السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أشكركم وأهنئكم على هذا الموقع الجميل المفيد، وأتمنى أن أجد لديكم حلا لمشكلتي أو إرشادًا لكيفية الحل، مشكلتي تتعلقُ بابني وهو طالب في الصف الثاني الثانوي كان متفوقاً جداً حتى أتم الشهادة الإعدادية، ولكنه الآن لا يريد أن يذاكر رغم أن الامتحانات على الأبواب، ويريد أن يقضى وقته كله بين التليفزيون والإنترنت والألعاب الأخرى وخاصة "البلاي ستيشن" وقد حاولت معه بكل وسائل الترغيب والترهيب فأنا أعمل مدرسة ولدى خبرة معقولة في الوسائل التربوية، ولكن للأسف باءت كل محاولاتي بالفشل.
بل على العكس كلما ازدادت محاولاتي لدفعه للمذاكرة ازداد هو عناداً، وأنا الآن في حالة نفسية سيئة جداً لأنه هو الابن الوحيد لي ووالده يسافر كثيراً ولا يعلم عنه شيئاً وأنا المسؤولة عنه في كل شيء وهو كل حياتي ولا أتحمل أن يضيع مستقبله أمام عيني، وهو للأسف الشديد لا يهتم بمستقبله وكأن الموضوع لا يعنيه في شيء على الرغم من أنه طوال مرحلة طفولته كان طفلاً مطيعاً ومهذباً، وكنت أعطيه كل وقتي وكان يحقق نتائج ممتازة.
ولكنه الآن متمرد وغير مهتم بأي شيء غير اللعب،
ولست أدرى ماذا أفعل معه.
23/11/2003
رد المستشار
الأخت السائلة أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك بصفحتنا استشارات مجانين، هذه الحالة التي تشتكين منها فيما يتعلق بابنك العزيز، تحوى مشكلات متعددة ومتداخلة لابد من رؤيتها جميعا حتى نحسن التعامل معها، فهذا الطالب هو الابن الوحيد، والابن الوحيد في كثير من الأحيان يكون مشكلة حيث تحيطه الأسرة وخاصة الأم بكل أنواع الرعاية والحماية والتي كثيراً ما تتجاوز القدر الصحي المطلوب فينشأ الطفل ولديه ميول حب الذات والأنانية والاعتمادية على الآخرين في تحقيق رغباته، وعدم الشعور بالمسؤولية وعدم القدرة على القيام بالواجبات المطلوبة منه تجاه دراسته أو أسرته.
ولا تظهر المشكلات في الطفولة المبكرة حيث أن هذه الصفات لا تكون مزعجة للأسرة في هذه المرحلة، ولكنها تظهر وبوضوح في مرحلة المراهقة حيث تكتشف الأم أن ابنها لا يشعر بأي مسؤولية تجاه نفسه أو تجاه أسرته أو تجاه مستقبلة فهو يعيش حتى هذه المرحلة كطفل مدلل لا يهمه غير البحث عن اللذة في وسائل التسلية أو الجلوس السلبي في البيت.
ومن الواضح أنك قد ساهمت دون أن تدرى في تأخير نضج هذا الابن حيث أنك عاشت حالة من الوحدة بسبب غياب أبيه فحاولت أن تملئي حياتك طوال الوقت بالانشغال بهذا الطفل الوحيد فتذاكرين له دروسه وتفعلين له كل شيء وتحرصين على أن يظل خاضعاً لك ومرتمياً في حضنك طول الوقت، ولذلك لا يستطيع هذا الطفل أن ينضج وأن يتحمل أي مسؤولية.
ومثل هذا الطفل كثيرًا ما نقابله أثناء عملنا، وهو يرى أن موضوع الدراسة مشكلة تخص أمه وليست مشكلته هو ولذلك فهو يستخدم هذا الأمر للضغط على أمه وابتزازها أحياناً، بحيث إذا أراد أن يغضبها يتوقف عن ذلك فأصبحت الدراسة لعبة يلاعب بها أمه وليست واجباً أو شيئاً يحدد مستقبله وكلما ازدادت حيرة الأم واضطرابها كلما ازدادت سعادة هذا الابن لأن هدفه أصبح الضغط على الأم والتحكم فيها من خلال موضوع المذاكرة.
