الحلم البين بيني! والشخصية الحدية

رد المستشار

الأخت السائلة، قرأت رسالتك عدة مرات، باحثًا عن سؤالك، ولكنني لم أكن أجدهُ في المرات الأولى، هل تعرفين لماذا؟ لأنهُ يجيء في موضعٍ غير الموضع الذي أنتظرهُ فيه، لقد كنتُ كلما أحسستُ بفداحة المشكلة، أتوقع منك السؤال فأراك تقولين لي، (ولكن نسيت الموضوع)، ثم تجيئين بعد ذلك بعد أن تصفي مجردٍ حلم ينتابك وأنت نائمةٌ، لتسألي (ماذا أفعل؟؟)، ماذا أقول لك؟؟

أفضلُ إجابةٍ هيَ في الحقيقة لا تفعلي شيئًا، وفكري قليلاً في صيانة نفسك من فضلك، أنت كما يفهمُ من إفادتك ومن سلوكك فتاةٌ على قدرٍ من الجمال، تعرفت بشابٍ في مثل سنها، وكنت علاقتها به قويةً، وأندفعت معه إلى حد أنها ابتذلت جسدها له (فقد قلت في إفادتك لدرجة أني ابتزلت جسدي له وقد كان هذا الموضوع يؤلمني لدرجة أنى كنت اكره أن انظر لجسمي في المرآة وكنت اخجل من أن انظر للسماء حتى لا اشعر ببذاءة ما فعلته أمام الله)،ولم تحددي لنا حدود الابتذال الذي تقصدينه؟

وأنا أحبُّ أن أنبهك إلى أن ما فعلته ليسَ بذيئًا، ولكنهُ في غير وقته ولمن لم يقدم ما يجعله جديرًا به، ولهذا السبب بالتحديد يا صغيرتي، تغير حالُ صاحبك، فقد رأى فيك من تسلم نفسها لزميلها أو حبيبها بعد أربعة شهورٍ من علاقتها به، أيا كانت طبيعة هذه العلاقة إلا أن يكونَ زوجًا، فهذا هو الإسلام، وأما ما أندفعت إليه فإن زميلك نفسه أدركه، وتخلى عنك لأنهُ إنما كان يقصدُ الحب على طريقة التيك أواي، ولما رآك تأخذين الأمور مأخذ الجد هرب ولكن بصورةٍ لطيفة ثم حدثَ بعد ذلك أنك كرهت نفسك ولم تعرفي مهربا من شعورك بالضيق والضجر بعد تخليه عنك إلا بإحداث الأذى لجسدك فكما قلت في إفادتك (وقد وجدت نفسي أقوم بأعمال غريبة وقمت بإحداث جروح في جسدي بطريقة وحشية وقد ساءت نفسيتي بعد أن قمت بهذا).

وتشويه الذات متمثلةً في صورة الجسد هنا واحدٌ من العلامات التي تعبرُ عن مدى الضياع الذي تعيشين فيه، وعن مدى اضطراب علاقتك بك وبالآخرين، ومن الواضح أن بعض سمات الشخصية الحدية أو البين بينية Borderline Personality موجودة لديك، وإذا أردت أن تعرفي ما معنى ذلك فأنا أقول لك: أنت تتصفين ببعض -إن لم يكن كل- ما سوف أسرده عليك من صفات، ولك الحق بالطبع في الرد عليَّ لبيان ما تودين بيانه من الخطأ في كلامي:

