حيرة أم في ظل التوحد
السلام عليك ورحمة الله وبركاته؛
الأخ الكريم الدكتور علاء مرسي،
أخي الكريم.. قرأت جوابك على رسالتي منذ يومين والذي ظهر تحت عنوان: حيرة أم في ظل التوحد ولكني لم اكتب لك حتى الآن، أردت أن أعطي نفسي الفرصة في التفكير في كثير من المفاهيم التي عرضتها، وأشكرك شكرا نابعا من قلبي على أسلوبك الجميل والعميق، وإيرادك للآيات القرآنية في موقعها ورغم أننا كمسلمين نعلم هذه الآيات والمفاهيم التي تطرقها إلا أننا في ساعة الأنين والشكوى لا نحس وإنما يكون تركيزا هو على الإحساس بالشفقة للذات والنقمة على الوضع الحالي وهذا من ابتلاء الله تعالى لنا..
قلت لي عسى أن يكون هذا الابتلاء وهو إصابة ابنتي بالتوحد هو خير من ناحية أنني قد أفيد غيري بالمعلومات والخبرة التي اكتسبتها في هذا المجال، وسبحان الله هذا هو نفس الكلام الذي قالته لي صديقتي هنا، قالت لي يا منى أنت بوجودك هنا في أمريكا وحضور العديد من الكورسات والدورات في هذا المجال بالإضافة إلى قراءتك في الكتب العلمية باللغة الإنكليزية تستطيعين أن تعيني هؤلاء العوائل الذين لا يتمكنون من اللغة وبالتالي يفقدون الكثير من المعلومات، وكان هذا فعلا ما فعلته فكتبت المقالات واشتركت في السبورت كروبس مع العوائل الأمريكية، ولكن هذا كله جانب من العملة والوجه الآخر هو أن هذا نوع من الشجاعة الخارجية وإنما من الداخل أنا دائما أحس أنني مقصرة.
تفسيري الشخصي لذلك هو قناعتي أنني أستطيع أن افعل أكثر وأقدم أكثر لبناتي وللناس ولكني أقع في كثير من الأحيان في دوامة الكآبة النفسية، ومن ثم أحس أنني لو أنني اعمل مع ابنتي ذات الأعوام الثلاثة أكثر مما فعلت وافعل لكان عندها الآن نوع من أنواع الاتصال.. كامرأة درست هذا المرض أنا أفهم أن الأمر ليس بيدي وأنني قمت بما أقدر عليه ولكن كأم فإن الندم والحسرة يأكلانني.. والإحساس بأنني أنا المقصرة والمذنبة في هذا المجال.
بالنسبة لموضوع الاختلاط بالعوائل ذوي الأطفال السليمين فأقول لك بحق وصدق حاولت كثيرا وأنا وزوجي العزيز ذوا طبيعة كريمة جدا ولكن في هذا الأمر ليس الأمر بيدنا وهو مؤلم جدا. يضيف إحساس الصعوبة هو نظرة المجتمع (العربي خصوصا) بكل أسف إلى الطفل المعاق جسديا أو عقليا، نظرة لا تمت إلى الإسلام بصلة، فمن إحساس بالشفقة إلى إحساس بالتقزز والنفور إلى إحساس بأن هذا الطفل مجنون وفاقد للعقل وهذا ما يؤدي إلى رغبة من العائلة بحماية أطفالها من أطفالي وكان أولادي سيأكلونهم!
بالإضافة إلى ذلك عندما تعلم العوائل بالإعاقة يميلون إلى لوم الأم والأب وإعطاء النصائح البليدة التي لا تمت إلى الوضع بصلة، اضرب لك مثلا، ابنتي تأخرت في المشي إلى عمر سنتين ومع تلك الفترة كانت تأتيني النصائح: مشيها يا ابنتي، أعطها برتقالة في اليوم حتى تتقوى، أخرجيها بالشمس واكشفي ساقيها ساعتين ونصف، وأنا لا أنكر أن لبعض النصائح وقع وصدى صحيح ولكن ليس في حالة التأخر في النمو التطوري (إن شاء الله خلال مدة قصيرة سينشر لي قصة في إسلام اون لاين تتكلم عن نظرة المجتمع العربي للطفل ذا الحاجات الخاصة)..
