب، وفقدان الاندفاع في الحياة، وعدم الاستمتاع أو الشعور بجدوى أي شيء، والتردد الشديد وعدم القدرة على اتخاذ أي قرار، وكثرة الشرود والنسيان، والاستيقاظ المبكر من النوم رغم أني لم أنم سوى 3-4 ساعات، والميل إلى لوم نفسي وأشعر أني كتلة من الأخطاء والعيوب سواء من حيث المضمون أو الشكل الخارجي (لست وسيماً وربما أكون أقرب إلى الدمامة) وليست لي أي ميزات... إلخ تلك المشاعر السلبية..
ولم تكن هذه الأعراض قوية في البداية (وإن كنت أشعر بها في أقوى حالاتها عند الاستيقاظ في الصباح)، ثم ظلت تتزايد حتى وصلت في مرحلة التخرج من الجامعة إلى قمتها، ووصل الأمر بي في هذه المرحلة إلى حد الدخول في نوبات بكاء عميقة، وصرت أفكر في الانتحار فالطرق مسدودة أمامي، وأنا أصلاً إنسان فاشل منذ البداية.. ولا يمكن إصلاحي.. (وإن كنت لم أحاول الانتحار لعدم امتلاكي الشجاعة، ولكني كنت موقناً تماماً أنه هو الحل الوحيد)، ومما فاقم الأمر أني ظللت لفترة طويلة بدون عمل (سنتين ونصف) وكانت هذه الفترة قمة الاكتئاب.
المظاهر العضوية التي تؤدي إليها نوبات هذا الاكتئاب:
1- حموضة شديدة لا تنفع معها أي مسكنات، وقد عملت كافة الفحوص وأكد الأطباء إن أسباب ارتفاع الحموضة لدي ليست عضوية أبداً.
2- الفقدان التام للرغبة الجنسية، ومما عزز فقدان الرغبة هو أني خلال فترة الاكتئاب مررت بتجارب جنسية فاشلة جعلتني أقلق كثيراً من الأداء، ومتخوفاً و"معقداً" من مسألة الجنس وأنا متيقن أنني لا يمكنني إتمامه نهائياً، وصار الجنس لدي اختباراً وليس متعة ولذة فأضاف هذا اكتئاباً إلى اكتئابي.
بعد أن حصلت على عمل (بعد 3 سنوات تقريباً على تخرجي) وتركت الجلوس في البيت تحسنت نوعاً ما.. ولم أعد أمر بتلك الموجات الطويلة من التكدر، وصار العمل يشغلني نوعاً ما عن "الاختلاء بنفسي" فلم أعد أجد الوقت لجلد نفسي، لأني أظل غارقاً في العمل من الصباح إلى المساء، وآوي إلى فراشي في آخر اليوم متعباً، لكن حتى هذه اللحظة كان مستوى تقدير الذات عندي منخفضاً، وما زلت أشعر بالاكتئاب.
ثم جاءت مرحلة من التحسن بعد شهرين من العمل، حيث بدأت أتلقى من أحد رؤسائي (الذي بدأ "يكتشفني") إطراءً دائماً وانبهاراً بقدراتي وذكائي، وقام برفع راتبي والإشادة بي أمام الجميع، فعشت أياماً رائعة من السعادة بشكل لم أعهده منذ سنوات كنت سقطت فيها في دوامة الاكتئاب واحتقار الذات.. وكانت هذه بداية التحسن في حالة الاكتئاب بشكل عام، وكان هناك تحسن جنسي ملفت في هذه الفترة (شهر الإطراء هذا) بحيث كنت أحس برغبة شديدة في ممارسة الجنس وتراودني خيالات و"فنتازيا" جنسية بشكل دائم ويحصل لي انتصاب قوي، وهو (أي الإثارة والرغبة الجنسية) أمر كنت قد أوشكت أن أنساه نهائياً.
في مرحلة التحسن هذه تأكدت من أن ما كنت أعاني منه هو الاكتئاب، فبعد ارتفاع تقديري لذاتي عاد لي الإقبال على الحياة والاستمتاع بها، واختفت الحموضة نهائياً، وعاد وضعي الجنسي إلى مستوى طبيعي.
بعد انتهاء "شهر العسل" هذا (بتغيير إدارة العمل) عدت إلى مزاج غير عالٍ تماماً في أغلب الأوقات، بمعنى أني لا أشعر تماماً بالراحة النفسية، وأشعر من حين لآخر بالكرب والانقباض والضيق (وإن كان أخف مما كان يحصل لي في فترة الاكتئاب الأولى)، وما زلت أهتم كثيراً بنظرة الآخرين لي، وأحس أنهم (أو بعضهم) لا يحملون لي الكثير من التقدير والاحترام كما ينبغي، كما أن منسوب تقدير الذات عندي يمكن أن ينخفض بشكل حاد جداً إذا وجّه لي شخص ما انتقاداً.
