مشكلة حياتي
منذ سن الثانية عشر فقط بدأ وزني بالارتفاع عن المعدل قليلاً حيث بلغ الستين كيلوغراماً وكنت أعتبر من الفتيات الممتلئات بالنسبة لرفيقاتي في المدرسة، وعندما بدأت معالم الأنوثة تظهر عليّ قبل رفيقاتي في اللعب وكن يتغامزن عليّ كيف أن صدري بدأ بالظهور قبلهن وأخذن يعايرنني على ذلك كنت أحزن كثيراً لأني لم أجد وقتها أحداً يعيد لي تلك الثقة بالنفس من كلماتهم الجارحة، حيث عندما كنت أركض لحضن أمي باكية أخبرها بما قلن البنات عني تقول لي مثلهن أنني سمينة وعليّ أن ألعب الرياضة، رغم أنني لم أكن بتلك البدانة المفرطة..
أمي كانت دائماً ضد بدانتي وعندما مرّت الأيام والسنين وأنا ما زلت على نفس الحالة أتمنى أن أكون مثل البنات النحيلات وأستحي من نفسي كثيراً والسبب الانتقادات اللاذعة من أبي وأمي ورفيقاتي وأقاربي، الكل كان يناديني ويتفنن في إطلاق الألقاب عليّ وأنا أصبحت أكره النظر في المرآة، كنت حساسة لأبعد الحدود وكنت أرى الطعام الحضن الدافئ لي منهم. الله تعالى وفقني بالتفوق الدراسي لكن جاء مرض والدي ووفاته ومشاكل عائلية أدّت إلى أن ألجأ إلى الطعام أكثر وزاد وزني إلى أن وصل الثمانين وأنا في السادسة عشر من عمري، في هذه المرحلة عانيت من المجتمع الذي حولي كثيراً، الكل يريد مني أن أنحف ولا أستمر في زيادة وزني وأنا كنت غاضبة لماذا يتركون كل الأمور الإيجابية فيّ ويركّزون على بدانتي فقط حتى أن المديرة نفسها أوقفت مسرحية كنت قد شاركت فيها لتخبرني أمام جميع الطلبة والمعلمات ألا أستمر في أكل البطاطا والأرز لأن وزني زائد، زاد غضبي ولأنني مؤدبة لم أرد سوى باحمرار وجهي وأعدها وعداً لفظياً بأن أستمع لنصيحتها.
أصبحت المعلمات -والله إني لا أبالغ- الأشطر التي توجه لي النصيحة بأن أصبح نحيلة لأنه لا ينقصني شيء سوى أن أنقص بعض الكيلوغرامات وأصبحن يحذرنني من المستقبل وكيف سيكون شاقاً إن لم أنحف، وكل واحدة بأسلوبها كن يهتممن بي لتفوقي وأدبي المتميزين في المدرسة هذا من ناحية المدرسة، أما البيت فأمي وتجريحها بالكلمات وكلامها القاسي معي يحتاج لوحده صفحة استشارات كاملة، لن أوجع رأسكم بها.
المهم في الثانوية العامة الكل كان ينتظر مني أن أحصل على المراكز الأولى على الدولة لأن لدي المؤهلات لذلك وزاد الضغط النفسي عليّ وكالعادة التجأت إلى الصدر الحنون الذي تعوّدت اللجوء إليه، الطعام.. كم أشعر بالسعادة وأنا ألتهمه دون وعي مني وأتذكر كلام العالم بالابتعاد عنه وأنا أصر عليه! زاد وزني إلى أن وصل تلك الفترة إلى مئة وعشرة كيلوغرامات، لكم أن تتخيلو أماً كانت تعاني من بدانة طفلتها خمسة كيلوغرامات عن الوزن الطبيعي فقط وأصبحت أربعين كيلو غراماً، أسرعت بأخذي إلى طبيب للغدد كما نصحها الناس فأصبحت قضيتي هي محور اهتمام العائلة وتوضع للنقاش فتدخل عمي وخالي والجميع، الجيران، أصدقائي، الكل يريد مني الرجوع إلى وزني الطبيعي وأنا أزداد غضباً في قرارة نفسي: ما لكم ووزني؟ بل مالكم وجسمي؟! ألم يعد هناك شيء فيّ أملكه سوى منظر جسدي المشوه؟
بالمناسبة الكل كان وما زال يغتاظ لأن وزني الزائد يتناقض مع جمال وجه منحني إياه الله تعالى فالكل كان يريدني كاملة مكملة هكذا كما يخبرونني، رغم أن الكمال لله وحده ولكنهم لا يرون نقصاً غير سمنتي!!
