السلام عليكم،
نشكر جهودكم الطيبة،
أمّا عن تفاصيل المشكلة؛ بدأت من الصغر لكن دون ضيق نفسي كنت من صغري منعزلاً أحب اللعب وحدي وعندي فضول لاكتشاف أي شيء -وأحب أن أضيف أني كنت مصاباً بحساسية بالصدر وهكذا- إلى أن رأيت منظر المصلين من بوابة المسجد فأعجبت بانتظام المصلين -كنت في العاشرة من عمري-. وبدأت أصلي في المسجد وأقرأ القرآن وأصلي الفجر وحتى صرت أعرف الفرق التي ترتاد المسجد، وبعدها بسنين قرأت عن أنواع النفس وصرت أتخيل أن أعمالي الحسنة تصدر عن النفس المطمئنة والسيئة عن النفس الأمّارة بالسوء وكنت كثيراً أفكر بأخطائي، فصرت أعيد وضوئي عدة مرات حتى أرتاح أنه صحيح.. وهكذا بدأت سلسلة الوساوس.
ومن ثم بدأت أحس أني يجب أن أعمل أشياء أو أن أعيش طقوس إجبارية؛ ففي الصلاة كنت أصلي بصعوبة لأن الريح يكاد يخرج مني طوال فترة الصلاة ولكن تنتهي عندما أفرغ من الصلاة، وفي نهار رمضان أفرز لعاباً طوال الصيام -وكل هذا أحسه خارج عن إرادتي-، ثم أصبحت حياتي كلها أفكار فلسفية حتى صرت أفكر في الله عز وجل كيف خلق الكون ولم يتم خلقه ثم تأتيني أفكار بأن الله غير موجود! وأنا أصارع الأفكار في نفسي وأنكر هذا الكفر بالحجج والبراهين فأصبحت حياتي لا تطاق، وبلغت الأزمة أشدّها عندما وصلت التوجيهي فكنت محشوراً في الغرفة ولا أدرس إلا عندما أنسى الوساوس.
وتزامن مع هذه الوساوس وفاة والدي وصرت أفكر بأنه طالما الإنسان ميت لماذا الحياة؟ ومن هنا أحسست أن الحياة فقدت طعمها وأني في عالم صعب عليّ العيش فيه، ورغم ذلك حصلت على معدل تسعة وثمانين وبدأت أدرس هندسة الميكاترونكس، أتممت سنة بمعدل جيد.
أحب أن أضيف معارفي قلّة في الجامعة وأنا خجول أيضاً مع كل الأغراب من الناس ولا أعرف إلا إلقاء التحية والبسمة المصطنعة، أمّا أن أخوض في حديث فلا أعرف! كل وقتي صراعات نفسية، كما لم أكن أجلس مع زملائي في المدرسة خجلاً، وفي السنة الثانية والثالثة والرابعة في الجامعة بدأت أتغيّب عن الجامعة لأني بدأت أشعر أن المواد تحتاج إلى جهد، وكنت أكذب على أهلي فكنت أذهب إلى مكتبة للقراءة طوال فترة الدوام، وأعدت التوجيهي في السنة الثالثة رغماً عن أهلي وحصلت على معدل ستة وتسعين حتى أدرس طباً بشرياً، ولا أعترف لهم بما حدث ولكني رغم ذلك لم أدرس طب وبقيت أذهب للمكتبة، أما الآن اعترفت لأهلي بالحقيقة وشرحت لهم عن المرض وسوف أعود في هذا الصيف للجامعة وأدرس إن شاء الله حتى لو جننت، لم يؤمنوا بكلامي لأني كنت أكبت كل العذاب النفسي وأظهر أني سعيد. أحب أن أضيف أنني أعاني من القولون ومن رعشة خفيفة في اليد اليمنى وتشنج شديد في أطرافي إذا ركضت مسافة بسيطة -مثلاً- أو عصرت قطعة قماش، وأعاني من النسيان.
زرت أربعة أطباء نفسيين شخّصوا الحالة أنها وسواس قهري مع كآبة ووصفوا لي أنافرانيل و"بروزاك" و"سولبرين" و"ريسبيريدال" و"زولوفت" وكنت أداوم على الأدوية بشكل متقطع لأني كنت أغيّر الطبيب وكل الأدوية االسابقة مزعجة رغم أنني أتحسن معها قليلاً، الآن تركتها لأن أهلي تشاجروا معي على أخذها وتركهان لها أعراض مزعجة ولم يطلبوا إلا تحاليل الغدة الدرقية وكانت سليمة، كنت أطلب تحليلاً للسيروتونين وقالوا أنه غير متوفر في الأردن.
آسف على الإطالة وقلة الترتيب في الأفكار.