ما زلت حتى الآن في هذا المزاج "نصف-الاكتئابي" إن صح التعبير، وحتى الآن ما زلت عندما أتذكر أي موقف من الماضي الأليم أصاب بموجة من الكرب وتكدر المزاج تشابه الموجات التي كانت تنتابني سابقاً.. ولكنها تستمر لمدة يومين أو ثلاثة وتنتهي (أنشغل في دوامة العمل).. صحيح أنني الآن لا أفكر في الانتحار إذا مررت بموجة، ولكني لا أشعر حتى الآن أني مرتاح نفسياً.. فمازلت تشاؤمياً.. سوداوياً.. أخاف بشكل رهيب من الفشل (مما يوقعني فيه أحياناً)... قليل التركيز.. مشتت الذهن.. تقديري لذاتي ليس جيدا ً(وإن كان أفضل قليلاً من فترة الاكتئاب الأولى).. أبسط انتقاد يوجه لي (في مسائل معينة أشعر فيها بالنقص) يجعلني أسقط في دوامة من الكرب الطويل.. وأصاب بحموضة رهيبة.. كما أن أي إطراء يتعلق بالمسائل نفسها يجعلني أشعر بالراحة نوعاً ما (وهي مسائل: الجنس، والمستوى العلمي، والهوية الاجتماعية حيث أني مشتت بين عدة أعراق من وطني فلا أنا إلى هؤلاء ولا هؤلاء يقبلونني).
ما زلت أشعر من حين لآخر بانعدام المتعة في الحياة، وأحياناً بانعدام المعنى لكل ما هو موجود.. وإن كان ذلك الإحساس لا يستمر لفترة طويلة (يوماً واحداً أو يومين، ثم يعتدل مزاجي قليلاً لأسبوع أو أكثر، ثم تأتيني نوبة أخرى..)، ومن السهل عليّ جداً تذكر عيوبي وكل الأحداث السيئة أو المخفضة لتقديري لذاتي والتي مررت بها طوال حياتي، ومن شبه المستحيل أن أتذكر أي موقف إيجابي حصل معي في تاريخي يرفع تقديري لذاتي( رغم أن هناك مواقف إيجابية ولكن أحس كما لو أنها مسحت Deleted تماماً من ذاكرتي)...
بالنسبة للمسألة الجنسية: أنا أجد الانتصاب الصباحي بشكل منتظم، وأحياناً أحتلم (كل شهرين أو ثلاثة) خاصة إذا كنت مقلعاً عن العادة السرية (كنت مسرفاً فيها في مراهقتي ثم مللت منها فلم أعد ألتذّ بها وصرت أقذف دون انتصاب فأقلعت عنها، ولم أعد أعود إليها إلا في فترات متباعدة وبدون لذة أيضاً)، وما أعرفه أن هذه العلامات (الانتصاب الصباحي والاحتلام) تدل على أن الشخص سليم عضوياً، فلم يبق إلا العامل النفسي، وأنا أخاف من فكرة الزواج الآن خوفاً من الفشل كعادتي، وأحدث نفسي دائماً: (ماذا لو فشلت في إتمام العملية؟ ستكون فضيحة كبرى...).
طبعاً نسيت أن أقول أني خلال فترة الاكتئاب الأولى كنت قد بدأت القراءة في الفلسفة ووصل بي الحال إلى شكوك كثيرة في العقائد والغيبيات عموماً.. وما زلت أجد صعوبة في الاقتناع بالأمور الدينية نهائياً.. وإن كنت أمارس الشعائر بجسمي مجاراة للناس (أصنف نفسي الآن أني مسلم ولست مؤمناً).. وما هو ثابت في نفسي أن عدم اقتناعي هذا يرجع إلى أسباب فكرية ومعرفية يضيق المقام الآن عن سردها.. وإن كنت لا أعرف هل للاكتئاب دور في تسهيل طريق الشك في الدين أمامي، وكنت قد قرأت في بعض المواقع أن الاكتئاب يسلب الإنسان إيمانه.
ختاماً، وبعد ما سردته أعلاه أرجو أن تجيبوا على الأسئلة التالية:
1- هل يمكن شفاء الاكتئاب دون أدوية ودون علاج معرفي أو سلوكي؟ (أي أن يشفى من تلقاء نفسه)؟؟ وهل تصنفون حالتي بأني شفيت من المرض اللعين؟ وبماذا تنصحوني بالضبط؟؟
2- الاكتئاب كما قرأت في هذا الموقع يسبب فقدان الرغبة والضعف الجنسي، ومن الآثار الجانبية لأدوية الاكتئاب أنها تسبب الضعف الجنسي! فما الحل للخروج من هذه الدائرة المغلقة؟؟ مسألة الرغبة الجنسية هذه تسبب لي خوفاً رهيباً، واكتئاباً هي في حد ذاتها بالإضافة إلى عللي الأخرى وآلامي. فهل هناك علاج للاكتئاب لا يضعف الرغبة الجنسية؟
3- عملي يحتاج تركيزاً شديداً (أعمل في مجال المحاسبة) فهل أدوية الاكتئاب تسبب قلة في التركيز؟ وإذا كانت كذلك فهل هناك أنواع منها لا تؤثر سلباً على التركيز؟
4- أنا وزني زائد ببضعة كيلوغرامات عن المتوسط ومن السهل جداً أن يزداد وزني أكثر، فهل هناك أدوية اكتئاب لا تسبب زيادة للوزن؟ ((باختصار: إذا كنتم تنصحون بالعلاج الدوائي في حالتي فهل هناك دواء يجتمع فيه أنه: (أ)لا يؤثر على الرغبة الجنسية، (ب)ولا يزيد الوزن، (ج)ولا يقلل التركيز، لكي أستفيد منه، لأن هذه الأمور الثلاثة كلها بالنسبة لي صعبة جداً..))