وأنا لله الحمد أرى في نفسي عيوباً كثيرة آخرها السمنة؛ فأرى ضرورة سلامة نيتي في كل فعل أقصد به وجه الله تعالى لا أشرك به شيئاً، وأرى تقصيراً في خدمتي لأمتي الإسلامية وأعاتب نفسي اللوامة على أموري الدينية إن قصّرت بها.. أنا صحيح وزني مئة وعشرة إلا أنني عندما نسي الناس أمر بدانتي ويأسوا من نصحي نزل إلى الثمانين! أنا الآن وزني ثمانين إلا أن هذا الوزن ما زال لا يعجب أمي، وإن كان في الماضي لا يعجبها، أسيعجبها الآن ونحن في زمن الصورة والجسد؟... بالمناسبة لا تحوّلوني إلى روابط مقالاتكم فلقد قرأتها كلها بالذات في هذا الموضوع وهو ما أعجبني في هذا الموقع العظيم.
أنا أدين لكم بعلاجكم المعرفي لي حيث أصبحت أواجه أمي وأخبرها أن جسدي من صنع الله وأن لا علاقتي لي به لكنها إلى الآن لا تقتنع، أمي معذورة وأنا أعذرها تخاف عليّ من العنوسة لأن مواصفات البنت المطلوبة للزواج هذه الأيام أولها النحافة، إلا أنني أثق بالله عز وجل وأؤمن به وأنام ليلي الطويل لأني مطمئنة أن رزقي في السماء هو لي وما لم يكتبه الله لي فهو ليس لي ولن يصيبني حتى وإن كنت بمقاييس الباربي كما تتمنى أمي العزيزة. ما يؤلمني كثيراً هو الكلام الجارح الذي أتلقاه من أمي يومياً بسبب هذه المشكلة البدانة، أنا أدافع دائماً إلا أن له أثراً في نفسي بحكم أنها أكبر مني وأعلم مني بهذه الحياة، أنا أشعر أن مشكلتي مع بدانتي نفسية مائة بالمائة، حتى أن مرة أمي أخذتني لطبيبة غذائية فأخبرتها أنني لا أشعر أنني بدينة فعاتبتني قائلة أن مستوى الدهون لدي زيادة 15 بالمائة وأنها ستعالجني لمدة ثلاثة شهور فتركتها ولم أرجع لها أبداً.
أنا بداخلي تأقلمت مع كوني بدينة، أصبحت البدانة صديقتي الحبيبة التي الكل يعاتبني لرفقتها وأنا متمسكة بها لا أريدها أن ترحل! صدّقوني هذه هي مشاعري تجاهها، أشعر بالحماية الشديدة وأنا بدينة، أشعر أن لا أحد يرغب بي زوجة كما أمي زرعت برأسي ذلك، وأنا أيضاً لست مستعدة للزواج ولم أمرّ قط بشيء عاطفي تجاه الجنس الآخر ولا أعيرهم بالاً، حياتي مثلث ينحصر بين الطعام والدراسة والعبادة فقط لا غير، إلا أن أضلع المثلث أوشكت على الانفلات لأن دراستي أوشكت على الانتهاء وسيحين وقت تقدم الخطاب كما تخبرني أمي هذا الصيف، وهذا ما أخشاه فقد حكمت على صديقتي العزيزة "البدانة" بالموت خلال الأشهر القادمة قبل الصيف حتى لا أقع في مواقف محرجة أمام العرسان، ولكنني خائفة من صدور هذا الحكم رغم رغبتي الشديدة به. ما رأيكم بحالتي؟ أشعر بالحاجة الشديدة للتكلم مع أحد عنها فلا أحد يفهمني.