أي أن الموضوع تحول إلى وسيلة "للي ذراع الأم" لا أكثر ولا أقل، وبينما يزداد قلقك مع الوقت لأنك تشعرين بمسئولية ضخمة تجاه ابنك ويلومك الأب ويلومك الناس على تقصيرك أو خطئك في تربيته على الرغم من أنك أعطيته كل شيء في حياتك بل أصبح هو حياتك.
هذا القلق الشديد لديك يؤدى إلى اضطراب شديد في علاقتك بابنك، حيث يزداد إصرارك على نجاحه في حين يزداد عناد الابن وتمرده، وبهذا تدخلان في صراع دائم تختفي معه معالم الحب والحنان داخل البيت لأن الأم تحولت إلى مدرسة كثيرة الإلحاح والضغط والابن تحول إلى طالب شقي مشاغب متمرد.
وربما لا تستطيعان أنتما الاثنان الخروج من هذه الدائرة المغلقة دون تدخل علاجي رشيد يعيد الأمور إلى نصابها وهو ما نسميه بالعلاج النفسي الأسرى ويتم في عدة جلسات تحضرها الأم مع الابن والأب حيث تتم مناقشة كل العوامل سالفة الذكر في جو من التعاون وعدم محاولة إلقاء اللوم على أي طرف من الأطراف فالكل يعانى والكل يحتاج إلى المساعدة.
فالأم يجب أن تبدأ في رفع وصايتها عن الابن وأن تتعود أن تعيش حياتها بشكل أفضل وتعيد تقوية علاقتها بزوجها – تلك العلاقة التي أدى إحباطها إلى اندفاع الأم نحو ابنها تختصه بمشاعرها الزائدة وتعوقه بمخاوفها وأحزانها وإذا نجحت الأم في إعادة ضبط المسافات بينها وبين زوجها وبينها وبين ابنها يصبح هناك أمل في تعديل توزيع المشاعر داخل الأسرة، ويبدأ الابن في التحرر من القيود الحريرية التي كبلته بها الأم "المحبة القلقة الوحيدة المحبطة" وهنا يلوح الأمل في إمكانية نضج الابن ولكن بعد وقتٍ كافٍ وبمساعدة من الأب الذي تخلى عن مسؤوليته التربوية في السابق وانشغل بنجاحه الشخصي أو بجمع المال ولم يعط نموذجاً للرجولة الناضجة المسؤولة للابن فنشأ الأخير ضعيفاً رخواً طفيلياً.
وفى هذه الجلسات العلاجية سوف يعطى الابن وقتاً كافياً للتعبير عن مشاعره وعن صعوباته، ثم يلي ذلك تبصيره بالمشكلات القائمة وإشراكه بشكل إيجابي في حلها لكي ننقذ ما يمكن إنقاذه في الوقت القصير المتبقي على الامتحانات وخاصة أننا سنطلب منك أن تتركي دور المدرسة في المنزل وأن تعودي لممارسة الأمومة مع الابتعاد عن الإلحاح والتدخل الدائم في حياة ابنك، كما سنعلن للابن أنه من الآن مسئول عن مستقبله وعن دراسته، وأن الأسرة سيقتصر دورها على توفير جو ملائم له لكي يساعده على القيام بواجبه وسنعلن أن من حق الأسرة التحكم في وسائل التسلية في الفترة التي تسبق الامتحانات حتى تعطى الفرصة للابن للقيام بواجبه في هذه الظروف الجادة، وله الحق بعد ذلك في الاستمتاع بهذه الوسائل في فترة الإجازة.
ويجب أن ننتبه إلى أن هناك عامل آخر مهم يأتي من خارج دائرة الأسرة، وهو أن العملية التعليمية أصبحت في الوقت الحالي تخلو من الجوانب الوجدانية التي تجعلها محببة إلى الطلاب، وتحولت بسبب الدروس الخصوصية وأسباب أخرى إلى عملية حشو قسري للمعلومات بهدف تحقيق أعلى الدرجات، والطالب لا يشعر بالحماس تجاه ما يجري ولكنه مجبر على الانصياع بلا روح لهذه العملية، ومن هنا وجب مراجعة هذا الموقف على المستوى العام حتى لا نفاجأ بتمرد أبنائنا وعنادهم وسلبيتهم.