4- دائماً نسمع أحاديث عن سلبيات العلاج النفسي بالعقاقير، و"خطر التلاعب بكيميائيات الدماغ" وأن الدماغ بعد أن يتم التلاعب بكيميائياته بالأدوية لا يمكن أن يعود إلى الطبيعة الأصلية والتوازن الطبيعي لإفراز كيميائياته كما كان في أصل خلقته، وبالتالي لا يستغني الإنسان عن الأدوية النفسية طوال حياته.. فما مدى صحة ذلك؟
وجزاكم الله خيراً..
ملاحظة: جربت الرياضة (المشي) للتخفيف من الاكتئاب وواظبت عليها لعدة شهور ولكن لم ألاحظ أي تحسن.
06/04/2008
رد المستشار
الأخ "أبو بدر" المحترم؛
قرأت مشكلتك وأقف عند كلمات هي.. (وأنا أصلا إنسان فاشل منذ البداية) ولا يمكن إصلاحي..(وإن كنت لم أحاول الانتحار)، كنت أتمنى أن تكون المعلومات التي أرسلتها كاملة ومضاف إليها حياتك في الطفولة حياة المراهقة هل لديك أقارب يعانون من حالات نفسية؟؟؟
والمحيط الذي تعيش فيه هل به مشاحنات؟
هل الحياة الأسرية محطمة؟ علاقتك بوالديك؟؟
لم توضح هل سابقا كنت تتناول أي أدوية ولابد لي من تعريفك بحالة الاكتئاب لوضعك على الطريق الصائب
والاكتئاب النفسي هو المرض الذي يؤثر بطريقة سلبية علي طريقة التفكير والتصرف، ويصاب بالاكتئاب الذكور والإناث علي حد السواء، الصغار والكبار والمسنين لا يفرق بين مستوي التعليم والثقافة ولا المستوي المادي. الجميع عرضة للإصابة به.
وهو من الأمراض التي يمكن علاجها وأتفق مع تشخيص العوارض التي تنتابك - شعور بالإحباط والزهق والملل اضطرابات النوم والتفكير في إيذاء النفس كالانتحار وصعوبة التركيز والعجز في اتخاذ القرارات وفقدان الشهية وعدم الاستمتاع بمباهج الحياة والنظرة التشاؤمية للحياة والعصبية والتعب لأي مجهود.
أما أسبابه فتنوعت مابين البيئة ومابين عضوي، فالمسببات العضوية هي تغييرات في كيميائية المخ لمادتي السيروتونين والنورادرينالين وأي نقص لهما يسبب الاكتئاب.
أما العوامل البيئية فأسبابها كثيرة منها الضغط الخارجي على المرض أو الاعتداء الجنسي أو عدم جدوى الحياة.
أما علاج الاكتئاب فهناك طريقتان.. نفسي - ودوائي
العلاج النفسي:
فالعلاج النفسي يترك فرصة للتعرف علي كيفية التعامل مع الضغوط الحياتية المهنية والعائلية والتحدث عنها. كذلك التعرف علي أفضل الطرق للتعامل مع الأعراض التي يعاني منها الإنسان المريض أثناء المرض وهذه الجلسات ذات أساليب مختلفة للعلاج منها علاج سلوكي وعلاج معرفي وعلاج إرشادي نفسي تحليلي وعلاج أسري.
أما العلاج الدوائي في حالتك دواء روميرون 30 غرام حبة ليلا romeron romeron حبة ليلا له بداية أعراض جانبية من دوخة وخاصة الأيام الخمسة الأولى ثم تختفي تدريجيا.
بقي أن أقول لك أخي أبو بدر أن تؤجل قرار الزواج إلى أن تعرض نفسك لاختصاصي في الطب النفسي لأخذ جلسات في أساليب العلاج النفسي السلوكي مع تمنياتي لك بسرعة الشفاء
وتجد على موقع مجانين مواضيع متعددة عن الاكتئاب:
يارا والاكتئاب المزمن
عيب يا دكتور الاكتئاب له علاج
شيماء.. والاكتئاب الجسيم
اكتئاب مروة
عراقي مكتئب