أرجو أن تدلوني ماذا أفعل وأنا أعرف أني مريض ولا أخجل من ذلك، وأعرف أن البلاء نعمة ولكني أحس أني في عالم غير عالم البشر، كأني سمكة معلّقة في الهواء وكأني أحمل عبئاً لا تحمله الجبال. أرجو منكم مع جزيل الشكر أن تقدّموا حلاً لمشاكلي، وأريد أن تدلّوني كيف أحكي مع الناس وأخالطهم وأحس أني واحداً منهم.
18/05/2008
رد المستشار
عزيزي "عبد الله"، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعاني من مشكلتين واضحتين: إحداهما الوساوس الدينية ووسواس النظافة (اضطراب الوسواس القهري) والأخرى شخصيتك الانطوائية وسأتناول كل واحدة منهم معك بالشرح ثم أخبرك الرأي الصواب من وجهة نظري في حالتك.
أما اضطراب الوسواس القهري فهو أحد أمراض القلق النفسية ويتميز بوجود أفكار وسواسية ملحة على ذهن المريض وبالرغم من معرفته بخطئها فإنه إما عاجز عن مقاومتها أو مستسلم لها و تأخذ هذه الوساوس أشكالا عدة منها الدينية (وهي الأكثر شيوعا في الوطن العربي)، ومنها وسواس النظافة والشك المرضي ووسواس العدوان على الآخرين ووساوس أخرى يمكن أن تأخذ أيّ منحىً من مناحي الحياة، وتسبب هذه الوساوس توترا للمريض لا يتركه إلا إذا قام بأفعال قهرية لها ارتباط وثيق بتهدئة الوساوس –وذلك ليس في كل الأحوال فالوساوس الدينية المتعلقة بذات الله لايصحبها أفعال قهرية- وتأخذ الأفعال القهرية أشكالا عدة (طقوس) منها إعادة غسيل اليد، الوضوء المتكرر، الغسل المتكرر للجنابة، إعادة الصلاة مرات عديدة، التحقق المتكرر من الأشياء كالباب أو الموقد... إلخ، البطء الوسواسي Obsessional Slowness والاهتمام بأدق التفاصيل، أو الانعزال القهري عن البشر خوفا من أن يعتدي عليهم.
وفي حالتك يعتبر كل من إحساسك بالذنب المرضي والشك في الطهارة أثناء الصلاة والشك في الصيام والسؤال المتكرر عن ذات الله مظهرا لتلك الوساوس الدينية وإعادة الوضوء ووسواس النظافة، والتعثر الدراسي سببه البطء الوسواسي غالبا لأنك تدرس الهندسة بكل تلك القوانين والرموز مما يسبب لك مشكلة واضحة لأنك مصاب بالوسواس القهري، ثم أنك لست الوحيد المصاب بهذا المرض المؤلم بل إنه شائع جدا وعلى قدر ما يسببه من ألم للمريض على قدر سهولة علاجه!!
وأريد أن أعرف لماذا تستعجل الشفاء ولا تصبر على الأعراض حتى تزول بالأدوية ولماذا لا تحرص على متابعة الطبيب النفسي؟؟ وأحب أن أطمئنك أن علاج الوسواس ليست له كل تلك المضار التي تتوهمها (ملحوظة: لا تسرف في قراءة النشرات المصاحبة للدواء وتأكد أن كل تلك الأعراض الجانبية لن تهاجمك وكل ما أخذته من الأدوية قادر بإذن الله على شفائك إلا أنك لم تأخذ الفترة الكافية) إذن فحل مشكلتك ليس في الفحوصات وتكرارها وليس عند طبيب الباطنة أو المخ والأعصاب بل هو عند الطبيب النفسي.
وأحب أن أطمئنك أن ما تشعر به من أعراض جسمانية إنما هو تجسيد لمعاناتك النفسية وسيتحسن بالعلاج كما أنك لن تجن كما تقول وبالنسبة لدراستك فأنت متردد وغير قادر على حسم أمرك وأنصحك بتأجيل القرار حتى تتضح الأفكار السليمة في ذهنك وتخلي لها الوساوس مساحة مستحقة.
أما شخصيتك الانطوائية فتحتاج منك لتغيير شامل لديناميات تعاملك مع البشر وتعلمك ما يعرف بالمهارات الاجتماعية (Social Skills Training) وتحتاج لعلاج سلوكي ما نسميه Role Playing أو لعب الأدوار وتحتاج لعلاج معرفي لتغيير الأفكار الخاطئة الهدامة (Automatic Thoughts) لديك: على سبيل المثال ابتسامك في وجه أخيك صدقة، وليست بسمة مصطنعة كما تقول في رسالتك.
ووفقك الله
ويتبع ...........: محروم اجتماعيا وغرقان في الوساوس م