اكتئاب أم فصام وهل هناك احتمالات بارانويا؟
أنا أخشى أن يعرفني أحد من مشكلتي ولذلك أرجو اختصارها عند عرضها.
* بدأت المشكلة منذ طلاق أبي وأمي وأنا مازلت في شهور حياتي الأولى وتربيت مع أمي وحدي بينما أخوتي الأكبر مع أبي وأخي الذي يكبرني مباشرة أكبر مني بحوالي 7 سنوات ولذلك لم تكن هناك أي علاقة بيني وبين اخوتي وأصل المشكلة هي أمي التي تعاملني أسوأ معاملة.
الآن أشعر بأني لا أريد كتابة المزيد وأني تعبت ولكن سأجبر نفسي على الكتابة طلبا للمعونة والداي منفصلان منذ كان عمري شهرين، تربيت مع أمي ذات الطبيعة المتسلطة بعيدًا عن أخوتي الأكبر مني فهم مع أبي، وكانت أمي تضربني لأتفه الأسباب وكثيرا ما تهددني بالطرد من البيت إذا أخطأت وتجمع لي ملابسي وتقول لي اذهبي لأبيك ليربيك، وكانت تهددني بأخوتي فتقول لي بأنهم يكرهونني ويريدون إيذائي وكذلك أبي.
وفي مرة كنت أتحدث معها وكانت متضايقة ولكني لم ألحظ فهددتني بالسكين وجرت ورائي وضربتني به في ظهري، إلا أنني لم أصب بسوء وهي ترفض كل أصدقائي ولا تريدني أن أعرف سواها، وكثيرا تسبهم في التليفون ولا أستطيع أبدا توقع رد فعلها، فهي تقول لي اذهبي للنزهة مع أصدقائك فإذا رفضت للبقاء معها قالت أنت سيئة ومخادعة ولا تحبين الناس وتضحكين عليهم، وإذا ذهبت وعدت وجدتها غاضبة مني أشد الغضب، وإذا سألتها ما بالها، قالت اسألي نفسك ويعلم الله أني لم أفعل شيئا.
أما والدي فهو بخيل في مشاعره وماله وكل شيء، حتى إنه لم يكن يعرف في أي سنة أنا وكانت علاقتي به شبه مقطوعة، وأمي تسيطر عليّ سيطرة كاملة حتى أصبحت الآن لا أستطيع التفكير، وعندما يسألني أحد عن رأيي في شيء أجد عقلي فارغا كأنه صفحة بيضاء.
وقد كنت في العام الماضي أعاني من عدم التركيز الشديد، ودائما يضبطني أحدهم وأنا أحدث نفسي بصوت عال أو أشيح بيدي مثلا حتى في الشارع وأنا وحدي وأعيش في عالم الخيال، وهي ليست أحلام يقظة وإنما مع أناس أسمعهم وأراهم بعقلي ولا يهمني مقاطعة الناس، وإذا وجدت وسطهم فلا أتحدث معهم فعقلي في مكان آخر لا أستطيع السيطرة عليه.
وفي صغري لم أشعر بالأمان مرة واحدة، فعند النوم بجانب أمي أضع يدي على ظهرها لأتأكد أنها حية ولم تمت كما تهددني، وأخاف أن أعطيها ظهري وإلا قتلتني وكانت لا تفهم أبدًا أي شيء مني وكنت أحاول التفاهم معها بالهدوء وهي في غاية البرودة وعدم التفهم والسخرية، وكانت تقول لي:لا تتحدثي مع بنات خالاتك ولا أي أحد فأنت تحرضينهم على الحجاب مثلا وأهلهم لا يريدون ذلك ويعلم الله أني ملتزمة دينيا والآن أنا أكره أمي وأبي، وأخوتي كلهم سافروا بالخارج بعيدا عنهما.
وأنا لا أحب الزواج والمشكلة هي في كرهي لأبي وأمي فبالرغم من إساءتهما لنا جميعا إلا إن اخوتي يحبونهم إلا أنا فلا أو أنا لا أعلم فمشاعري متناقضة إزائهما في داخلي لا أريد أن يصابا بشيء ولكن بعقلي الواعي لا أريدهما وأتمنى موتهما والمشكلة الأساسية مع أمي لا أطيق صوتها حتى ودائما هي تدعو علي.