شكراً لاستماعكم لي وآسفة للإطالة. هل يكفيكم دعاء مني في ظهر الغيب أن يغفر الله لكم جزاء لكم على مساعدتكم لي؟؟.
06/04/2008
رد المستشار
أهلا بالأخت الكريمة..
((كنت أرى الطعام الحضن الدافئ لي منهم)) ((وكالعادة التجأت إلى الصدر الحنون الذي تعودت اللجوء إليه الطعام)) ((أصبحت البدانة صديقتي الحبيبة))، لما يكون الطعام هو الصديق والملاذ والحضن الدافئ والصدر الحنون، لا بد أن لديك مشكلة في العلاقات العاطفية الشخصية مع الآخر والأهم مع الأم..
السلوك الطعامي قد يرمز ومن ناحية تحليلية إلى طلب العاطفة كما يرضع الطفل ويلتقم ثدي أمه ليتغذى ويهدئ وينام أنت تلجئين للطعام لتتغذي وتهدئي وتنامي..
مشكلتك الأساسية مع أمك ولا بد لك من تدخل طرف ثالث فيما بينكن لإيجاد الحلول وتقريب وجهات النظر..
ولنتأمل قولك ((أصبحت البدانة صديقتي الحبيبة التي الكل يعاتبني برفقتها وانا متمسكة بها لا اريدها ان ترحل)) ((فقد حكمت على صديقتي العزيزة البدانة بالموت)) لقلة علاقاتك (وخاصة مع أمك) جعلت من البدانة ذات روح وهي الشخص الصديق الصدوق الذي يموت ويحيا كعملية نفسية تعويضية..
أما عن قولك ((حياتي مثلث ينحصر بين الطعام والدراسة والعبادة فقط لا غير، إلا أن ضلع المثلث أوشك على الانفلات، إن دراستي أوشكت على الانتهاء))، الحياة أوسع من مثلث أو دائرة أو مربع، للحياة أضلاع لا نهائية وكلما أمعنت النظر أكثر اتسع أمامك الأفق وبان.
يتضح لي من الاستشارة اهتمامك بالآخر والكل واهتمام الآخر بك ((فالكل كان يريدني كاملة مكملة)).. عزيزتي تذكري دائما أنه يجب أن نأخذ برأي (بعض) الآخرين في (بعض) الأمور.. وللحديث بقية حول هذا المعنى المهم في التعاطي مع آراء الآخرين والأخذ بها أو لا..
أما عن قولك ((أنا أشعر أن مشكلتي مع بدانتي نفسية مائة بالمائة)) حتى نستكمل النصح لك ورسم خطوات الحل لمشكلتك لابد من زيارة عيادة الطب النفسي لنفي وجود الاكتئاب.
ثم ختمت رسالتك بسؤال غاية في اللطف ((هل يكفيكم دعاء مني في ظهر الغيب ان يغفر الله لكم جزاء لكم على مساعدتكم لي؟؟)) لا يكفينا الدعاء وحسب بل لابد لك ولنا من العمل على أنفسنا وعلاقتنا مع الآخر، والذي أرجو من الله تعالى أن يحقق لك ولنا الاستقرار النفسي والعافية بكل أشكالها وهي الحياة الطيبة الذي وعدها لعباده المؤمنين.
وحتى تقرُّ عيون مجانين بك.... تابعينا بأخبارك. أتمنى لك كل الخير..
ويتبع >>>>>>>>>>: الطعام هو الحضن الدافئ والصدر الحنون مشاركة