1- التطرف الحاد في أفكارك ومشاعرك تجاه نفسك والآخرين، فمن الممكن أن يكونَ الآخرُ ملاكًا في عينيك، وفجأة يصبح شيطانًا قذرًا ما بينَ عشيةٍ وضحاها! ودون أن يكون لديك إستعداد لتحمل الوسط في الأمور فكل شيء عندك إما أبيض أو أسود.
2- الخوف والقلق الدائم، وغير المبرر أحيانًا، من أن يهملك الآخرون، وتحسين بأن هذا هو أكبر تهديد تخافين منه، وهو ما يدفعك أحيانًا إلى الرضا بما ترفضينه عادة، أو إلى بذل ما لا داعي له من مجهود للاحتفاظ بعلاقاتك بالآخرين.
3- أرتباك مفهوم الذات، وأختلال إدراك الهوية، فأنت في تذبذب فكري دائم في الكثير من الأمور، ونفس الشيء ينطبق على إحساسك بنفسك وبشخصيتك.
4- الاندفاعية: ويقصد بها ما نسميه أحيانًا بالطيش أو التسرع أو عدم حساب نتائج الفعل قبل الإقدام عليه، خاصة فيما يتعلق بالرغبات والأنفعالات والمشاعر، التي قد تتبادل مع محاولات ضبط النفس والتحكم فيها، بشكلٍ يزيدُ من عدم قدرتك على فهم نفسك.
5- الإحساس المزمن بالخواء أو الفراغ الداخلي.
6- عدم القدرة على التحكم في الغضب، كما يظهر في تعاملاتك مع المحيطين، واللجوء حتى لإيذاء النفس أحيانًا للتعبير عن العجز عن التعامل مع المشاعر الشديدة الوطأة على نفسيتك.
7- تغيرات المزاج والوجدان بشكل غير متناغمٍ دائمًا مع الأحداث الحياتية التي تمرين بها.
8- قد يكون هناك بعضُ التصرفات التي تتسم بالإيذاء المتعمد للذات، وهذا العرَضُ بالذات واضحٌ جدا في إفادتك وهو من أكثر الأعراض تعبيرًا عن التناقض الذي تتسم به شخصيتك.وأنا لا أقولُ أنني أشخصُ حالتك هكذا بالطبع، ولكن هناكَ تشابه ما بينَ بعض تصرفاتك وتصرفات ذلك النوع من الشخصيات، أندفاعيةٌ، تقلبةٌ، في آرائها وميولها ومشاعرها وعلاقاتها، قويةٌ في تذبذبها، متطرفةٌ في كل شيء، إذا ما قد يكونُ عارضًا في شخصيتك تحت تأثيرٍ معينٍ في وقتٍ معين، ولكنه قد لا يمثلُ اضطراب شخصيةٍ بالتأكيد! 

وأما الحلمُ الذي بعثت تسأليننا فيه وهيأت لنا الخطاب كأنما أرسل من أجله،فسوف أقول لك عدةَ جملٍ تفهمين منها ما يشاءُ الله لك أن تفهمي، فأنا مع أنني لستُ ابن سيرين ولا فرويد، ولا أدعي لنفسيَ حتى علمًا كبيرًا في موضوع الأحلام (لأنها لا تهم الطبيبَ النفسي كثيرًا هذه الأيام)، إلا أنني على أية حالٍ أرى : -

هذا الحلمُ تصويرٌ كاريكاتيري لما حدثَ ما بينكِ وبين زميلك ذلك،في السر ونجاكِ الله من شره، -وتنبيهٌ لتحذيرك من تكرار ما فعلت لأنهُ في المرة القادمة سيتنكرُ لك أيضًا وسيظهرُ لكِ أكثر استخفافًا بمشاعرك، - وقد لا يكونُ ذلك في المرة القادمة في السر وخليكِ يا صغيرتي من التفاصيل، لعل الله سبحانهُ وتعالى يرحمك من هذا الحلم بعد قراءة كلامي هذا، رغم قسوته الظاهرة، لك بالطبع أن تعتبريني قاسيًا جدا عليك، لكنَّ الحقيقةَ هيَ أنك تحتاجين للكثير من التغيير في أفكارك، وتحتاجين لمراجعة الكثير من حساباتك أمام نفسك على الأقل، فأنت _وهو أقلُّ القليل_ لم تقطعي علاقتك بعد بزميلك هذا الذي تخلى عنك ولكن بصورةٍ مؤدبةٍ حتى الآن، ليسَ فقط لم تقطعي، وإنما وجدت فيه من تحكين له الحلم الذي ينتابك لعله يساعدك على إيجاد الحل؟ وبينما أنت كذلك، قالت لي العصفورةُ أنهُ رأى في كلامك تلميحًا بالاستعداد للتضحية من أجله، بلا ثمن أيضًا مثل المرة الأولى.

* فهل تعرفين يا صغيرتي ما هو الحل الذي لديه؟ إنهُ المرةُ القادمة التي يحذرك منها الحلم! 

ولا يفوتني قبل أن أختتم ردي عليك هنا أن أصحح لك تعبيرك عن جسدك بجسمي، فالأصح أن نستخدم لفظةَ الجسد حين نشير إلى الجسم الحي، لأن لفظ الجسم يعني أي جسم سواءً كان جسم كائن حي أو جسم جماد أما لفظ الجسد فيعني الجسم الذي تسكنه الروح.

ألا ترين معي أنك تحتاجين إلى مساعدةٍ من قريبةٍ أو صديقةٍ تساعدك على التحكم في مشاعرك واندفاعاتك، ألا ترين معي أنك تحتاجين إلى مساعدةٍ سريعة من أقرب مسؤول صحةٍ نفسيةٍ أو اجتماعية قريبٍ منك؟، ألا ترين أن التفكير في أنك محاسبةٌ أمام الله عن نفسك وعن أفعالك، وأن النظرَ إلى السماء ولو من غير خجلٍ لطلب المعونة منها، ويرٌ من الخجل من النظر إليها ثم الاستمرار في الفعل؟ وفقك الله وتابعينا بأخبارك فنحن معك.

المستشار: أ.د وائل أبو هندي