السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
يا سيدي الفاضل،
لماذا يجيء بنا آباؤنا إلى هذه الدنيا إن كانوا لا يستطيعون الاعتناء بنا عاطفيا أو مالياً؟؟؟ هللا تجيبني!.
أنا فتاة ذات سبعة عشر ربيعاً ولكن أين هو هذا الربيع؟؟ أنا يا سيدي الفاضل وحيدة لأبعد الحدود، وبكل بساطة لا أستطيع الحب أو إظهاره حتى لنفسي أو لأهلي -وهو ما يسمى في الانجليزية emotionally crippled -.
منذ صغري كان أبي قاسياً معي -بالرغم من حبه لي- مثلاً؛ عندما كنت أقع وأصاب بالجروح كان ينهرني، وعندما أصبحت في عامي الحادي عشر حدث لي حادث ففقدت أسناني العلوية فكنت يا سيدي طفلة مفزوعة غارقة بالدماء وعندما رآني أخد ينهرني ويسبني وينظر لي نظراته القاسية الساخرة لأني سأكلفه الكثير في العلاج- مع أنه والحمد لله له مركز مرموق، ولكنه لا يحب أن يصرف علينا شيئاً غير الأكل (وليس كلّه) والفواتير، أما الملابس والنزهات وغير ذلك من مظاهر الحياة "الآدمية" هو فلا يعترف به، وبالتالي تعوّدت ألا أطلب منه شيئاً وبالفعل كنت لا أجد لي عنده غير النظرات المعهودة وشعوره الدائم أن "الله ابتلاه بنا" و"أننا خلفة تكسف"، مع أنني والحمد لله على قدر كبير من الأخلاق والجمال والذكاء، لكنه دائماً ما كان يطلب مني ما هو فوق طاقتي، فكنت مثلاًً أذهب إلى البيت فرحة لأن نتيجتي ممتازة 98% وأنتظر نظرة الفخر التي ستكون لأول مرة أراها فكان يقول لي وأين ذهبت ال 2% الباقية؟؟!
كثيراً ما نهرني أمام الناس حتى لو كنت لم أخطئ واستهزأ بي وبتديني- مع انه متدين-، وتستمر نظراته ولفتاته المستخفة بي وبحياتي. أما أمي فهي والحمد لله حنونة، لكن لم أستفد من حنانها هذا شيئاً لأني ببساطة لا أحكي لهم عن نفسي؛ فأنا دائماً وحدي أمام شاشة الكمبيوتر لأنسى عالمي هذا حتى أنهم كثيراً ما ينهروني لبقائي على الانترنت لأكثر من 12 ساعة، وعندما يجبروني على الابتعاد عنه "آخذ ركناً" وأستمر في البكاء، ليس لأني تافهة يا سيدي الفاضل ولكنه الشيء الوحيد الذي يلهيني عنهم وعن مشاكلهم وعن أختي التي لا تفعل شيئاً في حياتها إلا أن تكلم حبيبها وأنا أتقطّع من الغيرة على أهل بيتي وأريدها أن تتوقف عن هذا، مع العلم أنها أكبر مني وأننا غير مقرّبتين بالمرة فبالكاد نتكلم في اليوم وأحياناً لا ننطق ببنت شفة ولا حتى نلقي السلام على بعضنا عندما أصادفها صدفة على سلم العمارة.
أمي كانت في فترة -أدعو الله أن تكون انتهت- تدخل على شبكة الانترنت وتضيف رجالاً وتكلّمهم وتخفي عنّا أشياء كثيرة، فكثيراً ما فزعت إذا رأتني أمسك هاتفها أو مثلما حدث في يوم أرسلت لي "إيميلاً" بالخطأ وأصرّت أن أعطيها كلمة السّر الخاص بي حتى تلغيه، شكوكي يا سيدي تزداد يوماً بعد يوم وتأكل في أحشائي، لكنّي من النوع الكتوم فلا أظهر ما أشعر به، أنا ذات جمال بارد- كما يقال لي- متحجر يخاف مني البعض والبعض الآخر لا يرتاح لي بسبب غموضي.
سيدي الفاضل، أنا لا أبكي ولن أبكي أمام أحدٍ أبداً حتى أهلي -خاصة أهلي-؛ اليوم أمي كانت مكتئبة وأخذت تبكي أمامي أنا وأختي على حالها وزواجها وأبنائها وأنا لم يرف لي جفن ولم أحتضنها مثلما فعلت أختي بل بالعكس فوجئت أنني أستخف بحزنها وأقول لنفسي أنّ حالها أحسن بكثير من حالي، فهي كما يقولون "شايفة نفسها" ومشهورة في مجالها ومحبوبة وكان أبواها -رحمهما الله- يعطيانها من الحنان الكثير... بينما أنا- لا شيء! منذ سنين عدة اختلقت شخصيةً وهميةً لتشد بأزري وهي معي حتى الآن والوحيدة التي تفهمني لأنها مثلي تماماً ولكن أقوى وأذكى، بعض الأحيان تكون لئيمة وتساعدني على الانتقام ولكني الآن منعتها- أو نفسي (كما تشاء وضعها أنت)- من ذلك لأنه حرام فأصبحت إذا حدثت لي إساءة شديدة نفسية أصمت ولا أبكي حتى أمام المرآة، وفي بعض الأحيان أضرب نفسي حتى لا أكون مثل الفتيات الصغيرات كثيرات النحيب.