أحاول دوما الهروب منها لخارج البيت وهي تكره ذلك فأنا لا أستطيع حتى النظر لعينيها أحيانا أشعر أنني بأسلوبي المستفز في الحديث معها أنتقم منها وخصوصا أنها لا تملك الآن القدرة على ضربي مثلا ولكن نستمر بعدها لأسابيع لا نتحدث وفي نفس الوقت هي تعرضني للاضطهاد النفسي فإذا حاولت الخروج كنشاط مضاد للاكتئاب أخذت تدعو علي وتتهمني بأنني عديمة الفائدة والجدوى وأنها تتمنى موتي ولا تطيقني في بيتها وتؤكد علي ليل نهار أنني لن أنجح في أي شئ لا في زواج ولا دراسة ولا عمل لأنني أغضبها وأنا أصدق كلامها أشعر كأنه لعنة مسلطة علي وبالتالي بما أنها لا ترضى أبدا فهذه اللعنة ستستمر حتى موتها وبالتالي فلن أنجح في شئ وهذا ما يحدث أنتقل من عمل فاشل لآخر أفشل منه ولا أستطيع منذ سنتين التقدم لدراسة الماجستير وهو حلم حياتي وإذا قلت أنني ذاهبة للجامعة صاحت في بأن ما أفعله هباء ومن أظن نفسي وأنني لن أنجح إلا برضاها وأنا لا أستطيع الحصول عليه ولا تقل لي حاولي والله العظيم لا أستطيع حتى الكلام معها أشعر أني بينها وبينها ملايين السدود من الكراهية.
أنا الآن في حالة اضطهاد نفسي فمثلا لا يحق لي امتلاك أي شئ جديد فحجرتي بلا مروحة ولا تكييف وكنت أنام معها كما أفعل منذ صغري لأنها تمتلك التكييف في حجرتها فطردتني من حجرتها وألقت لي كل أشيائي في حجرتي لأنني لا أنظف سريري الذي في حجرتها ولها كل الحق ولكنني لا أستطيع حتى التنظيف ثم ألقت لي بمروحة قديمة تصدر ضجيج القطار لأنام عليها فأضطر للنوم على الأرض في الصالة وهكذا لا أملك حق تشغيل التكييف ولا أملك حق إخراج طعام من الثلاجة لطبخة بدون إذن منها وإذا جلست لمشاهدة التلفاز جاءت لتغير القناة فجأة وتقول لي قومي شوفي حاجة اعمليها.
ذهبت إلى معالج نفسي منذ سنة ولكن لا أستطيع الكلام معه وأظل صامتة وعقلي فارغ تماما كأنه صفحة بيضاء، أنا لم أنس ولكن عنده لا أستطيع الكلام وإذا حاول الضغط علي وجدتني في حالة قلق فظيعة لا أستطيع التقاط أنفاسي ولا أستطيع سماعه أو رؤيته ولا تفلح معي طرق الاسترخاء فحاول معي بالرسم والطرق الإسقاطية وأخبرني أنني لدي اكتئاب حاد.
هو الآن يريد إنهاء علاجي أعتقد لعدم قدرته على مساعدتي، أعلم أن أمي مريضة فهي نرجسية وإذا رأتني أحدث أحد اخوتي اعتقدت أن الكلام عليها وأننا نتحدث عنها بالسوء وإذا خرجت وترتكني في المنزل وعادت أكدت أنني قد سرقت أشيائها.
ولكن سؤالي: هل أنا شخصية فصامية بسبب طرق تربيتي؟ لقد استمررت حوالي 6 شهور لا أكلم أحدا، ولا أذهب إلى عملي وكان وزني 68 كجم نقص في 3 شهور إلى 53 كجم. وأحيانا أضع رأسي على الأرض حتى أتأكد فقط من أنني ما زلت في الدنيا وكنت أحيانا أجدني وأنا أقوم بشيء معين مثل الصلاة، بعد السلام مثلا أستمر جالسة لمدة ساعة لا أعلم ماذا أفعل أو أين عقلي ولا أتنبه إلا بعد وقت طويل.
كان هذا منذ حوالي 8 شهور أنا الآن أفضل كثيرا ولكنني لا أستطيع العمل ولا أستطيع التركيز في شئ أنا فاشلة تماما أشعر كأنني طفلة عمرها فقط 13 عاما ولا أستطيع التعامل على أنني كبيرة أريد أب بأي شكل حتى أنني أسقطت مشاعري على معالجي وأعتقد أن هذا ما يحول بيني وبين العلاج معه ولا يوجد غيره هل أنا في حاجة لعلاج دوائي، مع أنني لا أريده وأفضل الموت عليه؟ وهل أستمر في العلاج النفسي؟ هل سأصبح مع أولادي مثل أمي.
مع العلم أنني أصاب بحالة نفسية عند تقدم أحدهم لي، ومع العلم أني متقلبة المزاج بين العادي والمكتئب جدا
حتى أن كلمة واحدة تستطيع أن تغيرني ومن الصعب أن أعود عادية مرة ثانية وشكرا.
5/8/2003
رد المستشار
الأخت السائلة الكريمة: أهلا بك على صفحتنا أستشارات مجانين، ونعدك بأن نبقى سويا على اتصال إلى أن يوفقنا الله إلى وضعك على طريق التحسن، ونحن في البداية ألزمنا أنفسنا بأن نقول الحقيقة حتى ولو كانت مؤلمةً، لكننا نؤمنُ أن هذا هو واجبنا، كما نؤكد على أن أي تشخيص يمكنُ أن نصل إليه من خلال تحليلنا للنص المكتوب يمكنُ جدا أن يكونَ غير صحيح.
الحقيقة أن ما عانيته من آلام يفوق احتمال كثيرات، فأنت منذ الطفولة المبكرة تعيشين حياةً لا يمكنُ أن توصفَ بأنها حياة طبيعية، إلا أن ما يجبُ أن ننتبه إليه هو أن الاضطراب النفسي الذي تعانين منه الآن لا يمكن إرجاعه فقط إلى هذه الظروف، فمن الواضح أنك أيضًا ورثت جزءًا من التهيئة للاضطراب النفسي من والدتك، لأنه إذا كانَ وصفك لطريقة والدتك في التعامل معك صحيحًا فإنها هيَ نفسها بحاجةٍ إلى العلاج (من اضطراب الفصام في الغالب) لدى الطبيب النفسي، وربما احتاجت المعالج النفسي أيضًا ولكن ليس المعالج النفسي فقط لأنها غالبًا تحتاج إلى عقاقير دوائية لكي تتحسن، والمهم على كل حال هو أن نسأل عن كيفية العلاج المتاح لا عن الأسباب التي يبقى العلم بأبعادها لله وحده سبحانه.
المشكلة يا عزيزتي قد تكون واضحة الجذور والعنوان الذي اخترته أنت لرسالتك ولن نخالفك فيه وهو (أكتئاب أم فصام وهل هناك احتمالات بارانويا؟) إنما ينم عن التيه الكبير الذي عشت فيه وعاشه معك المعالج النفسي دون أي داع مع الأسف، فقد كان من المهم جدا أن يطلب منك إشراك طبيب نفسي في العملية العلاجية لأن ما تصفينه عن حالتك والأعراض التي تعانين منها يجعلنا في محاولتنا للتشخيص المبدئي أقرب لتشخيص العملية الفصامية منا لتشخيص الاكتئاب وليس هناك ما يمنع من وجود تواكبٍ مرضي بين الاضطرابين، لكن من المقبول من المعالج النفسي المتخصص في علم النفس أن يحاول علاج الاكتئاب دون الاستعانة بالطبيب النفسي، أما في حالات وجود الأعراض الذهانية (سواء في الاكتئاب أو الفصام) فإن ذلك غير مقبول، ومعنى ذلك أننا نقول عن حالتك كلاما كالكلام الذي قلناه على حالة والدتك المسكينة، إلا أنك أسعد حظا بكثيرٍ إن شاء الله فوجود أعراض الاكتئاب مع الفصام كثيرًا ما يشير إلى مآلٍ مرضي أفضل من وجود الفصام وحده.
ولكن وجود أعراض اضطراب ذهاني أيا كان لا يمكنُ أن يكتفي فيه المرء بالعلاج من خلال الإسقاط ولا الرسم ولا الإسترخاء إلى آخر هذه الطرق النفسية والتحليلية ولو ظل المعالج يعالج سنوات لا سنة واحدة، بالرغم من أن لهذه الطرق تشخيصاتٌ يستفيدُ أصحابها بل ويشفون تماما من خلالها بفضل الله ثم المعالج نفسه، لكن ما حدثَ معك كانَ تضييعًا للوقت لا جدال في ذلك.
فمن اللازم في مثل حالتك أن تتناولي مضادًا للذهان، وربما أحد مضادات الاكتئاب، ولذلك فإن ما يجبُ عليك لكي لا يصبح مصيرك لا قدر الله كمصير والدتك عافاها الله هو أن تذهبي إلى أقرب طبيبٍ نفسي أي مختص بالطب النفسي وليس بعلم النفس ويمكنك الرجوع إلى باب مصطلحات نفسية على موقعنا مجانين نقطة كوم لتعرفي الفرق بين علم النفس والطب النفسي وبين الطبيب النفسي وطبيب المخ والأعصاب وجراح المخ والأعصاب والمعالج النفسي إن لم تكوني على علمٍ بالفروق بين هؤلاء.
وأما سؤالك هل أنا شخصية فصامية بسبب طرق تربيتي؟
فلا أحد يستطيع الإجابة عليه لأن الأسباب ما تزال غير معروفة بالكامل وليس هناك سوى نظريات قد تبدو صادقة في بعض الحالات ولكنها لا يمكنُ أن توصفَ يومًا بأنها أكيدة، كما أن ما تعانين منه في الفترة الأخيرة والذي يظهرُ من قولك (لقد استمررت حوالي 6 شهور لا أكلم أحدا، ولا أذهب إلى عملي وكان وزني 68 كجم نقص في 3 شهور إلى 53 كجم) هو بوضوح اضطرابُ حالةٍ State وليس اضطراب سمات Traits في الشخصية أيا كان اسمها، والفرق بينَ السمات في مقابل الأعراض والعلاماتِ أو الحالات Symptoms and Signs or States (فالحالاتُ عبارةٌ عن مجموعةٍ من الأعراض والعلامات) فيعتمد على ثلاثةِ محكاتٍ:
* السماتُ توجدُ لدى كل فردٍ بينما الأعراض والعلامات لا توجدُ إلا لدى المريض أو المرضى فقط.
* تكونُ السماتُ منسجمةً نسبيا مع الأنا Egosytonic وقد تكون مؤلمةً أو مزعجةً للآخرين، بينما الأعراضُ والعلاماتُ مؤلمةٌ موجعةٌ غالبًا للمريض Egodystonic ولأصدقائه أو ذويه.
* السماتُ باقيةٌ ثابتةٌ نسبيا، بينما الأعراضُ والعلاماتُ زائلةٌ عابرةٌ نسبـيًّـا وقابلةٌ أكثر للعلاج.
قد تكونُ هذه الحالة فصامًا وقد تكون اكتئابًا ذهانيا، وقد تكونُ اكتئابًا مواكبًا للفصام لكنها لا يصح بالتأكيد أن توصف بأنها اضطراب شخصية، فاضطراب سمات الشخصية هو اضطرابٌ يعيشُ الشخص معه ويمارس حياته (برغم المعاناة له وللآخرين) في حدود مستوى معين من الأداء، ولكن أن تبقي في البيت ستة أشهر لا تكلمينَ أحدًا ويهبط وزنك 15 كيلوجرام خلال ثلاثة شهور، فهذا ما لا يستساغ معه السؤال عن اضطراب الشخصية، فأنت الآن في حاجةٍ إلى العلاج العاجل لأن جزءًا كبيرًا من معاناتك يمكن بفضل الله أن يزول باستخدام العقاقير التي لا تسببُ لا الإدمان ولا التعود، ويمكنك الرجوع إلى قسم شبهات وردود على موقعنا لتقرئي عن المفاهيم المغلوطة عند الناس عن الأدوية النفسية.
ولا يصح أن تقولي هل أنا في حاجة لعلاج دوائي، مع أنني لا أريده وأفضل الموت عليه؟ لأن العقار هنا سينقذ حياتك بفضل الله، وأما الاستمرار في العلاج النفسي فمهمٌ ولكن بعد أن تزول الحالة يمكنُ عند ذلك أن نبحثَ هل هناك اضطرابُ شخصيةٍ أم لا، فإذا وفقك الله وهداك إلى الطريق الصحيح فإن شاء الله لن تكون علاقتك بأبنائك مضطربةً مثلما كان حال والدتك التي يمكنُ أيضًا أن تعالج إذا هداها الله ووافقت على التعاون مع الطبيب المعالج.