كذلك إن كان المجتمع من حولي على علم بكل ما تمر فيه ابنتي فسينظرون إليهما على أنهما (عليهما ماركة) وإذا قدر الله تعالى أن تكبرا وأن تبدوا نوعا ما نورمال أي طبيعية ولكن الناس لن ترحمهما وسينظرون إليهما على أنهما معاقتان مهما حصل، بالإضافة إلى نظرات الشفقة وأنا لا أريد لأحد أن يشفق على ابنتي عداي أنا ووالدهما فقط.
دعم اجتماعي من المجتمع، لا أتوقعه من أحد إن لم يكن يعاني من نفس المشكلة، ربما يكون هذا الأمر فيه نوع من الظلم ولكن هذا ما أراه الأنسب في ظل الأسباب التي ذكرتها لك سابقا..
دعم من قبل أهلي هذا أيضا يشكل إشكالية فانا في أمريكا وأهلي في بلدهم- أمي لا تعرف بمشاكل بناتي وأنا لم أرها منذ سنين- لم أعلمها لأنها عندها مشاكل صحية وأنا لا أريد أن أتعبها كما أن الاتصالات معها دائما صعبة (هم يسكنون في العراق)، ولهذا فانا سأضرها لا أنفعها إن قلت لها، رغم أنني أيضا هنا أحس بالذنب لأني أعلم أن من حقها أن تعلم وأنها متى ما علمت ستغضب مني جدا لإخفاء شيء مثل هذا عنها، ولكني أترك تلك المشكلة لحينها..
سألتني يا أخي الكريم عن زوجي، وأقول لك لولا أنني وزوجي نحب بعضنا البعض لما استمررنا في الحياة الزوجية بعد كل تلك الأعاصير التي مرت بنا (حقيقة هي أنه سبعين بالمائة من عوائل الأطفال ذوي الحاجات الخاصة ينتهي بهم المطاف إلى الطلاق والعياذ بالله). هو متفهم ومتعاون ولكن ظروفه لا تمكنه أن يساعدني قدر الإمكان فهو يعمل ويدرس في نفس الوقت، وهذا ما أدى إلى عدم تواجده في البيت في الكثير من الأحيان، لكنه يشجعني كثيرا معنويا، لكن بسبب مشاغله الكثيرة أنا لا أشاركه بكثير من متاعبي النفسية فهو عنده ما يكفيه وأنا لا أريد أن أثقل عليه أكثر مما هو مثقل.
أشكرك مرة أخرى أيها الدكتور الفاضل على سرعة ردك وأدعو الله أن يستمر التواصل بيننا عبر الموقع، وللمسئولين عن موقع مجانين أقول:
الأخوة الكرام.. سلام من الله إليكم، في البداية أحب أن أخبركم كم هي سعادتي بهذا المشروع الذي تقومون فيه وخاصة من ناحية ربط العلم بالدين وإظهار الصلة الشديدة بين تعاليم الدين الإسلامي ومشاكل الإنسان النفسية والعصبية.
أخوتي الكرام.
عندي اقتراح وأرجو أن ينال قبولكم، أنا أم لطفلتين مصابتين بالتوحد -بعض الناس قد يعتر هذا المرض مرض عصبي أو تطوري- وصار لي أكثر من سنتين ونصف وأنا محاطة بهذه البلية والله المستعان، حضرت العديد من المؤتمرات والكورسات في هذا المجال وخاصة انه هنا في أمريكا المجال مفتوح بشكل جميل والحمد لله، خلال العامين الماضيين كنت اكتب في بعض الأحيان في إسلام اون لاين حول التوحد ونشرت بعض مقالاتي في مجلة المجتمع الكويتية بحمد الله.
كنت قد اقترحت في السابق على إسلام اون لاين قسم الأطفال ذوي الحاجات الخاصة أن نعمل نوع من support group ونجح الأمر لمرات معدودة فتم الاتصال عبر الايميل ما بيني وبين بعض أهل أطفال التوحد ولكن لم يستمر الأمر طويلا، وها أنا ذا اكرر اقتراحي ذاته. هل من الممكن أن نكون عن طريق صفحاتكم بابا للتواصل ما بين أهل أصحاب الأطفال ذوي الحاجات الخاصة، لا اعتقد أنني احتاج أن أبين لكم أهمية الدعم النفسي لهؤلاء العوائل.
أنا هنا في أمريكا اشتركت في العديد من هذه البرامج الداعمة للأهل ولكن كان فيها عنصر هام جدا مفقود، لم يكن هناك أي كلام حول دخل الدين في التغلب والصبر على تلك الفترة أو الفترات العصيبة، كان هناك دائما شئ مفقود وناقص وإحساس بالفراغ.
فعلا أتمنى أن يكون بالإمكان جعل نوع أو طريقة ما لا اعرف كيف ولكن شئ ما يجعلنا نحس أننا متصلين وأن الهم واحد وأن الجرح واحد وهذا شئ مهم، أنا أتكلم من خبرة - أنا خريجة علوم إسلامية وعلم النفس وكنت بفضل الله تعالى الأولى على دفعتي، وبعد ذلك صار عندي خبرة من الحياة اليومية عندما رزقني الله تعالى بطفلتين متوحدتين، أنا اعرف الألم والوحدة والغضب الذي يعاني منه هؤلاء الناس، ولهذا أتقدم لكم بهذا الطلب وفعلا أرجو أن تجدوه مناسبا.
أشكركم يا أخوتي الكرام على إتاحة الفرصة لنا لإرسال هذه الاقتراحات، وبارك الله فيكم والسلام ختام.
منى عبد الهادي
28/11/2003
رد المستشار
سيدتي العزيزة "منى":
إن في قصتك ما يلهم الكثير منا على تحمل ما تأتي به الأيام من نقص في الأموال والأنفس والثمرات، أعتقد أننا جميعا نستلهم منك الشجاعة والصبر والجلد، على الأقل هذا حقيقي من ناحيتي الشخصية، من ناحية وعى العرب والمسلمين لاحتياجات أطفال كأطفالك فنحن بحاجة ماسة إلى التثقيف والعلم في هذه المسائل وأنت ومن في مثل موقفك اقدر الناس على تعليمنا ما ينبغي أن نتعلمه، ليس بمقدورنا تغيير ما قد حدث ولكن واجبنا هو أن نبحث عن كيفية استفادتنا واستفادة الآخرين من هذا، أي ما هو اليسر الذي بداخل أو يصاحب هذا العسر؟
لقد أكدت صديقتك ما قلته لك من أن خبرتك يمكنها أن تفيدنا جميعا وأن تفيد العائلات الأخرى التي تواجه نفس الموقف أو مواقف مشابهة، وهاأنذا أؤكد هذا مرة أخرى. تذكري يا أختي الكريمة أن ما تركزين عليه من معان في أي شيء هو الذي سيحدد كيف سيكون إحساسك وشعورك في أي شئ.
إن رفقك بزوجك وبوالدتك شيء يشاد به ولكن لا بأس من أن تحصلي منهما على شيء من الدعم من حين لآخر إن أمكن، لا أعتقد أنك مقصرة في حق ابنتيك وإن كان هناك تقصير فهو غير مقصود وهو نتيجة طبيعية وبديهية لتركيزك على المشكلة بدلا من تركيزك على ما يمكنك فعله وتعلمه وإفادة نفسك وابنتيك والآخرين به، لا باس من أن تحصلي على الدعم من العائلات الأمريكية المماثلة وأرجو أن تثقي بان دور الإيمان بالله لا يختلف بأي حال من الأحوال باختلاف الديانات والعقائد.
ففي كل الديانات لمحة من الإسلام في أننا (كل البشر) نسلم أمرنا للحكمة الإلهية ولو لم نفهمها في كثير من الأحيان، من ناحية إحساس الآخرين بالشفقة فلا مناص من أن يحدث هذا ولا بد من أن تتخطي هذا وتركزي على تنمية ما يمكن تنميته من مهارات أو قدرات في ابنتيك على قدر المستطاع.. حولي شفقتهم إلى انبهار بما يمكن تحقيقه مع ومن الطفل ذي الاحتياجات الخاصة.
أرجو أن تتخلي تماما عن ما تسمينه بإحساسك كأم والذي يسبب لك الكآبة والذنب... بم يفيدك هذا؟؟؟ بماذا يفيد ابنتيك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ افعلي ما يمكنك فعله ودعي الباقي لله، وفقنا الله وإياك لما فيه الخير والصواب.
** ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخت العزيزة السائلة أهلا وسهلا بك، ونشكرك على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين، ما أود إضافته فقط بعد إجابة الأخ الزميل الأستاذ علاء مرسي، هو فقط أن أعدك بأن نضع ما اقترحته علينا في خطتنا القريبة إن شاء الله، وأهلا وسهلا بك دائما، فتابعينا بالتطورات وشاركينا بالآراء.
ويتبع .>>>>>>>>: حيرة أم في ظل التوحد م1