أبي وأمي وأختي لهم معي مواقف كثيرة مؤلمة فبكائي لأمي -وهذا كان عزيز عليّ- لتقلع عن علاقاتها "العنكبوتية" لم تؤثر فيها، وكلامي المستمر مع أختي لتترك هذا "الحبيب" الذي لا يهتم لأمرها ولا يكسبها إلا الذنوب، وأبي الذي لم أشعر به كأب قط فأجد بعض الأحيان صديقاتي يقلن "أبي فعل لي كذا وكذا.." وأنا أكاد أتمزق بهذه المشاعر المحترقة بداخلي وأتهم نفسي بالسخف. أصبحت إنسانة متبلّدة المشاعر لا أبكي لبكاء الآخرين بل أحياناً أضحك، ولا أستطيع معانقة أمي أو صديقاتي- أو أيّاً من هذه الحركات- ولا حتى كلمة "وحشتيني"- أفضّل الموت على قولها لأحد-.
آسفة للإطالة، ولكني أريد معرفة هل يمكن أن أتغيّر؟؟ هل أنا الضحية أم المذنبة؟؟؟ هل هذا هو معنى الأبوة؟؟ هل هذا ما وجدت من أجله؟؟ هل يجب أن أنام كل يوم باكية ولا تشهد عليّ إلا وسادتي؟؟؟
وأخيراً..... يا آباء العالم اتقوا الله في أبنائكم الذين تحلمون بهم طيلة شبابكم، ولا تدمروا نفساً حتى لا تزيدوا العالم من أمثالي "المشوهون داخلياً"......
والسلام.
18/05/2008
رد المستشار
حضرة الأخت الكريمة حفظك الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
لو لم تذكري سنوات عمرك لحزرت أنها سبعة عشر عاماً. فإذا ما سألتِ كل الذين مروا بهذا العمر لوجدتِ أنهم كانوا مثلك حساسون جداً، أذكياء جداً، طموحون جداً، وذوو حجم أكبر من الكرة الأرضية... لا بل أكبر من المجموعة الشمسية!
نعم، إنه الشباب! بكل طاقته وحيويته، حساسيته، ضحكه ودموعه...
أود أن أخبرك فقط، بأنه كما أن أولادنا لا يجب أن يكونوا مثلنا، فهم مخلوقون للحياة؛ كذلك آباؤنا لا يجب أن يكونوا كالأولاد، فقد خلقوا لجيل آخر، وزمنٍ آخر و... مشاكل أخرى.
لقد خلقتِ في هذه الأرض كما كل الناس، لا للاستمتاع فحسب، بل للامتحان! فهنا دار الابتلاء، وهناك دار الحساب. "فمَن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومَن يعمل مثقال ذرة شراً يره..." و" بشّر الصابرين"... لم نُخلق لكي يقدم لنا الآباء والمجتمع وكل مَن حولنا كل ما يلزمنا، عندها أين الامتحان؟
أختي الكريمة يجب أن نكون سعداء في كل الظروف، مع آباء، وحتى إذا كنا أيتاماً، أغنياء أم فقراء، في المدارس أو خارجها. والحياة مليئة بالامتحانات لكل حسب حجمه ووزنه وروحه... وفي الآخرة اقرأ كتابك..
بالطبع كما يقال الأجر على قدر المشقة، فنحن نتمنى لكِ حياة بعضها مشقة ليزيد الأجر. احذري أن تقعي في الكآبة النفسية وفي إحساس العدائية للناس وللمجتمع.
كوني رسول سلام ومحبة، وبالواقع لم أسمع بأي رسول أتى إلا من قلب المعاناة!
أشكري الله على كل النِعَم التي تحيط بكِ، ولا تنظري إلى ما نقص منها فتقعي بالإحباط.
نتمنى لكِ حياة سعيدة جداً، وأن تكملي فيها رسالتكِ الإنسانية على أكمل وجه، وأن تكوني أماً صالحة تهتم بأولادها أكثر بكثير، وتنتقي لهم أباً صالحاً ومثالياً.
ألف تحية وسلام لكِ
اقرئي على مجانين:
الابنةُ المضطهدةُ ودبلوماسية العائلة ! مشاركة
ابنتنا ترسم معالم استراتيجية التعامل مع الوالدين
السير على حد السيف واستراتيجية ترقيق القلوب
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته